[آل عمران : 188] لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(لا تحسبن) بالتاء والياء (الذين يفرحون بما أتوا) فعلوا في إضلال الناس (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) من التمسك بالحق وهم على ضلال (فلا تحسبنهم) بالوجهين تأكيد (بمفازة) بمكان ينجون فيه (من العذاب) من الآخرة بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم (ولهم عذاب أليم) مؤلم فيها ، ومفعولا يحسب الأولى دل عليهما مفعولا الثانية على قراءة التحتانية وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط
قوله تعالى لا تحسبن الذين يفرحون الآية روى الشيخان وغيرهما من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان قال لبوابه إذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس ما لكم وهذه انما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أنهم قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه
وأخرج الشيخان عن ابن سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم واعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا الآية
اخرج عبد في تفسيره عن زيد بن أسلم أن رافع بن خديج وزيد بن ثابت كانا عند مروان فقال مروان يا رافع في أي شيء نزلت هذه الآية

لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا قال رافع أنزلت في أناس من المنافقين كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا وقالوا ما حبسنا عنكم إلا شغل فلوددنا أنا كنا معكم فأنزل الله فيهم هذه الآية وكأن مروان أنكر ذلك فجزع رافع من ذلك فقال لزيد بن ثابت أنشدك بالله هل تعلم ما أقول قال نعم قال الحافظ ابن حجر يجمع بين هذا وبين قول ابن عباس بأنه يمكن أن تكون نزلت في الفريقين معا قال وحكى الفراء أنها نزلت في قول اليهود نحن أهل الكتاب الأول والصلاة والطاعة ومع ذلك لا يقرون بمحمد وروى ابن أبي حاتم من طرق عن جماعة من التابعين نحو ذلك ورجحه ابن جرير ولا مانع أن تكون نزلت في كل ذلك انتهى
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم : عني بذلك قوم من أهل النفاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا العدو، فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر وابن عبد الرحيم البرقي قالا، حدثنا ابن أبي مريم قال ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال ، حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري : أن رجالاً من المنافقين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو، تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله. وإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم من السفر اعتذروا إليه ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فأنزل الله تعالى فيهم : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، الآية.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، قال : هؤلاء المنافقون ، يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: لو قد خرجت لخرجنا معك ! فإذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم تخلفوا وكذبوا، ويفرحون بذلك ، ويرون أنها حيلة احتالوا بها.
وقال آخرون : عني بذلك قوم من أحبار اليهود، كانوا يفرحون بإضلالهم الناس ، ونسبة الناس إياهم إلى العلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس أو سعيد بن جبير: "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب" إلى قوله : "ولهم عذاب أليم"، يعني فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار، الذين يفرحون بما يصيرن من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة، "ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، أن يقول لهم الناس علماء، وليسوا بأهل علم ، لم يحملوها على هدى ولا خير، ويحبون من يقول لهم الناس: قد فعلوا.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه عن ابن عباس بنحو ذلك ، إلا أنه قال: وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هدى.
وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من اليهود، فرحوا باجتماع كلمتهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، ويحبون أن يحمدوا بأن يقال لهم : أهل صلاة وصيام.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، فإنهم فرحوا باجتماعهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : قد جمع الله كلمتنا، ولم يخالف أحد منا أحداً أن محمداً ليس بنبي. وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، ونحن أهل الصلاة والصيام ، وكذبوا، بل هم أهل كفر وشرك وافتراء على الله ، قال الله : "ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا".
