[آل عمران : 128] لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ
ولما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد وقال: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم" نزلت: (ليس لك من الأمر شيء) بل الأمر لله فاصبر (أو) بمعنى إلى أن (يتوب عليهم) بالإسلام (أو يعذبهم فإنهم ظالمون) بالكفر
قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية روى أحمد ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية وروى أحمد والبخاري عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم العن فلانا اللهم العن الحرث ابن هشام اللهم العن سهيل ابن عمرو اللهم العن صفوان ابن أمية فنزلت هذه الآية ليس لك من الأمر شيء إلى آخرها فتيب عليهم كلهم
وروى البخاري عن أبي هريرة نحوه قال الحافظ ابن حجر طريق الجمع بين الحديثين أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين في صلاته بعد ما وقع له من الأمر المذكور يوم أحد فنزلت الآية في الأمرين معا فيما وقع له وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم قال لكن يشكل على ذلك ما وقع في مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في الفجر

اللهم العن رعلا وذكوان وعصية حتى أنزل الله عليه ليس لك من الأمر شيء ووجه الإشكال أن الآية نزلت في قصة أحد وقصة رعل وذكوان بعدها ثم ظهرت لي علة الخبر وأن فيه إدراجا فإن قوله حتى أنزل الله منقطع من رواية الزهري عمن بلغه بين ذلك مسلم وهذا البلاغ لا يصح فيما ذكرته قال ويحتمل أن يقال أن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا ثم نزلت في جميع ذلك قلت وورد في سبب نزولها أيضا ما أخرجه البخاري في تاريخه وابن إسحق عن سالم بن عبد الله بن عمر قال جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنك تنهي عن السب ثم تحول فحول قفاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكشف أسته فلعنه ودعا عليه فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء الآية ثم أسلم الرجل فحسن إسلامه مرسل غريب
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره : ليقطع طرفاً من الذين كفروا، أو يكبتهم ، أو يتوب عليهم ، أو يعذبهم ، فإنهم ظالمون ، ليس لك من الأمر شيء. فقوله : "ويتوب عليكم"، منصوب عطفاً على قوله : "أو يكبتهم".
وقد يحتمل أن يكون تأويله: ليس لك من الأمر شيء ، حتى يتوب عليهم ، فيكون نصب "يتوب" بمعنى "أو" التي هي في معنى حتى.
قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بالصواب ، لأنه لا شيء من أمر الخلق إلى أحد سوى خالقهم ، قبل توبة الكفار وعقابهم وبعد ذلك.
وتأويل قوله : "ليس لك من الأمر شيء"، ليس إليك ، يا محمد، من أمر خلقي إلا أن تنفذ فيهم أمري ، وتنتهي فيهم إلى طاعتي ، وإنما أمرهم إلي ، والقضاء فيهم بيدي دون غيري ، أقضي فيهم وأحكم بالذي أشاء، من التوبة على من كفر بي وعصاني وخالف أمري ، أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل والنقم المبيرة، وإما في أجل الآخرة بما أعددت لأهل الكفر بي ، كما:
حدثني ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال : ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"، أي : ليس لك من الحكم شيء في عبادي ، إلا ما أمرتك به فيهم ، أو أتوب عليهم برحمتي ، فإن شئت فعلت ، أو أعذبهم بذنوبهم ، "فإنهم ظالمون"، أي قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي.
