[الفرقان : 28] يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا
28 - (يا ويلتى) ألفه عوض عن ياء الإضافة أي ويلتي ومعناه هلكتي (ليتني لم أتخذ فلانا) أي أبيا (خليلا)
وقوله : " يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " الظالم " و بقوله : " فلانا " فقال بعضهم : عنى بالظالم : عقبة بن أبي معيط ، لأنه ارتد بعد إسلامه ، طلبا منه لرضا أبي بن خلف ، و قالوا : فلان هو أبي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، ثني الحسين ، قال : ثني حجاج ،عن ابن جريج ، عن عطاء الخرراساني ، عن ابن عباس ، قال : كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه و سلم ، فزجره عقبة بن أبي معيط ، فنزل " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " ... إلى قوله " خذولا " قال : الظالم : عقبة ، و فلانا خليلا : أبي بن خلف .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، في قوله : " ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " قال: كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف ، فأسلم عقبة ، فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا . فكفر، و هو الذي قال : " ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة و عثمان الجزري ، عن مقسم في قوله : " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " قال ك اجتمع معقبة بن أبي معيط و أبي بن خلف ، و كانا خليلين ، فقال أحدهما لصاحبه : بلفني أنك أتيت محمدا فاستمعت منه ، و الله لا أرضى عنك حتى تتفل في وجهه و تكذبه ، فلم يسلطه الله على ذلك ، فقتل عقبة يوم بدر صبرا . و أما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه و سلم بيده يوم أحد في القتال ، و هم اللذان أنزل الله فيهما : " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، " ويوم يعض الظالم على يديه " ... إلى قوله : " فلانا خليلا " قال : هو أبي بن خلف كان يحضر النبي صلى الله عليه و سلم ، فزجره عقبة بن أبي معيط .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ،قال : ثنا الحسن ، قال: قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن نجيح ، " عن مجاهد ، : " ويوم يعض الظالم على يديه " قال : عقبة بن أبي معيط دعا مجلسا فيهم النبي صلى الله عليه و سلم لطعام ، فأبى النبي صلى الله عليه و سلم أن يأكل ، و قال : لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله ، فقال : ما أنت بآكل حتى أشهد ؟ قال : نعم ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فلقيه أمية بن خلف فقال صبوت ؟ فقال : إن أخاك على ما تعلم ، و لكني صنعت طعاما فأبى أن يأكل حتى أقول ذلك ، فقلته ، و ليس من نفسي " .
و قال آخرون : عنى بفلان : الشيطان .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبوعاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فلانا خليلا " قال الشيطان .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال تعالى : " يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا "يعني أميه ، وكنى عنه ولم يصرح باسمه لئلا يكون هذا الوعد مخصوصاً به ولا مقصوراً ، بل يتناول جميع ، من فعل مثل فعلهما ، وقال مجاهد و أبو رجال : الظالم عام في كل ظالم ، وفلان : الشيطان واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده " وكان الشيطان للإنسان خذولا " وقرأ الحسن : ( يا ويلتي ) وقد مضى في " هود " بيانه . والخليل : الصاحب والصديق وقد مضى في (النساء ) بيانه .
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظيمة, فمنها انشقاق السماء وتفطرها, وانفراجها بالغمام وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار, ونزول ملائكة السموات يومئذ فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر, ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء. قال مجاهد : وهذا كما قال تعالى: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" الاية.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث , حدثنا مؤمل , حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران , عن ابن عباس أنه قرأ هذه الاية "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً" قال ابن عباس رضي الله: عنهما يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد: الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق, فتنشق السماء الدنيا, فينزل أهلها وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلق, فيحيطون بالجن والإنس وجميع الخلق, ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن جميع الخلق, فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق, ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والإنس وجميع الخلق, ثم كذلك كل سماء على ذلك التضعيف, حتى تنشق السماء السابعة فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق, فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات وبالجن والإنس وجميع الخلق كلهم, وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السموات السبع ومن الجن والإنس, وجميع الخلق لهم قرون كأكعب القنا, وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله عز وجل, ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام, وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عام, وما بن ركبته إلى حجزته مسيرة خمسمائة عام, وما بين حجزته إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام, وما بين ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام. وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام وجهنم مجنبته, وهكذا رواه ابن حاتم بهذا السياق.
