[آل عمران : 26] قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ونزلت لما وعد صلى الله عليه وسلم أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون هيهات: (قل اللهم) يا الله (مالك الملك تؤتي) تعطي (الملك من تشاء) من خلقك (وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء) بإيتائه (وتذل من تشاء) بنزعه منه (بيدك) بقدرتك (الخير) أي والشر (إنك على كل شيء قدير)
قوله تعالى قل أللهم مالك الملك الآية أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك الروم وفارس في أمته فأنزل الله قل اللهم مالك الملك الآية
قال أبو جعفر: أما تأويل: "قل اللهم"، فإنه: قل يا محمد: يا الله.
واختلف أهل العربية في نصب ميم "اللهم"، وهو منادى، وحكم المنادى المفرد غير المضاف الرفع، وفي دخول الميم فيه، وهو في الأصل الله بغير ميم.
فقال بعضهم: إنما زيدت فيه الميمان، لأنه لا ينادى بـ يا كما ينادى الأسماء التي لا ألف فيها ولا لام. وذلك أن الأسماء التي لا ألف ولا لام فيها تنادى بـ يا كقول القائل: يا زيد، ويا عمرو. قال فجعلت الميم فيه خلفاً من يا، كما قالوا: فم، وابنم ، وهم، وزرقم، وستهم، وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التي يحذف منها الحرف، ثم يبدل مكانه ميم. قال: فكذلك حذفت من "اللهم" يا التي ينادى بها الأسماء التي على ما وصفنا، وجعلت الميم خلفاً منها في آخر الاسم.
وأنكر ذلك من قولهم آخرون، وقالوا: قد سمعنا العرب تنادي "اللهم" بـيا كما تناديه ولا ميم فيه. قالوا: فلو كان الذي قال هذا القول مصيباً في دعواه، لم تدخل العرب يا، وقد جاؤوا بالخلف منها. وأنشدوا في ذلك سماعاً من العرب:
وما عليك أن تقولي كلما صليت أو كبرت يا أللهما
اردد علينا شيخنا مسلما
ويروى: سبحت أو كبرت. قالوا: ولم نر العرب زادت مثل هذه الميم إلا مخففة في نواقص الأسماء مثل: الفم، وابنم، وهم، قالوا: ونحن نرى أنها كلمة ضم إليها أم، بمعنى: يا الله أمنا بخير، فكثرت في الكلام فاختلطت به. قالوا: فالضمة التي في الهاء من همزة أم، لما تركت انتقلت إلى ما قبلها. قالوا: ونرى أن قول العرب: هلم إلينا، مثلها. إنما كان هلم، هل ضم إليها أم، فتركت على نصبها. قالوا: من العرب من يقول إذا طرح الميم: يا الله اغفر لي و يا ألله اغفر لي بهمز الألف من الله مرة، ووصلها أخرى. فمن حذفها أجراها على أصلها، لأنها ألف ولام، مثل الألف واللام اللتين يدخلان في الأسماء المعارف زائدتين. ومن همزها توهم أنها من الحرف، إذ كانت لا تسقط منه، وأنشدوا في همز الألف منها:
مبارك هو ومن سماه على اسمك اللهم يا ألله
قالوا: وقد كثرت اللهم في الكلام، حتى خففت ميمها في بعض اللغات. وأنشدوا:
كحلفة من أبي رياح يسمعها اللهم الكبار
والرواة تنشد ذلك:
يسمعها لاهه الكبار
وقد أنشده بعضهم:
يسمعها الله والله كبار
قال أبو جعفر: يعني بذلك: يا مالك الملك، يا من له ملك الدنيا والآخرة خالصاً دون غيره، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قوله: "قل اللهم مالك الملك"، أي رب العباد الملك، لا يقضي فيهم غيرك.
وأما قوله: "تؤتي الملك من تشاء"، فإنه يعني: تعطي الملك من تشاء، فتملكه وتسلطه على من تشاء.
وقوله: "وتنزع الملك ممن تشاء"، يعني: وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه، فترك ذكر أن تنزعه منه، اكتفاءً بدلالة قوله: "وتنزع الملك ممن تشاء"، عليه، كما يقال: خذ ما شئت، وكن فيما شئت، يراد: خذ ما شئت أن تأخذه، وكن فيما شئت أن تكون فيه، وكما قال جل ثناؤه: "في أي صورة ما شاء ركبك" [الانفطار: 8]، يعني: في أي صورة شاء أن يركبك فيها ركبك.
