[الشعراء : 61] فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
61 - (فلما تراءى الجمعان) رأى كل منهما الآخر (قال أصحاب موسى إنا لمدركون) يدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا به
يقول تعالى ذكره : فلما تناظر الجمعان : جمع موسى وهم بنو إسرائيل ، وجمع فرعون وهم القبط " قال أصحاب موسى إنا لمدركون " أي إنا لملحقون ، الآن يلحقنا فرعون وجنوده فيقتلوننا . وذكر أنهم قالوا ذلك لموسى ، تشاؤما بموسى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قلت لعبد الرحمن " فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون " قال : تشاءموا بموسى ، وقالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ، ومن بعد ما جئتنا .
حدثنا موسى ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فلما تراء الجمعان " فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد رمقهم قالوا " إنا لمدركون " . " قالوا " يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا الأعراف : 129 اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا ، إنا لمدركون ، البحر بين أيدينا ، وفرعون من خلفنا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال : لما انتهى موسى إلى البحر ، وهاجت الريح العاصف ، فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الريح ، وإلى البحر أمامهم " قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين " .
واختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار سوى الأعرج " إنا لمدركون " ، وقرأه الأعرج إنا لمدركون كما يقال نزلت ، وأنزلت .
والقراءة عندنا التي عليها قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .
وقوله " كلا إن معي ربي سيهدين " قال موسى لقومه : ليس الأمر كما ذكرتم ، كلا لن تدركوا إن معي ربي سيهديني ، يقول : سيهديني لطريق أنجو فيه من فرعون وقومه .
كما حدثني ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبدالله بن شداد بن الهاد ، قال : لقد ذكر لي أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفا من دهم الخيل ، سوى ما في جنده من شبه الخيل ، وخرج موسى حتى إذا قابله البحر ولم يكن عنه منصرف طلع فرعون في جنده من خلفهم " فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين " أي للنجاة ، وقد وعدني ذلك ، ولا خلف لموعوده .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " قال كلا إن معي ربي سيهدين " يقول : سيكفيني ، وقال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلكم في الأرض فينظر كيف تعملون الأعراف : 129. وقوله " فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق " ذكر أن الله كان قد أمر البحر أن لا ينفلق حتى يضربه موسى بعصاه .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : فتقدم هارون فضرب البحر ، فأبى أن ينفتح ، وقال : من هذا الجبار الذي يضربني ، حتى أتاه موسى فكناه أبا خالد ، وضربه فانفلق .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، قال : أوحى الله فيما ذكر إلى البحر : إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له ، قال : فبات البحر يضرب بعضه بعضا فرقا من الله ، وانتظار أمره ، وأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه بها وفيها سلطان الله الذي أعطاه ، فانفلق .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، ظن سليمان التيمي عن أبي السليل ، قال : لما ضرب موسى بعصاه البحر ، قال : إيها أبا خالد ، فأخذه إفكل .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، و حجاج عن أبي بكر بن عبدالله وغيره ، قالوا : لما انتهى موسى إلى البحر وهاجت الريح والبحر يرمي بنياره ، ويموج مثل الجبال وقد أوحى الله إلى البحر أن لا ينفلق حتى يضربه موسى بالعصا ، فقال له يوشع : يا كليم الله أين أمرت ؟ قال : ههنا ، قال : فجاز البحر ما يواري حافره الماء ، فذهب القوم يصنعون مثل ذلك ، فلم يقدروا ، وقال له الذي يكتم إيمانه : يا كليم الله أين أمرت؟ قال : ههنا ، فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدفيه ، ثم قحمه البحر فأرسب في الماء فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضرب بعصاه موسى البحر فانفلق ، فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده .
وقوله " فكان كل فرق كالطود العظيم " يقول تعالى ذكره : فكان كل طائفة من البحر لما ضربه موسى كالجبل العظيم ، وذكر أنه انفلق اثنتي عشرة فلقة على عدد الأسباط ، لكل سبط منهم فرق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم " يقول : كالجبل العظيم ، فدخلت بنو إسرائيل ، وكان في البحر اثنا عشر طريقا ، في كل طريق سبط ، وكان الطريق كما إذا انفلقت الجدران ، فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا ، فلما رأى ذلك موسى دعا الله فجعلها قناطر كهيئة الطيقان ، فنظر آخرهم إلى أولهم حتى خرجوا جميعا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، و حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله وغيره قالوا : انفلق البحر ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، اثنا عشر طريقا في كل طريق سبط ، وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطا ، وكانت الطرق بجدران ، فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا ، فلما رأى ذلك موسى ، دعا الله فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان ينظر بعضهم إلى بعض ، وعلى أرض يابسة كأن الماء لم يصبها قط حتى عبر .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : لما انفلق البحر لهم صار فيه كوى ينظر بعضهم إلى بعض .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق " فكان كل فرق كالطود العظيم " أي كالجبل على نشز من الأرض .
حدثني علي ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " فكان كل فرق كالطود العظيم " يقول : كالجبل .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله " كالطود العظيم " قال : كالجبل العظيم ،ومنه قول الأسود بن يعفر :
حلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد
يعني بالأطواد : جمع طود ، وهو الجبل .
قوله تعالى : " فلما تراء الجمعان" أي تقابلا الجمعان بحيث يرى كل فريق صاحبه ، وهو تفاعل من الرؤية . " قال أصحاب موسى إنا لمدركون " أي قرب منا العدو ولا طاقة لنا به . وقراءة الجماعة : " لمدركون " بالتخفيف من أدرك . ومنه " حتى إذا أدركه الغرق " [ يونس : 90] وقرأ عبيد بن عمير و الأعوج و الزهري : " لمدركون " بتشديد الدال من ادرك . قال الفراء : حفر واحتفر بمعنى واحد ، وكذلك " لمدركون " و" لمدركون " بمعنى واحد . النحاس : وليس كذلك يقول النحويون الحذاق ، وإنما يقولون : مدركون ملحقون ، ومدركون مجتهد في لحاقهم ، كما يقال : كسبت بمعنى أصبت وظفرت ، واكتسبت بمعنى اجتهدت وطلبت وهذا معى قول سيبويه .
ذكر غير واحد من المفسرين أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير, هو عبارة عن مملكة الديار المصرية في زمانه, أولي الحل والعقد والدول من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود, فأما ما ذكره غير واحد من الإسرائيليات من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس, منها مائة ألف على خيل دهم, وقال كعب الأحبار : فيهم ثمانمائة ألف حصان أدهم, وفي ذلك نظر, والظاهر أن ذلك من مجازفات بني إسرائيل, والله سبحانه وتعالى أعلم, والذي أخبر به القرآن هو النافع, ولم يعين عدتهم إذ لا فائدة تحته, إلا أنهم خرجوا بأجمعهم "فأتبعوهم مشرقين" أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس, وهو طلوعها, " فلما تراء الجمعان " أي رأى كل من الفريقين صاحبه, فعند ذلك "قال أصحاب موسى إنا لمدركون" وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر, وهو بحر القلزم, فصار أمامهم البحر وقد أدركهم فرعون بجنوده, فلهذا قالوا "إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين" أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون, فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير ههنا بكم, وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد, وكان هارون عليه السلام في المقدمة, ومعه يوشع بن نون, ومؤمن آل فرعون, وموسى عليه السلام في الساقة, وقد ذكر غير واحد من المفسرين أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون, وجعل يوشع بن نون أو مؤمن آل فرعون, يقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله ههنا أمرك ربك أن تسير ؟ فيقول, نعم, فاقترب فرعون وجنوده ولم يبق إلا القليل, فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر, فضربه وقال: انفلق بإذن الله.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان بن صالح , حدثنا الوليد , حدثنا محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء, والمكون لكل شيء, والكائن بعد كل شيء, اجعل لنا مخرجاً, فأوحى الله إليه "أن اضرب بعصاك البحر". وقال قتادة : أوحى الله تلك الليلة إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فاسمع له وأطع, فبات البحر تلك الليلة وله اضطراب, ولا يدري من أي جانب يضربه موسى, فلما انتهى إليه موسى, قال له فتاه يوشع بن نون: يا نبي الله أين أمرك ربك عز وجل ؟ قال: أمرني أن أضرب البحر, قال: فاضربه. وقال محمد بن إسحاق , أوحى الله ـ فيما ذكر لي ـ إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له, قال: فبات البحر يضطرب ويضرب بعضه بعضاً فرقاً من الله تعالى, وانتظاراً لما أمره الله, وأوحى الله إلى موسى "أن اضرب بعصاك البحر" فضربه بها, ففيها سلطان الله الذي أعطاه, فانفلق, ذكر غير واحد أنه جاء فكناه, فقال: انفلق علي أبا خالد بحول الله.
