[آل عمران : 14] زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
(زين للناس حب الشهوات) ما تشتهيه النفس وتدعو إليه ، زينها الله ابتلاء أو الشيطان (من النساء والبنين والقناطير) الأموال الكثيرة (المقنطرة) المجمعة (من الذهب والفضة والخيل المسومة) الحسان (والأنعام) أي الإبل والبقر والغنم (والحرث) الزرع (ذلك) المذكور (متاع الحياة الدنيا) يتمتع به فيها ثم يفنى (والله عنده حسن المآب) المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره : زين للناس محبة ما يشتهون من النساء والبنين وسائر ما عد. وإنما أراد بذلك توبيخ اليهود الذين آثروا الدنيا وحب الرياسة فيها ، على اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بصدقه.
وكان الحسن يقول: من زينها، ما أحد أشد لها ذماً من خالقها .
حدثني بذلك أحمد بن حازم قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا أبو الأشعث عنه. حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن عطاء، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال ، قال عمر: لما نزل : "زين للناس حب الشهوات"، قلت : الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت : "قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار" [آل عمران: 15]، الآية .
وأما القناطير فإنها جمع القنطار.
واختلف أهل التأويل في مبلغ القنطار.
فقال بعضهم .
هو ألف ومئتا أوقية.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي -مهمين، عن سالم بن أبي الجعد، عن معاذ بن جبل قال: القنطار ألف ومئتا أوقية .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش قال ، حدثنا أبوحصين ، عن سالم بن أبي الجعد، عن معاذ مثله .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرنا - يعني حفص بن ميسرة- عن أبى مروان ، عن أبي طيبة ، عن ابن عمر قال: القنطار ألف ومئتا أوقية .
حدثني يعقوب بن ابراهم قال ، حدثنا القاسم بن مالك المزني قال ، أخبرني العلاء بن المسيب، عن عاصم بن أبي النجود قال: القنطار ألف ومئتا أوقية .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مثله .
حدثني زكريا بن يحيى الضرير قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا مخلد بن عبد الواحد، عن علي بن زيد، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القنطار ألف أوقية ومئتا أوقية ".
وقال آخرون : القنطار ألف دينار ومئتا دينار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمران بن موسى قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا يونس ، عن الحسن قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القنطار ألف ومئتا دينار". حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا يونس ، عن الحسن قال : القنطار ألف ومئتا دينار.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : القنطار ألف ومئتا دينار، ومن الفضة ألف ومئتا مثقال .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : "القناطير المقنطرة"، يعني المال الكثير من الذهب والفضة ، والقنطار ألف ومئتا دينار، ومن الفضة ألف ومئتا مثقال .
وقال آخرون : القنطار اثنا عشر ألف درهم ، أو ألف دينار.
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود قال ، حدثنا أبو صالح ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : القنطار اثنا عشر ألف درهم ، أو ألف دينار.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر، عن الضحاك قال : القنطار ألف دينار، ومن الورق اثنا عشر ألف درهم.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن : أن القنطار اثنا عشر ألفا .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا عوف ، عن الحسن : القنطار اثنا عشر ألفا .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا قال أخبرنا عوف ، عن الحسن : اثنا عشر ألفا. حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن بمثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن قال : القنطار ألف دينار، دية أحدكم .
وقال آخرون : هو ثمانون ألفا من الدراهم ، أو مئة رطل من الذهب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : القنطار ثمانون ألفا .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال : القنطار ثمانون ألفا .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قال : كنا نحدث أن القنطار مئة رطل من ذهب ، أو ثمانون ألفاً من الورق .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة قال : القنطار مئة رطل من ذهب ، أو ثمانون ألف درهم من ورق .
حدثنا أحمد بن حازم قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح قال : القنطار مئة رطل .
حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : القنطار يكون مئة رطل ، وهو ثمانية آلاف مثقال .
وقال آخرون : القنطار سبعون ألفا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "القناطير المقنطرة"، قال : القنطار سبعون ألف دينار.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا عمر بن حوشب قال ، سمعت عطاء الخراساني قال : سئل ابن عمر عن القنطار فقال : سبعون ألفاً. وقال آخرون: هي ملء مسك ثور ذهبا .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا سالم بن نوح قال ، حدثنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة قال : ملء مسك ثور ذهبا.
حدثني أحمد بن حازم قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا أبو الأشعث ، عن أبي نضرة : ملء مسك ثور ذهبا .
وقال آخرون : هو المال الكثير.
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال : "القناطير المقنطرة"، المال الكثير، بعضه على بعض .
وقد ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب : أن العرب لا تحد القنطار بمقدار معلوم من الوزن ، ولكنها تقول: هو قدر وزن .
قال أبو جعفر: وقد ينبغي أن يكون ذلك كذلك ، لأن ذلك لو كان محدوداً قدره عندها ، لم يكن بين متقدمي أهل التأويل فيه كل هذا الإختلاف .
قال أبو جعفر: فالصواب في ذلك أن يقال : هو المال الكثير، كما قال الربيع بن أنس، ولا يحد قدر وزنه بحد على تعسف . وقد قيل ما قيل مما روينا .