وقيل إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جواباً لمسألته ربه أن يجعل ملك فارس والروم لأمته. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: وذكر لنا: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه جل ثناؤه أن يجعل له ملك فارس والروم في أمته، فأنزل الله عز وجل: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء" إلى "إنك على كل شيء قدير"".
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قال. ذكر لنا والله أعلم: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه عز وجل أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، ثم ذكر مثله.
وروي عن مجاهد أنه كان يقول: معنى الملك في هذا الموضع: النبوة.
ذكر الرواية عنه بذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء"، قال: النبوة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: "وتعز من تشاء"، بإعطائه الملك والسلطان، وبسط القدرة له، "وتذل من تشاء" بسلبك ملكه، وتسليط عدوه عليه، "بيدك الخير"، أي: كل ذلك بيدك وإليك، لا يقدر على ذلك أحد، لأنك على كل شيء قدير دون سائر خلقك، ودون من اتخذه المشركون من أهل الكتاب والأميين من العرب إلهاً ورباً يعبدونه من دونك، كالمسيح والأنداد التي اتخذها الأميون رباً، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قوله: "تؤتي الملك من تشاء"، الآية، أي: إن ذلك بيدك لا إلى غيرك، "إنك على كل شيء قدير"، أي: لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك.
قال علي رضي الله عنه : " قال النبي صلى الله عليه وسلم : لما أراد الله تعالى أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن يا رب تهبط بنا دار الذنوب وعلى من يعصيك فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا يقراكن عبد عقب كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه ، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة ، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ". وقتال معاذ بن جبل :
احتسبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يوما فلم أصل معه الجمعة فقال : " يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة قلت : يا رسول الله ، كان ليوحنا بن باريا اليهودي على أوقته من تبر وكان على بابي يرصدني فأشفقت أن يحبسني دونك . قال : أتحب يا معاذ أن يقضي الله دينك قلت نعم . قال قل كل يوم قل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا لأداه الله عنك" . خرجه أبو نعيم الحافظ ، أيضا عن عطاء الخراساني أن معاذ بن جبل قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات من القرآن ، أو كلمات ما في الأرض مسلم يدعو بهن وهو مكروب أو غارم أو ذو دين إلا قضى الله عنه وفرج همه ، احتبست عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . غريب من حديث عطاء أرسله عن معاذ وقال ابن عباس وأنس بن مالك .
لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وامنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقيل : نزلت دامغة لباطل نصارى أهل نجران في قولهم : إن عيسى هو الله ، وذلك أن هذه الأوصاف تبين لكل صحيح الفطرة أن عيسى ليس في شيء منها . قال ابن إسحاق : أعلم الله عز وجل في هذه الآية بعنادهم وكفرهم ، وأن عيسى صلى الله عليه وسلم وإن كان الله تعالى أعطاه آيات تدل على نبوته من إحياء الموتى وغير ذلك فإن الله عز وجل هو المنفرد بهذه الأشياء ، من قوله:" تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء " .وقوله " تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب" . فلو كان عيسى إلها كان هذا إليه ، فكان في ذلك اعتبار وآية بينة .
قوله تعالى : " قل اللهم" اختلف النحويون في تركيب لفظة اللهم بعد إجماعهم أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة ، وأنها منادى ، وقد جاءت مخففة الميم في قول الأعشى :
كدعوة من أبي رباح يسمعها اللهم الكبار
قال الخليل وسيبوية وجميع البصريين : إن أصل اللهم يا الله ، فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو يا جعلوا بدله هذه الميم المشددة فجاؤوا بحرفين وهما الميمان عوضا من حرفين وهما الياء والألف ، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد . وذهب الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا الله أمنا بخير ، فحذف وخلط الكلمتين ، وأن الضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنها لما حذفت الهمزة انتقلت الحركة . قال النحاس : هذا عند البصريين من الخطأ العظيم ، القول في هذا ما قاله الخليل وسيبوه . قال الزجاج : محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء المفرد ، وأن يجعل في اسم الله ضمة أم ، هذا إلحاد في اسم الله تعالى . قال ابن عطية : وهذا غلو من الزجاج ، وزعم أنه ما سمع قط يا الله أم ، ولا تقول العرب يا اللهم . وقال الكوفيون : إنه قد يدخل حرف النداء على اللهم وأنشدوا على ذلك قول الزاجر :
غفرت أو عذبت يا اللهما
آخر :
وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهم ما
اردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدما
آخر :
إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما .
