[العنكبوت : 2] أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
2 - (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا) أي بقولهم (آمنا وهم لا يفتنون) يختبرون بما يتبين به حقيقة إيمانهم نزل في جماعة آمنوا فآذاهم المشركون
أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله آلم أحسب الناس أن يتركوا الآية قال أنزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة أنه لا يقبل منكم حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فتبعهم المشركون فردوهم فنزلت هذه الآية فكتبوا إليهم أنه قد نزل فيكم كذا وكذا فقالوا نخرج فأن اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله فيهم ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا الآية
ك وأخرج عن قتادة قال أنزلت آلم أحسب الناس في أناس من أهل مكة خرجوا يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فعرض لهم المشركون فرجعوا فكتب اليهم إخوانهم بما نزل فيهم فخرجوا فقتل من قتل وخلص من خلص فنزل القرآن والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا الآية
واخرج ابن سعد عن عبد الله بن عبيد عن ابن عمير قال نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله أحسب الناس الآية
وأما قوله: " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " فإن معناه: أظن الذين خرجوا يا محمد من أصحابك من أذى المشركين إياهم، أن نتركهم بغير اختبار، ولا ابتلاء امتحان، بأن قالوا: آمنا بك يا محمد، فصدقناك فيما جئتنا به من عند الله، كلا لنختبرهم، ليتبين الصادق منهم من الكاذب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " آمنا وهم لا يفتنون " قال: يبتلون في أنفسهم وأموالهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وهم لا يفتنون ": أي لا يبتلون.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، في قوله: " وهم لا يفتنون " قال: لا يبتلون.
فأن الأولى منصوبة بحسب، والثانية منصوبة في قول بعض أهل العربية، بتعلق يتركوا بها، وأن معنى الكلام على قوله: " أحسب الناس أن يتركوا " لأن يقولوا آمنا، فلما حذفت اللام الخافضة من لأن، نصبتت على ما ذكرت. وأما على قول غيره فهي في موضع خفض بإضمار الخافض، ولا تكاد العرب تقول تركت فلاناً أن يذهب، فتدخل أن في الكلام، وإنما تقول تركته يذهب، وإنما أدخلت أن ها هنا لاكتفاء الكلام بقوله: " أن يتركوا " إذ كان معناه: أحسب الناس أن يتركوا وهم لا يفتنون، من أجل أن يقولوا آمنا، فكان قوله: " أن يتركوا " مكتفية بوقوعها على الناس، دون أخبارهم، وإن جعلت ( أن) في قوله " أن يقولوا " منصوبة بنية تكرير أحسب، كان جائزاً، فيكون معنى الكلام: أحسب الناس أن يتركوا: أحسبوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون.
قوله تعالى : " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون "
تقدم القول في أوائل السور . وقال ابن عباس : المعنى أنا الله أعلم . وقيل : هو اسم للسورة . وقيل اسم اللقرآن . ( أحسب ) استفهام أريد به التقرير والتوبيخ ومعناه الظن . ( أن يتركوا ) في موضع نصب بـ( حسب ) وهي وصلتها مقام المفعولين على قول سيبويه , و( أن ) الثانية م ن( أن يقولوا ) في موضع نصب على إحدى جهتين ، بمعنى لأن يقولوا أو بأن يقولوا أوعلى أن يقولوا . والجهة الأخرى أن يكون على التكرير ، والتقدير " الم * أحسب الناس أن يتركوا " أحسبوا " أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " قال ابن عباس وغيره : يريد بالناس قوماً من المؤمنين كانوا بمكة ، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلا م ، كسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة و الوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وياسر أبوه وسمية أمه وعدة من بني مخزوم وغيره . فكانت صدورهم تضيق لذلك ، وربما استنكر أن يمكن الله لكفار من المؤمنين ، قال مجاهد وغيره : فنزلت هذه الآية مسلية معلمة أن هذه هي سيرة الله في عبادة اختباراً للمؤمنين وفتنة . قال ابن عطية : وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه من الأقوال فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر . وذلك أن الفتنة من الله تعالى باقية في ثغور السملمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك . وإذا اعتبر أيضاً كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن ، ولكن التي تشبه نازلة المسلمين مع قريش هي ما ذكرناه من أمر العدو في كل ثغر .
