[آل عمران : 152] وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
(ولقد صدقكم الله وعده) إياكم بالنصر (إذ تحسونهم) تقتلونهم (بإذنه) بإرادته (حتى إذا فشلتم) جبنتم عن القتال (وتنازعتم) اختلفتم (في الأمر) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمقام في سفح الجبل للرمي فقال بعضكم: نذهب فقد نصر أصحابنا ، وبعضكم: لا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم (وعصيتم) أمره فتركتم المركز لطلب الغنيمة (من بعد ما أراكم) الله (ما تحبون) من النصر وجواب إذا دل عليه ما قبله أي منعكم نصره (منكم من يريد الدنيا) فترك المركز للغنيمة (ومنكم من يريد الآخرة) فثبت به حتى قتل كعبد الله بن جبير وأصحابه (ثم صرفكم) عطف على جواب إذا المقدر ، رَدَّكم بالهزيمة (عنهم) أي الكفار (ليبتليكم) ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره (ولقد عفا عنكم) ما ارتكبتموه (والله ذو فضل على المؤمنين) بالعفو
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره : "ولقد صدقكم الله"، أيها المؤمنون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأحد، وعده الذي وعدهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
والوعد الذي كان وعدهم على لسانه بأحد، قوله للرماة: اثبتوا مكانكم ولا تبرحوا، وإن رأيتمونا قد هزمناهم، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم. وكان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم النصر يومئذ إن انتهوا إلى أمره، كالذي:
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال: لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد، أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال: لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم، وأمر عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوات بن جبير. ثم إن طلحة بن عثمان ، صاحب لواء المشركين ، قام فقال : يا معشر أصحاب محمد، إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة! فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة! أو يعجلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه علي بن أبي طالب فقال: والذي نفسي بيده ، لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار، أو يعجلني بسيفك إلى الجنة! فضربه علي فقطع رجله، فسقط ، فانكشفت عورته، فقال: أنشدك الله والرحم ، ابن عم! فتركه. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لعلي أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه؟ قال : إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه.
ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان . فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل ، فرمته الرماة، فانقمع . فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه، بادروا الغنيمة، فقال بعضهم : لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم! فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر. فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله ، ثم حمل فقتل الرماة، ثم حمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل ، تنادوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم.
حدثنا هرون بن إسحق قال ، حدثنا مصعب بن المقدام قال ، حدثنا إسرائيل قال ، حدثنا أبو إسحق، عن البراء قال: لما كان يوم أحد ولقينا المشركين ، أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً بإزاء الرماة، وأمر عليهم عبد الله بن جبير، أخا خوات بن جبير، وقال لهم: لا تبرحوا مكانكم ، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا. فلما التقى القوم، هزم المشركون حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهم وبدت خلاخلهن، فجعلوا يقولون: الغنيمة، الغنيمة! قال عبد الله: مهلاً! أما علمتم ما عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأبوا، فانطلقوا، فلما أتوهم صرف الله وجوههم، فأصيب من المسلمين سبعون قتيلاً.
حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل، عن أبي إسحق، عن البراء بنحوه.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه"، فإن أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحداً، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في الناس ، فاجتمعوا، وأمر على الخيل الزبير بن العوام ، ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي. وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلاً من قريش يقال له: مصعب بن عمير. وخرج حمزة بن عبد المطلب بالحسر، وبعث حمزة بين يديه . وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال: استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك. وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر، فقال: لا تبرحوا حتى أوذنكم. وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير أن يحمل، فحمل على خالد بن الوليد فهزمه ومن معه ، كما قال: "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون"، وإن الله وعد المؤمنين أن ينصرهم وأنه معهم.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال ، حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا -في قصة ذكرها عن أحد- ذكر أن كلهم قد حدث ببعضها، وأن حديثهم اجتمع فيما ساق من الحديث، فكان فيما ذكر في ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الشعب من أحد، في عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال : لا يقاتلن أحد، حتى نأمره بالقتال. وقد سرحت قريش الظهر والكراع، في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين ، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال: أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب! وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمئة رجل، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير، أخا بني عمرو بن عوف، وهو يومئذ معلم بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلاً، وقال: انضح عنا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا! إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك. فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض . واقتتلوا، حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس ، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين . فأنزل الله عز وجل نصره وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم ، وكانت الهزيمة لا شك فيها.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه ، عن جده قال، قال الزبير: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند ابنة عتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون إحداهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا. وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قتل! فانكفأنا، وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء، حتى ما يدنو منه أحد من القوم.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق في قوله: "ولقد صدقكم الله وعده"، أي : لقد وفيت لكم بما وعدتكم من النصر على عدوكم.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع قوله: "ولقد صدقكم الله وعده"، وذلك يوم أحد، قال لهم : إنكم ستظهرون ، فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئاً، حتى تفرغوا! فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وعصوا، ووقعوا في الغنائم، ونسوا عهده الذي عهده إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولقد وفى الله لكم ، أيها المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما وعدكم من النصر على عدوكم بأحد، حين "تحسونهم"، يعني: حين تقتلونهم.
يقال منه: حسه يحسه حساً، إذا قتله، كما:
حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال ، حدثنا يعقوب بن عيسى قال ، حدثني عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف في قوله: "إذ تحسونهم بإذنه"، قال: الحس القتل.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرنا بن أبي الزناد، عن أبيه قال: سمعت عبيد الله بن عبد الله يقول في قول الله عز وجل: "إذ تحسونهم"، قال: القتل.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إذ تحسونهم بإذنه"، قال: تقتلونهم.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم"، أي: قتلاً بإذنه.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "إذ تحسونهم"، يقول: إذ تقتلونهم.
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع: "إذ تحسونهم بإذنه"، والحس القتل.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه"، يقول: تقتلونهم.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "إذ تحسونهم"، بالسيوف، أي: القتل.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن: "إذ تحسونهم بإذنه"، يعني: القتل.
حدثني علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "إذ تحسونهم بإذنه"، يقول: تقتلونهم.
وأما قوله: "بإذنه"، فإنه يعني : بحكمي وقضائي لكم بذلك ، وتسليطي إياكم عليهم، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة عن ابن إسحق: إذ تحسونهم بإذني، وتسليطي أيديكم عليهم ، وكفي أيديهم عنكم.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "حتى إذا فشلتم"، حتى إذا جبنتم وضعفتم ، "وتنازعتم في الأمر"، يقول : واختلفتم في أمر الله ، يقول : وعصيتم وخالفتم نبيكم ، فتركتم أمره وما عهد إليكم . وإنما يعني بذلك الرماة الذين كان أمرهم صلى الله عليه وسلم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشعب بأحد بإزاء خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين، الذين ذكرنا قبل أمرهم.