قالوا : فلو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعا . قال الزجاج : وهذا شاذ ولا يعرف قائله ، ولا يترك له ما كان في كتاب الله وفي جميع ديوان العرب ، وقد ورد مثله في قوله :
هما نفثا في في من فمويهما على النابح العاوي اشد رجام
قال الكوفيون : وإنما تزاد الميم مخففة في فم وابنم ، وأما ميم مشددة فلا تزاد . وقال بعض النحويون : ما قاله الكوفيون خطا ، لأنه لو كان كما قالوا كان يجب أن يقال : اللهم ويقتصر عليه لأنه معه دعاء . وأيضا فقد تقول : أنت اللهم الرزاق . فلو كان كما ادعوا لكنت قد فصلت بجملتين بين الابتداء والخبر . قال النضر بن شميل : من قال اللهم فقد دعا الله تعالى بجميع أسمائه كلها . وقال الحسن : اللهم تجمع الدعاء .
قوله تعالى : مالك الملك : قال قتادة : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل أن يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله هذه الآية . وقال مقاتل : سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له ملك فارس والروم في أمته ، فعلمه الله تعالى بأن يدعو بهذا الدعاء . وقد تقدم معناه .
ومالك منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان ، ومثله قوله تعالى : قل اللهم فاطر السماوات والأرض . ولا يجوز عنده أن يوصف اللهم ، لأنه قد ضمت إليه الميم . وخالفه محمد بن يزيد وإبراهيم بين السري الزجاج فقالا : مالك في الإعراب صفة لاسم الله تعالى ، وكذلك فاطر السماوات والأرض . قال أبو علي ، هو مذهب أبي العباس المبرد ، وما قاله سيبوية أصوب وأبين ، وذلك أنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد اللهم لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت ، والأصوات لا توصف ، نحو غاق وما أشبهه . وكان حكم الاسم المفرد ألا يوصف وإن كانوا قد وصفوه في مواضع . فلما ضم هنا ما لا يوصف إلى ما كان قياسه ألا يوصف صار بمنزلة صوت ضم إلى صوت ، نحو حيهل فلم يوصف . و الملك : هنا النبوة ، عن مجاهد . وقيل ، الغلبة . وقيل : المال والعبيد . الزجاج : المعنى مالك العباد وما ملكوا . وقيل : المعنى مالك الدنيا والآخرة . ومعنى تؤتي الملك أي الإيمان والإسلام . من تشاء أي من تشاء أن تؤتيه إياه ، وكذلك ما بعده ، ولا بد فيه من تقدير الحذف ، أي وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه ، ثم حذف هذا ، وانشد سيبويه .
ألا هل لهذا الدهر من متعلل على الناس مهما شاء بالناس يفعل .
قال الزجاج : مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل . وقوله وتعز من تشاء يقال : عز إذا علا وقهر وغلب ، ومنه ، وعزني في الخطاب . وتذل من تشاء . ذل يذل ذلا إذا غلب وعلا وقهر . قال طرفة :
بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ذليل بأجماع الرجال ملهد .
بيدك الخير : أي بيدك الخير والشر فحذف ، كما قال : سرابيل تقيكم الحر وقيل : خص الخير لأنه موضع دعاء ورغبة في فضله . قال النقاش : بيدك الخير ، أي النصر والغنيمة . وقال أهل الإشارات : كان أبو جهل يملك المال الكثير ، ووقع في الرس يوم بدر ، والفقراء صهيب وبلال وخباب لم يكن لهم مال ، وكان ملكهم الإيمان قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء تقيم الرسول يتيم أبي طالب على رأس الرس حتى ينادي أبدانا قد انقلبت إلى القليب : يا عتبة ن يا شيبة تعز من تشاء وتذل من تشاء اي صهيب ، أي بلال ، لا تعتقدوا أنا منعناكم من الدنيا ببغضكم . بيدك الخير ما منعكم من عجز " إنك على كل شيء قدير " . إنعام الحق عام يتولى من يشاء .
