[الفرقان : 1] تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
1 - (تبارك) تعالى (الذي نزل الفرقان) القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل (على عبده) محمد (ليكون للعالمين) الإنس والجن دون الملائكة (نذيرا) مخوفا من عذاب الله
ك أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن خيثمة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض وخزائنها لا ينقصك ذلك عندنا شيئا في الآخرة وإن شئت جمعتهما لك في الآخرة قال بل أجمعهما لي في الآخرة فنزلت تبارك الذي شاء جعل لك خيرا من ذلك الآية
قال أبو جعفر : تبارك : تفاعل من البركة ، كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا بشر بن عمارة ، قال : ثنا أبو روق عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : تبارك : تفاعل من البركة ، وهو كقول القائل : تقدس ربنا ، فقوله " تبارك الذي نزل الفرقان " يقول الذي نزل الفصل بين الحق والباطل ، فصلا بعد فصل ، وسورة بعد سورة ، على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ، ليكون محمد لجميع الجن والإنس ، الذي بعثه الله إليهم داعيا إليه ، نذيرا : يعني منذرا ينذرهم عقابه ، ويخوفهم عذابه ، إن لم يوحدوه ، ولم يخلصوا له العبادة ، ويخلعوا كل ما دونه من الآلهة والأوثان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " قال النبي النذير ، وقرأ " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " فاطر : 24 وقرأ " وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون " الشعراء : 208 قال : رسل ، قال : المنذرون : الرسل قال : وكان نذيرا واحدا بلغ ما بين المشرق والمغرب ، ذو القرنين ن ثم بلغ السدين ، وكان نذيرا ، ولم أسمع أحدا يحق أنه كان نبيا " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " الأنعام : 19 قال : من بلغه القرآن من الخلق ، فرسول الله نذيره ، وقرأ " يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " الأعراف : 158 وقال : لم يرسل الله رسول إلى الناس عامة إلا نوحا ، بدأ به الخلق ، فكان رسول أهل الأرض كلهم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ختم به .
مكية كلها في قول الجمهور . وقال ابن عباس و قتادة : إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي : " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " إلى قوله : " وكان الله غفورا رحيما " وقال الضحاك : هي مدنية ، وفيها آيات مكية ، قوله : " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " الآيات .
ومقصود هذه السورة ذكر موضع عضم القرآن ، وذكر مطاعن الكفار في لانبوة والرد على مقالاتهم وجهالاتهم ، فمن جملتها وقولهم : إن القرآن افتراه محمد ، وإنه ليس من عند الله .
قوله تعالى : " تبارك الذي نزل الفرقان " (تبارك )اختلف في معناه ، فقال الفراء : هو في العربية و( تقدس )واحد ، وهما للعظمة . وقال الزجاج : تبارك تفاعل من البركة . قال : ومعنى البركة الكثير من كل ذي خير . وقيل : (تبارك )تعالى . وقيل : تعالى عطاؤه ، أي زاد وكثر . وقيل : المعنى دام وثبت إنعامه . قال النحاس : وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق ، من برك الشء إذا ثبت ، ومنه برك الجمل والطير على الماء ، أي دام وثبت . فأما القول الأول فمخلط ، لأن التقديس إنما هو من الطهارة وليس من ذا في شيء . قال الثعلبي : ويقال تبارك الله ، ولا يقال متبارك ولا مبارك ، لأنه ينتهي في أسمائه وصفاته إلى حيث ورد التوقيف . وقال الطرماح :
تباركت لا معط ليشء منعته وليس لما أعطيت يا رب مانع
وقال آخر : قلت قد ذكر بعض المعلماء في أسمائه الحسنة ( المبارك ) وذكرناه أيضا في كتابنا . فإن كان وقع اتفاق على أنه لا يقال فيسسلم للإجماع ، وإن كان وقع فيه اختلاف فكثير من الأسماء اختلف في عده ، كالدهر وغيره . وقد نبهنا على ذلك هنالك ، والحمد لله .
و( الفرقان ) القرآن . وقيل : إنه اسم لكل منزل ، كما قال : " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان " [ الأنبياء : 48] وفي تسميته فرقاناً وجهان : أحدكهما : لأنه فرق بين الحق والباطل ، والمؤمن والكافر . والثاني : لأنه فيه بيان ما شرع من حلال وحرام ، حكاه النقاش . " على عبده " يريد محمداً صلى الله عليه وسلم . " ليكون للعالمين نذيرا " اسم (يكون )فيها مضمر يعود على " عبده " وهو أولى لأنه أقرب إليه . ويجوز أن يكون يعود على ( الفرقان ) . وقرأ عبد الله بن الزبير : " على عباده " . ويقال : أنذر المنذر ، والنذير الإنذار والمراد بـ" العالمين " هنا الإنس والجن ، لأنه النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسولاً إليهما ، ونذيراً لهما ،وأنه خاتم الأنبياء ، ولم يكن غيره عام الرسالة إلا نوح فإنه عم برسالته جميع الإنس بعد الطوفان ، لأنه بدأ به الخلق .
سورة الفرقان
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى حامداً لنفسه الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القرآن العظيم, كما قال تعالى: " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات " الاية, وقال ههنا "تبارك" وهو تفاعل من البركة المستقرة الثابتة الدائمة "الذي نزل الفرقان" نزل فعل من التكرر والتكثر كقوله "والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل" لأن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة, والقرآن نزل منجماً مفرقاً مفصلاً آيات بعد آيات, وأحكاماً بعد أحكام, وسوراً بعد سور, وهذا أشد وأبلغ وأشد اعتناء بمن أنزل عليه, كما قال في أثناء هذه السورة " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " ولهذا سماه ههنا الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال, والغي والرشاد والحلال والحرام.