وذكر أن الله عز وجل إنما أنزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لما أصابه بأحد ما أصابه من المشركين ، قال ، كالآيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلى الحق: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم!!.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا حميد قال، قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكسرت رباعيته وشج فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم! فأنزلت : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن حميد الطويل ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شج في جبهته وكسرت رباعيته : لا يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم!! فأوحى الله إليه: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثني يعقوب ، عن ابن علية قال ، حدثنا ابن عون ، عن الحسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله عز وجل! فنزلت : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثنا يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن حميد، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"، ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقد جرح نبي الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيب بعض رباعيته ، فقال وسالم مولى أبي حذيفة يغسل عن وجهه الدم : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم! فأنزل الله عز وجل : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين بن واقد، عن مطر، عن قتادة قال : أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته وفرق حاجبه ، فوقع وعليه درعان ، والدم يسيل ، فمر به سالم مولى أبي حذيفة، فأجلسه ومسح عن وجهه فأفاق وهو يقول : كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله تبارك وتعالى : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله : "ليس لك من الأمر شيء" الآية، قال قال الربيع بن أنس : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقد شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيبت رباعيته ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم، فقال : "كيف يفلح قوم أدموا وجه نجيهم وهو يدعوهم إلى الله وهم يدعونه إلى الشيطان ، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار" فهم أن يدعو عليهم ، فأنزل الله عز وجل : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم.
حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم" الآية كلها، فقال : جاء أبو سفيان من الحول غضبان لما صنع بأصحابه يوم بدر، فقاتل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد قتالاً شديداً، حتى قتل منهم بعدد الأسارى يوم بدر، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة علم الله أنها قد خالطت غضباً: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الإسلام" فقال الله عز وجل : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة : أن رباعية النبي صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد، أصابها عتبة بن أبي وقاص ، وشجه في وجهه. وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن النبي صلى الله عليه وسلم الدم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"كيف يفلح قوم صنعوا بنبيهم هذا"!!. فأنزل الله عز وجل : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الزهري وعن عثمان الجزري ، عن مقسم : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد، حين كسر رباعيته ووثأ وجهه ، فقال:" اللهم لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا"ً! قال : فما حال عليه الحول حتى مات كافرا.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : شج النبي صلى الله عليه وسلم في فرق حاجبه وكسرت رباعيته ، قال ابن جريج : ذكر لنا أنه لما جرح جعل سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله!" فأنزل الله عز وجل: "ليس لك من الأمر شيء".
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه دعا على قوم ، فأنزل الله عز وجل : ليس الأمر إليك فيهم.
ذكر الرواية بذلك:
حدثني يحيى بن حبيب بن عربي قال ، حدثنا خالد بن الحارث قال ، حدثنا محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر، فأنزل الله عز وجل : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون"، قال: وهداهم الله للإسلام. حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال ، حدثنا أحمد بن بشير، عن عمر بن حمزة، عن سالم ، عن ابن عمر قال ،"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم العن أبا سفيان ! اللهم العن الحارث بن هشام ! اللهم العن صفوان بن أمية"، فنزلت : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
حدثنا مجاهد بن موسى قال ، حدثنا يزيد قال، أخبرنا محمد بن إسحق ، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن عبد الله بن كعب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام "قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قال : اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام ، والوليد بن الوليد! اللهم أنج المستضعفين من المسلمين! اللهم اشدد وطأتك على مضر! اللهم سنين كسنين آل يوسف!" فأنزل الله : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم" الآية. حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أخبره ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن: أنهما سمعا أبا هريرة يقول : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ ، في صلاة الفجر، من القراءة ويكبر ويرفع رأسه : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد. ثم يقول وهو قائم : اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين ! اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف ! اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان ، وعصية عصت الله ورسوله" ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله : "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون".
