[آل عمران : 102] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فقالوا يا رسول الله و من يقوى على هذا فنسخ بقوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) موحدون
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يا معشر من صدق الله ورسوله، "اتقوا الله"، خافوا الله وراقبوه بطاعته واجتناب معاصيه، "حق تقاته"، حق خوفه ، وهو أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى، "ولا تموتن"، أيها المؤمنون بالله ورسوله، "إلا وأنتم مسلمون" لربكم، مذعنون له بالطاعة، مخلصون له الألوهة والعبادة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان، وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله: "اتقوا الله حق تقاته"، قال: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا شعبة، عن زبيد، عن مرة الهمداني، عن عبد الله مثله.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن زبيد، عن مرة الهمداني، عن عبد الله مثله.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت ليثاً، عن زبيد، عن مرة بن شراحيل البكيلي، عن عبد الله بن مسعود مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا جرير، عن زبيد، عن عبد الله مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا مسعر، عن زبيد، عن مرة عن عبد الله مثله.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن المسعودي ، عن زبيد الإيامي ، عن مرة، عن عبد الله مثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن منصور، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله مثله.
حدثنا محمد بن سنان قال ، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحق، عن عمرو بن ميمون: "اتقوا الله حق تقاته"، قال: أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق ، عن عمرو بن ميمون نحوه.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا شعبة قال ، حدثنا عمرو بن مرة، عن مرة، عن الربيع بن خثيم قال: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال ، سمعت مرة الهمداني يحدث ، عن الربيع بن خثيم في قول الله عز وجل: "اتقوا الله حق تقاته"، فذكره نحوه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن قيس بن سعد، عن طاوس: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته"، أن يطاع فلا يعصى.
حدثنا محمد بن سنان قال ، حدثنا أبو بكر الحنفي قال ، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته"، قال "حق تقاته"، أن يطاع فلا يعصى.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: ثم تقدم إليهم - يعني إلى المؤمنين من الأنصار- فقال: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، أما "حق تقاته"، يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج بن المنهال قال ، حدثنا همام، عن قتادة: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته"، أن يطاع فلا يعصى ، قال: "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون".
وقال آخرون: بل تأويل ذلك، كما:
حدثني به المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "اتقوا الله حق تقاته"، قال: "حق تقاته"، أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
ثم اختلف أهل التأويل في هذه الآية: هل هي منسوخة أم لا؟
فقال بعضهم: هي محكمة غير منسوخة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي ، عن ابن عباس قوله: "اتقوا الله حق تقاته"، أنها لم تنسخ ، ولكن "حق تقاته"، أن تجاهد في الله حق جهاده ، ثم ذكر تأويله الذي ذكرناه عنه آنفاً.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن طاوس: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته"، فإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال طاوس قوله: "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، يقول : إن لم تتقوه ، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
وقال آخرون: هي منسوخة، نسخها قوله: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16].
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، ثم أنزل التخفيف واليسر، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه فقال: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16]، فجاءت هذه الآية، فيها تخفيف وعافية ويسر.
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال الأنماطي قال، حدثنا همام، عن قتادة: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، قال: نسختها هذه الآية التي في التغابن: "فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا" [التغابن: 16]، وعليها بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال: لما نزلت: "اتقوا الله حق تقاته"، ثم نزل بعدها "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16]، فنسخت هذه الآية التي في آل عمران.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط، عن السدي "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، فلم يطق الناس هذا، فنسخه الله عنهم فقال: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16].
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته"، قال: جاء أمر شديد! قالوا: ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف أنه قد اشتد ذلك عليهم ، نسخها عنهم، وجاء بهذه الأخرى فقال: "فاتقوا الله ما استطعتم" [التغابن: 16]، فنسخها.
وأما قوله: "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، فإن تأويله، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن قيس بن سعد، عن طاوس: "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"، قال: على الإسلام ، وعلى حرمة الإسلام.