وقوله "على عبده" هذه صفة مدح وثناء لأنه أضافه إلى عبوديته, كما وصفه بها في أشرف أحواله وهي ليلة الإسراء, فقال "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً" وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه "وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً" وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه, فقال "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً". وقوله "ليكون للعالمين نذيراً" أي إنما خصه بهذا الكتاب المفصل العظيم المبين المحكم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" الذي جعله فرقاناً عظيماً إنما خصه به ليخصه بالرسالة إلى من يستظل بالخضراء ويستقل على الغبراء, كما " قال صلى الله عليه وسلم : بعثت إلى الأحمر والأسود" . وقال :" أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي فذكر منهن أنه : كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ", كما قال تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" الاية, أي الذي أرسلني هو مالك السموات والأرض الذي يقول للشيء كن فيكون وهو الذي يحيي ويميت, وهكذا قال ههنا "الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك" ونزه نفسه عن الولد وعن الشريك. ثم أخبر أنه "خلق كل شيء فقدره تقديراً" أي كل شيء مما سواه مخلوق مربوب, وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه, وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره.
هي سبع وسبعون آية
وهي مكية كلها في قول الجمهور، وكذا أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه من طرق عن ابن عباس. وأخرجه ابن مردويه عن ابن الزبير. قال القرطبي: وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة، وهي "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر" الآيات. وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال: " سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمتعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، أقرئنا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، ثم قال: أقرئنا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه".
تكلم سبحانه في هذه السورة على التوحيد لأنه أقدم وأهم، ثم في النبوة لأنها الواسطة، ثم في المعاد لأنه الخاتمة. وأصل تبارك مأخوذ من البركة، وهي النماء والزيادة، حسية كانت أو عقلية. قال الزجاج: تبارك تفاعل، من البركة. قال: ومعنى البركة: الكثرة من كل ذي خير، وقال الفراء: إن تبارك وتقدس في العربية واحد، ومعناهما العظمة. وقيل المعنى: تبارك عطاؤه: أي زاد وكثر، وقيل المعنى: دام وثبت. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة، والاشتقاق من برك الشيء إذا ثبت، ومنه برك الجمل: أي دام وثبت. واعترض ما قاله الفراء بأن التقديس غنما هو من الطهارة، وليس من ذا في شيء. قال العلماء: هذه اللفظة لا تستعمل إلا لله سبحانه ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي، والفرقان القرآن، وسمي فرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل بأحكامه، أو بين المحق والمبطل، والمراد بعبده نبينا صلى الله عليه وسلم. ثم علل التنزيل "ليكون للعالمين نذيراً" فإن النذارة هي الغرض المقصود من الإنزال، والمراد محمد صلى الله عليه وسلم أو الفرقان، والمراد بالعالمين هنا الإنس والجن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إليهما، ولم يكن غيره من الأنبياء مرسلاً إلى الثقلين، والنذير: المنذر: أي ليكون محمد منذراً أو ليكون إنزال القرآن منذراً، ويجوز أن يكون النذير هنا بمعنى المصدر للمبالغة: أي ليكون إنزاله إنذاراً، أو ليكون محمد إنذاراً، وجعل الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم أولى، لأن صدور الإنذار منه حقيقة ومن القرآن مجاز، والحمل على الحقيقة أولى ولكونه أقرب مذكور. وقيل إن رجوع الضمير إلى الفرقان أولى لقوله تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" ثم إنه سبحانه وصف نفسه بصفات أربع.
1- "تبارك"، من البركة. عن ابن عباس: معناه: جاء بكل بركة، دليله قول الحسن: مجىء البركة من قبله. وقال الضحاك: تعظم، "الذي نزل الفرقان"، أي: القرآن، "على عبده"، محمد صلى الله عليه وسلم. "ليكون للعالمين نذيراً"، أي: للجن والإنس. قبل: النذير هو القرآن. وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم.
1ـ " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده " تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير ، أو تزايد على كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله ، فإن البركة تتضمن معنى الزيادة ، وترتيبه عن إنزاله " الفرقان " لما فيه من كثرة الخير أو لدلالته على تعاليه . وقيل دام من بروك الطير على الماء ومنه البركة لدوام الماء فيها ، وهو لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى و " الفرقان " مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما سمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل بتقريره أو المحق والمبطل بإعجازه أو لكونه مفصولاً بعضه عن بعض في الإنزال ، وقرئ (( على عباده )) وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته كقوله تعالى : " ولقد أنزلنا إليكم آيات " أو الأنبياء على أن " الفرقان " اسم جنس للكتب السماوية . " ليكون " العبد أو الفرقان . " للعالمين " للجن والأنس . " نذيراً " منذراً أو إنذاراً كالنكير بمعنى الإنكار ، هذه الجملة وإن لم تكن معلومة لكنها لقوة دليلها أجريت مجرى المعلوم وجعلت صلة .
Surah 25. Al-Furqan
1. Blessed is He Who hath revealed unto His slave the Criterion (of right and wrong), that he may be a warner to the peoples.
SURA 25: FURQAN
1 - Blessed is He Who sent down the Criterion to His Servant, that it may be an admonition to all creatures;