يقول تبارك وتعالى: "قل" يا محمد معظماً لربك وشاكراً له ومفوضاً إليه ومتوكلاً عليه "اللهم مالك الملك" أي لك الملك كله "تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء" أي أنت المعطي, وأنت المانع, وأنت الذي ما شئت كان, وما لم تشأ لم يكن وفي هذه الاية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة, لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي الأمي المكي, خاتم الأنبياء على الإطلاق, ورسول الله إلى جميع الثقلين: الإنس والجن, الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله, وخصه بخصائص لم يعطها نبياً من الأنبياء, ولا رسولاً من الرسل في العلم بالله وشريعته, واطلاعه على الغيوب الماضية والاتية, وكشفه له عن حقائق الاخرة, ونشر أمته في الافاق في مشارق الأرض ومغاربها, وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع, فصلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار. ولهذا قال تعالى: "قل اللهم مالك الملك" الاية, أي أنت المتصرف في خلقك, الفعال لما تريد, كما رد تعالى على من يحكم عليه في أمره حيث قال "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم", قال الله رداً عليهم "أهم يقسمون رحمة ربك" الاية, أي نحن نتصرف فيما خلقنا كما نريد بلا ممانع ولا مدافع, ولنا الحكمة البالغة, والحجة التامة في ذلك, وهكذا يعطي النبوة لمن يريد, كما قال تعالى: "الله أعلم حيث يجعل رسالته" وقال تعالى: "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض" الاية, وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة إسحاق بن أحمد من تاريخه, عن المأمون الخليفة, أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوباً بالحميرية, فعرب له, فإذا هو بسم الله ما اختلف الليل والنهار, ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملك قد زال سلطانه إلى ملك. وملك ذي العرش دائم أبداً ليس بفان ولا بمشترك. وقوله تعالى: "تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل" أي تأخذ من طول هذا فتزيده في قصر هذا, فيعتدلان, ثم تأخذ من هذا في هذا فيتفاوتان, ثم يعتدلان, وهكذا في فصول السنة ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاء, وقوله تعالى: "وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي" أي تخرج الزرع من الحب, والحب من الزرع, والنخلة من النواة, والنواة من النخلة, والمؤمن من الكافر, والكافر من المؤمن, والدجاجة من البيضة, والبيضة من الدجاجة, وما جرى هذا المجرى من جميع الأشياء "وترزق من تشاء بغير حساب" أي تعطي من شئت من المال ما لا يعد ولا يقدر على إحصائه, وتقتر على آخرين لما لك في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة والعدل قال الطبراني : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي , حدثنا جعفر بن جسر بن فرقد , حدثنا أبي عن عمرو بن مالك , عن أبي الجوزاء , عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الاية من آل عمران " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " ".
قوله 26- "قل اللهم". قال الخليل وسيبويه وجميع البصرين: إن أصل اللهم يا ألله، فلما استعملت الكلمة دون حرف الندا الذي هو يا جعلوا بدله هذه الميم المشددة فجاءو بحرفين وهما الميمان عوضاً من حرفين وهما الياء والألف، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد. وذهب الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير، فحذف وخلط الكلمتان، والضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفت الهمزة انتقلت الحركة. قال النحاس: هذا عند البصريين من الخطأ العظيم، والقول في هذا ما قاله الخليل وسيبويه. قال الكوفيون: وقد يدخل حرف النداء على اللهم، وأنشدوا في ذلك قول الراجز:
غفرت أو عذبت يا اللهما
وقول الآخر:
وما عليك أن تقول كلما سبحت أو هللت ياللهما
وقول الآخر:
إني إذا ما حدث ألما أقول ياللهم ياللهما
قالوا: ولو كان الميم عوضاً من حرف النداء لما اجتمعنا. قال الزجاج: وهذا شاذ لا يعرف قائله. قال النضر بن شميل: من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه. قوله "مالك الملك" أي مالك جنس الملك على الإطلاق، ومالك منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان، أي يا مالك الملك، ولا يجوز عنده أن يكون وصفاً لقوله "اللهم" لأن الميم عنده تمنع الوصفية. وقال محمد بن يزيد المبرد وإبراهيم بن السري الزجاج: إنه صفة لاسم الله تعالى، وكذلك قوله تعالى "قل اللهم فاطر السموات والأرض". قال أبو علي الفارسي: وهو مذهب المبرد، وما قاله سيبويه أصوب وأبين، وذلك لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت والأصوات لا توصف نحو غاق وما أشبهه. قال الزجاج: والمعنى مالك العباد وما ملكوا، وقيل المعنى مالك الدنيا والآخرة، وقيل الملك هنا: النبوة، وقيل: الغلبة، وقيل: المال والعبيد. والظاهر شموله لما يصدق عليه اسم الملك من غير تخصيص "تؤتي الملك من تشاء" أي: من تشاء إيتاءه إياه "وتنزع الملك ممن تشاء" نزعه منه. والمراد بما يؤتيه من الملك وينزعه هو نوع من أنواع ذلك الملك العام. قوله "وتعز من تشاء" أي في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما، يقال عز: إذا غلب، ومنه "وعزني في الخطاب". وقوله "وتذل من تشاء" أي في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما، يقال ذل يذل ذلاً: إذا غلب وقهر. قوله "بيدك الخير" تقديم الخبر للتخصيص: أي بيدك الخير لا بيد غيرك، وذكر الخير دون الشر، لأن الخير بفضل محض بخلاف الشر فإنه يكون جزاء لعمل وصل إليه، وقيل لأن كل شر من حيث كونه من قضائه سبحانه هو متضمن للخير فأفعاله كلها خير، وقيل إنه حذف كما حذف في قوله "سرابيل تقيكم الحر" وأصله بيدك الخير والشر، وقيل خص الخير لأن المقام مقام دعاء. قوله "إنك على كل شيء قدير" تعليل لما سبق وتحقيق له.