فيه مسألة واحدة :
" روى البخاري عن مرة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر " وقال ابن عباس : هو ألا يعصى طرفة عين . وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله ، من يقوى على هذا ؟ وشق عليهم فأنزل الله عز وجل : " فاتقوا الله ما استطعتم " [ التغابن : 16 ] فنسخت هذه الآية ، عن قتادة و الربيع و ابن زيد . قال مقاتل : وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذه الآية . وقيل : إن قوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " بيان لهذه الآية . والمعنى : فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم ، وهذا أصوب ، لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع و الجمع ممكن فهو أولى . وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : قول الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته " لم تنسخ ، ولكن " حق تقاته " أن يجاهد في سبيل الله حق جهاده ،ولا تأخذكم في الله لومة لائم ، وتقوموا بالقسط ولو على أنفسكم وأبنائكم . قال النحاس : وكل ما ذكر في الآية واجب على المسلمين أن يستعملوه ولا يقع فيه نسخ . وقد مضى في البقرة معنى قوله تعالى : " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي , عن مرة , عن عبد الله هو ابن مسعود "اتقوا الله حق تقاته" قال: أن يطاع فلا يعصى, وأن يذكر فلا ينسى, وأن يشكر فلا يكفر, وهذا إسناد صحيح موقوف, وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود , وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب , عن سفيان الثوري , عن زبيد , عن مرة , عن عبد الله , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله حق تقاته": أن يطاع فلا يعصى, ويشكر فلا يكفر, ويذكر فلا ينسى " , وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد , عن مرة , عن ابن مسعود مرفوعاً, فذكره, ثم قال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, كذا قال, والأظهر أنه موقوف, والله أعلم. ثم قال ابن أبي حاتم : وروي نحوه عن مرة الهمداني والربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي وطاوس والحسن وقتادة وأبي سنان والسدي , نحو ذلك. وروي عن أنس أنه قال: لا يتقي الله العبد حق تقاته حتى يخزن لسانه. وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية , والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم والسدي وغيرهم إلى أن هذه الاية منسوخة بقوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "اتقوا الله حق تقاته" قال: لم تنسخ, ولكن "حق تقاته" أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم, ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وقوله تعالى: "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه, فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه, ومن مات على شيء بعث عليه, فعياذاً با لله من خلاف ذلك.
قال الإمام أحمد : حدثنا روح , حدثنا شعبة , قال: سمعت سليمان عن مجاهد : أن الناس كانوا يطوفون بالبيت و ابن عباس جالس معه محجن, فقال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون", ولو أن قطرة من الزقوم قطرت لأمرت على أهل الأرض عيشتهم, فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم ؟" وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه و الحاكم في مستدركه من طرق عن شعبة به وقال الترمذي : حسن صحيح, وقال الحاكم : على شرط الشيخين, ولم يخرجاه.
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع , حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب , عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة , عن عبد الله بن عمرو , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن با لله واليوم الاخر, ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " .
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن أبي سفيان , عن جابر , قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن با لله عز وجل" ورواه مسلم من طريق الأعمش به. وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " قال إن الله قال: أنا عند ظن عبدي بي, فإن ظن بي خيراً فله, وإن ظن شراً فله", وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي " .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عبد الملك القرشي , حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت وأحسبه عن أنس , قال: " كان رجل من الأنصار مريضاً, فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده, فوافقه في السوق فسلم عليه, فقال له :كيف أنت يا فلان ؟ قال: بخير يا رسول الله, أرجو الله وأخاف ذنوبي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف", ثم قال: لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان , وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديثه, ثم قال الترمذي : غريب, وقد رواه بعضهم عن ثابت مرسلاً, فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن أبي بشر , عن يوسف بن ماهك , عن حكيم بن حزام , قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخر إلا قائماً , ورواه النسائي في سننه عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن شعبة به, وترجم عليه فقال (باب كيف يخر للسجود), ثم ساقه مثله فقيل: معناه أن لا أموت إلا مسلماً, وقيل: معناه أن لا أقتل إلا مقبلاً غير مدبر وهو يرجع إلى الأول.
وقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" قيل "بحبل الله" أي بعهد الله, كما قال في الاية بعدها " ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس " أي بعهد وذمة, وقيل "بحبل من الله" يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعاً في صفة القرآن هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم .
وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى, فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي , حدثنا أسباط بن محمد عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطية , عن أبي سعيد , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض".
وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص , عن عبد الله رضي الله عنه, قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا القرآن هو حبل الله المتين, وهو النور المبين, وهو الشفاء النافع, عصمة لمن تمسك به, ونجاة لمن اتبعه", وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك. وقال وكيع : حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال : قال عبد الله : إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين. يا عبد الله هذا الطريق, هلم إلى الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن.