قوله تعالى:" ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون* ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم "
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: ثبت في صحيح مسلم:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم احد، وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول:(كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله تعالى). فأنزل الله تعالى:" ليس لك من الأمر شيء" الضحاك: هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المشركين فأنزل الله تعالى:" ليس لك من الأمر شيء" وقيل: استأذن في أن يدعو في استئصالهم، فلما نزلت هذه الآية علم أن منهم من سيسلم وقد آمن كثير منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم. وروى الترمذي عن ابن عمر قال:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة نفر فأنزل الله عز وجل" ليس لك من الأمر شيء" فهداهم الله للإسلام. وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وقوله تعالى:" أو يتوب عليهم" قيل: هو معطوف على " ليقطع طرفا" والمعنى: ليقتل طائفة منهم، او يحزنهم بالهزيمة أو يتوب عليهم أو يعذبهم. وقد تكون (أو) ههنا بمعنى (حتى) و(إلا أن) قال امرؤ القيس:
....أو نموت فنعذرا
قال علماؤنا : قوله عليه السلام: (كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم). استبعاد لتوفيق من فعل به. وقوله تعالى:" ليس لك من الأمر شيء" تقريب لما استبعده وإطماع في إسلامهم، ولما أطمع في ذلك قال صلى الله عليه وسلم:
(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود قال:
كاني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). قال عماؤنا: فالحاكي في حديث ابن مسعود هو الرسول عليه الصلاة والسلام،وهو المحكي عنه، بدليل ما قد جاء صريحاً مبيناً:
(أنه عليه الصلاة والسلام لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم احد شق ذلك على أصحابه شقاً شديداً وقالوا: لو دعوت عليهم! فقال:(إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت داعياً ورحمة، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). فكأنه عليه السلام أوحي إليه بذلك قيل وقوع قضية أحد، ولم يعين له ذلك النبي، فلما وقع له ذلك تعين أنه المعني بذلك بدليل ما ذكرنا. ويبينه أيضاً ما قاله عمر له في بعض كلامه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! لقد دعا نوح على قومه فقال:" رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا "[نوح:26]. ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا، فقد وطئ ظهرك وأمي وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيراً، فقلت: رب اغفر لقومي إنهم لا يعلمون وقوله:
(اشتد غضب الله على قوم كسروا رباعية نبيهم) يعني بذلك المباشر لذلك، وقد ذكرنا اسمه على اختلاف في ذلك، وإنما قلنا إنه خصوص في المباشر، لأنه قد أسلم جماعة ممن شهد أحداً وحسن إسلامهم.
الثانية: زعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح، واحتج:
بحديث ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجر بعد رفع رأسه من الركوع فقال:
(اللهم ربنا ولك الحمد في الآخرة-ثم قال- اللهم العن فلاناً فلاناً فأنزل الله عزوجل:" ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم" الآية. أخرجه البخاري وأخرجه مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة أتم منه. وليس هذا موضع نسخ وإنما نبه الله تعالى نبيه على أن الأمر ليس إليه، وأنه لايعلم من الغيب شيئاً إلا ما أعلمه، وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء. والتقدير: لس لك من الأمر شيء ولله مافي السموات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء. فلا نسخ، والله أعلم، وبين بقوله: " ليس لك من الأمر شيء" أن الأمور بقضاء الله وقدره رداً على القدرية وغيرهم.
الثالثة: واختلف العلماء في القنوت في صلاة الفجر وغيرها، فمنع الكوفيون منه في الفجر وغيرها. وهو مذهب الليث ويحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحب مالك، وأنكره الشعبي. وفي الموطأ عن ابن عمر: أنه كان لايقنت في شيء من الصلاة، وروى النسائي أنبأنا قتيبة عن خلف عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال:
صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني إنها بدعة. وقيل: يقنت في الفجر دائماً وفي سائر الصلوات إذا نزل بالمسلمين نازلة، قاله الشافعي والطبري. وقيل : هو مستحب في صلاة الفجر، وروي عن الشافعي. وقال الحسن وسحنون: إنه سنة. وهو مقتضى رواية علي بن زياد عن مالك بإعادة تاركه للصلاة عمداً. وحكى الطبري الإجماع على أن تركه غير مفسد للصلاة. وعن الحسن: في تركه سجود السهو، وهو أحد قولي الشافعي. وذكر الدارقطني عن سعيد بن عبدالعزيز فيمن نسبي القنوت في صلاة الصبح قال: يسجد سجدتي السهو. واختار مالك قبل الركوع، وهو قول إسحاق. وروي أيضاً عن مالك بعد الركوع، وروي عن الخلفاء الأربعة، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق أيضاً. وروي عن جماعة من الصحابة التخيير في ذلك. وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن أنس انه قال:
ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا. وذكر أبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران قال:
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت، فقال: ( يا محمد إن الله لم يبعثك سباباً ولا لعاناً وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) قال : ثم علمه هذا القنوت فقال:(اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلغ ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق).
