[القصص : 57] وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
57 - (وقالوا) قومه (إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) ننتزع منها بسرعة قال تعالى (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى) يأمنون فيه من الاغارة والقتل الواقعين من بعض العرب على بعض (إليه) بالفوقانية والتحتانية (ثمرات كل شيء رزقا) من كل أوب (من) لهم (لدنا ولكن) عندنا (أكثرهم لا يعلمون وكم) أن ما نقوله حق
قوله تعالى وقالوا إن نتبع الهدى معك الآية أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أن أناسا من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن نتبعك تخطفنا الناس فنزلت وأخرج النسائي عن ابن عباس أن الحرث بن عامر بن نوفل هو الذي قال ذلك
يقول تعالى ذكره: وقالت كفار قريش: إن نتبع الحق الذي جئتنا به معك، ونتبرأ من الأنداد والآلهة، يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا، يقول الله لنبيه: فقل " أولم نمكن لهم حرما " يقول: أولم نوطىء لهم بلداً حرمنا على الناس سفك الدماء فيه، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء، وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة، أو قتل، أو سبأ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن الحارث بن نوفل، الذي قال " إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " وزعموا أنهم قالوا: قد علمنا أنك رسول الله، ولكنا نخاف أن نتخطف من أرضنا، " أولم نمكن لهم " الآية.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " قال: هم أناس من قريش قالوا لمحمد: إن نتبعك يتخطفنا الناس، فقال الله " أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ".
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( ويتخطف الناس من حولهم) قال: كان يغير بعضهم على بعض.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله " أولم نمكن لهم حرما آمنا " قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " قال الله " أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء " يقول: أولم يكونوا آمنين في حرمهم لايغزون فيه ولا يخافون، يجبى إليه ثمرات كل شيء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة " أولم نمكن لهم حرما آمنا " قال: كان أهله الحرم آمنين يذهبون حين شاءوا، إذا خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يتعرض له. وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " أولم نمكن لهم حرما آمنا " قال: آمناكم به، قال: هي مكة، وهم قريش.
وقوله " يجبى إليه ثمرات كل شيء " يقول يجمع إليه، وهو من قولهم: جبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه. وإنما أريد بذلك: يحمل إليه ثمرات كل بلد.
كما حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن مجاهد، عن ابن عباس في " يجبى إليه ثمرات كل شيء " قال: ثمرات الأرض.
وقوله " رزقا من لدنا " يقول: ورزقاً رزقناهم من لدنا، يعني: من عندنا " ولكن أكثرهم لا يعلمون " يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " لا يعلمون أنا نحن الذين مكنا لهم حراماً آمناً، ورزقناهم فيه، وجعلنا الثمرات من كل أرض تجبى إليهم، فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون، لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك.
قوله تعالى : " وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " هذا قول مشركي مكة ، قال ابن عباس : قائل ذلك من اقريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القريشي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ، ونؤمن بك ، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا _ يعني مكة _ لاجتماعهم على خلافنا ، ولا طاقة لنا بهم . وكان هذا من تعللاتهم ، فأحاب الله تعالى عما اعتل به فقال : " أولم نمكن لهم حرما آمنا " أي ذا أمن . وذلك أن العرب كانت في الجغاهلية يغير بعضهم على بعض ، وبقتل بعضهم بعضاً ، واهل مكة آمنون نحيث كانوا بحرمة الحرم ، فأخبر أنه قد أمنهم بحرمة البيت ، ومنع عنهم عدوهم ، فلا يخافون أن تستحل العرب حرمة في قتالهم . والتخطف الا تنزاع بسرعة ، وقد تقدم . قال يحيى بن سلام يقول : كنتم آمنين في حرمي ، تأكلون رزقي ، وتعبدوهن غيري ، أفتخافون إذ عبدتموني وآمنتم بي " يجبى إليه ثمرات كل شيء " أي يجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد ، عن ابن عباس وغيره . ويقال : جبى الماء في الحوض أي جمعه . والجابية الحوض العظيم . وقرأ نافع : ( تجبى بالتاء ، لأجل الثمرات . والباقون بالياء لقوله : ( كل شيء ) واختاره أبو عبيد . قال : لأنه حال بين الاسم المؤنث وبين فعله حائل ، وأيضاً فإن الثمرات جمع ، وليس بتأنيث حقيقي . " رزقا من لدنا " أي من عندنا . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي لا يعقلون ، أي هم غافلون عن الاستدلال ، وأن من رزقهم وأمنهم فيما مضى حال كفرهم يرزقهم لو أسلموا ، ويمنع الكفار عنهم في إسلامهم . و( رزقاً ) نصب على المعفول من أجله . ويجوزنصبه على المصدر بالمعنى ، لأن معنى : ( تجتى ) ترزق . وقرئ : ( يجنى) بالنون من الجنا ، وتعديته بإلى كقولك يجنى إلى فيه ويجنى إلى الخافة .