وأما"المقنطرة"، فهي المضعفة، وكأن القناطير ثلاثة، و المقنطرة تسعة . وهو كما قال الربيع بن أنس : المال الكثير بعضه على بعض ، كما:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "القناطير المقنطرة من الذهب والفضة"، والمقنطرة المال الكثير بعضه على بعض .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك في قوله : "القناطير المقنطرة"، يعني المال الكثير من الذهب والفضة. وقال آخرون : معنى "المقنطرة": المضروبة دراهم أو دنانير.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي أما قوله :"المقنطرة"، فيقول: المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : "وآتيتم إحداهن قنطارا" [النساء: 20] خبر لو صح سنده ، لم نعده إلى غيره . وذلك ما:
حدثنا به ابن عبد الرحمن البرقي قال ، حدثني عمرو بن أبي سلمة قال ، حدثنا زهير بن محمد قال ، حدثني أبان بن أبي عياش وحميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وآتيتم إحداهن قنطارا"[النساء: 20]، قال : ألفا مئين ، يعني : ألفين .
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى "المسومة".
فقال بعضهم : هي الراعية .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ،عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير: "الخيل المسومة"، قال : الراعية ، التي ترعى.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير،مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير: هي الراعية، يعني : السائبة.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن طلحة القناد قال ، سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى يقول : الراعية .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "والخيل المسومة"، قال : الراعية .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن : "والخيل المسومة"* المسرحة في الرعي.
حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع قوله : "والخيل المسومة"، قال : الخيل الراعية .
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن ليث ، عن مجاهد: أنه كان يقول: الخيل الراعية .
وقال آخرون : "المسومة": الحسان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب قال ، قال مجاهد :"المسومة"، المطهمة حسناً .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن مجاهد في قوله :"والخيل المسومة"، قال : المطهمة الحسان.
حدثني محمد بن عمروقال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "والخيل المسومة"، قال . المطهمة حسناً .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن مجاهد: المطهمة .
حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء قال ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال : سألت عكرمة عن "الخيل المسومة"، قال : تسويمها ، حسنها .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن بشير بن أبي عمرو الخولاني قال : سمعت عكرمة يقول : "الخيل المسومة"، قال : تسويمها الحسن .
حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "الخيل المسومة والأنعام"، الرا ئعة .
وقد حدثني بهذا الحديث عن عمرو بن حماد غير موسى ، قال : الراعية .
وقال آخرون : "الخيل المسومة"، المعلمة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن على ، عن ابن عباس : "والخيل المسومة"، يعني المعلمة.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والخيل المسومة"، وسيماها ، شيتها .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله . "والخيل المسومة"، قال : شية الخيل في وجوهها .
وقال غيرهم : "المسومة"، المعدة للجهاد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : "والخيل المسومة"، قال : المعدة للجهاد .
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : "والخيل المسومة"، المعلمة بالشيات ، الحسان ، الرائعة حسناً من رآها .لأن التسويم في كلام العرب : هو الإعلام . فالخيل الحسان معلمة بإعلام الله إياها بالحسن من ألوانها وشياتها وهيئاتها ، وهي المطقمة ، أيضاً .ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان في صفة الخيل:
بضمركالقداح مسومات عليها معشر أشباه جن
يعني ب المسومات ، المعلمات، وقول لبيد:
‌وغداة قاع القرنتين أتينهم زجلاً يلوح خلالها التسويم
فمعنى تأويل من تأول ذلك: المطهمة ، والمعلمة ، والرائعة ، واحد .
وأما قول من تأوله بمعنى : الراعية ، فإنه ذهب إلى قول القائل : أسمت الماشية فأنا أسيمها إسامة، إذا رعيتها الكلأ والعشب ، كما قال الله عز وجل : "ومنه شجر فيه تسيمون" [النحل :5ا]، بمعنى : ترعون ، ومنه قول الأخطل :
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله، أولى لك ابن ورجمة الأجمال
يعني بذلك: راعية الأجمال . فإذا أريد أن الماشية هي التي رعت ، قيل : سامت الماشية تسوم سوماً ، ولذلك قيل: إبل سائمة ، بمعنى : راعية ، غير أنه غير مستفيض في كلامهم : سومت الماشية، بمعنى أرعيتها، وإنما يقال إذا أريد ذلك : أسمتها.
فإذ كان ذلك كذلك ، فتوجيه تأويل "المسومة" إلى أنها المعلمة بما وصفنا من المعاني التي تقدم ذكرها، أ صح .
وأما الذي قاله ابن زيد: من أنها المعدة في سبيل الله ، فتأويل من معنى المسومة، بمعزل. قال أبو جعفر: فـ "الأنعام" جمع نعم، وهي الأزواج الثمانية التي ذكرها في كتابه: من الضأن والمعز والبقر والإبل.
وأما الحرث ، فهو ا لزرع .
وتأويل الكلام : زين للناس حب الشهوات من النساء ، ومن البنين ، ومن كذا ، ومن كذا ، ومن الأنعام والحرث .
