[القصص : 40] فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ
40 - (فأخذناه وجنوده فنبذناهم) طرحناهم (في اليم) البحر المالح فغرقوا (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) حين صاروا إلى الهلاك
وقوله " فأخذناه وجنوده " يقول تعالى ذكره: فجمعنا فرعون وجنوده من القبط " فنبذناهم في اليم " يقول: فألقيناهم جميعهم في البحر، فغرقناهم فيه، كما قال أبو الأسود الدؤلي:
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا
وذكر أن ذلك بحر من وراء مصر، كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: " فنبذناهم في اليم " قال: كان اليم بحراً يقال له إساف، من وراء مصر، غرقهم الله فيه.
وقوله " فانظر كيف كان عاقبة الظالمين " يقول تعالى ذكره: فانظر يا محمد بعين قلبك: كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بربهم وردوا على رسوله نصيحته، ألم نهلكهم فنورث ديارهم وأموالهم أولياءنا، ونخولهم ما كان لهم من جنات وعيون وكنوز، ومقام كريم، بعد أن كانوا مستضعفين، تقتل أبناؤهم، وتستحيا نساؤهم، فإنا كذلك بك وبمن آمن بك وصدقك فاعلون مخولوك وإياهم ديار من كذبك، ورد عليك ما أتيتهم به من الحق وأموالهم، ومهلكوهم قتلاً بالسيف، سنة الله في الذين خلوا من قبل.
قوله تعالى : " فأخذناه وجنوده " وكانوا ألفي ألف وستمائة ألف . " فنبذناهم في اليم " أي طرحناهم في البحر المالح . قال قتادة : بحر من وراء مصر يقال له إساف أغرقهم الله فيه . وقال وهب و السدي : المكان الذي أغرقهم الله فيه بناحية القلزم يقال له بظن مريرة ، وهو إلى اليوم غضبان . وقال مقاتل ، يعني نهر النيل . وهذا ضعيف والمشهور الأول . "فانظر " يا محمد " كيف كان عاقبة الظالمين " أي آخر أمرهم .
يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه في دعواه الإلهية لنفسه القبيحة لعنه الله, كما قال الله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه" الاية, وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية, فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم, ولهذا قال: "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري" وقال تعالى إخباراً عنه: " فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " يعني أنه جمع قومه, ونادى فيهم بصوته العالي مصرحاً لهم بذلك, فأجابوه سامعين مطيعين, ولهذا انتقم الله تعالى منه, فجعله عبرة لغيره في الدنيا والاخرة, وحتى إنه واجه موسى الكليم بذلك, فقال: "لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين".
وقوله: "فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى" يعني أمر وزيره هامان ومدبر رعيته ومشير دولته أن يوقد له على الطين, يعني يتخذ له آجراً لبناء الصرح وهوالقصر المنيف الرفيع العالي, كما قال في الاية الاخرى: " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم ير في الدنيا بناء أعلى منه, إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون, ولهذا قال: "وإني لأظنه من الكاذبين" أي في قوله: إن ثم رباً غيري, لا أنه كذبه في أن الله تعالى أرسله لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع جل وعلا, فإنه قال: " وما رب العالمين " وقال: "لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين" وقال "يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري" وهذا قول ابن جرير .
وقوله تعالى: "واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون" أي طغوا وتجبروا, وأكثروا في الأرض الفساد, واعتقدوا أنه لا قيامة ولا معاد " فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد " ولهذا قال تعالى ههنا: "فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم" أي أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة, فلم يبق منهم أحد "فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار" أي لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع "ويوم القيامة لا ينصرون" أي فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولاً بذل الاخرة, كما قال تعالى: "أهلكناهم فلا ناصر لهم". وقوله تعالى: "وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة" أي وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين لرسله, كما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك "ويوم القيامة هم من المقبوحين" قال قتادة: وهذه الاية كقوله تعالى: "وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود".
40- "فأخذناه وجنوده" بعد أن عتوا في الكفر وجازوا الحد فيه "فنبذناهم في اليم" أي طرحناهم في البحر، وقد تقدم بيان الكلام في هذا "فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أي انظر يا محمد كيف كان آخر أمر الكافرين حين صاروا إلى الهلاك.
40- "فأخذناه وجنوده فنبذناهم"، فألقيناهم، "في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين".
40 -" فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم " كما مر بيانه ، وفيه فخامة وتعظيم لشأن الآخذ واستحقار للمأخوذين كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف وطرحهم في اليم ، ونظيره قوله تعالى : " وما قدروا الله حق قدره " " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه " " فانظر " يا محمد . " كيف كان عاقبة الظالمين " وحذر قومك عن مثلها .
40. Therefor We seized him and his hosts, and abandoned them unto the sea. Behold the nature of the consequence for evil doers!
40 - So We seized him and his hosts, and We flung them into the sea: now behold what was the End of those who did wrong!