[آل عمران : 122] إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
(إذ) بدل من إذ قبله (همت) بنو سلِمة وبنو حارثة جناحا العسكر (طائفتان منكم أن تفشلا) تجبنا عن القتال وترجعا لما رجع عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا وقال لأبي جابر السلمي القائل له أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم: لو نعلم قتالا لاتبعناكم فثبتهما الله ولم ينصرفا (والله وليهما) ناصرهما (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) ليثقوا به دون غيره
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والله سميع عليم ، حين همت طائفتان منكم أن تفشلا.
والطائفتان اللتان همتا بالفشل، ذكر لنا أنهم بنو سلمة وبنو حارثة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا"، قال: بنو حارثة، كانوا نحو أحد، وبنو سلمة نحو سلع، وذلك يوم الخندق.
قال أبو جعفر: وقد دللنا على أن ذلك كان يوم أحد فيما مضى، بما فيه الكفاية عن إعادته.
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا"، الآية، وذلك يوم أحد، والطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، حيان من الأنصار، هموا بأمر فعصمهم الله من ذلك، قال قتادة: وقد ذكر لنا أنه لما أنزلت هذه الآية قالوا: ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا به ، وقد أخبرنا الله أنه ولينا.
حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع قوله: "إذ همت طائفتان منكم"، الآية، وذلك يوم أحد، فالطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، حيان من الأنصار. فذكر مثل قول قتادة.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل، وقد وعدهم الفتح إن صبروا. فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول في ثلثمئة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم، فلما غلبوه وقالوا له: ما نعلم قتالاً، ولئن أطعتنا لترجعن معنا، وقال [الله عز وجل]: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا" وهم بنو سلمة وبنو حارثة، هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي، فعصمهم الله ، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمئة.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال ، قال عكرمة: نزلت في بني سلمة من الخزرج ، وبني حارثة من الأوس، ورأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا"، فهم بنو حارثة وبنو سلمة.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا"، والطائفتان: بنو سلمة من جشم بن الخزرج، وبنو حارثة من النبيت من الأوس، وهما الجناحان.
حدثني محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد، عن الحسن في قوله: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا"، الآية، قال: هما طائفتان من الأنصار هما أن يفشلا، فعصمهم الله وهزم عدوهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار قال ، سمعت جابر بن عبد الله يقول: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا"، قال: هم بنو سلمة وبنو حارثة، وما نحب أن لو لم نكن هممنا لقول الله عز وجل: "والله وليهما".
حدثني أحمد بن حازم قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول ، فذكر نحوه.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا"، قال: هذا يوم أحد.
وأما قوله : "أن تفشلا"، فإنه يعني : هما أن يضعفا ويجبنا عن لقاء عدوهما.
يقال منه : فشل فلان عن لقاء عدوه يفشل فشلاً، كما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : الفشل، الجبن.
قال أبو جعفر: وكان همهما الذي هما به من الفشل ، الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حين انصرف عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه، جبناً منهم، من غير شك منهم في الإسلام ولا نفاق ، فعصمهم الله مما هموا به من ذلك ، ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجهه الذي مضى له ، وتركوا عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقين معه، فأثنى الله عز وجل عليهما بثبوتهما على الحق، وأخبر أنه وليهما وناصرهما على أعدائهما من الكفار، كما:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق: "والله وليهما"، أي: المدافع عنهما ما همتا به من فشلهما. وذلك أنه إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما، من غير شك أصابهما في دينهما، فتولى ذلك عنهما برحمته وعائدته حتى سلمتا من وهنهما وضعفهما، ولحقتا بنبيهما صلى الله عليه وسلم. يقول : "وعلى الله فليتوكل المؤمنون"، أي: من كان به ضعف من المؤمنين أو وهن، فليتوكل علي ، وليستعن بي أعنه على أمره ، وأدفع عنه ، حتى أبلغ به وأقويه على نيته.
قال أبو جعفر: وذكر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ: والله وليهم، وإنما جاز أن يقرأ ذلك كذلك، لأن الطائفتين وإن كانتا في لفظ اثنين ، فإنهما في معنى جماع، بمنزلة الخصمين و الحزبين.
