[الشعراء : 189] فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
189 - (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة) هي سحابة أظلتهم بعد حر شديد أصابهم فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا (إنه كان عذاب يوم عظيم)
القول في تأويل قوله تعالى : " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " .
قوله تعالى : " فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " . وقيل : إن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام ، وسلط عليهم الحر حتى أخذ بأنفاسهم ، ولم ينفعهم ظل ولا ماء فكانوا يدخلون الأسراب ، ليتبردوا فيها فيجدوها أشد حراً من الظاهر . فهربوا إلى البرية ، فأظلتهم سحابة وهي الظلة ، فوجدوا لها برداً ونسيماً ، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا . وقال يزيد الجريري ي: سلط الله عليهم الحر سبعة أيام ولياليهن ثم رفع لهم جبل من بعيد فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون وشجر وماء بارد ، فاجتمعنوا كلهم تحته ، فوقع عليهم الجبل وهو الظلة . وقال قتادة : بعث الله شعيباً إلى أمتين : أصحاب مدين وأصحاب الأيكة فأهلك الله أصحاب الأيكة بالظلة ، وأما أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحة فهلكوا أجمعين .
يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها, تشابهت قلوبهم حيث قالوا "إنما أنت من المسحرين" يعنون من المسحورين كما تقدم "وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين" أي تتعمد الكذب فيما تقوله لا أن الله أرسلك إلينا "فأسقط علينا كسفاً من السماء" قال الضحاك : جانباً من السماء. وقال قتادة : قطعاً من السماء. وقال السدي : عذاباً من السماء. وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر الله عنهم في قوله تعالى: "وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً" إلى أن قالوا "أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً" وقوله "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" الاية, وهكذا قال هؤلاء الكفار الجهلة "فأسقط علينا كسفاً من السماء" الاية, "قال ربي أعلم بما تعملون" يقول: الله أعلم بكم, فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به, وهو غير ظالم لكم, وهكذا وقع بهم جزاء كما سألوا جزاء وفاقاً, ولهذا قال تعالى: "فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم" وهذا من جنس ما سألوه من إسقاط الكسف عليهم, فإن الله سبحانه وتعالى جعل عقوبتهم أن أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام, لا يكنهم منه شيء, ثم أقبلت إليهم سحابة أظلتهم, فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر, فلما اجتمعوا كلهم تحتها, أرسل الله تعالى عليهم منها شرراً من نار ولهباً ووهجاً عظيماً, ورجفت بهم الأرض, وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم, ولهذا قال تعالى: "إنه كان عذاب يوم عظيم".
وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن, كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين, وذلك لأنهم قالوا "لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا" فأرجفوا نبي الله ومن اتبعه فأخذتهم الرجفة, وفي سورة هود قال "فأخذتهم الصيحة" وذلك لأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم "أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد" قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء, فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم, فقال "فأخذتهم الصيحة" الاية, وههنا قالوا "فأسقط علينا كسفاً من السماء" الاية, على وجه التعنت والعناد, فناسب أن يحقق عليهم ما استبعدوا وقوعه "فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم".
قال قتادة : قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شيء, ثم إن الله تعالى أنشأ لهم سحابة, فانطلق إليها أحدهم فاستظل بها فأصاب تحتها برداً وراحة, فأعلم بذلك قومه فأتوها جميعاً فاستظلوا تحتها فأججت عليهم ناراً, وهكذا روي عن عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : بعث الله إليهم الظلة حتى إذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة وأحمى عليهم الشمس, فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى, وقال محمد بن كعب القرظي : إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب: أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها, فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد, ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم, فأرسل الله عليهم الظلة, فدخل تحتها رجل فقال: ما رأيت كاليوم ظلاً أطيب ولا أبرد من هذا, هلموا أيها الناس, فدخلوا جميعاً تحت الظلة, فصاح بهم صيحة واحدة, فماتوا جميعاً, ثم تلا محمد بن كعب "فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم".
وقال محمد بن جرير : حدثني الحارث , حدثني الحسن , حدثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد , حدثنا حاتم بن أبي صغيرة , حدثني يزيد الباهلي , سألت ابن عباس عن هذه الاية "فأخذهم عذاب يوم الظلة" الاية, قال: بعث الله عليهم رعداً وحراً شديداً, فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هراباً إلى البرية, فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس, فوجدوا لها برداً ولذة, فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم ناراً. قال ابن عباس : فذلك عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم " أي العزيز في انتقامه من الكافرين, الرحيم بعباده المؤمنين.
189- "فكذبوه" فاستمروا على تكذيبه وأصروا على ذلك "فأخذهم عذاب يوم الظلة" والظلة السحاب، أقامها الله فوق رؤوسهم فأمطرت عليهم ناراً فهلكوا، وقد أصابهم الله بما اقترحوا، لأنهم إن أرادوا بالكسف القطعة من السحاب فظاهر، وإن أرادوا بها القطعة من السماء فقد نزل عليهم العذاب من جهتها، وأضاف العذاب إلى يوم الظلة لا إلى الظلة تنبيهاً على أن لهم في ذلك اليوم عذاباً غير عذاب الظلة، كذا قيل. ثم وصف سبحانه هذا العذاب الذي أصابهم بقوله: "إنه كان عذاب يوم عظيم" لما فيه من الشدة عليهم التي لا يقادر قدرها.
189- "فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة"، وذلك أنه أخذهم حر شديد، فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حراً فخرجوا، فأظلتهم سحابة، وهي الظلة، فاجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا، ذكرناه في سورة هود. "إنه كان عذاب يوم عظيم".
189 -" فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة " على نحو ما اقترحوا بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام حتى غلت أنهارهم وأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا . " إنه كان عذاب يوم عظيم " .
189. But they denied him, so there came on them the retribution of the day of gloom. Lo! it was the retribution of an awful day.
189 - But they rejected him. Then the punishment of a day of overshadowing gloom seized them, and that was the Penalty of a Great Day.