[النمل : 6] وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
6 - (وإنك) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (لتلقى القرآن) يلقى عليك بشدة (من لدن) من عند (حكيم عليم) في ذلك
يقول تعالى ذكره : وإنك يا محمد لتحفظ القرآن وتعلمه " من لدن حكيم عليم " يقول : من عند حكيم بتدبير خلقه ، عليم بأنباء خلقه ومصالحهم ، والكائن من أمورهم ، والماضي من أخبارهم ، والحادث منها " إذ قال موسى " وإذ من صلة عليم . ومعنى الكلام عليم حين قال موسى " لأهله " وهو في مسيره من مدين إلى مصر ، وقد آذاهم برد ليلهم لما أصلد زنده " إني آنست نارا " : أي أبصرت نارا أو أحسستها ، فامكثوا مكانكم " سآتيكم منها بخبر " يعني من النار ، والهاء والألف من ذكر النار " أو آتيكم بشهاب قبس" .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة بشهاب قبس بإضافة الشهاب إلى القبس ، وترك التنوين ، بمعنى : أو آتيكم بشعلة نار أقتبسها منها . وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة " بشهاب قبس " بتنوين الشهاب وترك إضافته إلى القبس ، يعني : أو آتيكم بشهاب مقتبس .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا جعل القبس بدلا من الشهاب ، فالتنوين في الشهاب وإن أضاف الشهاب إلى القبس ، لم ينون الشهاب . وقال بعض نحويي الكوفة : إذا أضيف الشهاب إلى القبس فهو بمنزلة قوله : " ولدار الآخرة " يوسف : 109 - النحل :30 مما يضاف إلى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه توهما بالثاني أنه غير الأول قال : ومثله حبة الخضراء ، وليلة القمراء ، ويوم الخميس وما أشبهه .
وقال آخر منهم : إن كان الشهاب هو القبس لم تجز الإضافة ، لأن القبس نعت ، ولا يضاف الاسم إلى نعته إلا في قليل من الكلام ، وقد جاء " ولدار الآخرة " يوسف : 109 -النحل : 30 " ولدار الآخرة " الأنعام : 32.
والصواب من القول في ذلك أن الشهاب إذا أريد به أنه غير القبس ، فالقراءة فيه بالإضافة ، لأن معنى الكلام حينئذ ما بينا من أنه شعلة قبس ، كما قال الشاعر :
في كفه صعدة مثقفة فيها سنان كشعلة القبس
وإذا أريد بالشهاب أنه هو القبس ، أوأنه نعت له ، فالصواب في الشهاب التنوين ، لأن الصحيح في كلام العرب ترك إضافة الاسم إلى نعته ، وإلى نفسه ، بل الإضافات في كلامها المعروف إضافة الشيء إلى غير نفسه وغير نعته .
وقوله : " لعلكم تصطلون " يقول : كي تصطلوا بها من البرد . وقوله: " فلما جاءها " يقول : فلما جاء موسى النار التي آنسها " نودي أن بورك من في النار ومن حولها " .
كما حدثنا علي ، قال : ثنا عبدالله ، قال :ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " نودي أن بورك من في النار " يقول : قدس .
واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله : " من في النار " فقال بعضهم : عنى جل جلاله بذلك نفسه ، وهو الذي كان في النار ، وكانت النار نوره تعالى ذكره في قول جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : " فلما جاءها نودي أن بورك من في النار" يعني نفسه ، قال : كان نور رب العالمين في الشجرة .
حدثني إسماعيل بن الهيثم أبو العالية العبدي ، قال : ثنا أبو قتيبة ، عن ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله " بورك من في النار " قال : ناداه وهو في النار .
حدثنا القاسم ، قال :ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله : " نودي أن بورك من في النار ومن حولها " قال : هو النور .
قال معمر : قال قتادة " بورك من في النار " قال : نور الله بورك .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال الحسن البصري " بورك من في النار " ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بوركت النار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : ثنا الأشيب ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " نودي أن بورك من في النار " بوركت النار كذلك قاله ابن عباس .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " أن بورك من في النار " قال : بوركت النار .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد " بورك من في النار " قال : بوركت النار .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال :ثنا مكي بن إبراهيم ، قال : ثنا موسى ، عن محمد بن كعب ، في قوله : " أن بورك من في النار " نور الرحمن ، والنور هو الله " وسبحان الله رب العالمين " .