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "ذلك"، جميع ما ذكر في هذه الآية من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث.فكنى بقوله: " ذلك" عن جميعهم . وهذا يدل على أن "ذلك" يشتمل على الأشياء الكثيرة المختلفة المعان ، ويكنى به عن جميع ذلك .
وأما قوله: "متاع الحياة الدنيا"، فإنه خبر من الله عن أن ذلك كله مما يستمتع به في الدنيا أهلها أحياء، فيتبلغون به فيها، ويجعلونه وصلةً في معايشهم، وسبباً لقضاء شهواتهم التي زين لهم حبها في عاجل دنياهم ، دون أن تكون عدة لمعادهم ، وقربةً لهم إلى ربهم ، إلا ما أسلك في سبيله ، وأنفق منه فيما أمر به .
وأما قوله : "والله عنده حسن المآب"، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه : وعند الله حسن المآب ، يعني : حسن المرجع ، كما :
حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "والله عنده حسن المآب"، يقول . حسن المنقلب ، وهي الجنة .
وهو مصدر على مثال مفعل من قول القائل: آب الرجل إلينا، إذ ا رجع ، فهو يؤوب إياباً وأوبة وأيبة ومآباً ، غير أن موضع الفاء منها مهموز، والعين مبدلة من الواو إلى الألف بحركتها إلى الفتح .
فلما كان حظها الحركة إلى الفتح ، وكانت حركتها منقولة إلى الحرف الذي قبلها - وهو فاء الفعل- انقلبت فصارت ألفا ، كما قيل : قال فصارت عين الفعل ألفا، لأن حظها الفتح . والمآب مثل المقال و المعاد و المجال، كل ذلك مفعل منقولة حركة عينه إلى فائه، فمصيرة واوه أو ياؤه ألفا لفتحة ما قبلها.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف قيل : "والله عنده حسن المآب"، وقد علمت ما عنده يومئذ من أليم العذاب وشديد العقاب؟ .
قل: إن ذلك معني به خاص من الناس ، ومعنى ذلك : والله عنده حسن المآب للذين اتقوا ربهم . وقد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية التي تليها .
فإن قال : وما "حسن المآب"؟ قيل : هو ما وصفه به جل ثناؤه ، وهو المرجع إلى جنات تجري من تحتها الأنهار مخلداً فيها ، وإلى أزواج مطهرة ورضوان من الله.
فيه إحدى عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : " زين للناس " زين من التزيين . واختلف الناس من المزين ، فقالت فرقة : الله زين ذلك ، وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ذكره البخاري . وفي التنزيل : " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها" ، ولما قال عمر : الآن يا رب حين زينتها لنا نزلت . " قل أؤنبئكم بخير من ذلكم" . وقالت فرقة : المزين هو الشيطان ، وهو ظاهر قول الحسن ، فإنه قال ك من زينها ما أحد اشد لها ذما من خالقها . فتتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للإنتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء . وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها . والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس ، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم . وقرأ الجمهور زين على بناء الفعل للمفعول ، ورفع حب . وقرأ الضحاك ومجاهد زين على بناء الفعل للفاعل ، ونصب حب . وحركت الهاء من الشهوات فرقا بين الاسم والنعت . والشهوات جمع شهوة وهي معروفة . ورجل شهوان للشيء ، وشيء شهي أي مشتهى واتباع الشهوات مرد وطاعتها مهلكة . وفي صحيح مسلم .
" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها . وأن النار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها . وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" طريق الجنة حزن بربوة وطريق النار سهل بسهوة " ، وهو معنى قوله : " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " . أي طريق الجنة صعبة المسلك فيه أعلى ما يكون من الروابي ، وطريق النار سهل لا غلظ فيه ولا وعورة ، وهو معنى قوله : سهل بسهوة وهو بالسين المهملة .
الثانية : قوله تعالى : من النساء بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن ، لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء " أخرجه البخاري ومسلم . ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء . ويقال : في النساء فتنتان ، وفي الأولاد فتنة واحدة . فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم ، لن المرأة تامر زوجها بقطعة من الأمهات والأخوات . والثانية يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام . وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة ، وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم . وروي عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب " . حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال ن وليس في ذلك تحصين لهن ولا ستر ، لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة والبلاء ، ولأنهن قد خلقن من الرجل ، فهمتها في الرجل والرجل خلق فيه الشهوة وجعلت سكنا له ، فغير مأمون كل واحد منهما على صاحبه . وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى منن الفتنة وأشد . وفي كتاب الشهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم :
أعروا النساء يلزمن الحجال . فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له الدين ، قال صلى الله عليه وسلم :
عليك بذات الدين تربت يداك أخرجه مسلم عن أبي هريرة . وفي سنن ابن ماحه عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل .
الثالثة : قوله تعالى : والبنين عطف على ما قبله . وواحد من البنين ابن . قال الله تعالى مخبرا عن نوح : إن ابني من أهلي . وتقول في التصغير بني كما قال لقمان .
وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأشعث بن قيس :
هل لك من ابنة حمد من ولد قال نعم ، لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني جبلة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن قلت ذلك إنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين وإنهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة .
الرابعة : قوله تعالى : والقناطير القناطير جمع قنطار ، كما قال تعالى :" وآتيتم إحداهن قنطارا" وهو العقدة الكبيرة من المال ، وقيل : هو اسم للمعيار الذي يوزن به ، كما هو الرطل والربع . ويقال لما بلغ ذلك الوزن : هذا قنطار ، أي يعدل القنطار . والعرب تقول : قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار . وقال الزجاج : القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه ، تقول العرب : قنطرت الشيء إذا أحكمته ، ومنه سميت القنطرة لإحكامها . قال طرفة :
كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
والقنطرة المعقودة ، فكأن القنطار عقد مال . واختلف العلماء في تحرير حده كم هو على أقوال عديدة ، فروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ، وقال بذلك معاذ بن جبل وعبدالله بن عمر وأبو هريرة وجماعة من العلماء . قال ابن عطية : وهو أصح الأقوال ، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية . وقيل : اثنا عشر ألف أوقية ، اسنده البستي في مسنده الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
القنطار اثنا عشر ألف أوقية الأوقية خير مما بين السماء والأرض .
وقال بهذا القول أبو هريرة أيضا . وفي مسند أبي محمد الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذاكرين ، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر قيل : وما القنطار قال : ملء مسك ثور ذهبا . موقوف ، وقال به أبو نضرة العبدي . وذكر ابن سيده أنه هكذا بالسريانية . وقال النقاش عن ابن الكلبي أنه هكذا بلغه الروم . وقال ابن عباس والضحاك والحسن : ألف ومائتا مثقال من الفضة ، ورفعه الحسن . وعن ابن عباس : اثنا عشر ألف درهم من الفضة ، ومن الذهب ألف دينار دية الرجل المسلم ، وروي عن الحسن والضحاك . وقال سعيد بن المسيب : ثمانون ألفا . قتادة : مائة رطل من الدهب أو ثمانون ألف درهم من الفضة . وقال أبو حمزة الثمالي : القنطار بإفريقية والأندلس ثمانية آلاف مثقال من ذهب أو فضة . السدي : أربعة آلاف مثقال . مجاهد : سبعون ألف مثقال ، وروي عن ابن عمر . وحكى مكي قولا أن القنطار أربعون أوقية من ذهب أو فضة ، وقله ابن سيده في المحكم ، وقال : القنطار بلغة بربر ألف مثقال . وقال الربيع بن أنس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض ، وهذا هو المعروف عند العرب ، ومنه قوله : "وآتيتم إحداهن قنطارا " . أي مالا كثيرا . ومنه الحديث :
إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية وقنطر أبوه أي صار له قنطار من المال . عن الحكم : القنطار هو ما بين السماء والأرض . واختلفوا في معنى المقنطرة فقال الطبري وغيره : معناه المضعفة ، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع . وروي عن الفراء أنه قال : القناطير جمع القنطار ، والمقنطرة جمع الجمع ، فيكون تسع قناطير . السدي : المقنطرة المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم . مكي : المقنطرة المكملة ، وحكاه الهروي ، كما يقال : بدر مبدرة ، وآلاف مؤلفة . وقال بعضهم : ولهذا سمي البناء القنطرة لتكاثف البناء بعضه على بعض . إبن كيسان والفراء : لا تكون المقنطرة أقل من تسع قناطير . وقيل : المقنطرة إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا . وفي صحيح البستي عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المتقنطرين .
الخامسة : قوله تعالى : من الذهب والفضة الذهب مؤنثة ، يقال : هي الذهب الحسنة ، جمعها ذهاب وذهوب . ويجوز أن يكون جمع ذهبة ،ويجمع على الأذهاب . وذهب فلان مذهبا حسنا . والذهب : مكيال لأهل اليمن . ورجل ذهب إذا رأى معدن الذهب فدهش . والفضة معروفة ، وجمعها فضض . فالذهب مأخوذة من الذهاب ، والفضة مأخوذة من انفض الشيء تفرق ، ومنه فضضت القوم فانفضوا ، أي فرقتهم فتفرقوا . وهذا الاشتقاق يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد في الوجود . ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم .
النار أخر دينار نطقت به والهم آخر هذا الدرهم الجاري
والمرء بينهما إن كان ذا ورع معذب القلب بين الهم والنار
السادسة : قوله تعالى : والخيل مؤنثة . قال ابن كيسان : حدثت عن أبي عبيدة أنه قال : واحد الخيل خائل ، مثل طائر وطير ن وضائن وضين ، وسمي الفرس بذلك لأنه يختال في مشيه . وقال غيره :هو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، واحدة فرس ، كالقوم والرهط والنساء والإبل ونحوها . وفي الخبر من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم :
إن الله خلق الفرس من الريح ولذلك جعلها تطير بلا جناح . وهب بن منبه خلقها من ريح الجنوب . قال وهب : فليس تسبيحة ولا تكبيرة ولا تهليلة يكبرها صاحبها إلا وهو يسمعها فيجيبه بمثلها . وسيأتي لذكر الخيل ووصفها في سورة الأنفال ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى . في الخبر :
إن الله عرض على آدم جميع الدواب ، فقيل له : اختر منها واحدا فاختار الفرس ، فقيل له : اخترت عزك ، فصار اسمه الخير من هذا الوجه . وسميت خيلا لأنها موسومة بالعز فمن ركبه اعتز بنحلة الله له ويختال به على أعداء الله تعالى . وسمي فرسا لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثبانا ، ويقطعها كالالتهام بيديه على شيء خبطا وتناولا ، وسمي عربيا لأنه جيء به من بعد آدم لإسماعيل جزاء عن رفع قواعد البيت ، وإسماعيل عربي ، فصار له نحله من الله تعالى فسمي عربيا . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الشيطان دارا فيها فرس عتيق . وإنما سمي عتيقا لأنه قد تخلص من الهجانة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
خير الخيل الأدهم الأقرع الأرثم ثم الأقرع المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية . أخرجه الترمذي عن أبي قتادة . وفي مسند الدرامي عنه أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أريد أن أشتري فرسا فأيها أشتري قال : اشتر أدهم أرثم محجلا طلق اليمين أو من الكميت على هذه الشية تغنم وتسلم . وروى النسائي عن أنس قال :
لم يكن أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل . وروي الأئمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
الخيل ثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر الحديث بطوله ، شهرته أغنت عن ذكره . وسيأتي ذكر أحكام الخيل في الأنفال والنحل بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى .
السابعة : قوله تعالى : المسومة : يعني الراعية في المروج والمسارح ، قاله سعيد بن جبير . يقال : سامت الدابة والشاة إذا سرحت تسوم سوما فهي سائمة . وأسمتها أنا تركتها لذلك فهي مسامة . وسومتها تسويما فهي مسومة . وفي سنن ابن ماجة عن علي قال :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السوم قبل طلوع الشمس ، وعن ذبح ذوات الدر . السوم هنا في معنى الرعي . وقال الله عز وجل : فيه تسيمون . قال الأخطل :
مثل ابن بزعة أو كآخر مثله أولى لك ابن مسيمة الأجمال
أراد ابن راعية الإبل . والسوام : كل بهيمة ترعى ، وقيل : المعدة للجهاد ، قاله ابن زيد . مجاهد ك المسومة المطهمة الحسان . وقال عكرمة : سومها الحسن ، واختاره النحاس ، من قولهم : رجل وسيم . وروي عن ابن عباس أنه قال : المسومة المعلمة بشيات الخيل في وجوهها ، من السيما وهي العلامة . وهذا مذهب الكسائي وأبي عبيدة .
قلت : كل ما ذكر يحتمله اللفظ ، فتكون راعية معدة حسانا معلمة لتعرف من غيرها . قال أبو زيد : أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى . وحكى ابن فارس اللغوي في مجمله : المسومة المرسلة وعليها ركبانها . وقال المؤرج : المسومة المكوية . المبرد : المعروفة في البلدان . ابن كيسان : البلق . وكلها متقارب من السيما . قال النابغة :
وضمر كالقداح مسومات عليها معشر أشباه جن
الثامنة : قوله تعالى : ( والأنعام ) قال ابن كيسان : إذا قلت نعم لم تكن إلا للإبل ، فإذا قلت أنعام وقعت للإبل
وكل ما يرعى . قال الفراء : هو مذكر ولا يؤنث ، يقولون : هذا نعم وارد ، ويجمع أنعاما . قال الهروي : والنعم يذكر ويؤنث ، والأنعام المواشي من الإبل والبقر والغنم ، وإذا قيل : النعم هو الإبل خاصة . وقال حسان :
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء
وفي سنن ابن ماجة عن عروة البارقي يرفعه قال :
الإبل عز لأهلها والغنم بركة و الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة . وفيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى عليه وسلم :" الشاة من دواب الجنة " . وفيه عن أبي هريرة قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم ، والفقراء باتخاذ الدجاج . وقال عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله تعالى بهلاك التراب ، وفيه عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : اتخذي غنما فإن فيها بركة . أخرجه عن أبي بكر بن شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ ، إسناد صحيح .
