[القصص : 32] اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ
32 - (اسلك) أدخل (يدك) اليمنى بمعنى الكف (في جيبك) وهو طوق القميص وأخرجها (تخرج) خلاف ما كانت عليه من الأدمة (بيضاء من غير سوء) أي برص فأدخلها وأخرجها تضيء كشعاع الشمس تعشي البصر (واضمم إليك جناحك من الرهب) بفتح الحرفين وسكون الثاني مع فتح الأول وضمه أي الخوف الحاصل من إضاءة اليد بأن تدخلها في جيبك فتعود إلى حالتها الأولى وعبر عنها بالجناح لأنها للإنسان كالجناح للطائر (فذانك) بالتشديد والتخفيف أي العصا واليد وهما مؤنثان وإنما ذكر المشار به إليهما المبتدأ لتذكير خبره (برهانان) مرسلان (من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين)
وقوله " اسلك يدك في جيبك " يقول: أدخل يدك وفيه لغتان: سلكته، وأسلكته " في جيبك " يقول: في جيب قميصك.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " اسلك يدك في جيبك ": أي في جيب قميصك.
وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله أمر أن يدخل يده في الجيب دون الكم.
وقوله " تخرج بيضاء من غير سوء " يقول: تخرج بيضاء من غير برص.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا ابن المفضل، قال: ثنا قرة بن خالد، عن الحسن، في قوله " اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء " قال: فخرجت كأنها مصباح، فأيقن موسى أنه لقي ربه.
وقوله " واضمم إليك جناحك " يقول: واضمم إليك يدك.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس " واضمم إليك جناحك " قال: يدك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد " واضمم إليك جناحك " قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الجناح. والكف: اليد، ( اضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء).
وقوله " من الرهب " يقول: من الخوف والفرق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله " من الرهب " قال: الفرق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " واضمم إليك جناحك من الرهب ": أي من الرعب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " من الرهب " قال: مما دخله من الفرق من الحية والخوف، وقال: ذلك الرهب، وقرأ قول الله " يدعوننا رغبا ورهبا " قال: خوفاً وطمعاً.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز والبصرة ( من الرهب) بفتح الراء والهاء. وقرأته عامة قراء الكوفة ( من الرهب) بضم الراء وتسكين الهاء، والقول في ذلك أنهما قراءتان متفقتا المعنى مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله " فذانك برهانان من ربك " يقول تعالى ذكره: فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تحول العصا حية، ويدك وهي سمراء، بيضاء تلمع من غير برص، برهانان: يقول: آيتان وحجتان، وأصل البرهان: البيان، يقال للرجل يقول القول إذا سئل الحجة عليه: هات برهانك على ما تقول: أي هات تبيان ذلك ومصداقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي " فذانك برهانان من ربك " العصا واليد آيتان.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله " فذانك برهانان من ربك " تبيانان من ربك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق " فذانك برهانان من ربك " هذان برهانان.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " فذانك برهانان من ربك " فقرأ ( هاتوا برهانكم) ( البقرة: 111 - الأ،بياء: 24 - النمل: 64 - القصص: 75) على ذلك آية نعرفها، وقال: برهانان آيتان من الله.
واختلفت القراء في قراءة قوله " فذانك " فقرأته عامة قراء الأمصار، سوى ابن كثير وأبي عمرو " فذانك " بتخفيف النون لأنهانون الاثنين، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ( فذانك) بتشديد النون.
واختلف أهل العربية في وجه تشديدها، فقال بعض نحويي البصرة: ثقل النون من ثقلها للتوكيد، كما أدخلوا اللام في ذلك. وقال بعض نحويي الكوفة: شددت فرقاً بينها وبين النون التي تسقط للإضافة، لأن هاتان وهذان لا تضاف. وقال آخر منهم: وهو من لغة من قال: هذا آقال ذلك، فزاد على الألف ألفاً، كذا زاد على النون نوناً ليفصل بينهما وبين الأسماء المتمكنة، وقال في ذانك إنماكانت ذلك فيمن قال: هذان يا هذا، فكرهوا تثنية الإضافة فأعقبوها باللام، لأن الإضافة تعقب باللام. وكان أبو عمرو يقول: التشديد في النون في " ذانك " من لغة قريش " إلى فرعون وملئه " يقول: إلى فرعون وأشراف قومه، حجة عليهم، ودلالة على حقيقة نبوتك يا موسى " إنهم كانوا قوما فاسقين " يقول: إن فرعون وملأه كانوا قوماً كافرين.
