[القصص : 66] فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ
66 - (فعميت عليهم الأنباء) الأخبار المنجية في الجواب (يومئذ) لم يجدوا خبرا لهم فيه نجاة (فهم لا يتساءلون) عنه فيسكتون
" فعميت عليهم الأنباء يومئذ ": يقول: فخفيت عليهم الأخبار، من قولهم: قد عمي عني خبر القوم: إذا خفي. وإنما عني بذلك أنهم عميت عليهم الحجة، فلم يدروا ما يحتجون، لأن الله تعالى قد كان أبلغ إليهم في المعذرة، وتابع عليهم الحجة، فلم تكن لهم حجة يحتجون بها، ولا خبر يخبرون به، مما تكون لهم به نجاة ومخلص.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " فعميت عليهم الأنباء " قال: الحجج، يعني الحجة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " فعميت عليهم الأنباء " قال: الحجج.
قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: " ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين " قال: بلا إله إلا الله، التوحيد.
وقوله: " فهم لا يتساءلون " بالأنساب والقرابة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاسم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " فهم لا يتساءلون " قال: لا يتساءلون بالأنساب، ولا يتمأتون بالقرابات، إنهم كانوا في الدنيا إذا التقوا تساءلوا وتماتوا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " فهم لا يتساءلون " قال: بالأنساب. وقيل معنى ذلك: فعميت عليهم الحجج يومئذ فسكتوا، فهم لا يتساءلون في حال سكوتهم.
قوله تعالى : " فعميت عليهم الأنباء يومئذ " أي خفيت عليهم الحجج ، قاله مجاهد ، لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة . و( الأنباء ) الأخبار ، سمى حججهم أنباء لأنها أخبار يخبرونها . " فهم لا يتساءلون " أي لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجج ، لأن الله تعالى أدحض حججهم ، قاله الضحاك . وقال ابن عباس : ( لايتسائلون ) أي لا ينطقون بحجة .وقيل : ( لا يتسائلون ) في تلك الساعة ، ولا يدرون ما يجيبون به من هول تلك الساعة ، ثم يجيبون بعد ذلك أخبر عن قولهم : " والله ربنا ما كنا مشركين " [ الأنعام : 23] وقال مجاهد : لا يتساءلون بالأنساب . وقيل لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحمل من ذنوبه شيئاً حكاه ابن عباس .
يقول تعالى مخبراً عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة حيث يناديهم فيقول: "أين شركائي الذين كنتم تزعمون" يعني أين الالهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا من الأصنام والأنداد, هل ينصرونكم أو ينتصرون ؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد, كما قال تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون".
وقوله: "قال الذين حق عليهم القول" يعني الشياطين والمردة والدعاة إلى الكفر "ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون" فشهدوا عليهم أنه أغووهم فاتبعوهم ثم تبرءوا من عبادتهم, كما قال تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " وقال تعالى: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين" وقال الخليل عليه السلام لقومه "إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً" الاية, وقال الله تعالى: " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " ولهذا قال: "وقيل ادعوا شركاءكم" أي ليخلصوكم مما أنتم فيه كما كنتم ترجون منهم في الدار الدنيا "فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب" أي وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار لا محالة.
وقوله: "لو أنهم كانوا يهتدون" أي فودوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين في الدار الدنيا, وهذا كقوله تعالى: "ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقاً * ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً". وقوله: "ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين" النداء الأول عن سؤال التوحيد, وهذا فيه إثبات النبوات, ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم, وكيف كان حالكم معهم ؟ وهذا كما يسأل العبد في قبره: من ربك, ومن نبيك, وما دينك ؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله, وأن محمداً عبده ورسوله, وأما الكافر فيقول: هاه هاه لا أدري, ولهذا لاجواب له يوم القيامة غير السكوت, لأن من كان في هذه أعمى, فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلاً, ولهذا قال تعالى: "فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون" قال مجاهد : فعميت عليهم الحجج, فهم لا يتساءلون بالأنساب. وقوله "فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً" أي في الدنيا "فعسى أن يكون من المفلحين" أي يوم القيامة وعسى من الله موجبة, فإن هذا واقع بفضل الله ومنته لا محالة.
66- "فعميت عليهم الأنباء يومئذ" أي خفيت عليهم الحجج حتى صاروا كالعمي الذين لا يهتدون، والأصل فعموا عن الأنباء، ولكنه عكس الكلام للمبالغة، والأنباء الأخبار، وإنما سمى حججهم أخباراً لأنها لم تكن من الحجة في شيء، وإنما هي أقاصيص وحكايات "فهم لا يتساءلون" لا يسأل بعضهم بعضاً، ولا ينطقون بحجة ولا يدرون بما يجيبون، لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة. قرأ الجمهور عميت بفتح العين وتخفيف الميم. وقرأ الأعمش وجناح بن حبيش بضم العين وتشديد الميم.
66- "فعميت"، خفيت واشتبهت، "عليهم الأنباء"، أي: الأخبار والأعذار، قال مجاهد: الحجج، "يومئذ" فلا يكون لهم عذر ولا حجة، "فهم لا يتساءلون": لا يجيبون، وقال قتادة: لا يحتجون، وقيل: يسكتون لا يسأل بعضهم بعضاً.
66 -" فعميت عليهم الأنباء يومئذ " فصارت الأنباء كالعمي عليهم لا تهتدي إليهم ، وأصله فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يقبض ويرد عليه من خارج فإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره ، والمراد بالأنباء ما أجابوا به الرسل أو ما يعمها وغيرها ، فإذا كانت الرسل يتعتعون في الجواب عن مثل ذلك من الهول ويفوضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالضلال من أممهم ، وتعدية الفعل بعلى لتضمنه معنى الخفاء . " فهم لا يتساءلون " لا يسأل بعضهم بعضاً عن الجواب لفرط الدهشة والعلم بأنه مثله في العجز .
66. On that day (all) tidings will be dimmed for them, nor will they ask one of another,
66 - Then the (whole) story that day will seem obscure to them (like light to the blind) and they will not be able (even) to question each other.