[الشعراء : 1] طسم
1 - (طسم) الله أعلم بمراده بذلك
قال أبو جعفر وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيما في ابتداء فواتح سور القرآن من حروف الهجاء ، وما انتزع به كل قائل منهم لقوله ومذهبه من العلة .وقد بينا الذي هو اولى بالصواب من القول فيه فيما مضى من كتابنا هذا بما اغنى عن اعادته ، وقد ذكر عنهم من الاختلاف في قوله : طسم وطس ، نظير الذي ذكر عنهم في : الم والمر والمص .
وقد حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " طسم " قال : فإنه قسم أقسمه الله وهو من أسماء الله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر قتادة قي قوله : " طسم " قال : اسم من أسماء القرآن .
فتأويل الكلام على قول ابن عباس ، والجميع : إن هذه الآيات التي أنزلتها على محمد صلى الله عليه وسلم في هذه السورة لآيات الكتاب الذي أنزله إليه من قبلها الذي بين لمن تدبره بفهم ، و فكر فيه بعقل ، أنه من عند الله جل جلاله ، لم يتخرصه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يتقوله من عنده ، بل أوحاه إليه ربه .
وقوله " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " يقول تعالى ذكره : لعلك يا محمد قاتل نفسك و ملكها إن لم يؤمن قومك بك ، و يصدقوك على ما جئتم به ، و البخع : هو القتل و الإهلاك في كلام العرب ، و منه قول ذي الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
و بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : " باخع نفسك " .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " قال : لعلك من الحرص على إيمانهم مخرج نفسك من جسدك ، قال: ذلك البخع .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله " لعلك باخع نفسك " عليهم حرصا ، و أن من قوله " أن لا يكونوا مؤمنين " في موضع نصب بباخع ، كما يقال : زرت عبد الله أن زارني ، و هو جزاء ولو كان الفعل الذي بعد أن مستقبلا لكان وجه الكلام في أن الكسر كما يقال : أزور عبد الله إن يزورني .

هي مكية في قول الجمهور . وقال مقاتل : منها مدني ، الآية التي يذكر فيها الشعراء ، وقوله : " أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ". وقال ابن عباس و قتادة مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله : " والشعراء يتبعهم الغاوون " إلى آخرها وهي مئتان وسبع عشرون آ ية . وفي رواية : ست وعشررون . وعن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أعطيت السورة التي تذكر فيها البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه وطسم من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة " . وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أعطاني المئين مكان الإنجيل وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني بالواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي " .
قوله تعالى : " طسم " قرأ الأعمش و يحيى و أبو بكر و المفضل و حمزة و الكسائي و خلف : بإمالة الطاء مشبعاً في هذه السورة وفي أختيها . وقرأ نافع و أبو جعفر و شيبة و الزهري : بين اللفظين ، واختاره أبو عبيد و أبو حاتم . وقرأ الباقون بالفتح مشبعاً قال الثعلبي : وهي كلها لغات فصيحة . وقد مضى في ( طه ) قول النحاس في هذا . قال النحاس : وقرأ المدنيون و أبو عمر و عاصم و الكسائي : ( طسم ) بإدغام النون في الميم ، و الفراء يقول بإخفاء النون . وقرأ الأعمش و حمزة : ( طسين ميم ) بإظهار النون . قال النحاس : للنون الساكنة والتنوين أربعة أقسام عند سيبويه : يبينان عند حروف الحلق ، ويدغمان عند الراء واللام والميم والواو والياء ، ويقلبان ميماً عند الباء ويكونان من الخياشيم ، أي لا يبينان ، فعلى هذه الأربعة الأقسام التي نصبها سيبويه لا تجوز هذه القراءة ، لأنه ليس هاهنا حرف من حروف الحلق فتبين النون عنده ، ولكن في ذلك رجيه : وهو أن حروف المعجم حكمها أن يوقف عليها ، فإذا وقف عليها تبينت النون ، قال الثعلبي : الإدغام اختيار أبي عبيد و أبي حاتم قياساً على كل القرآن ، وإنما أظهرها أولئك للتبيين والتمكين ، وأدغمها هؤلاء لمجاورتها حروف الفم . قال النحاس : وحكى أبو إسحاق في كتابه ( فيما يجري وفيما لا يجري ) أنه يجوز أن يقال : طسين ميم ابن عباس : طسم قسم وهو اسم من أسماء الله تعالى ، والمقسم عليه: " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية " . وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن أقسم الله به . مجاهد : هو اسم السورة ويحسن افتتاح السورة . الربيع : حساب مدة قوم . وقيل : قارعة تحل بقوم ، طسم وطس واحد . قال :
‌ ‌ وفاؤكما كالربع أشجاره طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
وقال القرضي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه . وقال عبد الله بن محمد بن عقيل : الطاء طور سيناء والسين إسكندرية والميم مكة . وقال جعفر بن محمد بن علي : الطاء شجرة طوبى ، والسين سدرة المنتهى ، والميم محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : الطاء من الطاهر والسين من القدوس _ وقيل : من السميع وقيل : من السلام _ والميم من المجيد . قيل : من الرحيم . وقيل : من الملك . وقد مضى هذا المعنى في أول سورة ( البقرة ) . والطواسيم والطواسين سور في القرآن جمعت على غير قياس . وأنشد أبو عبيدة :
وبالطواسيم التي قد ثلثت وبالحواميم التي قد سبعت
قال الجوهري : والصواب أن تجمع بذوات وتضاف إلى واحد ، فيقال : ذوات طسم وذوات حم .
