[النور : 52] وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
52 - (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله) يخافه (ويتقه) بسكون الهاء وكسرها بأن يطيعه (فأولئك هم الفائزون) بالجنة
يقول تعالى ذكره : ومن يطع الله ورسوله فيما أمره ونهاه ، ويسلم لحكمهما له وعليه، ويخف عاقبة معصية الله ويحذره ، ويتق عذاب الله بطاعته إياه في أمره ونهيه " فأولئك " يقول : فالذين يفعلون ذلك ، هم الفائزون برضا الله عنهم يوم القيامة ، وأمنهم من عذابه .
قوله تعالى: " ومن يطع الله ورسوله " فيما أمر به وحكم. " ويخش الله ويتقه " قرأ حفص " ويتقه " بإسكان القاف على نية الجزم، قال الشاعر:
ومن يتق فإن الله معه ورزق الله مؤتاب وغادي
وكسرها الباقون، لأن جزمه بحذف آخره، وأسكن الهاء أبو عمرو وأبو بكر. واختلس الكسرة يعقوب وقالون عن نافع والبستي عن أبي عمرو وحفص. وأشبع كسرة الهاء الباقون. " فأولئك هم الفائزون " ذكر أسلم أن عمر بينما هو قائم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رجل من دهاقين الروم قائم على رأسه وهو يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فقال له عمر: ما شأنك؟ قال: أسلمت لله. قال: هل لهذا سبب! قال: نعم! إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل وكثيراً من كتب الأنبياء، فسمعت أسيراً يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما في الكتب المتقدمة، فعلمت أنه من عند الله فأسلمت. قال: ما هذه الآية؟قال قوله تعالى: " ومن يطع الله " في الفرائض " ورسوله " في السنن " ويخش الله " فيما مضى من عمره " ويتقه " فيما بقي من عمره " فأولئك هم الفائزون " والفائز من نجا من النار وأدخل الجنة. فقال عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أوتيت جوامع الكلم ".

يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون, يقولون قولاً بألسنتهم "آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك" أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون, ولهذا قال تعالى: "وما أولئك بالمؤمنين". وقوله تعال: "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم" الاية, أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه, وهذه كقوله تعالى: " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ". وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء عن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً "من دعي إلى سلطان فلم يجب, فهو ظالم لا حق له".
وقوله تعالى: "وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين" أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم جاؤوا سامعين مطيعين, وهو معنى قوله "مذعنين" وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق, وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ثم فإذعانه أولاً لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق, بل لأنه موافق لهواه, ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره, ولهذا قال تعالى: "أفي قلوبهم مرض" الاية, يعني لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها أو قد عرض لها شك في الدين, أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم, وأيا ما كان فهو كفر محض, والله عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من هذه الصفات.
وقوله تعالى: "بل أولئك هم الظالمون" أي بل هم الظالمون الفاجرون, والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور تعالى الله ورسوله عن ذلك. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا مبارك , حدثنا الحسن قال: كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق, أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق, وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض وقال: انطلق إلى فلان, فأنزل الله هذه الاية فقال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان بينه وبين أخيه شيء فدعي إلى حكم من أحكام المسلمين فأبى أن يجيب, فهو ظالم لا حق له" وهذا حديث غريب, وهو مرسل.
ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله الذين لا يبغون ديناً سوى كتاب الله وسنة رسوله, فقال "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا" أي سمعاً وطاعة.ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح, وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب, فقال تعالى: "وأولئك هم المفلحون" وقال قتادة في هذه الاية "أن يقولوا سمعنا وأطعنا" ذكر لنا أن عبادة بن الصامت , وكان عقبياً بدرياً أحد نقباء الأنصار, أنه لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية : ألا أنبئك بماذا عليك وماذا لك ؟ قال: بلى. قال: فإن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك, وعليك أن تقيم لسانك بالعدل, وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحاً, فما أمرت به من شيء يخالف كتاب الله, فاتبع كتاب الله.