وأما قوله: "من بعد ما أراكم ما تحبون"، فإنه يعني بذلك: من بعد الذي أراكم الله، أيها المؤمنون بمحمد، من النصر والظفر بالمشركين ، وذلك هو الهزيمة التي كانوا هزموهم عن نسائهم وأموالهم قبل ترك الرماة مقاعدهم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعدهم فيها، وقبل خروج خيل المشركين على المؤمنين من ورائهم.
وبنحو الذي قلنا تظاهرت الأخبار عن أهل التأويل.
وقد مضى ذكر بعض من قال، وسنذكر قول بعض من لم يذكر قوله فيما مضى.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر"، أي اختلفتم في الأمر، "وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون"، وذاكم يوم أحد، عهد إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بأمر فنسوا العهد، وحاوزوا، وخالفوا ما أمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقذف عليهم عدوهم، بعد ما أراهم من عدوهم ما يحبون.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناساً من الناس -يعني يوم أحد- فكانوا من ورائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كونوا ههنا، فردوا وجه من فر منا، وكونوا حرساً لنا من قبل ظهورنا. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه، قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم، بعضهم لبعض ، لما رأوا النساء مصعدات في الجبل ورأوا الغنائم، قالوا: انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن تسبقوا إليها! وقالت طائفة أخرى: بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثبت مكاننا! فذلك قوله: "منكم من يريد الدنيا"، للذين أرادوا الغنيمة، "ومنكم من يريد الآخرة"، للذين قالوا: نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونثبت مكاننا. فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فكان فشلاً حين تنازعوا بينهم يقول: "وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون"، كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة.
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع: "حتى إذا فشلتم"، يقول: جبنتم عن عدوكم ، "وتنازعتم في الأمر"، يقول: اختلفتم ، "وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون"، وذلك يوم أحد قال لهم: إنكم ستظهرون، فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئاً حتى تفرغوا، فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وعصوا، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهده الذي عهده إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به، فانقذف عليهم عدوهم ، من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج: "حتى إذا فشلتم"، قال ابن جريج، قال ابن عباس: الفشل الجبن.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون"، من الفتح.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "حتى إذا فشلتم"، أي: تخاذلتم، "وتنازعتم في الأمر"، أي : اختلفتم في أمري، "وعصيتم"، أي: تركتم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما عهد إليكم، يعني الرماة، "من بعد ما أراكم ما تحبون"، أي : الفتح لا شك فيه ، وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن المبارك، عن الحسن: "من بعد ما أراكم ما تحبون"، يعني : من الفتح.
قال أبو جعفر: وقيل معنى قوله: "حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون"، حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، وأنه من المقدم الذي معناه التأخير، وأن الواو دخلت في ذلك ومعناها السقوط ، كما يقال، "فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه" [الصافات: 103، 104] معناه: ناديناه. وهذا مقول في: "حتى إذا" وفي (فلما أن) [لم يأت في غير هذين]. ومنه قول الله عز وجل: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج" ثم قال: "واقترب الوعد الحق" [الأنبياء: 96: 97].
ومعناه: اقترب، كما قال الشاعر:
حتى إذا قملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبوا
وقلبتم ظهر المجن لنا إن اللئيم العاجز الخب
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "منكم من يريد الدنيا"، الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب من أحد لخيل المشركين، ولحقوا بعسكر المسلمين طلب النهب إذ رأوا هزيمة المشركين ، "ومنكم من يريد الآخرة"، يعني بذلك : الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعوا أمره، محافظة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك من فعلهم والدار الآخرة، كما:
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة"، فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا، والذين بقوا وقالوا: لا نخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرادوا الآخرة.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس مثله.
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة"، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين فقال: كونوا مسلحة للناس، بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم . فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى المسلحة أن الله عز وجل هزم المشركين، انطلق بعضهم وهم يتنادون: الغنيمة! الغنيمة! لا تفتكم! وثبت بعضهم مكانهم ، وقالوا: لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم! ففي ذلك نزل: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة"، فكان ابن مسعود يقول: ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها، حتى كان يوم أحد.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج، قال ابن عباس : لما هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرماة: أدركوا الناس ونبي الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم! وقال بعضهم : لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة"، قال ابن جريج، قال ابن مسعود: ما علمنا أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها، حتى كان يومئذ.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن المبارك، عن الحسن: "منكم من يريد الدنيا"، هؤلاء الذين يجترون الغنائم، "ومنكم من يريد الآخرة"، الذين يتبعونهم يقتلونهم.
حدثنا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي، عن عبد خير قال: قال عبد الله: ما كنت أرى أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة".
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط، عن السدي، عن عبد خير قال، قال ابن مسعود: ما كنت أظن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أحداً يريد الدنيا، حتى قال الله ما قال.
حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع قال، قال عبد الله بن مسعود لما رآهم وقعوا في الغنائم: ما كنت أحسب أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان اليوم.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها، حتى كان يومئذ.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "منكم من يريد الدنيا"، أي: الذين أرادوا النهب رغبة في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة، "ومنكم من يريد الآخرة"، أي : الذي جاهدوا في الله ولم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا رغبة فيها، رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : ثم صرفكم ، أيها المؤمنون ، عن المشركين بعد ما أراكم ما تحبون فيهم وفي أنفسكم ، من هزيمتكم إياهم وظهوركم عليهم، فرد وجوهكم عنهم لمعصيتكم أمر رسولي، ومخالفتكم طاعته، لإيثاركم الدنيا على الآخرة، عقوبةً لكم على ما فعلتم، "ليبتليكم"، يقول: ليختبركم ، فيتميز المنافق منكم من المخلص الصادق في إيمانه منكم، كما:
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: ثم ذكر حين مال عليهم خالد بن الوليد: "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن في قوله: "ثم صرفكم عنهم"، قال : صرف القوم عنهم ، فقتل من المسلمين بعدة من أسروا يوم بدر، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وشج في وجهه ، وكان يمسح الدم عن وجهه ويقول: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فنزلت "ليس لك من الأمر شيء" [آل عمران: 128]، الآية. فقالوا: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدنا النصر؟ فأنزل الله عز وجل: "ولقد صدقكم الله وعده" إلى قوله: "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحق: "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم"، أي: صرفكم عنهم ليختبركم، وذلك ببعض ذنوبكم.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "ولقد عفا عنكم"، ولقد عفا الله أيها المخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتاركون طاعته فيما تقدم به إليكم من لزوم الموضع الذي أمركم بلزومه ، عنكم ، فصفح لكم من عقوبة ذنبكم الذي أتيتموه ، عما هو أعظم مما عاقبكم به من هزيمة أعدائكم إياكم، وصرف وجوهكم عنهم، إذ لم يستأصل جمعكم، كما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن في قوله : "ولقد عفا عنكم"، قال: قال الحسن، وصفق بيديه: وكيف عفا عنهم ، وقد قتل منهم سبعون ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه؟ قال: ثم يقول : قال الله عز وجل: قد عفوت عنكم إذ عصيتموني، أن لا أكون استأصلتكم. قال : ثم يقول الحسن: هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سبيل الله، غضاب لله ، يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فصنعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم، فأفسق الفاسقين اليوم يتجرثم كل كبيرة، ويركب كل داهية، ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه!! فسوف يعلم.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "ولقد عفا عنكم"، قال: لم يستأصلكم.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "ولقد عفا عنكم"، ولقد عفا الله عن عظيم ذلك، لم يهلككم بما أتيتم من معصية نبيكم ، ولكن عدت بفضلي عليكم.
