[القصص : 46] وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
46 - (وما كنت بجانب الطور) الجبل (إذ) حين (نادينا) موسى أن خذ الكتاب بقوة (ولكن) أرسلناك (رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) وهم أهل مكة (لعلهم يتذكرون) يتعظون
يقول تعالى ذكره: وما كنت يا محمد بجانب الجبل إذ نادينا موسى بأن ( سأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) ( الأعراف: 156 - 157) ....
كما حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش ، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، في قول الله " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا " قال: نادى يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأجبتكم قبل أن تدعوني.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا " قال: نودوا: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني.
حدثني ابن وكيع، قال: ثنا حرملة بن قيس النخعي، قال: سمعت هذا الحديث من أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا " قال: نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر عن سليمان، وسفيان عن سليمان، وحجاج، عن حمزة الزيات، عن الأعمش ، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو، عن أبي هريرة، في قوله " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا " قال: نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني، قال: وهو قوله حين قال موسى " واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة " ... الآية.
قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، مثل ذلك.
وقوله " ولكن رحمة من ربك " يقول تعالى ذكره: لم تشهد شيئاً من ذلك يا محمد فتعلمه، ولكنا عرفناكه، وأنزلنا إليك، فاقتصصنا ذلك كله عليك في كتابنا، وابتعثناك بما أنزلنا إليك من ذلك رسولاً إلى من ابتعثناك إليه من الخلق رحمة منا لك ولهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ولكن رحمة من ربك " ما قصصنا عليك " لتنذر قوما " .. الآية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد " ولكن رحمة من ربك " قال: كان رحمة من ربك النبوة.
وقوله " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك " يقول تعالى ذكره: ولكن أرسلناك بهذا الكتاب وهذا الدين لتنذر قوماً لم يأتهم من قبلك نذير، وهم العرب الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثه الله إليهم رحمة لينذرهم بأسه على عبادتهم الأصنام، وإشراكهم به الأوثان والأنداد.
وقوله " لعلهم يتذكرون " يقول: ليتذكروا خطأ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بربهم، فينيبوا إلى الإقرار لله بالوحدانية، وإفراده بالعبادة دون كل ما سواه من الآلهة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد " ولكن رحمة من ربك " قال: الذي أنزلنا عليك من القرآن " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ".
قوله تعالى : " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا " أي لكما لم تحضر جانب المكان الغربي إذ أرسل الله موسى إلى فرعون ، فكذلك لم تحضر جانب الطور إذ نادينا موسى لما أتى الميقات مع السبعين . وروى عمر بن دينار يرفعه قال : ( نودي يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني ) فذلك قوله : " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا " . وقال أبو هريرة _ وفي رواية عن ابن عباس _ إن الله قال : يا أمة محمد قد فقال : ( قد أجبتكم قبل أن تدعوين ) ومعنى الآية على هذا ما كنت بجانب الطور إذ كلمنا تعالى : " أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا " أي موسى ومحمد وأمته قال : يا رب أرنيهم . فقال الله : إنك لن تدركهم وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم قال : بلى يا رب . فقال الله تعالى : يا أمة محمد فأجابوا من أصلاب آبائهم فقال : ( قد أجبتكم قبل أن تدعوني ) ومعنى الأية على هذا ماكنت بجانب الطور إذ تكلمنا موسى فنادينا أمتك وأخبرناه بما كتبناه لك ولأمتك من الرحمة إلى آخر الدنيا . " ولكن " فعلنا ذلك " رحمة " منا بكم . قال الأخفش : ( رحمة ) نصب علىالمصدر أي ولكن رحمناك رحمة . وقال الزجاج : هو مفعون من أجله أب فعل ذلك بك لأجل الرحمة . النحاس : أي لم تشهد قصص الأنبياء ، ولا تليت عليك ، ولكنا بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة . وقال الكسائي : على خبر كان ، التقدير : ولكن كان رحمة . قال : ويجوز الربع بمعنى هي رحمة . الزجاج : الرفع بمعنى ولكن فعل ذلك رحمة . " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك " يعني العرب ، أي لم تشاهد تلك الأخبار ، ولكن أوحيناها إليك رحمة بمن أرسلت إليهم لتنذرهم بها " لعلهم يتذكرون " .
يقول تعالى منبهاً على برهان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بالغيوب الماضية خبراً كأن سامعه شاهد وراء لما تقدم, وهو رجل أمي لا يقرأ شيئاً من الكتب, نشأ بين قوم لا يعرفون شيئاً من ذلك, كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها قال تعالى: "وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون" الاية, أي وما كنت حاضراً لذلك, ولكن الله أوحاه إليك, وهكذا لما أخبره عن نوح وقومه, وما كان من إنجاء الله له وإغراق قومه, ثم قال تعالى: "تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين" الاية, وقال في آخر السورة "ذلك من أنباء القرى نقصه عليك" وقال بعد ذكر قصة يوسف "ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون" الاية, وقال في سورة طه: "كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق" الاية, وقال ههنا بعد ما أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها, وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر" يعني ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطىء الوادي "وما كنت من الشاهدين" لذلك ولكن الله سبحانه وتعالى أوحى إليك ذلك, ليكون حجة وبرهاناً على قرون قد تطاول عهدها, ونسوا حجج الله عليهم وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين.
