[الشعراء : 85] وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ
85 - (واجعلني من ورثة جنة النعيم) ممن يعطاها
يعني إبراهيم صلوات الله عليه بقوله : " واجعلني من ورثة جنة النعيم " أورثني يا رب من منازل من هلك من أعدائك المشركين بك من الجنة ، واسكني ذلك" واغفر لأبي "يقول : واصفح لأبي عن شركه بك ، ولا تعاقبه عليه " إنه كان من الضالين " يقول : إنه كان ممن ضل عن سبيل الهدى ، فكفر بك .
وقد بينا المعنى الذي من أجله استغفر إبراهيم لأبيه صلوات الله عليه ، واختلاف أهل العلم في ذلك ، والصواب عندنا من القول فيه فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : "ولا تخزني يوم يبعثون "يقول : ولا تذلني بعقابك إياي يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة " يوم لا ينفع مال ولا بنون " يقول : لا تخزني يوم لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدنيا مال كان له في الدنيا ، ولا بنوه الذي كانوا له فيها ، فيدفع ذلك عنه عقاب الله إذا عاقبه ، ولا ينجيه منه . وقوله : " إلا من أتى الله بقلب سليم " يقول : ولا تخزني يوم يبعثون ، يوم لا ينفع إلا القلب السليم .
والذي عنى به من سلامة القلب في هذا الموضع : هو سلامة القلب من الشك في توحيد الله ، والبعث بعد الممات .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن عون ، قال : قلت لمحمد : ما القلب السليم ؟ قال أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة قائمة ، وأن الله يبعث من في القبور .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : " إلا من أتى الله بقلب سليم " قال : لا شك فيه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : " إلا من أتى الله بقلب سليم " قال : ليس فيه شك في الحق .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " بقلب سليم " قال : سليم من الشرك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " إلا من أتى الله بقلب سليم " قال : سليم من الشرك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد .
حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ،في قول الله : " إلا من أتى الله بقلب سليم " قال : هو الخالص .
قوله تعالى : " واجعلني من ورثة جنة النعيم " دعاء بالجنة وبمن يرثها ، وهو يرد قول بعضهم : لا أسأل جنة ولا ناراً .
وهذا سؤال من إبراهيم عليه السلام أن يؤتيه ربه حكماً. قال ابن عباس : وهو العلم. وقال عكرمة : هو اللب, وقال مجاهد : هو القرآن. وقال السدي : هو النبوة. وقوله "وألحقني بالصالحين" أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والاخرة, كما " قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار اللهم في الرفيق الأعلى" قالها ثلاثاً. وفي الحديث في الدعاء "اللهم أحينا مسلمين, وأمتنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدلين" وقوله " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " أي واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي أذكر به ويقتدى بي في الخير, كما قال تعالى: " وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين ".
قال مجاهد وقتادة " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " يعني الثناء الحسن. قال مجاهد : كقوله تعالى "وآتيناه في الدنيا حسنة" الاية, وكقوله "وآتيناه أجره في الدنيا" الاية, قال ليث بن أبي سليم : كل ملة تحبه وتتولاه, وكذا قال عكرمة . وقوله تعالى: "واجعلني من ورثة جنة النعيم" أي أنعم علي في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي, وفي الاخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم. وقوله "واغفر لأبي" الاية, كقوله "ربنا اغفر لي ولوالدي" وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليه السلام, كما قال تعالى: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم " وقد قطع تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه فقال تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ".
وقوله: "ولا تخزني يوم يبعثون" أي أجرني من الخزي يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم. وقال البخاري عند هذه الاية: قال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري , عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة". وفي رواية أخرى: حدثنا إسماعيل , حدثنا أخي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني أنك لا تخزيني يوم يبعثون, فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين" هكذا رواه عند هذه الاية. وفي أحاديث الأنبياء بهذا الإسناد بعينه منفرداً به, ولفظه "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة, وعلى وجه آزر قترة وغبرة, فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني, فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك, فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون, فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين, ثم يقال: يا إبراهيم انظر تحت رجلك, فينظر, فإذا هو بذيخ متلطخ, فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار" وقال عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه الكبير.
وقوله "ولا تخزني يوم يبعثون" أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله , حدثني أبي , حدثني إبراهيم بن طهمان عن محمد بن عبد الرحمن , عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة, وقال له: قد نهيتك عن هذا فعصيتني, قال: لكني اليوم لا أعصيك واحدة, قال: يا رب وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون, فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد. قال: يا إبراهيم إني حرمتها على الكافرين فأخذ منه. قال: يا إبراهيم أين أبوك ؟ قال: أنت أخذته مني, قال: انظر أسفل منك, فنظر, فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه, فأخذ بقوائمه فألقي في النار" وهذا إسناد غريب, وفيه نكارة, والذيخ هو الذكر من الضباع, كأنه حول آزر إلى صورة ذيخ متلطخ بعذرته فيلقى في النار كذلك, وقد رواه البزار بإسناده من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه غرابة, ورواه أيضاً من حديث قتادة عن جعفر بن عبد الغافر عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقوله "يوم لا ينفع مال ولا بنون" أي لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهباً "ولا بنون" أي ولو افتدى بمن على الأرض جميعاً, ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله وإخلاص الدين له, والتبري من الشرك وأهله, ولهذا قال "إلا من أتى الله بقلب سليم" أي سالم من الدنس والشرك. قال ابن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله حق, وأن الساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور. وقال ابن عباس "إلا من أتى الله بقلب سليم" حيي أن يشهد أن لا إله إلا الله. وقال مجاهد والحسن وغيرهما "بقلب سليم" يعني من الشرك. وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو القلب الصحيح, وهو قلب المؤمن, لأن قلب المنافق مريض, قال الله تعالى: "في قلوبهم مرض". قال أبو عثمان النيسابوري : هو القلب السالم من البدعة, المطمئن إلى السنة.
85- "واجعلني من ورثة جنة النعيم" من ورثة يحتمل أن يكون مفعولاً ثانياً، وأن يكون صفة لمحذوف هو المفعول الثاني: أي وارثاً من ورثة جنة النعيم، لما طلب عليه السلام بالدعوة الأولى سعادة الدنيا طلب بهذه الدعوة سعادة الآخرة، وهي جنة النعيم، وجعلها مما يورث تشبيهاً لغنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا، وقد تقدم معنى الوراثة في سورة مريم.
85- "واجعلني من ورثة جنة النعيم"، أي: ممن تعطيه جنة النعيم.
85 -" واجعلني من ورثة جنة النعيم " في الآخرة وقد مر معنى الوراثة فيها .
85. And place me among the inheritors of the Garden of Delight,
85 - Make me one of the inheritors of the Garden of Bliss;