قوله تعالى : " اسلك يدك في جيبك " الآية ، تقوم القول فيه " واضمم إليك جناحك من الرهب " (( من )) متعلقةبـ(( ولي )) أي ولي مدبراً من الرهب . وقرأ حفص و السلمي و عيسى بن عمر و ابن أبي إسحاق : (( من الرهب )) بفتح الراء وإسكان الهاء . وقرأ ابن عامر والكوفيون إلا حفص بضم الراء وجزم الهاء . الباقون بفتح الراء والهاء . واختاره أبو عبيد و أبو حام ، لقوله تعالى : " ويدعوننا رغبا ورهبا " [ الأنبياء : 90] وكلها لغات وهو بمعنى الخوف . والمعنى إذا هلك أمر يدك وشعاعها فأدخلها في جيبك وارددها إليه تعد كما كانت . وقيل : أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه خوف الحية . وعن مجاهد وغيره ورواه الضحاك عن ابن عباس ، قال : فقال ابن عباس : ليس منأحد يدخله رعب بعد موسى عليه السلام ، ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب . يحكى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله : أن كاتباً كان يكتب بين يديه ، فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر ، فقام وضرب بقلمه الأرض . فقال له عمر : خذ قلمك واضمم إليك جناحك ، وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي . وقيل : المعنى اضمم يدك إلى صدرك ليذهب الله ما في صدرك من الخوف . وكان موسى يرتعد خوفاً إما من آل فرعون وإما من الثعبان . وضم الجناح هو السكون ، كقوله تعالى : " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " [ الإسراء : 24] يريد الرفق .وكذلك قوله: " واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " [ الشعراء : 215] أي ارفق بهم . وقال الفراء : اراد بالجناح عصاه . وقال بعض أهل المعاني : الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة . قال مقاتل : سأتني أعرابية شيئاً وأنا آكل فملأت الكف وأومأت إليها فقالت : هاهنا في رهبي . تريد في كمي . وقال الأصمعي : سمعت أعرابياً يقول لآخر أعطني رههبك . فسألته عن الرهب فقال : الكم ، فعلى هذا يكون معناه اضمم إليك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويدته في كمه وقوله : " اسلك يدك في جيبك " يدل على أنها اليد اليمنى ، لأن الجيب على اليسار . ذكره القشيري .
قلت : وما فسروه من ضم اليد إلى الصدر يدل على أن الجيب موضعه الصدر . وقد مضى في سورة (( النور )) بيانه . يالزمخشري : ومن بدع التفاسير أن الرهب الكم بلغة حمير وأنهم يقولون أعطني مما في رهبك ، وليت شعري كيف صحته في اللغة ! وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضى عربيتهم ، ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية ، وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل ، على أن موسى صلوات الله عليه ماكان عليه ليلة المناجاة إلا زرمانقة منصوف لا كمين لها . قال القشيري : وقوله : " واضمم إليك جناحك " يريد اليدين إن قلنا أراد الأمن من فزع الثعبان . وقيل : " واضمم إليك جناحك " أي شمر واستعد لتحمل أعباء الرسالة . قلت : فعلى هذا قيل : "إنك من الآمنين " أي من المرسلين ، لقوله تعالى : "إني لا يخاف لدي المرسلون " [ النمل : 10] قال ابن بحر : فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول .وقيل : إنما صار رسولاً بقوله : " فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه " والرهان اليد والعصا . وقرأ ابن كثير : بتشديد النون وخففها الباقون . وروى أبو عمارة عن أبي الفضل عن أبي بكر عن ابن كثير ، (( فذانيك )) بالتخفيف والياء . وعن ابي عمرو أيضاً قال لغة هذيل : ((فذانيك ))بالتخفيف والياء . ولغة قريش (( فذانك )) كما قرأ أبوعمرو و ابن كثير . في تعليله خمسة أقوال : قيل شدد النون عوضاً من الألف الساقطة في ذلك الذي هو تثنية ذا المرفوع وهو رفع بالابتداء ،وألف ذا محذوفة لدخول ألف التثنية عليها ، ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين ، لأن أصله فذانك فحذف الألف الأولى عوضاً من النون الشديدة . وقيل : التشديد للتأكيد كما أدخوا اللام في ذلك . مكي : وقيل إن من شدد إنما بناه على لغة من قال في الواحد ذلك ، فلما بنى أثبت اللام بعد نون التثنية ، ثم أدغم اللام في النون علىحكم إدغام الثاني في الأول والأصل أن يدغم الأول أبداً في الثاني ، إلا أن يمتع من ذلك علة فيدغم الثاني في الأول ، والعلة التي منعت في هذا أن يدغم الأول في اثاني أنه لو فعل ذلك لصار في موضع النون التي تدل على التثنية لام مشددة فيتغير لفظ التثنية فأدغم الثاني في الأول لذلك ، فصار نوناً مشددة .