التاسعة : وقوله تعالى : والحرث ، الحرث هنا اسم لكل ما يحرث وهو مصدر سمي به ، تقول : حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض بمعنى الفلاح ، فيقع اسم الحراثة على زرع الحبوب وعلى الجنات وعلى غير ذلك من نوع الفلاحة . وفي الحديث : أحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا . يقال حرثت واحترثت . وفي حديث عبد الله احرثوا هذا القرآن ، أي فتشوه . قال ابن الأعرابي : الحرث التفتيش ، وفي الحديث : أصدق الأسماء الحارث لأن الحرث هو الكاسب ، واحتراث المال كسبه ، والمحراث مسعر النار والحراث مجرى الوتر في القوس ، والجمع أحرثة ، وأحرث الرجل ناقته أهزلها . وفي حديث معاوية : ما فعلت نواضحكم ، قالوا حرثناها يوم بدر . قال أبو عبيد : يعنون هزلناها ، يقال حرثت الدابة وأحرثتها ، لغتان . وفي صحيح البخاري عن ابن أمامة الباهلي قال وقد رأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا يدخل هذا البيت قوم إلا دخله الذل " . قيل : إن الذل هنا مايلزم أهل الشغل بالحرث من حقوق الأرض التي يطالبهم بها الأئمة و السلاطين . وقال المهلب : معنى قوله في هذا الحديث والله أعلم : الحض على معالي الأحوال وطلب الرزق من أشرف الصناعات ، وذلك لما خشي النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل و الجهاد في سبيل الله ، لأنهم اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها ، فخصم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة . ألا ترى أن عمر قال : تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وثبوا الخيل وثبا لا تغلبنكم عليها رعاة الإبل . فأمرهم بملازمة الخيل ، ورياضة أبدانهم بالوثوب عليها . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم غرس غرسا أو زرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " .
قال العلماء : ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال ، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس ، أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار ، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك ، وأما الأغنام فيتمول بها أهل البوادي ، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق فتكون فتنة كل صنف من النوع الذي يتمول ، فأما النساء والبنون ففتنة للجميع .
العاشرة : قوله تعالى : " ذلك متاع الحياة الدنيا " أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى . وهذا منه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة . روى ابن ماجة ‌ وغيره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما متاع الدنيا وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة صالحة " .
وفي الحديث : " زاهد في الدنيا يحبك الله " أي في متاعها من الجاه والمال الزائد على الضروري .
قال صلى الله عليه وسلم : " ليس لابن آدم حق في سور هذه الخصال : بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والمال " أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن عفان . وسئل سهل بن عبد الله : بما يسهل على العبد ترك الدنيا وكل الشهوات قال : " بتشاغله بما أمر به " .
الحادية عشرة : قوله تعالى : " والله عنده حسن المآب " ابتداء وخبر . والمآب المرجع ، آب يؤوب إيابا إذا رجع ، قال أمرؤ القيس :
وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر :
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
وأصل مآب مأوب ، قلبت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف ، مثل مقال . ومعنى الآية تقليل الدنيا وتحقيرها والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة .
يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين, فبدأ بالنساء, لأن الفتنة بهن أشد, كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم, قال "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد, فهذا مطلوب مرغوب فيه, مندوب إليه, كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه, "وإن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء", وقوله صلى الله عليه وسلم "الدنيا متاع, وخير متاعها المرأة الصالحة, إن نظر إليها سرته, وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" وقوله في الحديث الاخر "حبب إلي النساء والطيب, وجعلت قرة عيني في الصلاة". وقالت عائشة رضي الله عنها: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل, وفي رواية من الخيل إلا النساء, وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة, فهو داخل في هذا, وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له, فهذا محمود ممدوح كما ثبت في الحديث "تزوجوا الودود الولود, فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" وحب المال كذلك تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء, فهذا مذموم, وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات, فهذا ممدوح محمود شرعاً وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال, وحاصلها أنه المال الجزيل كما قاله الضحاك وغيره, وقيل: ألف دينار, وقيل: ألف ومائتا دينار وقيل اثنا عشر ألفاً, وقيل: أربعون ألفاً, وقيل: ستون ألفاً, وقيل سبعون ألفاً, وقيل: ثمانون ألفاً, وقيل غير ذلك, وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد , حدثنا حماد , عن عاصم , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "القنطار اثنا عشر ألف أوقية, كل أوقية خير مما بين السماء والأرض", وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة به, وقد رواه ابن جرير عن بندار , عن ابن مهدي , عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة , عن أبي صالح , عن أبي هريرة موقوفاً وهذا أصح, وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل و ابن عمر , وحكاه ابن أبي حاتم , عن أبي هريرة وأبي الدرداء , أنهم قالوا: القنطار ألف ومائتا أوقية, ثم قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا زكريا بن يحيى الضرير , حدثنا شبابة , حدثنا مخلد بن عبد الواحد , عن علي بن زيد , عن عطاء بن أبي ميمونة , عن زر بن حبيش , عن أبي بن كعب , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية". وهذا حديث منكر أيضاً, والأقرب أن يكون موقوفاً على أبي بن كعب كغيره من الصحابة وقد روى ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة الربذي , عن محمد بن إبراهيم , عن يحنش أبي موسى , عن أم الدرداء , عن أبي الدرداء , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين, ومن قرأ مائة آية إلى ألف, أصبح له قنطار من أجر عند الله, القنطار منه مثل الجبل العظيم" ورواه وكيع عن موسى بن عبيدة بمعناه, وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب , حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي بتنيس , حدثنا عمرو بن أبي سلمة , حدثنا زهير بن محمد , حدثنا حميد الطويل ورجل آخر, عن أنس بن مالك , قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى "والقناطير المقنطرة" ؟ قال "القنطار ألفا أوقية" صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, هكذا رواه الحاكم , وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر فقال: أنبأنا أحمد بن عبد الرحمن الرقي , أنبأنا عمرو بن أبي سلمة , أنبأنا زهير يعني ابن محمد , أنبأنا حميد الطويل , ورجل آخر قد سماه يعني يزيد الرقاشي , عن أنس , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, في قوله" قنطار يعني ألف دينار" وهكذا رواه ابن مردويه والطبراني عن عبد الله بن محمد بن أبي مريم , عن عمرو بن أبي سلمة , فذكر بإسناده مثله سواء, وروى ابن جرير عن الحسن البصري : عنه مرسلاً وموقوفاً عليه: "القنطار ألف ومائتا دينار " , وهو رواية العوفي عن ابن عباس , وقال الضحاك : من العرب من يقول: القنطار ألف دينار, ومنهم من يقول: اثنا عشر ألفاً, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عارم عن حماد عن سعيد الجريري , عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري , قال: القنطار ملء مسك الثور ذهباً, قال أبو محمد : ورواه محمد بن موسى الحرشي عن حماد بن زيد مرفوعاً, والموقوف أصح.