وأما قوله: "والله ذو فضل على المؤمنين"، فإنه يعني: والله ذو طول على أهل الإيمان به وبرسوله، بعفوه لهم عن كثير ما يستوجبون به العقوبة عليه من ذنوبهم ، فإن عاقبهم على بعض ذلك، فذو إحسان إليهم بجميل أياديه عندهم، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين"، يقول: وكذلك من الله على المؤمنين، إن عاقبهم ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدباً وموعظة، فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم لما أصابوا من معصيته، رحمةً لهم وعائدة عليهم ، لما فيهم من الإيمان.
قوله تعالى : " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين "
قال محمد بن كعب القرظي :
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أحد وقد أصيبوا قال بعضهم لبعض : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ! فنزلت هذه الآية وذلك أنهم قتلوا صاحب لواء المشركين وسبعة نفر منهم بعده على اللواء ، وكان الظفر ابتداءً للمسلمين غير أنهم اشتغلوا بالغنيمة ، وترك بعض الرماة أيضاً مركزهم طلباً للغنيمة فكان ذلك سبب الهزيمة ، روى البخاري عن البراء بن عازب قال : " لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أناساً من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم : ( لا تبرحوا من مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رايتموهم قد ظهروا علينا فلا تعينونا عليهم ) قال : فلما التقى القوم وهزمهم المسلمون حتى نظرنا إلى النساء يشتددن في الجبل ، وقد رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فجعلوا يقولون : الغنيمة الغنيمة ، فقال لهم عبد الله : أمهلوا ! أما عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تبرحوا ، فانطلقوا فلما أتوهم صرف الله وجوهم وقتل من المسلمين سبعون رجلاً ، ثم إن أبا سفيان بن حرب أشرف علينا وهو في نشز فقال : أفي القوم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجيبوه ، حتى قالها ثلاثاً ، ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاثاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تجيبوه ، ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا ، فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه دون أن قال : كذبت يا عدو الله ! قد أبقى الله لك من يخزيك به ، فقال : اعل هبل ، مرتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، فقالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال قولوا الله أعلى وأجل ، قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ، قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، أما إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني " .
وفي البخاري و مسلم عن سعد بن أبي وقاص : قال رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد القتال ، وفي رواية عن سعد : عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد ، يعني جبريل وميكائيل ، وفي رواية أخرى : يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده ، وعن مجاهد قال : لم تقاتل الملائكة معهم يومئذ ، ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر ، قال البيهقي : إنما أراد مجاهد أنهم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا الرسول ولم يصبروا على ما أمرهم به ، وعن عروة بن الزبير قال : وكان الله عز وجل وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين : وكان قد فعل : فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم وترك الرماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ألا يبرحوا من منازلهم ، وأرادوا الدنيا ، رفع عنهم مدد الملائكة ، وأنزل الله تعالى : " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه " فصدق الله وعده وأراهم الفتح ، فلما عصوا أعقبهم البلاء .
وعن عمير بن إسحاق قال : لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعد يرمي بين يديه ، وفتى ينبل له ، كلما ذهبت نبلة أتاه بها ، قال : ( ارم أبا إسحاق ) فلما فرغوا نظروا من الشاب ؟ فلم يروه ولم يعرفوه ، وقال محمد بن كعب : ولما قتل صاحب لواء المشركين وسقط لواؤهم ، رفعته عمرة بنت علقمة الحارثية ، وفي ذلك يقول حسان :
فلولا لواء الحارثية أصبحوا يباعون في الأسواق بيع الجلائب
و" تحسونهم " معناه تقتلونهم وتستأصلونهم ، قال الشاعر :
حسناهم بالسيف حساً فأصبحت بقيتهم قد شردوا وتبددوا
وقال جرير :
تحسهم السيوف كما تسامى حريق النار في الأجم الحصيد
قال أبو عبيد : الحس الاستئصال بالقتل ، يقال : جراد محسوس إذا قتله البرد ، والبرد محسة للنبت ، أي محرقة له ذاهبة به ، وسنة حسوس أي جدبة تأكل كل شيء ، قال رؤبة :
إذا شكونا سنةً حسوساً تأكل بعد الأخضر اليبيسا
وأصله من الحس الذي هو الإدراك بالحاسة : فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل ، " بإذنه " بعلمه ، أو بقضائه وأمره ، " حتى إذا فشلتم " أي جنبتم وضعفتم يقال : فشل يفشل فهو فشل وفشل وجواب ( حتى ) محذوف ، أي حتى إذا فشلتم امتحنتم ، ومثل هذا جائز كقوله : " فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء " [ الأنعام : 35 ] ، وقال الفراء : جواب ( حتى ) ، ( وتنازعتم ) والواو مقحمة زائدة كقوله : " فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه " أي ناديناه ، وقال امرؤ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
أي انتحى ، وعند هؤلاء يجوز إقحام الواو من ( وعصيتم ) أي حتى إذا فشلتم وتنازعتم عصيتم ، وعلى هذا فيه تقديم وتأخير ،أي حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم وقال أبو علي : يجوز أن يكون الجواب " صرفكم عنهم " و ( ثم ) زائدة ، والتقدير حتى إذا فشلتم وتنازعتم وعصيتم صرفكم عنهم ، وقد أنشد بعض النحويين في زيادتها قول الشاعر :
أراني ما بت على هوى فثم إذا أصبحت أصبحت عاديا
وجوز الأخفش أن تكون زائدة ، كما في قوله تعالى : " حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم " [ التوبة : 118 ] ، وقيل : ( حتى ) بمعنى ( إلى ) وحينئذ لا جواب له ، أي صدقكم الله وعده إلى أن فشلتم ، أي كان ذلك الوعد بشرط الثبات ، ومعنى " تنازعتم " اختلفتم ، يعني الرماة حين قال بعضهم لبعض : نلحق الغنائم وقال بعضهم : بل نثبت في مكاننا الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالثبوت فيه " وعصيتم " أي خالفتم أمر الرسول في الثبوت " من بعد ما أراكم ما تحبون " يعني من الغلبة التي كانت للمسلمين يوم أحد أول أمرهم ، وذلك حين صرع صاحب لواء المشركين على ما تقدم ، وذلك أنه لما صرع انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصاروا كتائب متفرقة فحاسوا العدو ضرباً حتى أجهضوهم عن أثقالهم ، وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنصح بالنبل فترجع مغلوبة ، وحمل المسلمون فنهكوهم قتلاً ، فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله عز وجل قد فتح لإخوانهم قالوا : والله ما نجلس هاهنا لشيء ، قد أهلك الله العدو وإخواننا في عسكر المشركين ، وقال طوائف منهم ، علام نقف وقد هزم الله العدو ؟ فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يتركوها ، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول فأوجفت الخيل فيهم قتلاً وألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم ، ووجه التوبيخ لهم أنهم رأوا مبادئ النصر ، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات لا في الانهزام ثم بي، سبب التنازع فقال : " منكم من يريد الدنيا " يعني الغنيمة ، قال ابن مسعود : ما شعرنا أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد ، " ومنكم من يريد الآخرة " وهم الذي ثبتوا في مركزهم ، ولم يخالفوا أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم مع أميرهم عبد الله بن جبير ، فحمل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل عليه ، وكانا يومئذ كافرين فقتلوه مع من بقي ، رحمهم الله ، والعتاب مع من انهزم لا مع من ثبت ، فإن من ثبت فاز بالثواب ، وهذا كما أنه إذا حل بقوم عقوبة عامة فأهل الصلاح والصبيان يهلكون ، ولكن لا يكون ما حل بهم عقوبة ، بل هو سبب المثوبة ، والله أعلم .
