[القصص : 49] قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
49 - (قل) لهم (فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما) من الكتابين (أتبعه إن كنتم صادقين) في قولكم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للقائلين للتوراة والإنجيل: هما سحران تظاهرا: ائتوا بكتاب من عند الله، هو أهدى منهما لطريق الحق، ولسبيل الرشاد " أتبعه إن كنتم صادقين " في زعمكم أن هذين الكتابين سحران، وأن الحق في غيرهما.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: فقال الله تعالى " قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما " ... الآية.
حدثن يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فقال الله ( ائتوني بكتاب من عند الله هو أهدى منهما ) من هذين الكتابين، الذي بعث به موسى، والذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى : " قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه " أي قل يا محمد إذ كفرتم معشر المشركين بهذين المتابين " فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه " ليكون ذلك عذراً لكم في الكفر " إن كنتم صادقين " في أنهما سحران أو فأعتوا بكتاب هو أهتدى من كتابي موسى ومحمد عليهما السلام . وهذا يقوي قرأء الكوفيين ( سحران ) . ( أتبعه ) قال الفراء . بالرفع ، لأنه صفة للكتاب وكتاب نكرة . قال : وإذا جزمت _ وهو الوجه _ فعلى الشرط .
يقول تعالى مخبراً عن القوم الذين لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم, لاحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول أنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم, قالوا على وجه التعنت والعناد والكفر والجهل والإلحاد "لولا أوتي مثل ما أوتي موسى" الاية, يعنون ـ والله أعلم ـ من الايات كثيرة مثل العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وتنقيص الزروع والثمار, مما يضيق على أعداء الله, وكفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى إلى غير ذلك من الايات الباهرة, والحجج القاهرة, التي أجراها الله تعالى على يدي موسى عليه السلام حجة وبرهاناً له على فرعون وملئه وبني إسرائيل, ومع هذا كله لم ينجع في فرعون وملئه, بل كفروا بموسى وأخيه هارون, كما قالوا لهما "أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين" وقال تعالى: "فكذبوهما فكانوا من المهلكين" ولهذا قال ههنا: " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل " أي أو لم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الايات العظيمة "قالوا سحران تظاهرا" أي تعاونا "وقالوا إنا بكل كافرون" أي بكل منهما كافرون, ولشدة التلازم والتصاحب والمقاربة بين موسى وهارون, دل ذكر أحدهما على الاخر, كما قال الشاعر:
فما أدري إذا يممت أرضاً أريد الخير أيهما يليني
أي فما أدري يليني الخير أو الشر. قال مجاهد بن جبر : أمرت اليهود قريشاً أن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك, فقال الله: " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا " قال يعني موسى وهارون صلى الله عليهما وسلم "تظاهرا" أي تعاونا وتناصرا وصدق كل منهما الاخر ؟ وبهذا قال سعيد بن جبير وأبو رزين في قوله "ساحران" يعنون موسى وهارون, وهذا قول جيد قوي, والله أعلم. وقال مسلم بن يسار عن ابن عباس " قالوا سحران تظاهرا " قال: يعنون موسى ومحمداً صلى الله عليهما وسلم, وهذه رواية الحسن البصري . وقال الحسن وقتادة : يعني عيسى ومحمداً صلى الله عليهما وسلم, وهذا فيه بعد, لأن عيسى لم يجر له ذكر ههنا, والله أعلم.
وأما من قرأ "سحران تظاهرا" فقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس : يعنون التوارة والقرآن, وكذا قال عاصم الجندي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . قال السدي : يعني صدق كل واحد منهما الاخر. وقال عكرمة : يعنون التوارة والإنجيل, وهو رواية عن أبي زرعة , واختاره ابن جرير . وقال الضحاك وقتادة : الإنجيل والقرآن, والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب, والظاهر على قراءة "سحران" أنهم يعنون التوارة والقرآن, لأنه قال بعده: " قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه " وكثيراً ما يقرن الله بين التوارة والقرآن, كما في قوله تعالى: " قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون * وهذا كتاب أنزلناه مبارك " وقال في آخر السورة: "ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن" الاية, وقال: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون" وقال الجن " إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه " وقال ورقة بن نوفل : هذا الناموس الذي أنزل على موسى. وقد علم بالضرورة لذوي الألباب أن الله تعالى لم ينزل كتاباً من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, وهو القرآن, وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران عليه السلام, وهو الكتاب الذي قال الله فيه: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء" والإنجيل إنما أنزل متمماً للتوراة, ومحلاً لبعض ما حرم على بني إسرائيل, ولهذا قال تعالى: " قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين " أي فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل, قال الله تعالى: "فإن لم يستجيبوا لك" أي فإن لم يجيبوك عما قلت لهم, ولم يتبعوا الحق "فاعلم أنما يتبعون أهواءهم" أي بلا دليل ولا حجة "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله" أي بغير حجة مأخوذة من كتاب الله "إن الله لا يهدي القوم الظالمين".
وقوله تعالى: "ولقد وصلنا لهم القول" قال مجاهد : فصلنا لهم القول. وقال السدي : بينا لهم القول. وقال قتادة : يقول تعالى: أخبرهم كيف صنع بمن مضى, وكيف هو صانع "لعلهم يتذكرون" قال مجاهد وغيره "وصلنا لهم" يعني قريشاً, وهذا هو الظاهر, لكن قال حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن رفاعة , رفاعة هذا هو ابن قرظة القرظي , وجعله ابن مندة : رفاعة بن شموال خال صفية بنت حيي وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا , كذا ذكره ابن الأثير ـ قال: نزلت "ولقد وصلنا لهم القول" في عشرة أنا أحدهم, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه.
ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يقول لهم قولاً يظهر به عجزهم فقال: 49- " قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه " أي قل لهم يا محمد فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقرآن، وأتبه جواب الأمر، وقد جزمه جمهور القراء لذلك. وقرأ زيد بن علي برفع أتبعه على الاستئناف: أي فأنا أتبعه. قال الفراء: إنه على هذه القراءة صفة للكتاب، وفي هذا الكلام تهكم به. وفيه أيضاً دليل على أن قراءة الكوفيين أقوى من قراءة الجمهور لأنه رجع الكلام إلى الكتابين لا إلى الرسولين، ومعنى "إن كنتم صادقين" إن كنتم فيما وصفتم به الرسولين أو الكتابين صادقين.
49- "قل"، لهم يا محمد، "فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما"، يعني: من التوراة والقرآن، "أتبعه إن كنتم صادقين".
49 -" قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما " مما أنزل على موسى وعلى محمد صلى الله عليه وسلم وإضمارهما لدلالة المعنى ، وهو يؤيد أن المراد0 بالساحرين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . " أتبعه إن كنتم صادقين " إنا ساحران مختلفان ، وهذا من الشروط التي يراد بها الإلزام والتبكيت ، ولعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم .
49. Say (unto them, O Muhammad): Then bring a Scripture from the presence of Allah that giveth clearer guidance than these two (that) I may follow it, if ye are truthful.
49 - Say: Then bring ye a Book from God, which is a better Guide than either of them, that i may follow it! (do), if ye are truthful!