[الشعراء : 72] قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
72 - (قال هل يسمعونكم إذ) حين (تدعون)
يقول تعالى ذكره : قال إبراهيم لهم : هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم . واختلف أهل العربية في معنى ذلك ، فقال بعض نحويي البصرة معناه : هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم ، فحذف الدعاء ، كما قال زهير :
القائد الخيل منكوبا دوابرها قد أحكمت حكمات القد والأبقا
وقال : يريد أحكمت حكمات الأبق ، فألقى الحكمات واقام الأبق مقامها . وقال بعض من أنكر ذلك من قوله من أهل العربية الفصيح من الكلام في ذلك هو ما جاء في القرآن ، لأن العرب تقول : سمعت زيدا متكلما ، يريدون : سمعت كلام زيد ، ثم تعلم أن السمع لا يقع على الأناسي ، إنما يقع على كلامهم ثم يقولون : سمعت زيدا : أي سمعت كلامه ، قال : ولو لم يقدم في بيت زهير حكمات القد لم يجز أن يسبق بالأبق عليها ، لأنه لا يقال : رأيت الأبق ،وهو يريد الحكمة . وقوله " أو ينفعونكم أو يضرون " يقول : أو تنفعكم هذه الأصنام ، فيرزقونكم شيئا على عبادتكموها ، أو يضرونكم فيعاقبونكم على ترككم عبادتها بأن يسلبوكم أموالكم ، أو يهلكوكم إذا هلكتم وأولادكم " قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " وفي الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك ، وذلك جوابهم إبراهيم عن مسألته إياهم " هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون " فكان جوابهم إياه : لا ، ما يسمعوننا إذا دعوناهم ، ولا ينفعونا ولا يضرون . يدل على أنهم بذلك أجابوه قولهم " بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " وذلك رجوع عن مجحود ، كقول القائل : ما كان كذا بل كذا وكذا ، ومعنى قولهم " وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " وجدنا من قبلنا ولا يضرون ، يدل على أنهم بذلك أجابوه ، قولهم من آبائنا يعبدونها ويعكفون عليها لخدمتها وعبادتها ، فنحن نفعل ذلك اقتداء بهم ، واتباعا لمنهاجهم .
قوله تعالى : " إذ تدعون " .
هذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء, أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتلوه على أمته ليقتدوا به في الإخلاص والتوكل, وعبادة الله وحده لا شريك له, والتبري من الشرك وأهله, فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل, أي من صغره إلى كبره, فإنه من وقت نشأ وشب أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله عز وجل "إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون" أي ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ "قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين" أي مقيمين على عبادتها ودعائها " قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " يعني اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئاً من ذلك, وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون, فهم على آثارهم يهرعون, فعند ذلك قال لهم إبراهيم "أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين" أي إن كانت هذه الأصنام شيئاً ولها تأثير, فلتخلص إلي بالمساءة, فإني عدو لها لا أبالي بها ولا أفكر فيها, وهذا كما قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام: "فأجمعوا أمركم وشركاءكم" الاية, وقال هود عليه السلام " إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم فقال "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله" الاية. وقال تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " وقال تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون" يعني لا إله إلا الله.
72- "هل يسمعونكم إذ تدعون" قال الأخفش: فيه حذف، والمعنى: هل يسمعون منكم، أو هل يسمعون دعاءكم. وقرأ قتادة هل يسمعونكم بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وقت دعائكم لهم.
72- "قال هل يسمعونكم"، أي: هل يسمعون دعاءكم، "إذ تدعون"، قال ابن عباس يسمعون لكم.
72 -" قال هل يسمعونكم " أيسمعون دعاءكم أو يسمعونكم تدعون فحذف ذلك لدلالة " إذ تدعون " عليه وقرئ (( يسمعونكم )) أي يسمعونكم الجواب عن دعائكم ومجيئه مضارعاً مع " إذ " على حكاية الحال الماضية استحضاراً لها .
72. He said: Do they hear you when ye cry?
72 - They said: We worship idols, and we remain constantly in attendance on them.