قوله تعالى : " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " أي بعد أن استوليتم عليهم ردكم عنهم بالانهزام ، ودل هذا على أن المعصية مخلوقة له تعالى ، وقالت المعتزلة : المعنى ثم انصرفتم ، فإضافته إلى الله تعالى بإخراج الرعب من قلوب الكافرين من المسلمين ابتلاءً لهم ، قال القشيري : وهذا لا يغنيهم ، لأن إخراج الرعب من قلوب الكافرين حتى يستخفوا بالمسلمين قبيح ولا يجوز عندهم ، أن يقع من الله قبيح ، فلا يبقى لقوله : " ثم صرفكم عنهم " معنى ، وقيل : معنى " صرفكم عنهم " أي لم يكلفكم طلبهم .
قوله تعالى : " ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " أي لم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة ، والخطاب قيل هو للجميع ، وقيل : هو للرماة الذين خالفوا ما أمروا به ، واختاره النحاس ، وقال أكثر المفسرين : ونظير هذه الآية قوله تعالى " ثم عفونا عنكم " ، " والله ذو فضل على المؤمنين " بالعفو والمغفرة .
وعن ابن عباس قال : ما نصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كما نصر يوم أحد قال : وأنكرنا ذلك ، فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله عز وجل ، إن الله عز وجل يقول في يوم أحد " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه " يقول ابن عباس : الحس القتل " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " وإنما عنى بهذا الرماة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال ( احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا ) فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين أنكفأت الرماة جميعاً فدخلوا في العسكر ينتهبون ، وقد التقت صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم هكذا وشبك أصابع يديه والتبسوا ، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضاً والتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير ، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون نحو الجبل ، ولم يبلغوا حيث يقول الناس : الغار ، إنما كانوا تحت المهراس وصاح الشيظان : قتل محمد ، فلم يشك فيه أنه حق ، فما زلنا كذلك ما نشك أنه قتل حتى طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين ، نعرفه بتكفئه إذا مشى ، قال : ففرحنا حتى كأنا لم يصبنا ما أصابنا ، قال : فرقي نحونا وهو يقول : " اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم " ، وقال كعب بن مالك : أنا كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين ، عرفته بعينيه من تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي : يما معشر المسلمين ! أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل : فأشار إلي أن أسكت .
يحذر تعالى عباده المؤمنين عن طاعة الكافرين والمنافقين, فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والاخرة, ولهذا قال تعالى: "إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين" ثم أمرهم بطاعته وموالاته والإستعانة به والتوكل عليه, فقال تعالى: "بل الله مولاكم وهو خير الناصرين" ثم بشرهم بأنه سيلقي في قلوب أعدائهم الخوف منهم والذلة لهم بسبب كفرهم وشركهم, مع ما ادخره لهم في الدار الاخرة من العذاب والنكال, فقال "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين" وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, وأحلت لي الغنائم, وأعطيت الشفاعة, وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان التيمي عن سيار عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "فضلني ربي على الأنبياء ـ أو قال على الأمم ـ بأربع: قال: أرسلت إلى الناس كافة, وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجداً وطهوراً فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره, ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي, وأحلت لي الغنائم". ورواه الترمذي من حديث سليمان التيمي عن سيار القرشي الأموي مولاهم الدمشقي سكن البصرة, عن أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه به, وقال: حسن صحيح. وقال سعيد بن منصور : أنبأنا ابن وهب , أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "نصرت بالرعب على العدو", ورواه مسلم من حديث ابن وهب . وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد , حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق , عن أبي بردة , عن أبيه أبي موسى , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً: بعثت إلى الأحمر والأسود, وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً, وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي, ونصرت بالرعب شهراً, وأعطيت الشفاعة, وليس من نبي إلا وقد سأل شفاعته وإني اختبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات لا يشرك بالله شيئاً" تفرد به أحمد . وروى العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب" قال: قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب فرجع إلى مكة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً, وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب" رواه ابن أبي حاتم . وقوله تعالى: "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه" قال ابن عباس : وعدهم الله النصر, وقد يستدل بهذه الاية على أحد القولين المتقدمين في قوله تعالى: " إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " أن ذلك كان يوم أحد, لأن عدوهم كان ثلاثة آلاف مقاتل, فلما واجهوهم كان الظفر والنصر أول النهار للإسلام, فلما حصل ما حصل من عصيان الرماة وفشل بعض المقاتلة, تأخر الوعد الذي كان مشروطاً بالثبات والطاعة, ولهذا قال "ولقد صدقكم الله وعده" أي أول النهار "إذ تحسونهم" أي تقتلونهم "بإذنه" أي بتسليطه إياكم عليهم "حتى إذا فشلتم" وقال ابن جريج : قال ابن عباس : الفشل الجبن "وتنازعتم في الأمر وعصيتم" كما وقع للرماة "من بعد ما أراكم ما تحبون" وهو الظفر منهم "منكم من يريد الدنيا" وهم الذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة " ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " ثم أدالهم عليكم ليختبركم ويمتحنكم "ولقد عفا عنكم" أي غفر لكم ذلك الصنيع, وذلك, والله أعلم, لكثرة عدد العدو وعددهم وقلة عدد المسلمين وعددهم, قال ابن جريج : قوله "ولقد عفا عنكم" قال: لم يستأصلكم, وكذا قال محمد بن إسحاق : رواهما ابن جرير "والله ذو فضل على المؤمنين" وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود , حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه, عن عبيد الله عن ابن عباس أنه قال: ما نصر الله في موطن كما نصر يوم أحد, قال: فأنكرنا ذلك, فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله, إن الله يقول في يوم أحد "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه" يقول ابن عباس والحسن : القتل " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " الاية, وإنما عنى بهذا الرماة, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال: "احموا ظهورنا, فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا, وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا" فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم, وأباحوا عسكر المشركين, أكب الرماة جميعاً دخلوا في العسكر ينهبون, ولقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم هكذا ـ وشبك بين يديه ـ وانتشبوا, فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها, دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فضرب بعضهم بعضاً, والتبسوا وقتل من المسلمين, ناس كثير, وقد كان النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة, وجال المسلمون جولة نحو الجبل, ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار, إنما كانوا تحت المهراس, وصاح الشيطان: قتل محمد, فلم يشكوا به أنه حق, فلا زلنا كذلك ما نشك أنه حق حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين نعرفه بتلفته إذا مشى, قال: ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا, قال: فرقى نحونا وهو يقول: "اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله" ويقول مرة أخرى: "اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى إلينا فمكث ساعة, فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل اعل هبل ـ مرتين يعني إلهه ـ أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله ألا أجيبه ؟ قال بلى. فلما قال: اعل هبل. قال عمر : الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: قد أنعمت عينها فعاد. عنها أو فعال. فقال أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر , هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا أبو بكر, وها أنا ذا عمر. قال: فقال أبو سفيان, يوم بيوم بدر, الأيام دول, وإن الحرب سجال, قال: فقال: عمر : لا سواء قتلانا في الجنة, وقتلاكم في النار. قال: إنكم تزعمون ذلك, فقد خبنا وخسرنا إذن, فقال أبو سفيان: إنكم ستجدون في قتلاكم مثلة ولم يكن ذلك عن رأي سراتنا. قال: ثم أدركته حمية الجاهلية, فقال: أما إنه إن كان ذلك لم نكرهه " , هذا حديث غريب وسياق عجيب, وهو من مرسلات ابن عباس , فإنه لم يشهد أحداً ولا أبوه, وقد أخرجها الحاكم في مستدركه عن أبي النضر الفقيه , عن عثمان بن سعيد , عن سلمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس به, وهكذا رواه ابن أبي حاتم والبيهقي في دلائل النبوة من حديث سليمان بن داود الهاشمي به. ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها فقال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا حماد عن عطاء بن السائب , عن الشعبي , عن ابن مسعود , قال: إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين, فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر أنه ليس منا أحد يريد الدنيا, حتى أنزل الله " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعصوا ما أمروا به, أفرد النبي صلى الله عليه وسلم في تسعة: سبعة من الأنصار, ورجلين من قريش, وهو عاشرهم صلى الله عليه وسلم, فلما رهقوه قال: "رحم الله رجلاً ردهم عنا قال: فقام رجل من الأنصار فقاتل ساعة حتى قتل, فلما رهقوه أيضاً قال: رحم الله رجلاً ردهم عنا فلم يزل يقول ذلك حتى قتل السبعة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا فجاء أبو سفيان فقال: اعل هبل: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله أعلى وأجل, فقالوا: الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان, لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله مولانا والكافرون لا مولى لهم فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر. فيوم علينا ويوم لنا, يوم نساء ويوم نسر, حنظلة بحنظلة وفلان بفلان وفلان بفلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا سواء: أما قتلانا فأحياء يرزقون, وأما قتلاكم ففي النار يعذبون فقال أبو سفيان, لقد كان في القوم مثلة, وإن كان لعن غير ملأ منا, ما أمرت ولا نهيت, ولا أحببت ولا كرهت, ولا ساءني ولا سرني, قال: فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه, وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلت شيئاً ؟ قالوا: لا. قال: ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة في النار قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم: حمزة فصلى عليه, وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه, فرفع الأنصاري وترك حمزة حتى جيء بآخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه, ثم رفع وترك حمزة, حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة " , تفرد به أحمد أيضاً. وقال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن البراء , قال: لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير , وقال "لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا, وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن, قد بدت خلاخلهن, فأخذوا يقولون الغنيمة الغنيمة" . فقال عبد الله بن جبير : " عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا, فلما أبوا صرف وجوههم فأصيب سبعون قتيلاً, فأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد ؟ فقال لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال: إن هؤلاء قد قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال له: كذبت يا عدو الله قد أبقى الله لك ما يحزنك, قال أبو سفيان: اعل هبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه قالوا: ما نقول قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا: ما نقول ؟ قال قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر, والحرب سجال, وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني " , تفرد به البخاري من هذا الوجه, ثم رواه عن عمرو بن خالد عن زهير بن معاوية , عن أبي إسحاق , عن البراء بنحوه, وسيأتي بأبسط من هذا وقال البخاري أيضاً: حدثنا عبيد الله بن سعيد , حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة , عن أبيه , عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون, فصرخ إبليس: أي عباد الله أخراكم, فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم, فبصر حذيفة , فإذا هو بأبيه اليمان فقال: أي عباد الله أبي أبي. قال: قالت: فو الله ما احتجزوا حتى قتلوه, فقال حذيفة : يغفر الله لكم. قال عروة : فو الله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله عز وجل. وقال محمد بن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده أن الزبير بن العوام قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند وصواحباتها مشمرات هوارب ما دون أخذهن كثير ولا قليل, ومالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب, وخلوا ظهورنا للخيل, فأتتنا من أدبارنا, وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قتل, فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم. قال محمد بن إسحاق : فلم يزل لواء المشركين صريعاً حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فدفعته لقريش فلاثوا به. وقال السدي , عن عبد خير قال: قال عبد الله بن مسعود : ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا ما نزل يوم أحد " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود , وكذا روي عن عبد الرحمن بن عوف وأبي طلحة , رواهن ابن مردويه في تفسيره, وقوله تعالى: "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم" قال ابن إسحاق : حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أحد بني عدي بن النجار , قال: انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار قد ألقوا ما بأيديهم, فقال: ما يخليكم ؟ فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه, ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه وقال البخاري : حدثنا حسان بن حسان , حدثنا محمد بن طلحة , حدثنا حميد عن أنس بن مالك أن عمه يعني أنس بن النضر , غاب عن بدر فقال: غبت عن أول قتال النبي صلى الله عليه وسلم لئن أشهدني الله مع رسول الله ليرين الله ما أجد, فلقي يوم أحد فهزم الناس, فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ وأبرأ إليك مما جاء به المشركون, فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ , فقال: أين يا سعد إني أجد ريح الجنة دون أحد, فمضى فقتل, فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه بشامة, وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم, هذا لفظ البخاري , وأخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس بنحوه وقال البخاري أيضاً: حدثنا عبدان , حدثنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب , قال: جاء رجل حج البيت فرأى قوماً جلوساً, فقال: من هؤلاء القعود ؟ قالوا: هؤلاء قريش. قال: من الشيخ ؟ قالوا: ابن عمر , فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء فحدثني, قال: سل, قال: أنشدك بحرمة هذا البيت, أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد ؟ قال: نعم. قال: فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها ؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال: نعم. فكبر, فقال ابن عمر : تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه, أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه, وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه" وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث عثمان, فكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: "هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال: هذه يد عثمان اذهب بها الان معك" ثم رواه البخاري من وجه آخر على أبي عوانة , عن عثمان بن عبد الله بن موهب .
