[الشعراء : 58] وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ
58 - (وكنوز) أموال ظاهرة من الذهب والفضة وسميت كنوزا لإنه لم يعط حق الله تعالى منها (ومقام كريم) مجلس حسن للأمراء والوزراء يحفه أتباعهم
القول في تأويل قوله تعالى : " وكنوز ومقام كريم" .
قوله تعالى : " ومقام كريم " قال ابن عمر وابن عباس و مجاهد : المقام الكريم المنابر ، وكانت ألف منبر لألف جبار يعظمون عليها فرعون وملكه . وقيل : مجالس الرؤساء والأمراء ، حكاه ابن عيسى وهو قريب من الأول . وقال سعيد بن جبير : المسكن الحسان . وقال ابن لهيعة : سمعت أن المقام الكريم الفيوم . وقيل كان يوسف عليه السلام قد كتب علي مجلس من مجلسه ( لا إله إلا الله إبراهيم خليل الله ) فسماها الله كريمة بهذا وقيل : مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عدة وزينة فصار مقامها أكرم منزل بهذا ، ذكره الماوردي . والأظهر أنها المساكن الحسان كانت تكرم عليهم . والمقام في اللغة يكون الموضع ويكون مصدراً . قال النحاس : المقام في اللغة الموضع ، من قولك قام يقوم ، كذا المقامات واحدها مقامة ، كما قال.
وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعل
والمقام أيضاً المصدر من قام يقوم . والمقام ( بالضم ) الموضع من أقام . والمصدر أيضاً من أقام يقيم .
لما طال مقام موسى عليه السلام ببلاد مصر, وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه, وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون, لم يبق لهم إلا العذاب والنكال, فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر, وأن يمضي بهم حيث يؤمر, ففعل موسى عليه السلام ما أمره به ربه عز وجل, خرج بهم بعد ما استعاروا من قوم فرعون حلياً كثيراً, وكان خروجه بهم فيما ذكره غير واحد من المفسرين وقت طلوع القمر, وذكر مجاهد رحمه الله أنه كسف القمر تلك الليلة, فالله أعلم, وأن موسى عليه السلام سأل عن قبر يوسف عليه السلام, فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه, فاحتمل تابوته معهم, ويقال: إنه هو الذي حمله بنفسه عليهما السلام, وكان يوسف عليه السلام قد أوصى بذلك, إذا خرج بنو إسرائيل أن يحملوه معهم.
وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم رحمه الله فقال: حدثنا علي بن الحسين , حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح , حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق , عن ابن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاهدنا ؟ فأتاه الأعرابي, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك ؟ قال: ناقة برحلها وأعنز يحتلبها أهلي, فقال أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟ فقال له أصحابه: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله ؟ قال إن موسى عليه السلام لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق, فقال لبني إسرائيل: ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل: نحن نحدثك أن يوسف عليه السلام لما حضرته الوفاة أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا, فقال لهم موسى: فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا: ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل, فأرسل إليها فقال لها: دليني على قبر يوسف, فقالت: والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي, فقال لها: وما حكمك ؟ قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة, فكأنه ثقل عليه ذلك, فقيل له: أعطها حكمها ـ قال ـ فانطلقت معهم إلى بحيرة ـ مستنقع ماء ـ فقالت لهم: انضبوا هذا الماء, فلما أنضبوه قالت: احفروا, فلما حفروا استخرجوا قبر يوسف, فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار" وهذا حديث غريب جداً, والأقرب أنه موقوف, والله أعلم, فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ولا مجيب, غاظ ذلك فرعون, واشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار, فأرسل سريعاً في بلاده حاشرين, أي من يحشر الجند ويجمعه كالنقباء والحجاب, ونادى فيهم "إن هؤلاء" يعني بني إسرائيل "لشرذمة قليلون" أي لطائفة قليلة "وإنهم لنا لغائظون" أي كل وقت يصل منهم إلينا ما يغيظنا "وإنا لجميع حاذرون" أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم, وإني أريد أن أستأصل شأفتهم, وأبيد خضراءهم, فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم, قال الله تعالى: "فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم" أي فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم, وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار والأموال والأرزاق, والملك والجاه الوافر في الدنيا "كذلك وأورثناها بني إسرائيل" كما قال تعالى: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها" الاية, وقال تعالى: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" الايتين.
58- "وكنوز ومقام كريم". يعني فرعون وقومه أخرجهم الله من أرض مصر وفيها الجنات والعيون والكنوز، وهي جمع جنة وعين وكنز، والمراد بالكنوز الخزائن، وقيل الدفائن، وقيل الأنهار، وفيه نظر لأن العيون المراد بها عند جمهور المفسرين عيون الماء فيدخل تحتها الأنهار.
واختلف في المقام الكريم، فقيل المنازل الحسان، وقيل المنابر، وقيل مجالس الرؤساء والأمراء، وقيل مرابط الخيل، والأول أظهر، ومن ذلك قول الشاعر:
وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل
58- "وكنوز"، يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة. قال مجاهد: سماها كنوزاً لأنه لم يعط حق الله منها، وما لم يعط حق الله منه فهو كنز، وإن كان ظاهراً، قيل: كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام، كل غلام على فرس عتيق، في عنق كل فرس طوق من ذهب، "ومقام كريم"، أي: مجلس حسن، قال المفسرون: أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت تحفها الأتباع. وقال مجاهد وسعيد ابن جبير: هي المنابر. وذكر بعضهم: أنه كان إذا قعد على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف عليهم الأقبية من الديباج مخوصة بالذهب.
58 -" وكنوز ومقام كريم " يعني المنازل الحسنة والمجالس البهية .
58. And treasures and a fair estate.
58 - So We expelled them from gardens, springs,