وقد قيل : إنه لما تنافى ذلك أثبت اللام قبل النون ثم أدغم الأول في الثاني على أصول الإدغام فصار نوناً مشددة . وقيل : شددت فرقاً بينها وبين الظاهر التي تسقط الإضافة نونه ، ، لأن ذان لا يضاف . وقيل : لفرق بين الاسم المتمكن وبينها . وكذلك العلة في تشديد النون في (( اللذان )) و(( هذان )) . قال أبوعمرو : إنمما اختص أبو عمرو هذا الحرف بالتشيديد دون كل تثنية من جنسه لقلة حروفه فقرأه بالتثقيل . ومن قرأ : (( فذانيك )) بياء مع تخفيف النون فالأصل عنده (( فذانك )) بالتشديد فأبدل من النون الثانية ياء كراهية التضعيف ، كما قالوا : لا أملاه في لا أمله فأبدلوا اللا م الثانية ألفاً . ومن قرأ بياء بعد النون الشديدة فوجه أنه أشبعكسرةالنونه فتولدت عنها الياء .
قد تقدم في تفسير الاية قبلها أن موسى عليه السلام قضى أتم الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأتقاهما, وقد يستفاد هذا أيضاً من الاية الكريمة حيث قال تعالى: "فلما قضى موسى الأجل" أي الأكمل منهما, والله أعلم. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : قضى عشر سنين وبعدها عشراً أخر, وهذا القول لم أره لغيره, وقد حكاه عنه ابن أبي حاتم وابن جرير , فالله أعلم. وقوله: "وسار بأهله" قالوا: كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله, فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه, فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره, فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة, فنزل منزلاً, فجعل كلما أورى زنده لا يضيء شيئاً, فتعجب من ذلك, فبينما هو كذلك "آنس من جانب الطور ناراً" أي رأى ناراً تضيء على بعد "فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً" أي حتى أذهب إليها "لعلي آتيكم منها بخبر" وذلك لأنه قد أضل الطريق "أو جذوة من النار" أي قطعة منها "لعلكم تصطلون" أي تستدفئون بها من البرد, قال الله تعالى: " فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن " أي من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب, كما قال تعالى: "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر" فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة, والجبل الغربي عن يمينه, والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحف الجبل مما يلي الوادي, فوقف باهتاً في أمرها, فناداه ربه " من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ".
قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: رأيت الشجرة التي نودي منها موسى عليه السلام سمرة خضراء ترف, إسناده مقارب. وقال محمد بن إسحاق عن بعض من لا يتهم عن وهب بن منبه قال: شجرة من العليق, وبعض أهل الكتاب يقول إنها من العوسج. وقال قتادة : هي من العوسج, وعصاه من العوسج.
وقوله تعالى: "أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين" أي الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين الفعال لما يشاء لا إله غيره ولا رب سواه, تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه.
وقوله: "وأن ألق عصاك" أي التي في يدك كما قرره على ذلك في قوله تعالى: " وما تلك بيمينك يا موسى * قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى " والمعنى أما هذه عصاك التي تعرفها " ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى " فعرف وتحقق أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء: كن فيكون, كما تقدم بيان ذلك في سوره طه, وقال ههنا: "فلما رآها تهتز" أي تضطرب "كأنها جان ولى مدبراً" أي في حركتها السريعة مع عظم خلقتها وقوائمها, واتساع فمها واصطكاك أنيابها وأضراسها, بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها, تنحدر في فيها تتقعقع كأنها حادرة في واد فعند ذلك "ولى مدبراً ولم يعقب" أي ولم يكن يلتفت لأن طبع البشرية ينفر من ذلك, فلما قال الله له: " يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين " رجع فوقف في مقامه الأول, ثم قال الله تعالى: "اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء" أي إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها, فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق, ولهذا قال: "من غير سوء" أي من غير برص.