اختلف المفسرون في هذا الوعد, هل كان يوم بدر أو يوم أحد ؟ على قولين (أحدهما) أن قوله: "إذ تقول للمؤمنين" متعلق بقوله: "ولقد نصركم الله ببدر" وروي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي والربيع بن أنس وغيرهم, واختاره ابن جرير قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله: "إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة" قال: هذا يوم بدر, رواه ابن أبي حاتم . ثم قال: حدثنا أبي , حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا وهيب , حدثنا داود عن عامر يعني الشعبي : أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين, فشق ذلك عليهم, فأنزل الله تعالى: " ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " قال: فبلغت كرزاً الهزيمة, فلم يمد المشركين, ولم يمد الله المسلمين بالخمسة, وقال الربيع بن أنس : أمد الله المسليمن بألف, ثم صاروا ثلاثة آلاف, ثم صاروا خمسة آلاف, فإن قيل: فما الجمع بين هذه الاية على هذا القول, وبين قوله تعالى في قصة بدر: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم " ؟ فالجواب أن التنصيص على الألف ـ ههنا ـ لا ينافي الثلاثة الالاف فما فوقها, لقوله: "مردفين" بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم. وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران. فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر, والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة : أمد الله المسلمين يوم بدر بخمسة آلاف. (القول الثاني) ـ إن هذا الوعد متعلق بقوله: " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال " وذلك يوم أحد وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك والزهري وموسى بن عقبة وغيرهم. لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الالاف لأن المسلمين فروا يومئذ, زاد عكرمة : ولا بالثلاثة الالاف لقوله تعالى: "بلى إن تصبروا وتتقوا" فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا بملك واحد وقوله: "بلى إن تصبروا وتتقوا" يعني: تصبروا على عدوكم, وتتقوني وتطيعوا أمري. وقوله تعالى: "ويأتوكم من فورهم هذا" قال الحسن وقتادة والربيع والسدي : أي من وجههم هذا, وقال مجاهد وعكرمة وأبو صالح : أي من غضبهم هذا. وقال الضحاك : من غضبهم ووجههم. وقال العوفي عن ابن عباس : من سفرهم هذا, ويقال: من غضبهم هذا. وقوله تعالى: "يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين" أي معلمين بالسيما, وقال أبو إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب , عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض, وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم, رواه ابن أبي حاتم . ثم قال: حدثنا أبو زرعة , حدثنا هدبة بن خالد , حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة , عن أبي سلمة , عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذه الاية "مسومين" قال: بالعهن الأحمر, وقال مجاهد : "مسومين" أي محذفة أعرافها, معلمة نواصيها بالصوف الأبيض في أذناب الخيل. وقال العوفي , عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: أتت الملائكة محمداً صلى الله عليه وسلم, مسومين بالصوف, فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف. وقال قتادة وعكرمة "مسومين" أي بسيما القتال, وقال مكحول : مسومين بالعمائم. وروى ابن مردويه من حديث عبد القدوس بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح , عن ابن عباس , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "مسومين" قال "معلمين". وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود, ويوم حنين عمائم حمر. وروى من حديث حصين بن مخارق عن سعيد , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وقال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن مقسم, عن ابن عباس , قال: كان سيما الملائكة يوم بدر, عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم, ويوم حنين عمائم حمر. ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر, وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون, ثم رواه عن الحسن بن عمارة , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس فذكر نحوه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الأحمسي , حدثنا وكيع , حدثنا هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن الزبير رضي الله عنه, كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها, فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر, رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة عن أبيه , عن عبد الله بن الزبير , فذكره. وقوله تعالى: "وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به" أي وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً, وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم, ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم, كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنة عرفها لهم " ولهذا قال ههنا "وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" أي هو ذو العزة التي لا ترام, والحكمة في قدره والأحكام, ثم قال تعالى: "ليقطع طرفاً من الذين كفروا" أي أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير, ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين, فقال: "ليقطع طرفاً" أي ليهلك أمة "من الذين كفروا أو يكبتهم" أي يخزيهم ويردهم بغيظهم لما لم ينالوا منكم ما أرادوا. ولهذا قال: "أو يكبتهم فينقلبوا" أي يرجعوا "خائبين" أي لم يحصلوا على ما أملوا. ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والاخرة له وحده لا شريك له, فقال تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" أي بل الأمر كله إلي, كما قال تعالى: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" وقال " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وقال "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" قال محمد بن إسحاق في قوله: "ليس لك من الأمر شيء" أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم, ثم ذكر تعالى بقية الأقسام, فقال "أو يتوب عليهم" أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة "أو يعذبهم" أي في الدنيا والاخرة على كفرهم وذنوبهم, ولهذا قال "فإنهم ظالمون" أي يستحقون ذلك. وقال البخاري : حدثنا حبان بن موسى , أنبأنا عبد الله , أنبأنا معمر عن الزهري , حدثني سالم عن أبيه , " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر :اللهم العن فلاناً وفلاناً بعدما يقول سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد" فأنزل الله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" الاية وهكذا رواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق , كلاهما عن معمر به. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا أبو عقيل ـ قال أحمد : وهو عبد الله بن عقيل صالح الحديث ثقة ـ حدثنا عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم العن فلاناً, اللهم العن الحارث بن هشام, اللهم العن سهيل بن عمرو, اللهم العن صفوان بن أمية" فنزلت هذه الاية "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" فتيب عليهم كلهم وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية الغلابي , حدثنا خالد بن الحارث , حدثنا محمد بن عجلان عن نافع , عن عبد الله , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة, قال: فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" إلى آخر الاية, قال: وهداهم الله للإسلام. وقال محمد بن عجلان عن نافع , عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال, كان رسول الله يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم, حتى أنزل الله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" الاية, وقال البخاري أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب , وأبي سلمة بن عبد الرحمن , عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد, أو يدعو لأحد, قنت بعد الركوع وربما قال: إذا قال "سمع الله لمن حمده, ربنا لك الحمد: اللهم أنج الوليد بن الوليد , وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة , والمستضعفين من المؤمنين, اللهم اشدد وطأتك على مضر, واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك " . وكان " يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً " لأحياء من أحياء العرب, حتى أنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية.
وقال البخاري : قال حميد وثابت , عن أنس بن مالك : " شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد, فقال : كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟" فنزلت "ليس لك من الأمر شيء" وقد أسند هذا الحديث الذي علقه البخاري في صحيحه , فقال البخاري في غزوة أحد: حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي , أخبرنا عبد الله , أخبرنا معمر عن الزهري , حدثني سالم بن عبد الله بن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعدما يقول سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد", فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية. وعن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالم بن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام, فنزلت "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" "هكذا ذكر هذه الزيادة البخاري معلقة مرسلة, وقد تقدمت مسندة متصلة في مسند أحمد آنفاً.
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم , حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه, " أن النبي صلى الله عليه وسلم, كسرت رباعيته يوم أحد, وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه, فقال :كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم, وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل ؟" فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" انفرد به مسلم , فرواه عن القعنبي , عن حماد بن سلمة , عن ثابت , عن أنس , فذكره.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح : حدثنا الحسين بن واقد عن مطر , عن قتادة , قال: " أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد, وكسرت رباعيته, وفرق حاجبه, فوقع وعليه درعان والدم يسيل, فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح عن وجهه, فأفاق وهو يقول كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم, وهو يدعوهم إلى الله عز وجل ؟" فأنزل الله "ليس لك من الأمر شيء" الاية, وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بنحوه, ولم يقل: فأفاق.
ثم قال تعالى: "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع ملك له, وأهلها عبيد بين يديه "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" أي هو المتصرف فلا معقب لحكمه, ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون "والله غفور رحيم".