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إنك يا محمد "لا تهدي من أحببت" أي ليس إليك ذلك, إنما عليك البلاغ, والله يهدي من يشاء, وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة, كما قال تعالى: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وقال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وهذه الاية أخص من هذا كله, فإنه قال: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية, وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حباً شديداً طبعياً لا شرعياً, فلما حضرته الوفاة وحان أجله, دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام. فسبق القدر فيه واختطف من يده, فاستمر على ما كان عليه من الكفر, ولله الحكمة التامة. قال الزهري : حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه , وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عم قل لا إله إلا الله, كلمة أحاج لك بها عند الله" فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب, وأبى أن يقول لا إله إلا الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فأنزل الله تعالى: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى" وأنزل في أبي طالب "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء" أخرجاه من حديث الزهري , وهكذا رواه مسلم في صحيحه , و الترمذي من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عماه قل لا إله إلا الله, أشهد لك بها يوم القيامة" فقال: لولا أن تعيرني بها قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت, لأقررت بها عينك, لا أقولها إلا لأقر بها عينك, فأنزل الله تعالى: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" وقال الترمذي : حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان , ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان عن يزيد بن كيسان : حدثني أبو حازم عن أبي هريرة فذكره بنحوه, وهكذا قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة : إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لا إله إلا الله, فأبى عليه ذلك, وقال: أي ابن أخي ملة الأشياخ, وكان آخر ما قاله هو على ملة عبد المطلب.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو سلمة , حدثنا حماد بن سلمة , حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن أبي راشد قال: " كان رسول قيصر جاء إلي, قال: كتب معي قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً, فأتيته فدفعت الكتاب فوضعه في حجره, ثم قال: ممن الرجل ؟ قلت: من تنوخ. قال: هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفية ؟ قلت: إني رسول قوم وعلى دينهم حتى أرجع إليهم, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إلى أصحابه, وقال: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " ".
وقوله تعالى: "وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" يقول تعالى مخبراً عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم "إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين, أن يقصدونا بالأذى والمحاربة, ويتخطفونا أينما كنا, قال الله تعالى مجيباً لهم: " أولم نمكن لهم حرما آمنا " يعني هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل, لأن الله تعالى جعلهم في بلد أمين وحرم معظم آمن منذ وضع, فكيف يكون هذا الحرم آمناً لهم في حال كفرهم وشركهم, ولا يكون آمناً لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟ وقوله تعالى: "يجبى إليه ثمرات كل شيء" أي من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره, وكذلك المتاجر والأمتعة "رزقاً من لدنا" أي من عندنا "ولكن أكثرهم لا يعلمون" ولهذا قالوا ما قالوا, وقد قال النسائي : أنبأنا الحسن بن محمد , حدثنا الحجاج عن ابن جريج , أخبرني ابن أبي مليكة قال: قال عمرو بن شعيب عن ابن عباس , ولم يسمعه منه, إن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال "إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا".
57- "وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" أي قال مشركو قريش ومن تابعهم: إن ندخل في دينك يا محمد نختطف من أرضنا: أي يختطفنا العرب من أرضنا: يعنون مكة ولا طاقة لنا بهم، وهذا من جملة أعذارهم الباطلة وتعللاتهم العاطلة، والتخطف في الأصل هو الانتزاع بسرعة. قرأ الجمهور "نتخطف" بالجزم جواباً للشرط، وقرأ المنقري بالرفع على الاستئناف. ثم رد الله ذلك عليهم رداً مصدراً باستفهام التوبيخ والتقريع فقال: " أولم نمكن لهم حرما آمنا " أي ألم نجعل لهم حرماً ذا أمن. قال أبو البقاء: عداه بنفسه لأنه بمعنى جعل كما صرح بذلك في قوله: " أولم يروا أنا جعلنا حرما "، ثم وصف هذا الحرم بقوله: "يجبى إليه ثمرات كل شيء" أي تجمع إليه الثمرات على اختلاف أنواعها من الأراضي المختلفة وتحمل إليه. قرأ الجمهور "يجبى" بالتحتية اعتباراً بتذكير كل شيء ووجود الحائل بين الفعل وبين ثمرات، وأيضاً ليس تأنيث ثمرات بحقيقي، واختار قراءة الجمهور أبو عبيد لما ذكرنا، وقرأ نافع بالفوقية اعتباراً بثمرات. وقرأ الجمهور أيضاً "ثمرات" بفتحتين، وقرأ أبان بضمتين، جمع ثمر بضمتين، وقرئ بفتح الثاء وسكون الميم "رزقاً من لدناً" منتصب على المصدرية لأن معنى يجبى: نرزقهم، ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول له لفعل محذوف: أي نسوقه إليهم رزقاً من لدنا، ويجوز أن ينتصب على الحال أي رازقين "ولكن أكثرهم لا يعلمون" لفرط جهلهم ومزيد غفلتهم وعدم تفكرهم في أمر معادهم ورشادهم لكونهم ممن طبع الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة.