وقوله تعالى: "وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا" أي وما كنت مقيماً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا حين أخبرت عن نبيها شعيب وما قال لقومه وما ردوا عليه "ولكنا كنا مرسلين" أي ولكن نحن أوحينا إليك ذلك وأرسلناك إلى الناس رسولاً "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" قال أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه: أخبرنا علي بن حجر , أخبرنا عيسى بن يونس عن حمزة الزيات عن الأعمش , عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" قال: نودوا أن: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني, وأجبتكم قبل أن تدعوني, وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث جماعة عن حمزة وهو ابن حبيب الزيات , عن الأعمش . ورواه ابن جرير من حديث وكيع ويحيى بن عيسى عن الأعمش , عن علي بن مدرك عن أبي زرعة وهو ابن عمرو بن جرير أنه قال ذلك من كلامه, والله أعلم.
وقال مقاتل بن حيان "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" أمتك في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت. وقال قتادة "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" موسى وهذا ـ والله أعلم ـ أشبه بقوله تعالى: "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر" ثم أخبر ههنا بصيغة أخرى أخص من ذلك وهو النداء, كما قال تعالى: "وإذ نادى ربك موسى" وقال تعالى: "إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى" وقال تعالى: "وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً".
وقوله تعالى: "ولكن رحمة من ربك" أي ما كنت مشاهداً لشيء من ذلك, ولكن الله تعالى أوحاه إليك وأخبرك به رحمة منه بك وبالعباد وبإرسالك إليهم "لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون" أي لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله عز وجل "ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً" الاية, أي وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة, ولينقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم, فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير, كما قال تعالى بعد ذكره إنزال كتابه المبارك وهو القرآن "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة" وقال تعالى: "رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" وقال تعالى: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير" الاية, والايات في هذا كثيرة.
46- "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل المسمى الطور إذ نادينا موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين. وقيل المنادي هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال وهب: وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد وأمته قال: يا رب أرنيهم، فقال الله: إنك لن تدركهم وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم، قال: بلى يا رب، فقال الله: يا أمة محمد، فأجابوا من أصلاب آبائهم. فيكون معنى الآية على هذا: ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى فنادينا أمتك، وسيأتي ما يدل على هذا ويقويه ويرجحه في آخر البحث إن شاء الله "ولكن رحمة من ربك" أي ولكن فعلنا ذلك رحمة منا بكم، وقيل أرسلنا بالقرآن رحمة لكم، وقيل علمناك، وقيل عرفناك. قال الأخفش: هو منصوب: يعني رحمة على المصدر: أي ولكن رحمناك رحمة. وقال الزجاج: هو مفعول من أجله: أي فعلنا ذلك بك لأجل الرحمة. قال النحاس: أي لم تشهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ولكن بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة. وقال الكسائي: هو خبر لكان مقدرة: أي ولكن كان ذلك رحمة، وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة رحمة بالرفع على التقدير: ولكن أنت رحمة. وقال الكسائي: الرفع على أنها اسم كان المقدرة، وهو بعيد إلا على تقدير أنها تامة، واللام في "لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك" متعلق بالفعل المقدر على الاختلاف في تقديره، والقوم هم أهل مكة، فإنه لم يأتهم نذير ينذرهم قبله صلى الله عليه وسلم، وجملة ما أتاهم إلخ صفة لقوماً، "لعلهم يتذكرون" أي يتعظون بإنذارك.
46- "وما كنت بجانب الطور"، بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى، "إذ نادينا"، قيل: إذ نادينا موسى: خذ الكتاب بقوة.
وقال وهب: قال موسى: يا رب أرني محمداً، قال: إنك لن تصل إلى ذلك، وإن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم، قال: بلى يا رب، قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم.
وقال أبو زرعة بن عمرو بن جرير: ونادى يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما -ورفعه بعضهم-، قال الله: يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات: لبيك اللهم لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، قال الله تعالى: يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي، قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني، وقد غفرت لكم من قبل أن تعصوني، من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدي ورسولي دخل الجنة، وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر.
قوله تعالى: "ولكن رحمةً من ربك"، أي: ولكن رحماك رحمة بإرسالك والوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك/، "لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك"، يعني: أهل مكة، "لعلهم يتذكرون".
46 -" وما كنت بجانب الطور إذ نادينا " لعل المراد به وقت ما أعطاه الله التوراة وبالأول حين ما استنبأه لأنهما المذكوران في القصد . " ولكن " علمناك . " رحمةً من ربك " وقرئت بالرفع على هذه " رحمة من ربك " . " لتنذر قوماً " متعلق بالفعل المحذوف . " ما أتاهم من نذير من قبلك " لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى ، وهي خمسمائة وخمسون سنة ، أو بينك وبين إسماعيل ، على أن دعوة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام كانت مختصة ببني إسرائيل وما حواليهم . " لعلهم يتذكرون " يتعظون .
46. And thou wast not beside the Mount when We did call; but (the knowledge of it is) a mercy from thy Lord that thou mayest warn a folk unto whom no warner came before thee, that haply they may give heed.
46 - Nor wast thou at the side of (the Mountain of) Tur when We called (to Moses). yet (art thou sent) as a Mercy from thy Lord, to give warning to a people to whom no warner had come before thee: in order that they may receive admonition.