[العنكبوت : 17] إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
17 - (إنما تعبدون من دون الله) أي غيره (أوثانا وتخلقون إفكا) تقولون كذبا إن الأوثان شركاء الله (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا) لا يقدرون أن يرزقوكم (فابتغوا عند الله الرزق) اطلبوه منه (واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون)
يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل خليله إبراهيم لقومه: إنما تعبدون أيها القوم من دون الله أوثاناً، يعني مثلاً.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " إنما تعبدون من دون الله أوثانا " أصناماً.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله " وتخلقون إفكا " فقال بعضهم: معناه: وتصنعون كذباً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: " وتخلقون إفكا " يقول: تصنعون كذباً.
وقال آخرون: وتقولون كذباً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس " وتخلقون إفكا " يقول: وتقولون إفكاً.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، " وتخلقون إفكا " يقول: تقولون كذباً.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتنحتون إفكاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله " وتخلقون إفكا " قال: تنحتون تصورون إفكاً.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وتخلقون إفكا ": أي تصنعون أصناماً.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وتخلقون إفكا " الأوثان التي ينحتونها بأيديهم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: وتصنعون كذباً، وقد بنيا معنى الخلق فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فتأويل الكلام إذن: إنما تعبدون من دون الله أوثاناً، وتصنعون كذباً وباطلاً، وإنما في قوله " إفكا " مردود على إنما، كقول القائل: إنما تفعلون كذا، وإنما تفعلون كذا. وقرأ جميع قراء الأمصار " وتخلقون إفكا " بتخفيف الخاء من قوله " وتخلقون " وضم اللام: من الخلق. وذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ " وتخلقون إفكا " بفتح الخاء وتشديد اللام من التخليق.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار، لإجماع الحجة من القراء عليه.
وقوله " إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا " يقول: جل ثناؤه: إن أوثانكم التي تعبدونها، لا تقدر أن ترزقكم شيئاً " فابتغوا عند الله الرزق " يقول: فالتمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم، تدركوا ما تبتغون من ذلك " واعبدوه " يقول: وذلوا له " واشكروا له " على رزقه إياكم، ونعمه التي أنعمها عليكم، يقال: شكرته وشكرت له، أفصح من شكرته. وقوله " إليه ترجعون " يقول: إلى الله تردون من عبد مماتكم، فيسألكم عما أنتم عليه من عبادتكم غيره وأنتم عباده وخلقه، وفي نعمه تتقلبون، ورزقه تأكلون.
قوله تعالى : " إنما تعبدون من دون الله أوثانا " أي أصناماً . قال أبو عبيدة : الضم ما يتخذ من ذهب أو من فضة أو نحاس ، والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة . الجوهري : الوثن الصنم والجمع وثن وأوثان أسد وآساد . " وتخلقون إفكا " قال الحسن : معنى : ( تخلقون ) تنحتون ، فالمعنى إنما تعبدون أوثاناً وأنتم تصنعونها . وقال مجاهد : الإفك الكذب ، والمعنى تعبدون الأوثان تخلقون الكذب . وقرأ أبو عبد الرحمن : ( وتخلقون ) . وقرئ : ( تخلقون ) بمعنى التكثير من خلق و( تخلقون ) من تخلق بمعنى تكذب وتخرص . وقرئ : ( أفكا ) وفيه وجهان : أن يكون مصدراً نحو كذب ولعب والإفك مخففاً منه كالكذب واللعب . وأن يكون صفة على فعل أي خلقاً أفكا أي ذا إفك وباطل . و(أوثاناً) نصب بـ( تعبدون ) و( ما ) كافة . ويجوز تفي غير القرآن رفع أوثان على أن تجعل ( ما) اسماً لأن ، و( تعبدون ) صلته ، وحذفت الهاء لطول الاسم وجعل أوثان خبر إن . فأما ( تخلفون إفكاً ) فهو منصوب بالفعل لا غير . وكذا " لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق " أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فإياه فاسألوه وحده دون غيرره .
يخبر تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء, أنه دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له والإخلاص له في التقوى وطلب الرزق منه وحده لا شريك له, وتوحيده في الشكر, فإنه المشكور على النعم لا مسدي لهاغيره, فقال لقومه: "اعبدوا الله واتقوه" أي أخلصوا له العبادة والخوف "ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" أي إذا فعلتم ذلك حصل لكم الخير في الدنيا والاخرة, واندفع عنكم الشر في الدنيا والاخرة, ثم أخبر تعالى أن الأصنام التي يعبدونها لا تضر ولا تنفع, وإنما اختلقتم أنتم لها أسماء فسميتموها آلهة وإنما هي مخلوقة مثلكم, هكذا رواه العوفي عن ابن عباس , وبه قال مجاهد والسدي , وروى الوالبي عن ابن عباس : وتصنعون إفكاً أي تنحتونها أصناما, وبه قال مجاهد في رواية, و عكرمة والحسن وقتادة وغيرهم, واختاره ابن جرير رحمه الله. وهي لا تملك لكم رزقاً "فابتغوا عند الله الرزق" وهذا أبلغ في الحصر كقوله "إياك نعبد وإياك نستعين" "رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة" ولهذا قال: "فابتغوا" أي فاطلبوا "عند الله الرزق" أي لا عند غيره, فإن غيره لا يملك شيئاً "واعبدوه واشكروا له" أي كلوا من رزقه واعبدوه وحده, واشكروا له على ما أنعم به عليكم "إليه ترجعون" أي يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله.