(وحب الخيل على ثلاثة أقسام) تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله متى احتاجوا إليها غزوا عليها, فهؤلاء يثابون, وتارة تربط فخراً ونواء لأهل الإسلام, فهذه على صاحبها وزر وتارة للتعفف واقتناء نسلها, ولم ينس حق الله في رقابها فهذه لصاحبها ستر كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" الاية, وأما المسومة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما: المسومة الراعية, والمطهمة الحسان, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبزى والسدي والربيع بن أنس وأبي سنان وغيرهم, وقال مكحول : المسومة الغرة والتحجيل وقيل: غير ذلك وقد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر , عن يزيد بن أبي حبيب , عن سويد بن قيس , عن معاوية بن حديج , عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول: اللهم إنك خولتني من بني آدم, فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه, أو أحب أهله وماله إليه" وقوله تعالى "والأنعام" يعني الإبل والبقر والغنم, "والحرث" يعني الأرض المتخذة للغراس والزراعة, وقال الإمام أحمد : حدثنا روح بن عبادة , حدثنا أبو نعامة العدوي , عن مسلم بن بديل , عن إياس بن زهير , عن سويد بن هبيرة , عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, قال "خير مال امرىء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة" المأمورة: الكثيرة النسل, والسكة: النخل المصطف, والمأبورة: الملقحة.
ثم قال تعالى: "ذلك متاع الحياة الدنيا" أي إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة "والله عنده حسن المآب" أي حسن المرجع والثواب.
وقد قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا جرير عن عطاء , عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد . قال: قال عمر بن الخطاب لما نزلت "زين للناس حب الشهوات" قلت: الان يا رب حين زينتها لنا, فنزلت "قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا" الاية, ولهذا قال تعالى: "قل أؤنبئكم بخير من ذلكم" أي قل يا محمد للناس: أؤخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها الذي هو زائل لا محالة, ثم أخبر عن ذلك فقال: "للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار" أي تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر "خالدين فيها" أي ماكثين فيها أبد الاباد لا يبغون عنها حولا, "وأزواج مطهرة" أي من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا "ورضوان من الله" أي يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبداً, ولهذا قال تعالى في الاية الأخرى التي في براءة "ورضوان من الله أكبر" أي أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم, ثم قال تعالى: "والله بصير بالعباد" أي يعطي كلا بحسب ما يستحقه من العطاء.
قوله 14- "زين للناس" إلخ: كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس من هذه الدار، والمزين قيل: هو الله سبحانه، وبه قال عمر كما حكاه عنه البخاري وغيره، ويؤيد قوله تعالى: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم". وقيل: المزين هو الشيطان، وبه قال الحسن، حكاه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عنه. وقرأ الضحاك زين على البناء للفاعل. وقرأه الجمهور على البناء المفعول. والمراد بالناس: الجنس. والشهوات جمع شهوة، وهي نزوع النفس إلى ما تريده. والمراد هنا المشتهيات عبر عنها بالشهوات مبالغة في كونها مرغوباً فيها أو تحقيراً لها لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية، ووجه تزيين الله سبحانه لها ابتلاء عباده كما صرح به في الآية الأخرى. وقوله: "من النساء والبنين" في محل الحال: أي زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء والبنين إلخ. وبدأ بالنساء لكثرة النفوس إليهن لأنهن حبائل الشيطان، وخص البنين دون البنات لعدم الاطراد في محبتهن. والقناطير جمع قنطار وهو اسم للكثير من المال. قال الزجاج: القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه: تقول العرب قنطرت الشيء: إذا أحكمته، ومنه سميت القنطرة لإحكامها. وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله. واختلفوا في معنى المقنطرة، فقال ابن جرير الطبري: معناها المضعفة، وقال القناطير: ثلاثة، والمقنطرة تسعة. وقال الفراء: القناطير جمع قنطار، والمقنطرة جمع الجمع، فتكون تسع قناطير وقيل: المقنطرة المضروبة، وقيل: المكملة كما يقال: بدرة مبدرة، وألوف مؤلفة، وبه قال مكي وحكاه الهروي. وقال ابن كيسان: لا تكون المقنطرة أقل من سبع قناطير. وقوله: "من الذهب والفضة" بيان للقناطير، أو حال "والخيل المسومة" قيل هي المرعية في المروج والمسارح، يقال: سامت الدابة والشاة: إذا سرحت، وقيل: هي المعدة للجهاد، وقيل: هي الحسان، وقيل: المعلمة، من السومة وهي العلامة: أي التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها. وقال ابن فارس في المجمل المسومة: المرسلة وعليها ركبانها. وقال ابن كيسان: البلق. والأنعام هي الإبل والبقر والغنم، فإذا قلت نعم فهي الإبل خاصة قاله الفراء وابن كيسان، ومنه قول حسان:
وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء
والحرث: اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به المحروث، يقول: حرث الرجل حرثاً، إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والزرع. قال ابن الأعرابي: الحرث: التفتيش. قوله: "ذلك متاع الحياة الدنيا" أي ذلك المذكور ما يتمتع به ثم يذهب ولا يبقى، وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة. والمآب: المرجع آب يؤوب إياباً: إذا رجع، ومنه قول امرئ القيس:
لقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب.