حدثني يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، قال : كانت اليهود أمر بعضهم بعضاً، فكتب بعضهم إلى بعض : أن محمداً ليس بنبي ، فأجمعوا كلمتكم ، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم ، ففعلوا، وفرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد في صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم، ففرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم، وفرحوا بذلك حين اجتمعوا عليه ، وكانوا يزكون أنفسهم فيقولون : نحن أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الزكاة، ونحن على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله فيهم : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، من كتمان محمد صلى الله عليه وسلم، "ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، أحبوا أن تحمدهم العرب ، بما يزكون به أنفسهم ، وليسوا كذلك.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين قال : سأل الحجاج جلساءه عن هذه الآية : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، قال سعيد بن جبير: بكتمانهم محمداً، "ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، قال : هو قولهم : نحن على دين إبراهيم عليه السلام.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، هم أهل الكتاب ، أنزل عليهم الكتاب فحكموا بغير الحق ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وفرحوا بذلك ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا. فرحوا بأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله ، وهم يزعمون أنهم يعبدون الله ويصومون ويصلون ويطيعون الله. فقال الله جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم: "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، كفراً بالله وكفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم، "ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، من الصلاة والصوم ، فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه وسلم: "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم".
وقال آخرون : بل معنى ذلك : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، من تبديلهم كتاب الله ، ويحبون أن يحمدهم الناس على ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، قال : يهود، فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه ، ولا تملك يهود ذلك. وقال آخرون : معنى ذلك : أنهم فرحوا بما أعطى الله تعالى آل إبراهيم عليه السلام.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية : "ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، قال : اليهود، يفرحون بما آتى الله إبراهيم عليه السلام.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا وهب بن جرير قال ، حدثنا شعبة عن أبي المعلى العطار، عن سعيد بن جبير قال : هم اليهود، فرحوا بما أعطى الله تعالى إبراهيم عليه السلام.
وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من اليهود، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه ، ففرحوا بكتمانهم ذلك إياه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن أبي وقاص أخبره : أن مروان قال لرافع : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرىء منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، ليعذبنا الله أجمعين ! فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه ؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود، فسألهم عن شيء ، فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استجابوا لله بما أخبروه عنه مما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه.ثم قال : "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب"، الآية.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن أبي مليكة: أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره : أن مروان بن الحكم قال لبوابه : يا ( رافع ، اذهب إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرىء منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبن جميعاً! فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت في أهل الكتاب! ثم تلا ابن عباس : "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس" إلى قوله : "أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، قال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه ، فاستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من يهود، أظهروا النفاق للنبي صلى الله عليه وسلم محبة منهم للحمد، والله عالم منهم خلاف ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أن أعداء الله اليهود، يهود خيبر، أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به ، وأنهم متابعوه ، وهم متمسكون بضلالهم ، وأرادوا أن يحمدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا ، فأنزل الله تعالى : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، الآية. حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر؟ عن قتادة قال إن أهل خيبر أتو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا إنا على رأيكم وسنتكم وإنما لكم ردء. فأكذبهم الله فقال ، "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، الأيتين.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعسثى، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : إن كعباً يقرأ عليك اللام ويقول : إن هذه الآية لم تنزل فيكم : "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا"، قال : أخبروه أنها نزلت وهو يهودي.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، الآية، قول من قال : عني بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم ليبينن للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا يكتمونه. لأن قوله "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، الآية، في سياق الخبر عنهم ، وهو شبيه بقصتهم ، مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك.
فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية: لا تحسبن ، يا محمد، الذين يفرحون بما أتوا من كتمانهم الناس أمرك ، وأنك لي رسول مرسل بالحق ، وهم يجدونك مكتوبا عندهم في كتبهم ، وقد أخذت عليهم الميثاق بالإقرار بنبوتك ، وبيان أمرك للناس ، وأن لا يكتموهم ذلك ، وهم مع نقضهم ميثاقي الذي أخذت عليهم بذلك ، يفرحون بمعصيتهم إياي في ذلك ، ومخالفتهم أمري ، ويحبون أن يحمدهم الناس بأنهم أهل طاعة لته وعبادة وصلاة وصوم ، واتباع لوحيه وتنزيله الذي أنزله س أنبيائه ، وهم سن ذلك أبرياء أخلياء، لتكذيبهم رسوله ، ونقضهم ميثاقه الذي أخذ عليهم ، لم يفعلوا شيئاً مما يحبون أن يحمدهم الناس عليه ، "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم".