قوله تعالى:" إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما" قال: نحن الطائفتان: بنو حارثة وبنو سلمة، وما نحب أنها لم تنزل، لقول الله عز وجل: " والله وليهما" وقيل: هم بنو الحارث وبنو الخزرج وبنو النبيت، والنبيت هو عمروبن مالك من بني الأوس. والفشل عبارة عن الجبن، وكذلك هو في اللغة. والهم من الطائفتين كان بعد الخروج لما رجع عبدالله بن أبي بمن معه من المنافقين فحفظ الله قلوبهم فلم يرجعوا، فذلك قوله تعالى:" والله وليهما" يعني حافظ قلوبهما عن تحقيق هذا الهم. وقيل: أرادوا التقاعد عن الخروج، وكان ذلك صغيرة منهم. وقيل: كان ذلك حديث نفسم منهم خطر ببالهم فأطلع الله نبيه عليه السلام عليه فازدادوا بصيرة، ولم يكن ذلك الخور مكتسباً لهم فعصمهم الله ، وذم بعضهم بعضاً، ونهضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أطل على المشركين، وكان خروجه من المدينة في ألف، فرجع عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة رجل مغاضباً، إذ خولف رأيه حين أشار بالقعود والقتال في المدينة إن نهض إليهم العدو، وكان رأيه وافق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى ذلك أكثر الأنصار، وسيأتي. ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين فاستشهد منهم من أكرمه الله بالشهادة. قال مالك رحمه الله: قتل من المهاجرين يوم أحد اربعة، ومن الأنصار سبعون رضي الله عنهم. و المقاعد: جمع مقعد وهو مكان القعود، وهذا بمزلة مواقف، ولكن لفظ القعود دال على الثبوت، ولا سيما أن الرماة كانوا قعوداً. هذا معنى حديث غزاة أحد على الاختصار، وسيأتي من تفصيلها ما فيه شفاء، وكان مع المشركين يومئذ فرس عليها خالد بن الوليد، ولم يكن مع المسلمين يومئذ فرس. وفيها جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة من على رأسه صلى الله عليه وسلم، وجزاه عن أمته ودينه بأفضل ما جزى به نبياً من انبيائه على صبره. وكان الذي تولى ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن قميئة الليثي، وعتبة بن ابي وقاص. وقد قيل: إن عبد الله بن شهاب جد الفقيه محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جبهته. قال الواقدي: والثابت عندنا أن الذي رمى في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ابن قميئة، والذي أدمى شفته واصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص. قال الواقدي بإسناده عن نافع بن جبير قال: سمعت رجلاً من المهاجرين يقول: شهدت أحداً فنظرت إلى النبل تأتي من كل ناحية ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها كل ذلك يصرف عنه. ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلوني على محمد دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه مع معه أحد ثم جاوزه، فعاتبه في ذلك صفوان فقال: والله ما رأيته، أحلف بالله أنه منا ممنوع! خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك . وأكبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط في حفرة، كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين، فخر عليه السلام على جنبه واحتضنه طلحة حتى قام، ومص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري من جرح رسو الله صلى الله عليه وسلم الدم، وتشبثت حلقتان في درع المغفر في وجههه صلى الله عليه وسلم فنتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما بثنيتيه فسقطتا، فكان أهتم يزينه همته رضي الله عنه. وفي هذه الغزاة قتل حمزة رضي الله عنه، قتله وحشي، وكان وحشي مملوكاً لجبير بن مطعم. وقد كان جبير قال له: إن قتلت محمداً حعلنا لك أعنة الخيل، وإن أنت قتلت علي بن أبي طالب جعلنا لك مائة ناقة كلها سود الحدق، وإن أنت قتلت حمزة فأنت حر. فقال وحشي: أما محمد فعليه حافظ من الله لا يخلص إليه أحد، وأما علي ما برز إليه أحد إلا قتله. وأما حمزة فرجل شجاع، وعسى أن أصادفه فأقتله. وكانت هند لكما تهيأ وحشي أو مرت به قالت: إيها أبا دسمة اشف واستشف. فكمن له خلف صخر، وكان حمزة حمل على القوم من المشركين، فلما رجع من حملته ومر بوحشي زرقه بلامزراق فلأصابه فسقط ميتاً، رحمه الله ورضي عنه. قال ابن اسحاق: فبقرت هند كبد حمزة فلاكتها ولم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ولا أخي وعمه وبكرى
شفيت نفسي وقضيت نذري شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي علي عمري حتى ترم أعظمي في قبري
فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فقالت:
خزيت في بد وبعد بدر يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر ملهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري حمزة ليثي وعلي صقري
إذ رام شيب وأبوك غدري فخضبا منه ضواحي النحر
ونذرك السو فشر نذر
وقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة رضي الله عنه:
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعاً هناك، وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبراً فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا يا هاشم الأخبار صبراً فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عني لؤياً فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا وقائعنا بها يشفى الغليل
نسيتم ضربنا بقليب بدر غداة أتاكم الموت العجيل
غداة ثوى أبو جهل صريعاً عليه الطير حائمة تجول
وعتبة وابنه خرا جيمعاً وشيبة عضة السيف الصقيل
ومتركنا أمية مجلعبا وفي حيزومة لدن نبيل
وهام بني ربيعة سائلوها ففي أسيافنا منها فلول
ألا يا هند لا تبدي شماتاً بحمزة إن عزكم ذليل
ألا يا هند فابكى لا تملي فانت الواله العبرى الهبول
ورثته أيضاً أخته صفية، وذلك مذكور في السيرة، رضي الله عنهم أجمعين.