14-قوله تعالى:"زين للناس حب الشهوات" نجمع شهوة وهي ما تدعو النفس اليه "من النساء" بدأ بهن لأنهن حبائل الشيطان"والبنين والقناطير" جمع قنطار واختلفوا فيه قالالربيع بن انس: القنطار المال الكثير بعضه على بعض، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: القنطار ألف ومائتا أوقية ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما (والضحاك): ألف ومائتا مثقال . وعنهما رواية اخرى اثنا عشر الف درهم والف(دينار) دية أحدكم ، وعنالحسن القنطار دية احدكم ، وقال سعيد بن جبير وعكرمة هو مائة ألف ومائة من ومائة رطل ومائة مثقال ومائة درهم ، ولقد جاء الاسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا ، وقال سعيد بن المسيب وقتادة : ثمانون ألفاً ، وقالمجاهد سبعون ألفاً ، وعنالسدي قال : أربعة الاف مثقال، وقالالحكم: القنطار مابين السماء والارض من مال، وقال ابو نضرة : ملء مسك ثور ذهباً أو فضة.
وسمي قنطاراً من الإحكام ، يقال: قنطرت الشئ اذا احكمته ، ومنه سميت القنطرة.
قوله تعالى:"المقنطرة " قال الضحاك: المحصنة المحكمة ، وقال قتادة: هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض، وقال يمان: (المدفونة)، وقال السدي المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير ، وقال (الفراء.المضعفة، فالقناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة"من الذهب والفضة" وقيل سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى ، والفضة لأنها تنفض أي تتفرق"والخيل المسومة" الخيل جمع لا واحد له من لفظة ، واحدها فرس، كالقوم والنساء ونحوهما المسومه ، قال مجاهد: هي المطهمة الحسان، وقالعكرمة:تسويمها حسنها،وقالسعيد بن جبير: هي الراعية ، يقال : أسام الخيل وسومها ، قالالحسن وابو عبيده : هي المعلمة من السيماء والسيماء العلامة، ثم منهم من قال: سيماها الشبة واللون وهو قول قتادة وقيل: الكي.
"والأنعام" جمع النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم جمع لا واحد له من لفظه "والحرث" يعني الزرع "ذلك" الذي ذكرنا "متاع الحياة الدنيا" يشير الى انها متاع يفني" والله عنده حسن المآب " أي المرجع ، فيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الاخرة.
14 " زين للناس حب الشهوات " أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء على أنهم إنهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى: " أحببت حب الخير " والمزين هو الله تعالى لأنه الخالق للأفعال والدواعي، ولعله زينه إبتلاء، أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله تعالى، أو لأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع. وقيل الشيطان فإن الآية في معرض الذم. وفرق الجبائي بين المباح والمحرم. " من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث " بيان للشهوات، والقنطار المال الكثير. وقيل مائة ألف دينار. وقيل ملء مسك ثور. وأختلف في أنه فعلا أو فنعال، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم بدرة مبدرة. والمسومة المعلمة من السومة وهي العلامة، أو المرعية من أسام الدابة وسومها، أو المطهمة. والأنعام الإبل والبقر والغنم " ذلك متاع الحياة الدنيا " إشارة إلى ما ذكر. " والله عنده حسن المآب " أي المرجع، وهو تحريض على إستبدال ما عنده ممن اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة الفانية.
14. Beautified for mankind is love of the joys (that come) from women and offspring, and stored up heaps of gold and silver, and horses branded (with their mark), and cattle and land. That is comfort of the life of the world. Allah! With Him is a more excellent abode.
14 - Fair in the eyes of men is the love of things they covet: women and sons; heaped up hoards of gold and silver; horses branded (for blood and excellence); and (wealth of) cattle and well tilled land. such are the possessions of this world's life; but in nearness to God is the best of the goals (to return to).