وقوله : "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب"، فلا تظنهم بمنجاة من عذاب الله الذي أعده لأعدائه في الدنيا، من الخسف والمسخ والرجف والقتل ، وما أشبه ذلك من عقاب الله ، ولا هم ببعيد منه، كما:
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب"، قال : بمنجاة من العذاب.
قال أبو جعفر: "ولهم عذاب أليم"، يقول : ولهم عذاب في الآخرة أيضاً مؤلم ، مع الذي لهم في الدنيا معجل.
أي بما فعلوا من القعود في التخلف عن الغزو وجاءوا به من العذر .
ثبت في الصحيحن عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المناففين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدها بما لم يفعلوا ، فنزلت " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " .
وفي الصحيحين أيضاً أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون ، فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ! إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب .
ثم تلا ابن عباس " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " و " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " وقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، وما سألهم عنه وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت في علماء بني إسرائيل الذين كتموا الحق ، وأتوا ملوكهم من العلم ما يوافقهم في باطلهم ، " واشتروا به ثمنا قليلا " أي بما أعطاهم الملوك من الدنيا ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " فأخبر أن لهم عذاباً أليماً بما أفسدوا من الدين على عباد الله ، وقال الضحاك : إن اليهود كانوا يقولون للملوك إنا نجد في كتابنا أن الله يبعث نبياً في آخر الزمان يختم به النبوة ، فلما بعثه الله سألهم الملوك أهو هذا الذي تجدونه في كتابكم ؟ فقال اليهود طمعاً في أموال الملوك : هو غير هذا ، فأعطاهم الملوك الخزائن ، فقال الله تعالى : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا" الملوك من الكذب حتى يأخذوا عرض الدنيا ، والحديث الأول خلاف مقتضى الحديث الثاني ، ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد ، فكانت جواباً للفريقين ، والله أعلم ، وقوله : واستحمدوا بذلك إليه ، أي طلبوا أن يحمدوا ، وقول مروان : لئن كان كل امرئ منا الخ دليل على أن للعموم صيغاً مخصوصة ، وأن ( الذين ) منها ، وهذا مقطوع به من تفهم ذلك من القرآن والسنة ، وقوله تعالى : " ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا " إذا كانت الآية في أهل الكتاب لا في المنافقين المتخلفين ، لأنهم كانوا يقولون : نحن على دين إبراهيم ولم يكونوا على دينه ، وكانوا يقولون : نحن أهل الصلاة والصوم والكتاب ، يريدون أن يحمدوا بذلك ، و( الذين ) فاعل بيحسبن بالياء ، وهي قراءة نافع و ابن عامر و ابن كثير و أبي عمرو ، أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجياً لهم من العذاب ، وقيل : المفعول الأول محذوف ، وهو أنفسهم ، والثاني ( بمفازة ) وقرأ الكوفيون ( تحسبن ) بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي لا تحسبن يا محمد الفارحين بمفازة العذاب ، وقوله : " فلا تحسبنهم " بالتاء وفتح الباء ، إعادة تأكيد ، ومفعوله الأول الهاء والميم ، والمفعول الثاني محذوف ، أي كذلك والفاء عاطفة أو زائدة على بدل الفعل الثاني من الأول ، وقرأ الضحاك و عيسى بن عمر بالتاء وضم الباء ( فلا تحسبنهم ) أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقرأ مجاهد و ابن كثير و أبو عمرو و يحيى بن يعمر بالياء وضم الباء خبراً عن الفارحين ، أي فلا يحسبن أنفسهم ، ( بمفازة ) المفعول الثاني ، ويكون ( فلا يحسبنهم ) تأكيداً ، وقيل : ( الذين ) فاعل ( بيحسبن ) ومفعولاها محذوفان لدلالة ( يحسبنهم ) عليه ، كما قال الشاعر :
بأي كتاب أم بأية آية ترى حبهم عاراً علي وتحسب
استغنى بذكر مفعول الواحد عن ذكر مفعول الثاني ، و ( بمفازة ) الثاني ، وهو بدل من الفعل الأول فأغنى لإبداله منه عن ذكر مفعوليه ، والفاء زائدة ، وقيل : قد تجيء هذه الأفعال ملغاة لا في حكم الجمل المفيدة نحو قول الشاعر :
وما خلت أبقى بيننا من مودة عراض المذاكي المسنفات القلائصا
المذاكي : الخيل التي قد أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان ، الواحد مذك ، مثل المخلف من الإبل ، وفي المثل جري المذكيات غلاب ، والمسنفات اسم مفعول ، يقال : سنفت البعير أسنفه سنفاً إذا كففته بزمامه وأنت راكبه ، وأسنف البعير لغة في سنفه ، وأسنف البعير بنفسه إذا رفع رأسه ، يتعدى ولا يتعدى ، وكانت العرب تركب الإبل وتجنب الخيل ، تقول : الحرب لا تبقي مودة ، وقال كعب بن أبي سلمى :
أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما إخال لدينا منك تنويل
وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم ( أتوا ) بقصر الألف ، أي بما جاءوا به من الكذب والكتمان ، وقرأ مروان بن الحكم و الأعمش و إبراهيم النخعي ( آتوا ) بالمد ، بمعنى أعطوا : وقرأ سعيد بن جبير ( أوتوا ) على ما لم يسم فاعله ، أي أعطوا ، والمفازة المنجاة ، مفعلة من فاز يفوز إذا نجا ، أي ليسوا بفائزين ، وسمي موضع المخاوف مفازة على جهة التفاؤل ، قاله الأصمعي ، وقيل : لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك ، تقول العرب : فوز الرجل إذا مات ، قال ثعلب : حكيت لـ ابن الأعرابي قول الأصمعي فقال أخطأ قال لي أبو المكارم ، قال ابن الأعرابي : لأنه مستسلم لما أصابه ، وقيل : لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب ، لأن الفوز التباعد عن المكروه ، والله أعلم .
هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, وأن ينوهوا بذكره في الناس, ليكونوا على أهبة من أمره, فإذا ارسله الله تابعوه, فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والاخرة بالدون الطفيف, والخط الدنيوي السخيف, فبئست الصفقة صفقتهم, وبئست البيعة بيعتهم, وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم, ويسلك بهم مسالكهم, فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع, الدال على العمل الصالح, ولا يكتموا منه شيئاً, فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" وقوله تعالى: "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا", يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا, كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "من ادعى دعوة كاذبة ليتكثر بها, لم يزده الله إلا قلة"., وفي الصحيح أيضاً "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور", وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج عن ابن جريج , أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان قال: اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرىء منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون, فقال ابن عباس : وما لكم وهذه, إنما نزلت هذه في أهل الكتاب, ثم تلا ابن عباس "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" الاية. وقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه, واستحمدوا بذلك إليه, وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه, وهكذا رواه البخاري في التفسير, و مسلم والترمذي والنسائي في تفسيريهما, و ابن أبي حاتم , وابن جرير, والحاكم في مستدركه و ابن مردويه كلهم من حديث عبد الملك بن جريج بنحوه, ورواه البخاري أيضاً من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص , أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس , فذكره وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم , أنبأنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار , عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه, وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا, وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا, فنزلت "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا" الاية, وكذا رواه مسلم من حديث ابن أبي مريم بنحوه. وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم , قال: كان أبو سعيد ورافع بن خديج وزيد بن ثابت عند مروان فقال: يا أبا سعيد رأيت قوله تعالى: "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا", ونحن نفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل ؟ فقال أبو سعيد : إن هذا ليس من ذاك, إنما ذاك أن ناساً من المنافقين كانوا يتخلفون إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً, فإن كان فيهم نكبة فرحوا بتخلفهم, وإن كان لهم نصر من الله وفتح حلفوا لهم ليرضوهم ويحمدوهم على سرورهم بالنصر والفتح, فقال مروان : أين هذا من هذا ؟ فقال أبو سعيد : وهذا يعلم هذا ؟ فقال مروان : أكذلك يا زيد ؟ قال: نعم صدق أبو سعيد , ثم قال أبو سعيد : وهذا يعلم ذاك ـ يعني رافع بن خديج , ولكنه يخشى إن أخبرك أن تنزع قلائصه في الصدقة, فلما خرجوا قال زيد لأبي سعيد الخدري : ألا تحمدني على ما شهدت لك, فقال أبو سعيد : شهدت الحق فقال زيد : أولا تحمدني على ما شهدت الحق ؟ ثم رواه من حديث مالك عن زيد بن أسلم , عن رافع بن خديج : أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة, فقال مروان : يا رافع في أي شيء نزلت هذه الاية ؟ فذكره كما تقدم عن أبي سعيد رضي الله عنهم, وكان مروان يبعث بعد ذلك يسأل ابن عباس كما تقدم, فقال له ما ذكرناه ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء, لأن الاية عامة في جميع ما ذكر, والله أعلم, وقد روى ابن مردويه أيضاً من حديث محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن الزهري , عن محمد بن ثابت الأنصاري , أن ثابت بن قيس الأنصاري قال: " يا رسول الله, والله لقد خشيت أن أكون هلكت, قال لم ؟ قال نهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد, ونهى الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال ونهى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهوري الصوت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضى أن تعيش حميداً, وتقتل شهيداً, وتدخل الجنة ؟ فقال: بلى يا رسول الله. فعاش حميداً وقتل شهيداً يوم مسيلمة الكذاب " , وقوله تعالى: "فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب" يقرأ بالتاء على مخاطبة المفرد, وبالياء على الإخبار عنهم أي لا يحسبون أنهم ناجون من العذاب بل لا بد لهم منه ولهذا قال تعالى: "ولهم عذاب أليم" ثم قال تعالى " ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير " أي هو مالك كل شيء, والقادر على كل شيء, فلا يعجزه شيء, فهابوه ولا تخالفوه, واحذورا غضبه ونقمته فإنه العظيم الذي لا أعظم منه, والقدير الذي لا أقدر منه.