قوله تعالى:" وعلى الله فليتوكل المؤمنون" فيه مسألة واحدة، وهي بيان التوكل. والتوكل في اللغة إظهار العجز والاعتماد على الغير. وواكل فلان إذا ضيع أمره متكلاً على غيره.
واختلف العلماء في حقيقة التوكل، فسئل عنه سهل بن عبدالله فقال: قالت فرقة الرضا بالضمان، وقطع الطمع من المخلوقين. وقال قوم: التوكل ترك الأسباب والركون إلى مسبب الأسباب، فإذا شغله السبب عن المسبب زال عنه اسم التوكل. قال سهل : من قال إن التوكل يكون بترك السبب فقد طعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الله عز وجل يقول:" فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً" [الأنفال:69] فالغنيمة اكتساب. وقال تعالى: " فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان" [الأنفال:12] فهذا عمل. وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن الله يحب العبد المحترف). وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرضون على السرية. وقال غيره: وهذا قول عامة الفقهاء، وأن التوكل على الله هو الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة. وإلى هذا ذهب محققو الصوفية، لكنه لا يستحق اسم التوكل عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب، فإنها لا تجلب نفعاً لاتجلب نفعاً ولا تدفع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب، فإنها لا تجلب نفعاً ولا تدفع ضراً، بل السبب والمسبب فعل الله تعالى، والكل منه وبمشيئته، ومتى وقع من المتوكل ركون إلى تلك الأسباب فقد انسلخ عن ذلك الاسم. ثم المتوكلون على حالين: الأول حال المتمكن في التوكل فلا يلتفت إلى شيء من تلك الأسباب بقلبه، ولا يتعاطاه إلا بحكم الأمر. الثاني- حال غير المتمكن وهو الذي يقع له الالتفات إلى الأسباب أحياناً غير أنه يدفعها عن نفسه بالطرق العلمية، والبراهين القطعية، والأذواق الحالية، فلا يزال كذلك إلى أن يرقيه الله بجوده إلى مقام المتوكلين المتمكنين، ويلحقه بدرجات العارفين.
المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور, قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغير واحد. وعن الحسن البصري : المراد بذلك يوم الأحزاب. رواه ابن جرير , وهو غريب لا يعول عليه. وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة. قال قتادة : لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال. وقال عكرمة : يوم السبت للنصف من شوال, فالله أعلم, وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان فلما رجع قفلهم إلى مكة قال أبناء من قتل, ورؤساء من بقي لأبي سفيان: أرصد هذه الأموال لقتال محمد فأنفقوها في ذلك, فجمعوا الجموع والأحابيش, وأقبلوا في نحو من ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريباً من أحد تلقاء المدينة, فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة, فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار يقال له مالك بن عمرو , واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس "أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة" فأشار عبد الله بن أبي بالمقام بالمدينة, فإن أقاموا أقاموا بشر محبس, وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم, ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم, وإن رجعوا رجعوا خائبين وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدراً بالخروج إليهم, فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته وخرج عليهم, وقد ندم بعضهم وقالوا: لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا رسول الله إن شئت أن نمكث, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له" فسار صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه, فلما كانوا بالشوط, رجع عبد الله بن أبي في ثلث الجيش مغضباً لكونه لم يرجع إلى قوله, وقال هو وأصحابه: لو نعلم اليوم قتالاً لاتبعناكم, ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم. واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي. وجعل ظهره وعسكره إلى أحد, وقال "لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال". وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه. وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف . والرماة يومئذ خمسون رجلاً, فقال لهم "انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين من قبلكم والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا, وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم" وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين, وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار . وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأرجأ آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين, وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف, ومعهم مائتا فرس قد جنبوها, فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد , وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل , ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار , ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الايات, إن شاء الله تعالى, ولهذا قال تعالى: " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال " أي تنزلهم منازلهم, وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم "والله سميع عليم" أي سميع لما تقولون, عليم بضمائركم.