26-قوله تعالى:"قل اللهم مالك الملك " قال قتادة ذكر أن النبيى صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في امته فانزل الله تعالى هذه الاية . وقال ابن عباس رضي الله عنهما وانس بن مالك رضي الله عنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد امته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود : هيهات هيهات من اين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم ؟ وهم اعز وامنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله هذه الآية "قل اللهم" قيل: معناه يالله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ، وقال قوم : للميم فيه معنى ، ومعناها ياالله أمنا بخير أي : اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم : هلم الينا ، كان أصله هل ام الينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافاً وربما خففوا أيضاً فقالوا: لاهم ، قوله "مالك الملك" (يعنى يامالك الملك) أي مالك العباد وما ملكوا ، وقيل يا مالك السموات والأرض ، وقال الله تعالى في بعض الكتب: أنا الله ملك الملوك ، ومالك الملوك وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد اطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم.
قوله تعالى:" تؤتي الملك من تشاء" قال مجاهد و سعيد بن جبير يعني ملك النبوة ، وقال الكلبي : تؤتي الملك من تشاء محمداً وأصحابه " وتنزع الملك ممن تشاء" أبي جهل وصناديد قريش وقيل : تؤتي الملك من تشاء : العربي وتنزع الملك ممن تشاء : فارس والروم ، وقال السدي ، تؤتي الملك من تشاء ، آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم "وتنزع الملك ممن تشاء" نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم ، وقيل تؤتي من تشاء: آدم وولده وتنزل الملك ممن تشاء إبليس وجنوده.
وقوله تعالى:"وتعز من تشاء وتذل من تشاء" قال عطاء تعز من تشاء: المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء : فارس والروم ، وقيل تعز من تشاء محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب ، وقيل تعز من تشاء بالإيمان والهداية ، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة ، وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية ، وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر، وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر ، وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرض والطمع" بيدك الخير" أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر احدهما قال تعالى :" سرابيل تقيكم الحر"(81-النحل) أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما " إنك على كل شيء قدير ".
26"قل اللهم" الميم عوض عن يا ولذلك لا يجتمعان، وهو من خصائص هذا الإسم كدخول يا عليه مع لام التعريف وقطع همزته وتاء القسم. وقيل: أصله يا الله أمن بخير، فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته. "مالك الملك" يتصرف فيما يمكن التصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون, وهو نداء ثان عند سيبويه فإن الميم عنده تمنع الوصفية. " تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " تعطي منه من تشاء من تشاء وتسترد، فالملك الأول عام والآخران بعضان منه. قيل: المراد بالملك النبوة ونزعها نقلها من قوم إلى قوم "وتعز من تشاء وتذل من تشاء" في الدنيا والآخرة، أو فيهما بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان. "بيدك الخير إنك على كل شيء قدير" ذكر الخير وحده لأنه المقضي بالذات، والشر مقضي بالعرض، إذ لا يوجد شر جزئي ما لم يتضمن خيراً كلياً، أو لمراعاة الأدب في الخطاب، أو لأن الكلام وقع فيه إذ روي: "أنه عليه السلام لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، وأخذوا يحفرون، فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فجاء عليه الصلاة والسلام فأخذ المعول منه فضربها ضربة صدعتها. وبرق منها برق أضاء منه ما بين لابتيها لكأن بها مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر وكبر معه المسلمون وقال:أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي منها قصور صنعاء وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروافقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق فنزلت". فنبه على أن الشر أيضاً بيده بقول "إنك على كل شيء قدير".
26. Say: O Allah! Owner of Sovereignty! Thou givest sovereignty unto whom Thou wilt, and Thou withdrawest sovereignty from whom Thou wilt. Thou exaltest whom Thou wilt and Thou abasest whom Thou wilt. In Thy hand is the good. Lo! Thou art Able to do all things.
26 - Say: O God lord of power (and rule), thou givest power to whom thou pleasest, and thou strippest off power from whom thou pleasest: thou enduest with honor whom thou pleasest, and thou bringest low whom thou pleasest: in thy hand is all good. verily, over all things thou hast power.