وقوله تعالى: "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد" أي صرفكم عنهم إذ تصعدون أي في الجبل هاربين من أعدائكم. وقرأ الحسن وقتادة " إذ تصعدون " أي في الجبل "ولا تلوون على أحد" أي وأنتم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب "والرسول يدعوكم في أخراكم" أي وهو قد خلفتموه وراء ظهوركم يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء, وإلى الرجعة والعودة والكرة. قال السدي : لما شد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم دخل بعضهم المدينة, وانطلق بعضهم إلى الجبل فوق الصخرة فقاموا عليها. فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم " يدعو الناس إلي عباد الله, إلي عباد الله" فذكر الله صعودهم إلى الجبل, ثم ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهم, فقال "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم" وكذا قال ابن عباس وقتادة والربيع وابن زيد . وقال عبد الله بن الزبعري : يذكر هزيمة المسلمين يوم أحد في قصيدته وهو مشرك بعد لم يسلم التي يقول في أولها:
يا غراب البين أسمعت فقل إنما تنطق شيئاً قد فعل
إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل
إلى أن قال:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها واستحر القتل في عبد الأشل
ثم خفوا عند ذاكم رقصاً رقص الحفان يعلو في الجبل
فقتلنا الضعف من أشرافهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل
الحفان: صغار النعم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أفرد في اثني عشر رجلاً من أصحابه كما قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى , حدثنا زهير , حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنه, قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد ـ وكانوا خمسين رجلاً ـ عبد الله بن جبير قال: ووضعهم موضعاً, وقال " إن رأيتمونا تخطفنا الطير, فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم, قال فهزموهم قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت أسواقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن, فقال: أصحاب عبد الله الغنيمة, أي قوم الغنيمة, ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ قال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قاله لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: إنا والله لنأتين الناس, فلنصيبن من الغنيمة. فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين, فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم, فلم يبق مع رسول الله إلا اثنا عشر رجلاً, فأصابوا منا سبعين, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر مائة وأربعين, سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً. قال أبو سفيان: أفي القوم محمد, أفي القوم محمد ؟ ـ ثلاثاً ـ قال. فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه, ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثم أقبل على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم, فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله, إن الذين عددت لأحياء كلهم, وقد بقي لك ما يسوؤك, فقال: يوم بيوم بدر, والحرب سجال. وإنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها, ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز يقول: اعل هبل اعل هبل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه ؟ قالوا: يا رسول الله, وما نقول ؟ قال قولوا الله أعلى وأجل قال: لنا العزى ولا عزى لكم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه ؟ قالوا: يا رسول الله, وما نقول ؟ قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم " وقد رواه البخاري من حديث زهير بن معاوية مختصراً, ورواه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق بأبسط من هذا كما تقدم, والله أعلم ـ وروى البيهقي في دلائل النبوة من حديث عمارة بن غزية , عن أبي الزبير , عن جابر , قال: " انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد, وبقي معه أحد عشر رجلاً من الأنصار, وطلحة بن عبيد الله وهو يصعد الجبل, فلقيهم المشركون, فقال ألا أحد لهؤلاء فقال طلحة : أنا يا رسول الله, فقال كما أنت يا طلحة فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله, فقاتل عنه, وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه, ثم قتل الأنصاري فلحقوه, فقال ألا رجل لهؤلاء فقال طلحة , مثل قوله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله, فقال رجل من الأنصار: فأنا يا رسول الله, فقاتل عنه وأصحابه يصعدون, ثم قتل فلحقوه, فلم يزل يقول مثل قوله الأول, فيقول طلحة: فأنا يا رسول الله, فيحبسه فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال, فيأذن له, فيقاتل مثل من كان قبله, حتى لم يبق معه إلا طلحة فغشوهما, فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهؤلاء فقال طلحة: أنا, فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله, وأصيبت أنامله, فقال حس, فقال رسول الله لو قلت باسم الله وذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون ". وقد روى البخاري عن أبي بكر بن أبي شيبة , عن وكيع , عن إسماعيل , عن قيس بن أبي حازم , قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم, يعني يوم أحد ـ وفي الصحيحين من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه , عن أبي عثمان النهدي , قال: لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, في بعض الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا طلحة بن عبيد الله وسعد عن حديثهما. وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية , عن هاشم بن هاشم الزهري , قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: " نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد وقال ارم فداك أبي وأمي", وأخرجه البخاري عن عبد الله بن محمد , عن مروان بن معاوية , وقال محمد بن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد , عن سعد بن أبي وقاص , أنه رمى يوم أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال سعد: " فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول ارم فداك أبي وأمي حتى إنه ليناولني السهم ليس له نصل فأرمي به " ـ وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد , عن أبيه, عن جده, عن سعد بن أبي وقاص قال: " رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم, وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده, يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام " ـ وقال حماد بن سلمة عن علي بن زيد وثابت عن أنس بن مالك : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار, واثنين من قريش, فلما أرهقوه قال من يردهم عنا وله الجنة ـ أو وهو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار, فقاتل حتى قتل, ثم أرهقوه أيضاً, فقال من يردهم عنا وله الجنة فتقدم رجل من الأنصار, فقاتل حتى قتل, فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا" رواه مسلم عن هدبة بن خالد , عن حماد بن سلمة به نحو, وقال أبو الأسود عن عروة بن الزبير , قال: كان أبي بن خلف أخو بني جمح قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما بلغت رسول الله حلفته, قال "بل أنا أقتله إن شاء الله" فلما كان يوم أحد, أقبل أبي في الحديد مقنعاً وهو يقول: لا نجوت إن نجا محمد, فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتله, فاستقبله مصعب بن عمير , أخو بني عبد الدار , يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه, فقتل مصعب بن عمير , " وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف, من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة وطعنه فيها بحربته, فوقع إلى الأرض عن فرسه, ولم يخرج من طعنته دم, فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور, فقالوا له: ما أجزعك إنما هو خدش ؟ فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتل أبياً" ثم قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي, بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين, فمات إلى النار "فسحقاً لأصحاب السعير" وقد رواه موسى بن عقبة في مغازيه, عن الزهري , عن سعيد بن المسيب بنحوه ـ وذكر محمد بن إسحاق , قال: " لما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب, أدركه أبي بن خلف وهو يقول: لا نجوت إن نجوت, فقال القوم: يا رسول الله يعطف عليه رجل منا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من " الحارث بن الصمة " , فقال بعض القوم ـ ما ذكر لي ـ فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض, ثم استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مراراً " ـ وذكر الواقدي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق , عن عاصم بن عمرو بن قتادة , عن عبد الله بن كعب بن مالك , عن أبيه , نحو ذلك. قال الواقدي : وكان ابن عمر يقول مات أبي بن خلف ببطن رابغ, فإني لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل, إذا أنا بنار تأجج فهبتها, فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يهيج به العطش, وإذا رجل يقول: لا تسقه, فإن هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا أبي بن خلف ـ وثبت في الصحيحين من رواية عبد الرزاق عن معمر , عن همام بن منبه عن أبي هريرة , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو حينئذ يشير إلى رباعيته ـ واشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله" وأخرجه البخاري أيضاً من حديث ابن جريج عن عمرو بن دينار , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال: " اشتد غضب الله على من قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في سبيل الله, واشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم " ـ قال ابن إسحاق : " أصيبت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشج في وجنته, وكلمت شفته " , وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص, فحدثني صالح بن كيسان , عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص قال: ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص إن كان ما علمته لسيء الخلق مبغضاً في قومه, ولقد كفاني فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ـ وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن الزهري , عن عثمان الجزري , عن مقسم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسر رباعيته ودمى وجهه, فقال اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافراً" فما حال عليه الحول حتى مات كافراً إلى النار ـ وذكر الواقدي عن ابن أبي سبرة , عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة , عن أبي الحويرث , عن نافع بن جبير , قال: سمعت رجلاً من المهاجرين يقول: شهدت أحداً فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها, كل ذلك يصرف عنه, ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ, دلوني على محمد لا نجوت إن نجا, ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ليس معه أحد, ثم جاوزه فعاتبه في ذلك صفوان, فقال والله ما رأيته أحلف بالله إنه منا ممنوع! خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك, قال الواقدي : والذي ثبت عندنا, أن الذي رمى في وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن قميئة, والذي دمى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص, وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا ابن المبارك عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله , أخبرني عيسى بن طلحة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد, قال: ذاك يوم كله لطلحة ثم أنشأ يحدث, قال: كنت أول من فاء يوم أحد, فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه وأراه قال حمية , فقال: فقلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني, فقلت: يكون رجلاً من قومي أحب إلي وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه, وهو يخطف المشي خطفاً لا أحفظه, فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح , فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه, وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكما صاحبكما يريد طلحة" وقد نزف فلم نلتفت إلى قوله, قال: وذهبت لأن أنزع ذلك من وجهه, فقال أبو عبيدة : أقسمت عليك بحقي لما تركتني فتركته, فكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأزم عليه بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين, ووقعت ثنيته مع الحلقة, وذهبت لأصنع ما صنع, فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني, قال ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى, فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة, فكان أبوعبيدة أحسن الناس هتماً, فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار, فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة ورمية وضربة, وإذا قد قطعت أصبعه, فأصلحنا من شأنه, ورواه الهيثم بن كليب والطبراني من حديث إسحاق بن يحيى به. وعند الهيثم فقال أبو عبيدة : أنشدك الله يا أبا بكر إلا تركتني ؟ فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه, فجعل ينضنضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه فبدرت ثنية أبو عبيدة , وذكر تمامه , واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه, وقد ضعف علي بن المديني هذا الحديث من جهة إسحاق بن يحيى هذا فإنه تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان وأحمد ويحيى بن معين والبخاري وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمد بن سعد والنسائي وغيرهم وقال ابن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه أن مالكاً أبا أبي سعيد الخدري لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد مص الجرح حتى أنقاه ولاح أبيض فقيل له: مجه, فقال: لا والله لا أمجه أبداً, ثم أدبر يقاتل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فاستشهد " . وقد ثبت في الصحيحين من طريق عبد العزيز بن أبي حازم , عن أبيه , عن سهل بن سعد , أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم, فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم وكان علي يسكب عليه الماء بالمجن, فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها حتى إذا صارت رماداً ألصقته بالجرح فاستمسك الدم, وقوله تعالى: "فأثابكم غماً بغم" أي فجزاكم غماً على غم, كما تقول العرب: نزلت ببني فلان, ونزلت على بني فلان. وقال ابن جرير : وكذا قوله "ولأصلبنكم في جذوع النخل" أي على جذوع النخل, قال ابن عباس : الغم الأول بسبب الهزيمة, وحين قيل قتل محمد صلى الله عليه وسلم, والثاني حين علاهم المشركون فوق الجبل, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ليس لهم أن يعلونا" وعن عبد الرحمن بن عوف : الغم الأول بسبب الهزيمة, والثاني حين قيل قتل محمد صلى الله عليه وسلم كان ذلك عندهم أشد وأعظم من الهزيمة, رواهما ابن مردويه , وروي عن عمر بن الخطاب نحو ذلك, وذكر ابن أبي حاتم , عن قتادة نحو ذلك أيضاً وقال السدي : الغم الأول بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح, والثاني يإشراف العدو عليهم, وقال محمد بن إسحاق "فأثابكم غماً بغم" أي كرباً بعد كرب قتل من قتل من إخوانكم, وعلو عدوكم عليكم, وما وقع في أنفسكم من قول من قال: قتل نبيكم, فكان ذلك متتابعاً عليكم غماً بغم, وقال مجاهد وقتادة : الغم الأول سماعهم قتل محمد, والثاني ما أصابهم من القتل والجراح, وعن قتادة والربيع بن أنس عكسه. وعن السدي : الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة, والثاني إشراف العدو عليهم, وقد تقدم هذا القول عن السدي . قال ابن جرير : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال "فأثابكم غماً بغم" فأثابكم بغمكم أيها المؤمنون بحرمان الله إياكم غنيمة المشركين والظفر بهم والنصر عليهم, وما أصابكم من القتل والجراح, يومئذ بعد الذي كان قد أراكم في كل ذلك ما تحبون بمعصيتكم أمر ربكم, وخلافكم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم غم ظنكم أن نبيكم قد قتل وميل العدو عليكم بعد فلولكم منهم. وقوله تعالى: "لكيلا تحزنوا على ما فاتكم" أي على ما فاتكم من الغنيمة والظفر بعدوكم "ولا ما أصابكم" من الجراح والقتل, قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف والحسن وقتادة والسدي , "والله خبير بما تعملون" سبحانه وبحمده لا إله إلا هو جل وعلا.)