وقد أورد ابن جرير ههنا سؤالاً حاصله: كيف تقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة وقد قال الله تعالى: " وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال " الاية ؟ ثم كان جوابه عنه: أن غدوه ليبوأهم مقاعد إنما كان يوم السبت أول النهار. وقوله تعالى: "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا" الاية, قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله , حدثنا سفيان , قال: قال عمرو : سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا" الاية, قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة. وما نحب ـ وقال سفيان مرة ـ وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى: "والله وليهما" وكذا رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به. وكذا قال غير واحد من السلف: إنهم بنو حارثة وبنو سلمة . وقوله تعالى: "ولقد نصركم الله ببدر" أي يوم بدر, وكان يوم الجمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله, ودمغ فيه الشرك, وخرب محله وحزبه هذا مع قلة عدد المسليمن يومئذ, فإنهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً, فيهم فرسان وسبعون بعيراً, والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه. وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد, فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله, وبيض وجه النبي وقبيله, وأخزى الشيطان وجيله, ولهذا قال تعالى ممتناً على عباده المؤمنين وحزبه المتقين "ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة" أي قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد, ولهذا قال تعالى في الاية الأخرى " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين * ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم ". وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن سماك , قال: سمعت عياضاً الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة, ويزيد بن أبي سفيان , وابن حسنة, وخالد بن الوليد, وعياض وليس عياض هذا الذي حدث سماكاً قال: وقال عمر : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة , قال فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت, واستمددناه, فكتب إلينا إنه قد جاءني كتابكم تستمدونني, وإني أدلكم على من هو أعز نصراً, وأحصن جنداً: الله عز وجل فاستنصروه, فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم, فإذا جاءكم كتابي هذا, فقاتلوهم ولا تراجعوني, قال: فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ, قال: وأصبنا أموالاً فتشاورنا, فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة, قال: وقال أبو عبيدة : من يراهنني ؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب قال: فسبقه فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنفزان وهو خلفه على فرس عري, وهذا إسناد صحيح, وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث بندار عن غندر بنحوه, واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه, وبدر: محلة بين مكة والمدينة تعرف ببئرها, منسوبة إلى رجل حفرها, يقال له: بدر بن النارين, قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدراً, وقوله "فاتقوا الله لعلكم تشكرون" أي تقومون بطاعته.
قوله 122- "إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا" هو بدل من إذ غدوت، أو متعلق بقوله: تبوئ، أو بقوله: سميع عليم، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر يوم أحد، والفشل الجبن، والهم من الطائفتين كان بعد الخروج، لما رجع عبد الله بن أبي بمن معه من المنافقين فحفظ الله قلوب المؤمنين فلم يرجعوا، وذلك قوله "والله وليهما".
122-"إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا" أي: تجبنا وتضعفا وتتخلفا ، والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر، وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى أحد في الف رجل وقيل: في تسعمائه وخمسين رجلاً ، فلما بلغوا الشوط انخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس ورجع في ثلاث مائه، وقال:علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فتبعهم أبو جابر السلمي فقال: أنشدكم بالله في نبيكم وفي أنفسكم، فقال عبد الله بن أبي: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وهمت بنو سلمه وبنو حارثة بالانصراف مع عبد الله بن أبي، فعصمهم الله فلم ينصرفوا فذكرهم الله عظيم نعمته، فقال عز وجل"إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما" ناصرهما وحافظهما .
"وعلى الله فليتوكل المؤمنون" ، أخبرنا عبد الواحد المليحي انا احمد بن عبد الله النعيم اخبرنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل /أنا محمد بن يوسف عن ابن عيينة عنعمرو عن جابر قال: نزلت هذه الآية فينا " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما " بنو سلمة وبنو حارثة،وما أحب أنها لم تنزل، والله يقول: "والله وليهما" .
122" إذ همت " متعلق بقوله: "سميع عليم" أو بدل من إذ غدوت. "طائفتان منكم" بنو سلمة منن الخزرج، وبنو حارثة من الأوس كانا جناحي العسكر. "أن تفشلا" أن تجبنا وتضعفا. روي "أنه عليه الصلاة والسلام خرج في زهاء ألف رجل ووعد لهم النصر إن صبروا، فلما بلغوا الشوط انخذل ابن أبي في ثلاثمائة رجل وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا، فتبعهم عمروا ابن حزم الأنصاري وقال: أنشدكم الله و الإسلام في نبيكم وأنفسكم. فقال: ابن أبي لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، فهم الحيان باتباعه فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". والظاهر أنها ما كانت عزيمة لقوله تعالى: " والله وليهما " أي عاصمهما من اتباع تلك الخطوة، ويجوز أ، يراد والله ناصرهما فما لهما يفشلان ولا يتوكلان على الله. " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " أي فليتوكلوا عليه ولا يتوكلوا على غيره لينصرهم كما نصرهم ببدر.
122. When two parties of you almost fell away, and Allah was their Protecting Friend. In Allah do believers put their trust.
122 - Remember two of your parties meditated cowardice; but God was their protector, and in God should the faithful (ever) put their trust.