وقد أخرج الفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" قال: نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني. وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعاً. وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عنه في وجه آخر بنحوه. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل وأبو نصر السجزي في الإبانة والديلمي عن عمرو بن عبسة قال: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" ما كان النداء وما كانت الرحمة قال: كتبه الله قبل أن يخلق خلقه بألفي عام، ثم وضعه على عرشه، ثم نادى: يا أمة محمد سبقت رحمتي غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدي ورسولي صادقاً أدخلته الجنة". وأخرج الختلي في الديباج عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً مثله. وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن حذيفة في قوله: "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" مرفوعاً، قال نودوا: يا أمة محمد ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعاً "إن الله نادى: يا أمة محمد أجيبوا ربكم، قال: فأجابوا وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم إلى يوم القيامة فقالوا: لبيك أنت ربنا حقاً ونحن عبيدك حقاً، قال: صدقتم أنا ربكم وأنتم عبيدي حقاً، قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة". وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الهالك في الفترة يقول: رب لم يأتني كتاب ولا رسول، ثم قرأ هذه الآية "ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً" الآية". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " قالوا سحران تظاهرا " إلخ. قال: هم أهل الكتاب "إنا بكل كافرون" يعني بالكتابين: التوراة والفرقان. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو القاسم البغوي والباوردي وابن قانع الثلاثة في معاجم الصحابة. والطبراني وابن مردويه بسند جيد عن رفاعة القرظي قال: نزلت "ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون" إلى قوله: "أولئك يؤتون أجرهم مرتين" في عشرة رهط أنا أحدهم. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس "الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون" قال: يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بالكتاب الأول والآخر، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها. وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث المسيب ومسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن قوله "إنك لا تهدي من أحببت" نزلت في أبي طالب لما امتنع من الإسلام. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن ناساً من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن نتبعك يتخطفنا الناس، فنزلت "وقالوا إن نتبع الهدى معك" الآية: وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "يجبى إليه ثمرات كل شيء" قال: ثمرات الأرض.
57- "وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا"، مكة، نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف، وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكنا إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة. وهو معنى قوله: "نتخطف من أرضنا"/، والاختطاف: الانتزاع بسرعة.
قال الله تعالى: " أولم نمكن لهم حرما آمنا "، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تغير بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً، وأهل مكة آمنون حيث كانوا، لحرمة الحرم، ومن المعروف أنه كان يأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة، "يجبى"، قرأ أهل المدينة ويعقوب: تجبى بالتاء لأجل الثمرات، والآخرون بالياء للحائل بين الاسم المؤنث والفعل، أي: يجلب ويجمع، "إليه"، يقال: جبيت الماء في الحوض أي: جمعته، قال مقاتل: يحمل إلى الحرم، "ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون"، أن ما يقوله حق.
57 -" وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا " نخرج منها . نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، " أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله : " أولم نمكن لهم حرما آمنا " " أو لم نجعل مكانهم حرماً ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه . " يجبى إليه " يحمل إليه ويجمع فيه ، وقرأ نافع و يعقوب في رواية بالتاء . " ثمرات كل شيء " من كل أوب . " رزقاً من لدنا " فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعموه ، وقيل إنه متعلق بقوله " من لدنا " أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله ، وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره ، وانتصاب " رزقاً " على المصدر من معنى " يجبى " ، أو حال من الـ " ثمرات " لتخصصها بالإضافة ، ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله :
57. And they say: If we were to follow the Guidance with thee we should be torn out of our land. Have We not established for them a sure sanctuary, whereunto the produce of all things is brought (in trade), a provision from Our presence? But most of them know not.
57 - They say: If we were to follow the guidance with thee, we should be snatched away from our land. Have We not established for them a secure Sanctuary, to which are brought as tribute fruits of all kinds, a provision from Ourselves? but most of them understand not.