وقوله تعالى: "واضمم إليك جناحك من الرهب" قال مجاهد : من الفزع, وقال قتادة : من الرعب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بن جرير : مما حصل لك من خوفك من الحية, والظاهر أن المراد أعم من هذا, وهو أنه أمر عليه السلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب وهو يده, فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف, وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده, فإنه يزول عنه ما يجده أو يخف إن شاء الله تعالى وبه الثقة. قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ صالح , أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم عن مجاهد قال: كان موسى عليه السلام قد ملىء قلبه رعباً من فرعون, فكان إذا رآه قال: اللهم إني أدرأ بك في نحره, وأعوذ بك من شره, فنزع الله ما كان في قلب موسى عليه السلام, وجعله في قلب فرعون, فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار.
وقوله تعالى: "فذانك برهانان من ربك" يعني إلقاء العصا وجعلها حية تسعى وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء, دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار, وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه, ولهذا قال تعالى: " إلى فرعون وملئه " أي وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع "إنهم كانوا قوماً فاسقين" أي خارجين عن طاعة الله, مخالفين لأمره ودينه.
وكذلك قوله: 32- "اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك" جناح الإنسان عضده، ويقال لليد كلها جناح: أي اضمم إليك يديك المبسوطتين لتتقي بهما الحية كالخائف الفزع، وقد عبر عن هذا المعنى بثلاث عبارات: الأولى اسلك يدك في جيبك، والثانية: واضمم إليك جناحك، والثالثة: وأدخل يدك في جيبك. ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعباناً، ومعنى "من الرهب" من أجل الرهب، وهو الخوف. قرأ الجمهور "الرهب" بفتح الراء والهاء، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ حفص والسلمي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بفتح الراء وإسكان الهاء. وقرأ ابن عامر والكوفيون إلا حفصاً بضم الراء وإسكان الهاء. وقال الفراء: أراد بالجناح عصاه، وقال بعض أهل المعاني: الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة. قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لآخر: أعطني ما في رهبك، فسألته عن الرهب، فسألته عن الرهب، فقال: الكم. فعلى هذا يكون معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم "فذانك" إشارة إلى العصا واليد " برهانان من ربك إلى فرعون وملئه " أي حجتان نيرتان ودليلان واضحان، قرأ الجمهور "فذانك" بتخفيف النون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديدها، قيل والتشديد لغة قريش. وقرأ ابن مسعود وعيسى بن عمر وشبل وأبو نوفل بباء تحتية بعد نون مكسورة، والياء بدل من إحدى النونين وهي لغة هذيل، وقيل لغة تميم، وقوله: "من ربك" متعلق بمحذوف: أي كائنان منه، وكذلك قوله: " إلى فرعون وملئه " متعلق بمحذوف: أي مرسلان، أو واصلان إليهم "إنهم كانوا قوماً فاسقين" متجاوزين الحد في الظلم خارجين عن الطاعة أبلغ خروج، والجملة تعليل لما قبلها.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب في قوله: "تمشي على استحياء" قال: جاءت مستترة بكم درعها على وجهها. وأخرجه ابن المنذر عن أبي الهذيل موقوفاً عليه. وأخرج ابن عساكر عن أبي حازم قال: لما دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء، فقال له شعيب: كل، قال موسى: أعوذ بالله، قال: ولم؟ ألست بجائع؟ قال: بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً عما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، قال: لا والله ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف ونطعم الطعام، فجلس موسى فأكل. وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس انه بلغه أن شعيباً هو الذي قص عليه القصص. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أ[ي حاتم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان صاحب موسى أثرون ابن أخي شعيب النبي. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى يثرب صاحب مدين. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عنه قال: كان اسم ختن موسى يثربي. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: يقول أناس إنه شعيب، وليس بشعيب، ولكنه سيد الماء ييومئذ. وأخرج ابن ماجه والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عتبة بن المنذر السلمي قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة طسم حتى إذا بلغ قصة موسى قال: إن موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه، فلما وفى الأجل... قيل: يا رسول الله أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أبرهما وأوفاهما، فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه" الحديث بطوله. وفي إسناده مسلمة بن علي الحسني الدمشقي البلاطي ضعفه الأئمة. وقد روي من وجه آخر وفيه نظر. وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا: حدثنا أبو زرعة عن يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن المنذر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وابن لهيعة ضعيف، وينظر في بقية رجال السند. وأخرج ابن جرير عن أنس طرفاً منه موقوفاً عليه. وأخرج البزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه نحوه، وقوله: إن رسول الله إذا قال فعل فيه نظر، فإن موسى لم يقل إنه سيقضي أكثر الأجلين بل قال: أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى قضى أتم الأجلين من طرق. وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل خيرهما وأبرهما، وإن سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما، وهي التي جاءت فقالت: يا أبت استأجره". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل: يا محمد إن سألك اليهود أي الأجلين قضى موسى؟ فقل أوفاهما، وإن سألوك أيهما تزوج؟ فقل الصغرى منهما". وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه. قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي ذر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أبرهما وأوفاهما، قال: وإن سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما" قال البزار: لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد، وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران، وهو ضعيف. وأما روايات أنه قضى أتم الأجلين فلها طرق يقوي بعضها بعضاً. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: قال ابن عباس: لما قضى موسى الأجل سار بأهله، فضل الطريق، وكان في الشتاء فرفعت له نار، فلما رآها ظن أنها نار، وكانت من نور الله " فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس " فإن لم أجد خبراً آتيكم بشهاب قبس "لعلكم تصطلون" من البرد. وأخرج ابن أبي حاتم عنه لعلي آتيكم منها بخبر لعلي أجد من يدلني على الطريق، وكانوا قد ضلوا الطريق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "أو جذوة" قال: شهاب. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: " نودي من شاطئ الواد " قال: كان النداء من السماء الدنيا، وظاهر القرآن يخالف ما قاله رضي الله عنه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود قال: ذكرت لي الشجرة التي أوى إليها موسى، فسرت إليها يومي وليلتي حتى صبحتها، فإذا هي سمرة خضراء ترف، فصليت على النبي صلى الله عليه وسلم وسلمت، فأهوى إليها بعيري وهو جائع، فأخذ نها ملآن فيه فلاكه فلم يستطع أن يسيغه فلفظه، فصليت على النبي وسلمت، ثم انصرفت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "واضمم إليك جناحك" قال: يدك.
32- "اسلك"، أدخل "يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء"، برص، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس، "واضمم إليك جناحك من الرهب"، قرأ أهل الكوفة، والشام: بضم الراء وسكون الهاء، وبفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحهما، وكلها لغات بمعنى الخوف.
ومعنى الآية: إذا هلك أمر يدك وما ترى من شعاعها فادخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى.
والجناح: اليد كلها. وقيل: هو العضد. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
قال مجاهد: كل من فزع فضم جناحيه إليه ذهب عنه الفزع.
وقيل: المراد من ضم الجناح: السكون، أي: سكن روعك واخفض عليك جانبك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه، ومثله قوله: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" (الإسراء-24)، يريد الرفق، وقوله: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين" (الشعراء-215)، أي: ارفق بهم وألن جانبك لهم.
قال الفراء: أراد بالجناح العصا، معناه: اضمم إليك عصاك.
وقيل: الرهب الكم بلغة حمير، قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول: أعطني ما في رهبك، أي: في كمك، معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويده في كمه.
"فذانك"، يعني: العصا، واليد البيضاء، "برهانان"، آيتان، "من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين".
32 -" اسلك يدك في جيبك " أدخلها . " تخرج بيضاء من غير سوء " عيب . " واضمم إليك جناحك " يديك المبسوطتين تنقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس ، أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريراً لغرض آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور المعجزة ، ويجوز أ، يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وذا أمن واطمأن ضمهما إليه . " من الرهب " من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلداً وضبطا لنفسك . وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و أبو بكر بضم الراء وسكون الهاء ، وقرئ بعضهما ، وقرأ حفص بالفتح والسكون والكل لغات . " فذانك " إشارة إلى العصا واليد ، وشدده ابن كثير و أبو عمرو و رويس . " برهانان " حجتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ، ويقال برهاء وبرهرهة للمرأة البيضاء وقيل فعلال لقولهم برهن . " من ربك " مرسلاً بهما . " إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين " فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم .
32. Thrust thy hand into the bosom of thy robe, it will come forth white without hurt. And guard thy heart from fear. Then these shall be two proofs from your Lord unto Pharaoh and his chiefs: Lo! they are evil living folk.
32 - Move thy hand into thy bosom, and it will come forth white without stain (Or harm), and draw thy hand close to thy side (to guard) against fear. those are the two credentials from thy Lord to Pharaoh and his Chiefs: for truly they are a people rebellious and wicked.