قوله 188- "لا تحسبن الذين يفرحون" قرأ الكوفيون بالتاء الفوقية والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له. وقوره "بما أتوا" أي: بما فعلوا. وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي، والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته عملاً بعموم اللفظ، وهو المعتبر دون خصوص السبب، فمن فرح بما فعل وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل فلا تحسبنه بمفازة من العذاب. وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو لا يحسبن بالياء التحتية: أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجياً لهم من العذاب، فالمفعول الأول محذوف وهو فرحهم، والمفعول الثاني بمفازة من العذاب. وقوله "فلا تحسبنهم" تأكيد للفعل الأول على القراءتين، والمفازة: المنجاة، مفعلة من فاز يفوز إذا نجا: أي ليسوا بفائزين، سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل قاله الأصمعي. وقيل: لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك تقول العرب: فوز الرجل إذا مات. قال ثعلب: حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال: أخطأ. قال لي أبو المكارم: إنما سميت مفازة لأن من قطعها فاز. وقال ابن الأعرابي: بل لأنه مستسلم لما أصابه. وقيل المعنى: لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب، لأن الفوز التباعد عن المكروه. وقرأ مروان بن الحكم والأعمش وإبراهيم النخعي آتوا بالمد: أي يفرحون بما أعطوا. وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم أتوا بالقصر.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن حبان وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، اقرأوا إن شئتم "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور"". وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله "ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" قال: هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره. وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال: يعني اليهود والنصارى، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم "عزير ابن الله"، ومن النصارى قولهم: "المسيح ابن الله" "وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" قال: من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس" قال: فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريقالعوفي عن ابن عباس في قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " قال : كان الله أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده، وأن محمداً رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوارة والإنجيل فنبذوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: هم اليهود "لتبيننه للناس" قال: محمدا صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير عن السدي مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم علماً فليعلمه الناس، وإياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة. وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما: أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية، إنما أنزلت في أهل الكتاب، ثم تلا "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب" الآية، قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه. وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري: أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت. وقد روي أنها نزلت في فنحاص وأشيع وأشباههما. وروي أنها نزلت في اليهود. وأخرج مالك وابن سعد والطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت أن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال: لم؟ قال: قد نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد، ونهانا عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال، ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا رجل جهير الصوت، فقال: يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ فعاش حميداً وقتل شهيداً يوم مسيلمة الكذاب. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: "بمفازة" قال بمنجاة. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله.
