[القصص : 59] وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
59 - (وما كان ربك مهلك القرى) بظلم منها (حتى يبعث في أمها) أعظمها (رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) بتكذيب الرسل
يقول تعالى ذكره: " وما كان ربك " يا محمد " مهلك القرى " التي حوالي مكة في زمانك وعصرك. " حتى يبعث في أمها رسولا " يقول: حتى يبعث في مكة رسولاً، وهي أم القرى، يتلو عليهم آيات كتابنا، والرسول: محمد صلى الله علي وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " حتى يبعث في أمها رسولا " وأم القرى مكة، وبعث الله إليهم رسولاً: محمداً صلى الله عليه وسلم.
وقوله " وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون " يقول: ولم نكن لنهلك قرية وهي بالله مؤمنة إنما نهلكها بظلمها أنفسها بكفرها بالله، وإنما أهلكنا أهل مكة بكفرهم بربهم وظلم أنفسهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: " وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون " قال الله: لم يهلك قرية بإيمان، ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها، ولو كانت آمنت لم يهلكوا مع من هلك، ولكنهم كذبوا وظلموا، فبذلك أهلكوا.
قوله تعالى : " وما كان ربك مهلك القرى " أي القرى الكافر أهلها . " حتى يبعث في أمها " قرئ بضم الهمزة وكسرها لإتباع الجر يعني مكة و" رسولا " يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . وقيل : ( في أمها ) يعني في أعظمها ( رسولا ) ينذرهم . وقال الحسن : في أوائلها .
قلت : ومكة أعظم القرى لحرمتها وأولها ، لقوله تعالى : " إن أول بيت وضع للناس " [ آل عمران : 96] وخصت بالأعظم لبعثة الرسول فيها ، لأن الرسل تبعث إلى الأشراف وهم يسكنون المدائن وهي أما حولها وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة ( يوسف ) " يتلو عليهم آياتنا " ( يتلوا) في موضع الصفة أي تاليا أي يخبرهم أن العذاب ينزل بهم إن لم يؤمنوا " وما كنا مهلكي القرى " وسقطت النون للإضافة مثل " ظالمي أنفسهم " [ النحل : 28] . " إلا وأهلها ظالمون " أي لم أهلكهم إلا وقد استحقوا الإهلا ك لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم وفي هذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم . أخبر تعالى أنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الإهلاك بظلمهم ، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل ، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم . ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين ، كما قال عز من قال : " وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " [ هود : 117] فنص في قوله ( بظلم ) على أنه لو أهلكهم وهم مصلحون لكان ذلك ظلماً لهم منه ، وأن حاله في غناه وحكمته منافية للظلم ، دل على ذلك بحرف النفي مع لامه كما قال تعالى : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " [البقرة : 143] .
يقول تعالى معرضاً بأهل مكة في قوله تعالى: "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها" أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق, كما قال في الاية الأخرى " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون " ولهذا قال تعالى: "فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً" أي دثرت ديارهم فلا ترى إلا مساكنهم. وقوله تعالى: "وكنا نحن الوارثين" أي رجعت خراباً ليس فيها أحد.
وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا عن ابن مسعود أنه سمع كعباً يقول لعمر : إن سليمان عليه السلام قال للهامة ـ يعني البومة ـ: ما لك لا تأكلين الزرع ؟ قالت: لأنه أخرج آدم من الجنة بسببه, قال: فما لك لا تشربين الماء ؟ قالت: لأن الله تعالى أغرق قوم نوح به. قال: فما لك لا تأوين إلا إلى الخراب ؟ قالت لأنه ميراث الله تعالى, ثم تلا "وكنا نحن الوارثين" ثم قال تعالى مخبراً عن عدله وأنه لا يهلك أحداً ظالماً له, وإنما يهلك من أهلك بعد قيام الحجة عليهم, ولهذا قال: "وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها" وهي مكة "رسولاً يتلو عليهم آياتنا" فيه دلالة على أن النبي الأمي وهو محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث من أم القرى رسول إلى جميع القرى من عرب وأعجام, كما قال تعالى: "لتنذر أم القرى ومن حولها" وقال تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" وقال: "لأنذركم به ومن بلغ" وقال: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وتمام الدليل قوله تعالى: "وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً" الاية, فأخبر تعالى أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة, وقد قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" فجعل تعالى بعثة النبي الأمي شاملة لجميع القرى, لأنه رسول إلى أمها وأصلها التي ترجع إليها. وثبت في الصحيحين عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "بعثت إلى الأحمر والأسود" ولهذا ختم به النبوة والرسالة, فلا نبي من بعده ولا رسول, بل شرعه باق بقاء الليل والنهار إلى يوم القيامة, وقيل المراد بقوله: "حتى يبعث في أمها رسولاً" أي أصلها وعظيمتها كأمهات الرساتيق والأقاليم, حكاه الزمخشري وابن الجوزي وغيرهما, وليس ببعيد.
59- " وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا " أي وما صح ولا استقام أن يكون الله مهلك القرى الكافرة: أي الكافر أهلها حتى يبعث في أمها رسولاً ينذرهم ويتلوا عليهم آيات الله الناطقة بما أوجبه الله عليهم وما أعده من الثواب للمطيع والعقاب للعاصي، ومعنى أمها: أكبرها وأعظمها، وخص الأعظم منها بالبعثة إليها، لأن فيها أشراف القوم، وأهل الفهم والرأي، وفيها الملوك والأكابر، فصارت بهذا الاعتبار كالأم لما حولها من القرى. وقال الحسن: أم القرى أولها. وقيل المراد بأم القرى هنا مكة كما في قوله: "إن أول بيت وضع للناس" الآية، وقد تقدم بيان ما تضمنته هذه الآية في آخر سورة يوسف، وجملة يتلوا عليهم آياتنا في محل نصب على الحال: أي تالياً عليهم ومخبراً لهم أن العذاب سينزل بهم إن لم يؤمنوا "وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون" هذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال: أي وما كنا مهلكين لأهل القرى بعد أن نبعث إلى أمها رسولاً يدعوهم إلى الحق إلا حال كونهم ظالمين قد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم، وتأكيد الحجة عليهم كما في قوله سبحانه: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".
59- "وما كان ربك مهلك القرى"، أي: القرى الكافرة وأهلها، "حتى يبعث في أمها رسولاً"، يعني: في أكبرها وأعظمها رسولاً ينذرهم، وخص الأعظم ببعثة الرسول فيها، لأن الرسول يبعث إلى الأشراف، والأشراف يسكنون المدائن، والمواضع التي هي أم ما حولها، " تتلو عليهم آياتنا "، قال مقاتل: يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا، "وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون"، مشركون، يريد: أهلكتهم بظلمهم.
59 -" وما كان ربك " وما كانت عادته . " مهلك القرى حتى يبعث في أمها " في أصلها التي هي أعمالها ، لأن أهلها تكون وأفطن وأنبل . " رسولا يتلو عليهم آياتنا " لإلزام الحجة وقطع المعذرة . " وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون " بتكذيب الرسل والعتو في الكفر .
59. And never did thy Lord destroy the townships, till He had raised up in their mother(town) a messenger reciting unto them Our revelations. And never did We destroy the townships unless the folk thereof were evil doers.
59 - Nor was thy Lord the one to destroy a population until he had sent to its Centre an apostle, rehearsing to them our signs; nor are We going to destroy a population except when its members practise iniquity.