واختلف أهل التأويل في معنى النار في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : النور كما ذكرت عمن ذكرت ذلك عنه .
وقال آخرون : معناه النار لا النور .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال : حجاب العزة ، وحجاب الملك ، وحجاب السلطان ، وحجاب النار ، وهي تلك التي نودي منها ، قال : وحجاب النور ، وحجاب الغمام ، وحجاب الماء . وإنما قيل : بورك من في النار ، ولم يقل : بورك فيمن في النار على لغة الذين يقولون : باركك الله . والعرب تقول : باركك الله ، وبارك فيك .
وقوله " ومن حولها " يقول : ومن حول النار . وقيل : عنى بمن حولها : الملائكة.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " ومن حولها " قال : يعني الملائكة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ،قال :ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الحسن ، مثله .
وقال آخرون : هو موسى والملائكة .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا مكي بن إبراهيم ، قال : ثنا موسى ، عن محمد بن كعب " ومن حولها " قال موسى النبي والملائكة ، ثم قال " يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم " .
وقوله : " وسبحان الله رب العالمين " يقول : وتنزيها لله رب العالمين ، مما يصفه به الظالمون.
قوله تعالى : " من لدن حكيم عليم " " لدن " بمعنى عند إلا أنها مبنية غير معربة ، لأنها لا تتمكن ، وفيها لغات ذكرت في ( الكهف ) وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق من الأقاصيص ، وما في ذلك من لطائف حكمته ، ودقائق علمه .
قد تقدم الكلام في سورة البقرة على الحروف المقطعة في أوائل السور. وقوله تعالى: "تلك آيات" أي هذه آيات "القرآن وكتاب مبين" أي بين واضح "هدى وبشرى للمؤمنين" أي إنما تحصل الهداية والبشارة من القرآن لمن آمن به واتبعه وصدقه, وعمل بما فيه, وأقام الصلاة المكتوبة, وآتى الزكاة المفروضة, وأيقن بالدار الاخرة, والبعث بعد الموت, والجزاء على الأعمال: خيرها وشرها, والجنة والنار, كما قال تعالى: "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر" الاية. وقال تعالى: " لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ". ولهذا قال تعالى ههنا: " إن الذين لا يؤمنون بالآخرة " أي يكذبون بها ويستبعدون وقوعها "زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون" أي حسنا لهم ما هم فيه, ومددنا لهم في غيهم فهم يتيهون في ضلالهم, وكان هذا جزاء على ما كذبوا من الدار الاخرة, كما قال تعالى: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" الاية. "أولئك الذين لهم سوء العذاب" أي في الدنيا والاخرة " وهم في الآخرة هم الأخسرون " أي ليس يخسر أنفسهم وأموالهم سواهم من أهل المحشر. وقوله تعالى: "وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم" أي "وإنك" يا محمد قال قتادة : "لتلقى" أي لتأخذ "القرآن من لدن حكيم عليم" أي من عند حكيم عليم, أي حكيم في أمره ونهيه, عليم بالأمور: جليلها وحقيرها, فخبره هو الصدق المحض, وحكمه هو العدل التام, كما قال تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً".
فقال: 6- "وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم" أي يلقى عليك فتلقاه وتأخذه من لدن كثير الحكمة والعلم، قيل إن لدن ها هنا بمعنى عند. وفيها لغات كما تقدم في سورة الكهف.
6- "وإنك لتلقى القرآن"، أي: تؤتى القرآن وتلقن، "من لدن حكيم عليم"، أي: وحياً من عند الله الحكيم العليم.
6 -" وإنك لتلقى القرآن " لتؤتاه . " من لدن حكيم عليم " أي حكيم وأي عليم ، والجمع بينهما مع أن العلم داخل الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على إتقان الفعل والإشعار بأن علوم القرآن منها ما هو حكمة كالعقائد و الشرائع ومنها ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات ، ثم شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله :
6. Lo! as for thee (Muhammad), thou verily receivest the Quran from the presence of One Wise, Aware.
6 - As to thee, the Quran is bestowed upon thee from the presence of One Who is Wise and All Knowing.