188-قوله :"لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا" الآية، قرأ عاصم وحمزة والكسائي " لا تحسبن " بالتاء،أي : لاتحسبن يا محمد الفارحين ، وقرأ الآخرون الياء"لا يحسبن" الفارحون فرحهم منجياً لهم من العذاب " فلا تحسبنهم "، قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالياء وضم الباء خبراً عن الفارحين ،أي فلا يحسبن أنفسهم ، وقرأ الآخرون بالتاء وفتح الباء، أي : فلا تحسبنهم يا محمد ، وأعاد قوله" فلا تحسبنهم" تأكيداً ، وفي حرف عبد الله بن مسعود" لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " من غير تكرار.
واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا سعيد بن أبي مريم أنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري " أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية "
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن موسى أنا هشام أن ابن جريج أخبرهم: أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه :اذهب يا رافع إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقل له : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون ، فقال ابن عباس: مالكم ولهذه إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شئ فكتموه إياه فأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب" كذلك حتى قوله :" يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا".
قال عكرمة: نزلت في فنحاص وأشيع وغيرهما من الأحبار يفرحون بإضلالهم الناس وبنسبة الناس إياهم إلى العلم وليسوا بأهل العلم .
وقالمجاهد: هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه.
وقال سعيد بن جبير: هم اليهود فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم وهم براء من ذلك.
وقال قتادة ومقاتل: أتت يهود خيبر نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نحن نعرفك ونصدقك وإنا على رأيكم ونحن لكم ردء، وليس ذلك في قلوبهم، فلما خرجوا قال لهم المسلمون: ما صنعتم؟ قالوا:عرفناه وصدقناه، فقال لهم المسلمون: أحسنتم هكذا فافعلوا، فحمدوهم ودعوا لهم،فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال: "يفرحون بما أتوا" قال الفراء بما فعلوا، كما قال الله تعالى:"لقد جئت شيئاً فريا" (مريم_ 27) أي: فعلت، "ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة"،بمنجاة، " من العذاب ولهم عذاب أليم ".
188" لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ضم الباء جعل الخطاب له وللمؤمنين، والمفعول الأول " الذين يفرحون " والثاني " بمفازة "، وقوله " فلا تحسبنهم " تأكيد والمعنى: لا تحسبن الذين يفرحون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والإخبار بالصدق، بمفازة بمنجاة من العذاب أي فائزين بالنجاة منه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني على أن الذين فاعل ومفعولاً يحسبن محذوفان يدل عليهم مفعولاً مؤكده، فكأنه قيل، ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا فلا يحسبن أنفسهم بمفازة، أو المفعول الأول محذوف وقوله فلا تحسبنهم تأكيد للفعل وفاعله ومفعول الأول. "ولهم عذاب أليم" بكفرهم وتدليسهم. روي أنه عليه الصلاة والسلام "سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فأخبروه بخلاف
ما كان فيها وأروه أنهم قد صدقوه وفرحوا بما فعلوا" فنزلت. وقيل، نزلت في قوم تخلفوا عن الغزو ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا به. وقيل: نزلت في المنافقين فإنهم يفرحون بمنافقتهم ويستحمدون إلى المسلمين بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة.
188. Think not that those who exult in what they have given, and love to be praised for what they have not done Think not, they are in safety from the doom. A painful doom is theirs.
188 - Think not that those who exult in what they have brought about, and love to be praised for what they have not done, think not that they can escape the penalty. for them is a penalty grievous indeed.