قوله 128- "ليس لك من الأمر شيء" جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه: أي أن الله مالك أمرهم يصنع بهم ما يشاء من الإهلاك أو الهزيمة أو التوبة إن أسلموا أو العذاب، فقوله "أو يتوب عليهم أو يعذبهم" عطف على قوله: أو يكبتهم، وقال الفراء: إن أو بمعنى إلا أن، بمعنى ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم فتفرح بذلك أو يعذبهم فتشفى بهم.
128-قوله تعالى :" ليس لك من الأمر شيء " الآية ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال قوم : نزلت في أهل بئر معونة ، وهم سبعون رجلاً من القراء ، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من احد ليعلموا الناس القرآن والعلم ، أميرهم المنذر بن عمرو ، فقتلهم عامر بن الطفيل ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجداً شديداً ، وقنت شهراً في الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن والسنين ، فنزلت : " ليس لك من الأمر شيء ".
أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحيأنا احمد بن عبد الله النعيمي أخبرنامحمد بن يوسف أنامحمد ابن اسماعيل أخبرنا حبان بن موسى أخبرناعبد الله ، يعني ابن المبارك ، أخبرنامعمر عن الزهري حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر:اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً، بعد مايقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله تعالى " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ".
وقال قوم : نزلت يوم احد ، أخبرنااسماعيل بن عبد القاهر أناعبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي اخبرناابراهيم بن محمد بن سفيان أخبرنا مسلم بن الحجاج أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول :كيف يفلح قوم شجوا [رأس] نبيهم ، وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم إلى [الله عز وجل]، فأنزل الله تعالى :" ليس لك من الأمر شيء ""
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد:"اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية "، فنزلت : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم " فأسلموا وحسن إسلامهم .
وقال سعيد بن المسيب و محمد بن اسحاق لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يوم أحد ما بأصحابهم من جدع الآذان والأنوف وقطع المذاكير، وقالوا : لئن أدالنا الله تعالى منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا ، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها احد من العرب بأحد ، فانزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل : أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يدعو عليهم بالاستئصال، فنزلت هذه الآية وذلك لعلمة فيهم بأن كثيراً منهم يسلمون . فقوله تعالى :" ليس لك من الأمر شيء " أي: ليس اليك ، فاللام بمعنى الى كقوله تعالى :"ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان"(سورة آل عمران-193) ،أي: الى الإيمان:قوله تعالى: "أو يتوب عليهم"،(قال بعضهم: معناه حتى يتوب عليهم)،أو: الىأن يتوب عليهم ، وقيل : هو نسق على قوله "ليقطع طرفاً "،وقوله:"ليس لك من الأمر شيء" اعتراض بين نظم الكلام ونظم الآية :" ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين * ليس لك من الأمر شيء " بل الأمر أمري في ذلك كله .
128"ليس لك من الأمر شيء" اعتراض. " أو يتوب عليهم أو يعذبهم " عطف على قوله أو يكبتهم، والمعنى أن الله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا وليس لك من أمرهم شيء، وإنما أنت عبد مأمور لإنذارهم وجهادهم. ويحتمل أن يكون معطوفاً على الأمر أو شيء بإضمار أن، أي ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء. أو ليس لك من أمرهم شيء، أو التوبة عليهم أو تعذيبهم. وأن تكون أو بمعنى إلا أن. أي ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتسر به أو يعذبهم فتشفي منهم. روي "أن عتبة بن أبي وقاص شجه يوم أحد وكسر رباعيته، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم" فنزلت. وقيل هم أن يدعوا عليهم فنهاه الله لعلمه بأن فيهم من يؤمن. " فإنهم ظالمون " قد استحقوا التعذيب بظلمهم.
128. It is no concern at all of thee (Muhammad) whether He relent toward them or punish them; for they are evil doers.
128 - Not for thee, (but for God), is the decision: whether he turn is mercy to them, or punish them; for they are indeed wrong doers.