سورة الشعراء
(ووقع في تفسير مالك المروي عنه تسميتها سورة الجامعة)
بسم الله الرحمـن الرحيم
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة. وقوله تعالى: "تلك آيات الكتاب المبين" أي هذه آيات القرآن المبين, أي البين الواضح الجلي الذي يفصل بين الحق والباطل, والغي والرشاد. وقوله تعالى: "لعلك باخع" أي مهلك "نفسك" أي مما تحرص وتحزن عليهم " أن لا يكونوا مؤمنين " وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار, كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" كقوله "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً" الاية. قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعطية والضحاك والحسن وغيرهم "لعلك باخع نفسك" أي قاتل نفسك. قال الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيذء نحته عن يديه المقادر
ثم قال تعالى: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً, ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري. وقال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ". وقال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" الاية, فنفذ قدره, ومضت حكمته, وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم, وإنزال الكتب عليهم, ثم قال تعالى: "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" وقال تعالى: " ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه " الاية, ولهذا قال تعالى ههنا: " فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق, فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه, الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه, وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان.
قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم, ومن دخل النار فهو لئيم " إن في ذلك لآية " أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء, ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه, وخالفوا أمره, وارتكبوا نهيه. وقوله "وإن ربك لهو العزيز" أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه "الرحيم" أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره, ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب إليه وأناب.
وآياتها مائتان، وسبع وعشرون آية
وهي مكية عند الجهمور، وكذا أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير. وأخرج النحاس عن ابن عباس قال: سورة الشعراء أنزلت بمكة سوى خمس آيات من آخرها نزلت بالمدينة، وهي "والشعراء يتبعهم الغاوون" إلى آخرها. وأخرج الطبراني في تفسيره عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطان المئين مكان الإنجيل، وأعطاني الطواسين مكان الزبور، وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي". وأخرج أيضاً عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطيت السورة التي تذكر فيها البقرة من الذكر الأول، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصل نافلة". قال ابن كثير في تفسيره: ووقع في تفسير مالك المروي عنه تسميتها بسورة الجمعة.
قوله: 1- "طسم" قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وأبو بكر والمفضل وحمزة والكسائي وخلف بإمالة الطاء، وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة والزهري بين اللفظين، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ الباقون بالفتح مشبعاً. وقرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي بإدغام النون من طاسن في الميم، وقرأ الأعمش وحمزة بإظهارها. قال الثعلبي: الإدغام اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. قال النحاس: وحكى الزجاج في كتابه فيما يجري وما لا يجري أنه يجوز أن يقال طاسين ميم بفتح النون وضم الميم كما يقال: هذا معدي كرب. وقرأ عيسى ويروي عن نافع بكسر الميم على البناء. وفي مصحف عبد الله بن مسعود ط س م هكذا حروفاً مقطعة فيوقف على كل حرف وقفة يتميز بها عن غيره، وكذلك قرأ أبو جعفر ومحله الرفع على الابتداء إن كان اسماً للسورة كما ذهب إليه الأكثر أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون في محل نصب بتقدير: اذكر أو اقرأ. وأما إذا كان مسروداً على نمط التعديد كما تقدم في غير موضع من هذا التفسير فلا محل له من الإعراب. وقد قيل إنه اسم من أسماء الله سبحانه، وقيل اسم من أسماء القرآن.
مكية إلا أربع آيات من آخر السورة من قوله: "والشعراء يتبعهم الغاوون".
وروينا عن ابن عباس /أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيت طه والطواسين من اللوح المحفوظ".
بسم الله الرحمن الرحيم
1- "طسم"قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر: طسم، وطس، وحم، ويس بكسر الطاء والياء والحاء، وقرأ أهل المدينة بين الفتح والكسر، وقرأ الآخرون بالفتح على التفخيم،وأظهر النون في يس عند الميم من طسم: أبو جعفر، وحمزة، وأخفاها الآخرون.
وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال: طسم عجزت العلماء عن تفسيرها. وروى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس:أنه قسم، وهو من أسماء الله تعالى، وقال قتادة: اسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد: اسم للسورة. قال محمد بن كعب القرظي: أقسم الله بطوله وسنائه وملكه.
1 -" طسم " قرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر بالإمالة ، ونافع بين كراهة للعود إلى الياء المهروب منها ، وأظهر نونه حمزة لأنه في الأصل منفصل عما بعده .
Surah 26. Ash-Shu'araa
1. Ta. Sin. Mim.
SURA 26: SHU'ARA
1 - Ta. Sin. Mim.