وقال قتادة : ذكر لنا أن أبا الدرداء قال: لا إسلام إلا بطاعة الله, ولا خير إلا في جماعة, والنصيحة لله ولرسوله وللخليفة وللمؤمنين عامة, قال: وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: عروة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين, رواه ابن أبي حاتم , والأحاديث والاثار في وجوب الطاعة لكتاب الله وسنة رسوله وللخلفاء الراشدين والأئمة إذا أمروا بطاعة الله كثير جداً أكثر من أن تحصر في هذا المكان.
وقوله "ومن يطع الله ورسوله" أي فيما أمراه به, وترك ما نهياه عنه, ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل. وقوله "فأولئك هم الفائزون" يعني الذين فازوا بكل خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والاخرة.
ثم أردف الثناء عليهم بثناء آخر فقال: 52- "ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون" وهذه الجملة مقررة لما قبلها من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم إلى الدخول في عدادهم والمتابعة لهم في طاعة الله ورسوله والخشية من الله عز وجل والتقوى له. قرأ حفص "ويتقه" بإسكان القاف على نية الجزم. وقرأ الباقون بكسرها، لأن جزم هذا الفعل بحذف آخره، وأسكن الهاء أبو عمرو وأبو بكر واختلس الكسرة يعقوب وقالون عن نافع والمثنى عن أبي عمرو وحفص وأشبع كسرة الهاء الباقون. قال ابن الأنباري: وقراءة حفص هي على لغة من قال: لم أر زيداً، ولم أشتر طعاماً يسقطون الياء للجزم ثم يسكنون الحرف الذي قبلها، ومنه قول الشاعر:
‌‌قالت سليمى اشتر لنا دقيقا
وقول الآخر:
عجبت لمولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان
وأصله يلد بكسر اللام وسكون الدال للجزم، فلما سكن اللام التقى ساكنان، فلوحرك الأول لرجع إلى ما وقع الفرار منه، فحرك ثانيهما وهو الدال. ويمكن أن يقال إنه حرك الأول على أصل التقاء الساكنين وبقي السكون على الدال لبيان ما عليه أهل هذه اللغة ولا يضر الرجوع إلى ما وقع الفرار منه، فهذه الحركة غير تلك الحركة والإشارة بقوله: "فأولئك هم الفائزون" إلى الموصوفين بما ذكر من الطاعة والخشية والتقوى أي هم الفائزون بالنعيم الدنيوي والأخروي لا من عداهم.
52- "ومن يطع الله ورسوله"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فما ساءه وسره " يخشى الله " على ما عمل من الذنوب. "ويتقه"، فما بعد، "فأولئك هم الفائزون"، الناجون قرأ أبو عمرو وأبو بكر يتقه ساكنة الهاء، ويختلسها أبو جعفر ويعقوب وقالون، كما في نظائرها ويشبعها الباقون كسراً، وقرأ حفص يتقه بسكون القاف واختلاس الهاء، وهذه اللغة إذا سقطت الياء للجزم يسكنون ما قبلها، يقولون: لم أشتر طعاماً، بسكون الراء.
52 -" ومن يطع الله ورسوله " فيما يأمرانه أو في الفرائض والسنن . " ويخش الله " على ما صدر عنه من الذنوب . " ويتقه " فيما بقي من عمره ، وقرأ يعقوب و قالون عن نافع بلا ياء و أبو بكر و أبو عمرو بسكون الهاء ، و حفص بسكون القاف فشبه تقه بكتف وخفف والهاء ساكنة في الوقف بالاتفاق . " فأولئك هم الفائزون " بالنعيم المقيم .
52. He who obeyeth Allah and His messenger, and feareth Allah, and keepeth duty (unto Him): such indeed are the victorious.
52 - It is such as obey God and His Apostle, and fear God and do right, that will win (in the end).