قوله 152- "ولقد صدقكم الله وعده" نزلت لما قال بعض المسلمين من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر، وذلك أنه كان الظفر لهم في الابتداء، حتى قتلوا صاحب لواء المشركين وتسعة نفر بعده، فلما اشتغلوا بالغنيمة وترك الرماة مركزهم طلباً للغنيمة كان ذلك سبب الهزيمة. والحس: الاستئصال بالقتل، قاله أبو عبيد. يقال جراد محسوس: إذا قتله البر، وسنه حسوس: أي جدبة تأكل كل شيء. قيل: وأصله من الحس الذي هو الإدراك بالحاسة، فمعنى حسه: أذهب حسه بالقتل، وتحسونهم: تقتلونهم وتستأصلونهم، قال الشاعر:
حسسناهم بالسيف حساً فأصبحت بقيتهم قد شردوا وتبددوا
وقال جرير:
تحسهم السيوف كما تسامى حريق النار في الأجم الحصيد
"بإذنه" أي: بعلمه وقضائه "حتى إذا فشلتم" أي: جبنتم وضعفتم، قيل: جواب حتى محذوف تقديره امتحنتم وقال الفراء: جواب حتى قوله "وتنازعتم" والواو مقحمة زائدة كقوله "فلما أسلما وتله للجبين" وقال أبو علي: يجوز أن يكون الجواب صرفكم عنهم، وقيل فيه تقديم وتأخير: أي حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم، وقيل: إن الجواب عصيتم، والواو مقحمة. وقد جوز الأخفش مثله في قوله تعالى "حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم"، وقيل: حتى بمعنى إلى، وحينئذ لا جواب لها، والتنازع المذكور هو ما وقع من الرماة حين قال بعضهم: نلحق الغنائم، وقال بعضهم: نثبت في مكاننا كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى قوله "من بعد ما أراكم ما تحبون" ما وقع لهم من النصر في الابتداء في يوم أحد كما تقدم "منكم من يريد الدنيا" يعني الغنيمة "ومنكم من يريد الآخرة" أي: الأجر بالبقاء في مراكزهم امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم" أي: ردكم الله عنهم بالانهزام بعد أن استوليتم عليهم ليمتحنكم "ولقد عفا عنكم" لما علم من ندمكم فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة، والخطاب لجميع المنهزمين وقيل: للرماة فقط.
152-قوله تعالى:"ولقد صدقكم الله وعده" قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة من أحد ، وقد أصابهم ما أصابهم ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا ؟ وقد وعدنا الله النصر، فأنزل الله تعالى:
"ولقد صدقكم الله وعده" بالنصر والظفر ، وذلك أن النصر والظفر كان للمسلمين في الإبتداء، "إذ تحسونهم بإذنه" وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أحداً خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين ، وهو جبل، عن يساره وأقام عليه الرماه وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، وقال لهم:احموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وأقبل المشركون فأخذوا في القتال فجعل الرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل، والمسلمون يضربونهم بالسيوف، حتى ولوا هاربين فذلك قوله تعالى "إذ تحسونهم بإذنه" أي تقتلونهم قتلاً ذريعاً بقضاء الله.
قال أبو عبيدة: الحس : هو الاستئصال بالقتل.
"حتى إذا فشلتم"أي: إن جبنتم ، وقيل: معناه فلما فشلتم ،"وتنازعتم في الأمر وعصيتم"، والواو زائدة في "وتنازعتم"، يعني: حتى إذا فشلتم تنازعتم ، وقيل: فيه تقديم وتأخير ، تقديره : حتى إذا تنازعتم في الأمر وعصيتم فشلتم ، ومعنى التنازع الأختلاف.
وكان اختلافهم أن الرماة اختلفوا حين انهزم المشركون ، فقال بعضهم: انهزم القوم فما مقامنا ؟ وأقبلوا على الغنيمة ، وقال بعضهم : لا تجاوزوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثبت عبد الله بن جبيرفي نفر يسير دون العشرة.
فلما رأي خالد بن الوليد و عكرمة بن أبي جهل ذلك حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه ، وأقبلوا على المسلمين وحالت الريح فصارت دبوراً بعد ما كانت صباً، وانتقضت صفوف المسلمين واختلطوا فجعلوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضاً مايشعرون من الدهش، ونادى إبليس أن محمداً قد قتل ، وكان ذلك سبب الهزيمة للمسلمين .
قوله تعالى :"وعصيتم" يعني : الرسول صلى الله عليه وسلم وخالفتم امره ،"من بعد ما أراكم" ، الله "ما تحبون" يامعشر المسلمين من الظفر والغنيمة ،"منكم من يريد الدنيا" ، يعني: الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب،"ومنكم من يريد الآخرة "،يعني: الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا ، قال عبد الله بن مسعود: ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ، ونزلت هذه الآية "ثم صرفكم عنهم"، أي : ردكم عنهم بالهزيمة ، "ليبتليكم" ، ليمتحنكم ، وقيل: لينزل البلاء عليكم "ولقد عفا عنكم"، فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة،"والله ذو فضل على المؤمنين".
152"ولقد صدقكم الله وعده" أي وعده إياكم بالنصر بشرط التقوى والصبر، وكان كذلك حتى خالف الرماة فان المشركين لما أقبلوا جعل الرماة يرشقونهم بالنبل والباقون يضربونهم بالسيف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم. " إذ تحسونهم بإذنه " تقتلونهم، من حسه إذا أبطل حسه. " حتى إذا فشلتم " جبنتم وضعف رأيكم، أو ملتم إلى الغنيمة فإن الحرص من ضعف العقل. "وتنازعتم في الأمر" يعني اختلاف الرماة حين انهزم المشركون فقال بعضهم فما موقفنا ها هنا، وقال آخرون لا نخالف أمر الرسول فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهب وهو المعني بقوله: " وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " من الظفر والغنيمة وانهزام العدو، وجواب إذا محذوف وهو امتحنكم، "منكم من يريد الدنيا" وهم التاركون المركز إلى الغنيمة. "ومنكم من يريد الآخرة" وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم. " ثم صرفكم عنهم " ثم كفكم عنهم حتى حالت الحال فغلبوكم. "ليبتليكم" على المصائب ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها. "ولقد عفا عنكم" تفضلاً ولما علم من ندمكم على المخالفة. "والله ذو فضل على المؤمنين" يتفضل عليهم بالعفو، أو في الأحوال كلها سواء أديل لهم أو عليهم إذ الابتلاء أيضاً رحمة.
152. Allah verily made good His promise unto you when ye routed them by His leave, until (the moment) when your courage failed you, and ye disagreed about the order and ye disobeyed, after He had shown you that for which ye long. Some of you desired the world, and some of you desired the Hereafter. Therefore He made you flee from them, that He might try you. Yet now He hath forgiven you. Allah is a Lord of Kindness to believers.
152 - God did indeed fulfil his promise to you when ye with his permission were about to annihilate your enemy, until ye flinched and fell to disputing about the order, and disobeyed it after he brought you in sight (of the booty) which ye covet. among you are some that hanker after this world and some that desire the hereafter, then did he divert you from your foes in order to test you. but he forgave you: for God is full of grace to those who believe.