[الفرقان : 57] قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا
57 - (قل ما أسألكم عليه) أي على تبليغ ما ارسلت به (من أجر إلا) لكن (من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) طريقا بإنفاق ماله في مرضاته تعالى فلا أمنعه من ذلك
القول في تأويل قوله تعالى : " إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " .
قوله تعالى : " قل ما أسألكم عليه من أجر " يريد على ما جئتكم به من القرآن والوحي . و " من " للتأكيد . " إلا من شاء " لكن من شاء ، فهو استثناء منقطع ، والمعنى : لكن من شاء " أن يتخذ إلى ربه سبيلا " بإنفاقه من ماله في سبيل الله فلينفق . ويجوز أن يكون متصلاً ويقدر حذف المضاف ، التقدير : إلا أجر " من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " باتباع ديني حتى ينال كرامة الدنيا والآخرة .
يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام التي لا تملك له ضراً ولا نفعاً, بلا دليل قادهم إلى ذلك, ولا حجة أدتهم إليه بل بمجرد الاراء والتشهي والأهواء, فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم, ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم, ولهذا قال تعالى: "وكان الكافر على ربه ظهيراً" أي عوناً في سبيل الشيطان على حزب الله وحزب الله هم الغالبون, كما قال تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون " أي آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك لهم نصراً, وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم, ويذبون عن حوزتهم, ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا والاخرة.
قال مجاهد "وكان الكافر على ربه ظهيراً" قال: يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه. وقال سعيد بن جبير : "وكان الكافر على ربه ظهيراً" يقول: عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك وقال زيد بن أسلم "وكان الكافر على ربه ظهيراً" قال: موالياً, ثم قال تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه "وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً" أي بشيراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين, مبشراً بالجنة لمن أطاع الله ونذيراً بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله "قل ما أسألكم عليه من أجر" أي على هذا البلاغ وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم, وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى "لمن شاء منكم أن يستقيم" "إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً" أي طريقاً ومسلكاً ومنهجاً يقتدي فيها بما جئت به.
ثم قال تعالى: "وتوكل على الحي الذي لا يموت" أي في أمورك كلها كن متوكلاً على الله الحي الذي لا يموت أبداً, الذي هو " الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " الدائم الباقي السرمدي الأبدي الحي القيوم ورب كل شيء ومليكه اجعله ذخرك وملجأك, وهو الذي يتوكل عليه ويفزع إليه, فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك, كما قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس".
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل قال: قرأت على معقل يعني ابن عبيد الله , عن عبد الله بن أبي حسين عن شهر بن حوشب قال: " لقي سلمان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض فجاج المدينة فسجد له, فقال لا تسجد لي يا سلمان, واسجد للحي الذي لا يموت " وهذا مرسل حسن. وقوله تعالى: "وسبح بحمده" أي اقرن بين حمده وتسبيحه, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك" أي أخلص له العبادة والتوكل, كما قال تعالى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" وقال تعالى: "فاعبده وتوكل عليه" وقال تعالى: "قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا".
وقوله تعالى: "وكفى به بذنوب عباده خبيراً" أي بعلمه التام الذي لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة. وقوله تعالى: "الذي خلق السموات والأرض" الاية, أي هو الحي الذي لا يموت, وهو خالق كل شيء وربه ومليكه, الذي خلق بقدرته السموات السبع في ارتفاعها واتساعها, والأرضين السبع في سفولها وكثافتها "في ستة أيام ثم استوى على العرش" أي يدبر الأمر, ويقضي الحق, وهو خير الفاصلين.
وقوله "ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً" أي استعلم عنه من هو خبير به عالم به, فاتبعه واقتد به, وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه, سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والاخرة, الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى, فما قاله فهو الحق, وما أخبر به فهو الصدق, وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء وجب رد نزاعهم إليه, فما وافق أقواله وأفعاله فهو الحق, وما خالفها فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان, قال الله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء" الاية, وقال تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" وقال تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً" أي صدقاً في الإخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي, ولهذا قال تعالى: "فاسأل به خبيراً".
قال مجاهد : في قوله "فاسأل به خبيراً" قال: ما أخبرتك من شيء فهو كما أخبرتك وكذا قال ابن جريج . وقال شمر بن عطية في قوله "فاسأل به خبيراً" هذا القرآن خبير به. ثم قال تعالى منكراً على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد "وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن" أي لا نعرف الرحمن, وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن, كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين " قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم , فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم, ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم " , ولهذا أنزل الله تعالى: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " أي هو الله وهو الرحمن وقال في هذه الاية "وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن" أي لا نعرفه ولا نقر به "أنسجد لما تأمرنا" أي لمجرد قولك "وزادهم نفوراً" فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم, ويفردونه بالإلهية, ويسجدون له, وقد اتفق العلماء رحمهم الله على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها لقارئها ومستمعها, كما هو مقرر في موضعه, والله سبحانه وتعالى أعلم.
57- "قل ما أسألكم عليه من أجر" أي قل لهم يا محمد: ما أسألكم على القرآن من أجر، أو على تبليغ الرسالة المدلول عليه بالإرسال، والاستثناء في قوله: "إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً" منقطع: أي لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليفعل، وقيل هو متصل. والمعنى: إلا من شاء أن يتقرب إليه سبحانه بالطاعة وصور ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الحصول. ولما بين سبحانه أن الكفار متظاهرون على رسول الله، وأمره أن لا يطلب منهم أجراً ألبتة، أمره أن يتوكل عليه في دفع المضار وجلب المنافع.
57- " قل ما أسألكم عليه "، على تبليغ الوحي، "من أجر"، فتقولوا إنما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتبعه، "إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً"، هذا من الاستثناء المنقطع، مجازه: لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً بالإنفاق من ماله في سبيله فعل ذلك، والمعنى: لا أسألكم لنفسي أجراً ولكن لا أمنع من إنفاق المال في طلب مرضاة الله واتخاذ السبيل إلى جنته.
57ـ " قل ما أسألكم عليه " على تبليغ الرسالة الذي يدل عليه " إلا مبشراً ونذيراً " . " من أجر إلا من شاء " إلا فعل من شاء . " أن يتخذ إلى ربه سبيلاً " أن يتقرب إليه ويطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة ، فصور ذلك بصورة الأجر من حيث إنه مقصود فعله واستثناه منه قلعاً لشبهة الطمع وإظهاراً لغاية الشفقة ، حيث اعتد بإنفاعك نفسك بالتعرض للثواب والتخلص عن العقاب أجراً وافياً مرضياً به مقصوراً عليه ، وإشعاراً بأن طاعتهم تعود عليه بالثواب من حيث إنها بدلالته . وقيل الاستثناء منقطع معناه لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً فليفعل .
57. Say: I ask of you no reward for this, save that whoso will may choose a way unto his Lord.
57 - Say: No reward do I ask of you for it but this: that each one who will may take a (straight) Path to his Lord.