قال الله تعالى: "فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" أي كالجبل الكبير, قاله ابن مسعود وابن عباس ومحمد بن كعب والضحاك وقتادة وغيرهم. وقال عطاء الخراساني : هو الفج بين الجبلين. وقال ابن عباس صار البحر اثني عشر طريقاً لكل سبط طريق, وزاد السدي : وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض, وقام الماء على حيلة كالحيطان. وبعث الله الريح إلى قعر البحر فلفحته, فصار يبساً كوجه الأرض, قال الله تعالى: "فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى". وقال في هذه القصة " وأزلفنا ثم الآخرين " أي هنالك. قال ابن عباس وعطاء الخراساني وقتادة والسدي "وأزلفنا" أي قربنا من البحر فرعون وجنوده, وأدنيناهم إليه " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين " أي أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم, فلم يهلك منهم احد, وأغرق فرعون وجنوده فلم يبق منهم رجل إلا هلك.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا شبابة , حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله هو ابن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون ذلك, فأمر بشاة فذبحت, وقال: لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط, فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر, فقال له: انفرق, فقال له البحر: قد استكبرت يا موسى, وهل انفرقت لأحد من ولد آدم, فأنفرق لك ؟ قال, ومع موسى رجل على حصان له, فقال له ذلك الرجل, أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه, قال: والله ما كذب ولا كذبت, ثم اقتحم الثانية فسبح ثم خرج, فقال: أين أمرت يا نبي الله ؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه. قال: والله ما كذب ولا كذبت, قال: فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر, فضربه موسى بعصاه, فانفلق, فكان فيه اثنا عشر سبطاً لكل سبط طريق يتراءون, فلما خرج أصحاب موسى, وتتام أصحاب فرعون, التقى البحر عليهم فأغرقهم.
وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: فلما خرج آخر أصحاب موسى, وتكامل أصحاب فرعون, انطم عليهم البحر, فمارئي سواد أكثر من يومئذ, وغرق فرعون لعنه الله, ثم قال تعالى: " إن في ذلك لآية " أي في هذه القصة وما فيها من العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين, لدلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة " وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " تقدم تفسيره.
61- " فلما تراء الجمعان " قرأ الجمهور " تراء " بتخفيف الهمزة، وقرأ ابن وثاب والأعمش من غير همز، والمعنى: تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه، وهو تفاعل من الرؤية، وقرئ تراءت الفئتان "قال أصحاب موسى إنا لمدركون" أي سيدركنا جمع فرعون ولا طاقة لنا بهم. قرأ الجمهور "إنا لمدركون" اسم مفعول من أدرك، ومنه "حتى إذا أدركه الغرق" وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشددة وكسر الراء. قال الفراء: هما بمعنى واحد. قال النحاس: ليس كذلك يقول النحويون الحذاق، إنما يقولون مدركون بالتخفيف ملحقون وبالتشديد مجتهدون في لحاقهم. قال: وهذا معنى قول سيبويه. وقال الزمخشري: إن معنى هذه القراءة إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد.
61- " فلما تراء الجمعان "، أي: تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه، وكسر حمزة الراء من تراءى وفتحها الآخرون. "قال أصحاب موسى إنا لمدركون"، أي: سيدركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم.
61 -" فلما تراء الجمعان " تقاربا بحيث رأى كل واحد منهما الآخر ، وقرئ (( تراءت الفئتان )) " قال أصحاب موسى إنا لمدركون " لملحقون ، وقرئ (( لمدركون )) من أدرك الشيء إذا تتابع ففني ، أي : لمتتابعون في الهلاك على أيديهم .
61. And when the two hosts saw each other, those with Moses said: Lo! we are indeed caught.
61 - So they pursued them at sunrise.