قلت : ما أحسن ما قاله ، ولقد صدق فيما قال رضي الله عنه . وقال مقاتل : نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قبيل من المسليمن يوم بدر رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ " يسد الشهداء مهجع وهو أول من يدعي إلى باب الجنة من هذه الأمة " فجزع عليه أبواه وامرأته فنزلت : " الم * أحسب الناس أن يتركوا " وقال الشعبي : نزل مفتتح هذه السورة في أناس كانوا بمكة من المسلمين ، فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية أنه لايقبل منكم إقرار الإسلام حتى تهاحروا ، فخرجوا فأتبعهم المشركونه فآذوهم . فنزلت فيهم هذه الآية : " الم * أحسب الناس أن يتركوا " فكتبوا إليهم : نزلت فيكم آية كذا ، فقالوا :نخرج وإن اتبعنا أحد قاتلناه ، فاتبعهم المشركون فقالتلوهم ، فمنعهم من قبل ومنهم من نجا فنزل فيهم " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا " [ النحل : 110] ( وهم يفتنون ) يمتحنون ، أي أظن الذين جزعوا من أذى المشركين أنيقتعمنهم أن يقولوا إنا مؤمنون ولا يمتحنون في إيمانهم وأنفسهم وأموالهم بما يتبين به حقيقة إيمانهم .
أما الكلام على الحروف المقطعة, فقد تقدم في أول سورة البقرة. وقوله تعالى: " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " استفهام إنكار, ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان, كما جاء في الحديث الصحيح "أشد الناس بلاء الأنبياء, ثم الصالحون, ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء" وهذه الاية كقوله: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " ومثلها في سورة براءة. وقال في البقرة: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" ولهذا قال ههنا "ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه, والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون, وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة, وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله: "إلا لنعلم" إلا لنرى وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود, والعلم أعم من الرؤية, فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود.
وقوله تعالى: "أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون" أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان, فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم, ولهذا قال: "أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا" أي يفوتونا "ساء ما يحكمون" أي بئس ما يظنون.
والاستفهام في قوله: 2- "أحسب الناس" للتقريع والتوبيخ، و "أن يتركوا" في موضع نصب بحسب، وهي وما دخلت عليه قائمة مقام المفعولين على قوله سيبويه والجمهور، و "أن يقولوا" في موضع نصب على تقدير: لأن يقولوا، أو بأن يقولوا، أو على أن يقولوا، وقيل هو بدل من أن يتركوا، ومعنى الآية: أن الناس لا يتركون بغير اختبار ولا ابتلاء "أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" أي وهم لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم، وليس الأمر كما حسبوا، بل لا بد أن يختبرهم حتى يتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب، فالآية مسوقة لإنكار ذلك الحسبان واستبعاده، وبيان أنه لا بد من الامتحان بأنواع التكاليف وغيرها. قال الزجاج: المعنى أحسبوا أن نقنع منهم بأن يقولوا إنا مؤمنون فقط ولا يمتحنون بما تتبين به حقيقة إيمانهم، وهو قوله: "أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون". قال السدي وقتادة ومجاهد: أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب، وسيأتي في بيان سبب نزول هذه الآيات ما يوضح معنى ما ذكرناه، وظاهرها شمول كل الناس من أهل الإيمان، وإن كان السبب خاصاً فالاعتبار بعموم اللفظ كما قررناه غير مرة. قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نازلة في سبب خاص فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك.
2- " الم * أحسب الناس "، أظن الناس، "أن يتركوا"، بغير اختبار ولا ابتلاء، "أن يقولوا"، أي: بأن يقولوا، "آمنا وهم لا يفتنون"، لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم؟ كلا لنختبرنهم ليبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب.
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، قال الشعبي: نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لا يقبل منكم إقرار بالإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله هاتين الآيتين.
وكأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد بالناس الذين آمنوا بمكة: سلمة بن هشام، وعياش ابن ربيعة، والوليد بن الوليد، وعمار بن ياسر وغيرهم.
وقال ابن جريج: نزلت في عمار بن ياسر، كان يعذب في الله عز وجل.
وقال مقاتل:نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة، فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وقيل: "وهم لا يفتنون" بالأوامر والنواهي، وذلك أن الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان، ثم فرض عليهم الصلاة، والزكاة، وسائر الشرائع، فشق على بعضهم، فأنزل الله هذه الآية.
2ـ " أحسب الناس " الحسبان مما يتعلق بمضامين الجمل للدلالة على جهة ثبوتها ولذلك اقتضى مفعولين متلازمين أو ما يسد مسدهما كقوله : " أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " فإن معناه أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم " آمنا " ، فالترك أول مفعوليه وغير مفتونين من تمامه ولقولهم " آمنا " هو الثاني كقولك : حسبت ضربه للتأديب ، أو أنفسهم متروكين غير مفتونين لقولهم " آمنا " بل يمتحنهم الله بمشاق التكاليف ، كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والثابت في الدين من المضطرب فيه ، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات ، فإن مجرد الإيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب . روي أنها نزلت في ناس من الصحابة جزعوا من أذى المشركين ، وقيل في عمار وقد عذب في الله تعالى ، وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه أبواه وامرأته .
2. Do men imagine that they will be left (at ease) because they say, We believe, and will not be tested with affliction?
2 - Do men think that they will be left alone on saving, We believe, and that they will not Be tested?