وقوله: " ولا تفرقوا " أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة, وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق, والأمر بالاجتماع والائتلاف, كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح , عن أبيه , عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله يرضى لكم ثلاثاً, ويسخط لكم ثلاثاً, يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا, وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم, ويسخط لكم ثلاثا: قيل وقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال" وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ, كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً, وخيف عليهم الافتراق والاختلاف, وقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة, منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار, وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقوله تعالى: "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً" إلى آخر الاية, وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج, فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية, وعدواة شديدة وضغائن وإحن وذحول, طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم, فلما جاء الله بالإسلام, فدخل فيه من دخل منهم, صاروا إخواناً متحابين بجلال الله, متواصلين في ذات الله, متعاونين على البر والتقوى, قال الله تعالى: " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم " إلى آخر الاية, وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم, فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان, وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين, فعتب من عتب منهم, بما فضل عليهم في القسم, بما أراه الله فخطبهم فقال "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي. وكنتم متفرقين فألفكم الله بي, وعالة فأغناكم الله بي ؟ فكلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن " . وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره: أن هذه الاية نزلت في شأن الأوس والخزرج, وذلك أن رجلاً من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج, فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة, فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب, ففعل, فلم يزل ذلك دأبه, حتى حميت نفوس القوم, وغضب بعضهم على بعض, وتثاوروا ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم وتوعدوا إلى الحرة, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ وتلا عليهم هذه الاية, فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم " . وذكر عكرمة أن ذلك نزل فيهم حين تثاوروا في قضية الإفك, والله أعلم.
قوله 102- "اتقوا الله حق تقاته" أي: التقوى التي تحق له، وهي أن لا يترك العبد شيئاً مما يلزمه فعله ولا يفعله شيئاً مما يلزمه تركه ويبذل في ذلك جهده ومستطاعه. قال القرطبي: ذكر المفسرون أنها لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من يقوى على هذا؟ وشق عليهم ذلك، فأنزل الله "فاتقوا الله ما استطعتم" فنسخت هذه الآية. روي ذلك عن قتادة والربيع وابن زيد. قال مقاتل: وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذا. وقيل إن قوله "اتقوا الله حق تقاته" مبين بقوله "فاتقوا الله ما استطعتم" والمعنى: اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم. قال: وهذا أصوب، لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع والجمع ممكن فهو أولى. قوله "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أي: لا تكونن على حال سوى حال الإسلام فالاستثناء مفرغ، ومحل الجملة: أعني قوله "وأنتم مسلمون" النصب على الحال، وقد تقدم في البقرة تفسير مثل هذه الآية.
102- قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته"، قال مقاتل بن حيان : كان بين الأوس و الخزرج عداوة في الجاهلية وقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينه، فأصلح بينهم فافتخر بعده منهم رجلان : ثعلبه بن غنم من الأوس و أسعد بن زراره من الخزرج ، فقال الأوسي : منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، ومنا حنظلة غسيل الملائكه، ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدبر ، ومنا سعد بن معاذ الذي اهتز [لموته] عرش الرحمن ورضي الله بحكمه في بني قريظة.
وقال الخزرجي: منا أربعة أحكموا القرآن : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد ، ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم ، فجرى الحديث بينهما فغضبا وأنشدا الأشعار وتفاخرا ، فجاء الأوس و الخزرج ومعهم السلاح ، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ".
وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس : هو أن يطاع فلا يعصى ، قال مجاهد : أن تجاهدوا في سبيل الله حق جهاده ولا تأخذكم في الله لومة لائم ، وتقوموا لله بالقسط ولو على أنفسكم وآبائكم وأبنائكم . وعن أنس أنه قال : لايتقي الله عبد حق تقاته حتى يخزن لسانه .
قال أهل التفسير : فلما نزلت هذه الآية شق ذلك عليهم، فقالوا : يا رسول الله ومن يقوى على هذا ؟ فأنزل الله تعالى : "فاتقوا الله ما استطعتم "(التغابن 16) فنسخت هذه الآية ، وقال مقاتل : ليس في آل عمران من المنسوخ إلا هذا.
" ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أي: مؤمنون ، وقيل مخلصون مفوضون أموركم الى الله عز وجل ، وقال الفضيل: محسنون الظن بالله .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو بكر العبدوسي اخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد أخبرنا سليمان بن سيف أخبرنا وهب بن جرير أنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أيها الناس اتقوا الله حق تقاته فلو ان قطرةً من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم ، فكيف بمن هو طعامه وليس لهم طعام غيره".
102" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته " حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم كقوله: "فاتقوا الله ما استطعتم" وعن ابن مسعود رضي الله عنه: هو أن يطيع فلا يعصي، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى. وقيل هو: أن تنزه الطاعة عن الإلتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها. وفي هذا الأمر تأكيد للنهي عن طاعة أهل الكتاب، وأصل تقاة وقية فقلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤده وتخمة والياء ألفاً. " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " أي ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت، فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه بالذات نحو الفعل تارة والقيد أخرى وقد يتوجه نحو المجموع دونهما وكذلك النفي.
102. O ye who believe! Observe your duty to Allah with right observance, and die not save as those who have surrendered (unto Him);
102 - O ye who believe fear God as he should be feared, and die not except in a state of Islam.