وقوله تعالى: "وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم" أي فبلغكم ما حل بهم من العذاب والنكال في مخالفة الرسل "وما على الرسول إلا البلاغ المبين" يعني إنما على الرسول أن يبلغكم ما أمره الله تعالى به من الرسالة, والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء, فاحرصوا لأنفسكم أن تكونوا من السعداء. وقال قتادة في قوله: "وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم" قال: يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم, وهذا من قتادة يقتضي أنه قد انقطع الكلام الأول واعترض بهذا إلى قوله: "فما كان جواب قومه" وهكذا نص على ذلك ابن جرير أيضاً. والظاهر من السياق أن كل هذا من كلام إبراهيم الخليل عليه السلام, يحتج عليهم لإثبات المعاد لقوله بعد هذا كله "فما كان جواب قومه" والله أعلم.
17- "إنما تعبدون من دون الله أوثاناً" بين لهم إبراهيم أنهم يعبدون ما لا ينفع ولا يضر ولا يسمع ولا يبصر، والأوثان هي الأصنام. وقال أبو عبيد: الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس، والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة. وقال الجوهري: الوثن الصنم والجمع أوثان "وتخلقون إفكاً" أي وتكذبون كذباً على أن معنى تخلقون تكذبون، ويجوز أن يكون معناه: تعملون وتنحتون: أي تعلمونها وتنحتونها للإفك. قال الحسن: معنى تخلقون تنحتون: أي إنما تعبدون أوثاناً وأنتم تصنعونها. قرأ الجمهور "تخلقون" بفتح الفوقية وسكون الخاء وضم اللام مضارع خلق و "إفكاً" بكسر الهمزة وسكون الفاء. وقرأ علي بن أبي طالب وزيد بن علي والسلمي وقتادة بفتح الخاء واللام مشددة، والأصل تتخلقون. وروي عن زيد بن عليأنه قرأ بضم التاء وتشديد اللام مكسورة. وقرأ ابن الزبير وفضيل بن ورقان أفكاً بفتح الهمزة وكسر الفاء وهو مصدر كالكذب، أو صفة لمصدر محذوف: أي خلقاً أفكاً "إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً" أي لا يقدرون على أن يرزقوكم شيئاً من الرزق "فابتغوا عند الله الرزق" أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فهو الذي عنده الرزق كله فاسألوه من فضله ووحدوه دون غيره "واشكروا له" أي على نعمائه، فإن الشكر موجب لبقائها وسبب للمزيد عليها، يقال شكرته وشكرت له "إليه ترجعون" بالموت ثم بالبعث لا إلى غيره.
17- "إنما تعبدون من دون الله أوثاناً"، أصناماً، "وتخلقون إفكاً"، تقولون كذباً، قال مجاهد: تصنعون أصناماً بأيديكم فتسمونها آلهة، "إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً"،لا يقدرون أن يرزقوكم، "فابتغوا"، فاطلبوا، "عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون".
17ـ " إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً " وتكذبون كذباً في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله تعالى ، أو تعملونها وتنحتونها للإفك وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور وباطل ، وقرئ (( تخلقون )) من خلق للتكثير (( وتخلقون )) من تخلق للتكلف ، و " إفكاً " على أنه مصدر كالكذب أو نعت بمعنى خلقاً ذا إفك . " إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً " دليل ثان على شرارة ذلك من حيث إنه لا يجدر بطائل ، و " رزقاً " يحتمل المصدر بمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم وأن يراد المرزوق وتنكيره للتعميم . " فابتغوا عند الله الرزق " كله فإنه المالك له . " واعبدوه واشكروا له " متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين لما حفكم من النعم بشكره ، أو مستعدين للقائه بهما ، فإنه : " إليه ترجعون " وقرئ بفتح التاء .
17. Ye serve instead of Allah only idols, and ye only invent a lie. Lo! those whom ye serve instead of Allah own no provision for you. So seek your provision from Allah, and serve Him, and give thanks unto Him, (for) unto Him ye will be brought back.
17 - For ye do worship idols besides God, and ye invent falsehood. The things that ye worship besides God have no power to give you sustenance: Then seek ye sustenance from God, serve Him and be grateful to Him: to Him will be your return.