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثني الحجاج عن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول: إن هذه السماء إذا انشقت ينزل منها من الملائكة أكثر من الإنس والجن, وهو يوم التلاق يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض, فيقول أهل الأرض: جاء ربنا ؟ فيقولون: لم يجىء وهو آت, ثم تنشق السماء الثانية, ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة, فينزل منها من الملائكة أكثر من جميع من نزل من السموات ومن الجن والإنس. قال: فتنزل الملائكة الكروبيون, ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة, وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة. قال: وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه, وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه, يقول: سبحان الملك القدوس, وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القباء, والعرش فوق ذلك, ثم وقف, فمداره على علي بن زيد بن جدعان , وفيه ضعف وفي سياقاته غالباً, وفيها نكارة شديدة, وقد ورد في حديث الصور المشهور قريب من هذا, والله أعلم, وقد قال الله تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" قال شهر بن حوشب : حملة العرش ثمانية, أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ورواه ابن جرير عنه. وقال أبو بكر بن عبد الله : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم, شخصت إليه أبصارهم, ورجفت كلاهم في أجوافهم, وطارت قلوبهم من مقرها من صدورهم إلى حناجرهم. قال ابن جرير: حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا المعتمر بن سليمان عن عبد الجليل عن أبي حازم عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله عز وجل حين يهبط, وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب, منها النور والظلمة فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب, وهذا موقوف على عبد الله بن عمرو من كلامه, ولعله من الزاملتين, والله أعلم.
وقوله تعالى: "الملك يومئذ الحق للرحمن" الاية, كما قال تعالى: "لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار". وفي الصحيح أن الله تعالى يطوي السموات بيمينه, ويأخذ الأرضين بيده الأخرى, ثم يقول: أنا الملك أنا الديان, أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون, أين المتكبرون ؟ وقوله "وكان يوماً على الكافرين عسيراً" أي شديداً صعباً, لأنه يوم عدل وقضاء فصل, كما قال تعالى: "فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير" فهذا حال الكافرين في هذا اليوم, وأما المؤمنون فكما قال تعالى: "لا يحزنهم الفزع الأكبر" الاية.
وروى الإمام أحمد : حدثنا حسين بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده, إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا" وقوله تعالى: "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً", يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه, وسلك طريقاً أخرى غير سبيل الرسول, فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم, وعض على يديه حسرة وأسفاً, وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء, فإنها عامة في كل ظالم, كما قال تعالى: "يوم تقلب وجوههم في النار" الايتين, فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم, ويعض على يديه قائلاً "يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً" يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة, وسواء في ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبي بن خلف أو غيرهما, "لقد أضلني عن الذكر" وهو القرآن "بعد إذ جاءني" أي بعد بلوغه إلي, قال الله تعالى: "وكان الشيطان للإنسان خذولا" أي يخذله عن الحق ويصرفه عنه, ويستعمله في الباطل ويدعوه إليه.
28- " يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " دعاء على نفسه بالويل والثبور على مخاللة الكافر الذي أضله في الدنيا، وفلان كناية عن الأعلام. قال النيسابوري: زعم بعض أئمة اللغة أنه لم يثبت استعمال فلان في الفصيح إلا حكاية، لا يقال جاءني فلان، ولكن يقال: قال زيد جاءني فلان، لأنه اسم اللفظ الذي هو علم الاسم، وكذلك جاء في كلام الله. وقيل فلان كناية عن علم ذكور من يعقل، وفلانة عن علم إناثهم. وقيل كناية عن نكرة من يعقل من الذكور، وفلانة عمن يعقل من الإناث، وأما الفلان والفلانة فكناية عن غير العقلاء، وفل يختص بالنداء إلا في ضرورة كقول الشاعر:
في لجة أمسك فلانا عن فل
وقوله:
حدثاني عن فلان وفل
وليس فل مرخماً من فلان خلافاً للفراء. وزعم أبو حيان أن ابن عصفور وابن مالك وهما في جعل فلان كناية علم من يعقل. وقرأ الحسن يا ويلتي بالياء الصريحة، وقرأ الدوري بالإمالة. قال أبو علي: وترك الإمالة أحسن، لأن أصل هذه اللفظة الياء فأبدلت الكسرة فتحة، والياء تاءً فراراً من الياء، فمن أمال رجع إلى الذي فر منه.
28- " يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا "، يعني: أبي بن خلف.
28ـ " يا ويلتى " وقرئ بالياء على الأصل . " ليتني لم أتخذ فلانا خليلا " يعني من أضله وفلان كناية عن الأعلام كما أن هنا كناية عن الأجناس .
28. Alas for me! Ah, would that I had never taken such an one for friend!
28 - Ah! woe is me! Would that I had never taken such a one for a friend!