[النور : 38] لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ
38 - (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا) أي ثوابه وأحسن بمعنى حسن (ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) يقال فلان ينفق بغير حساب أي يوسع كأنه لا يحسب ما ينفقه
وقوله " ليجزيهم الله أحسن ما عملوا " يقول : فعلوا ذلك ، يعين أنهم لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأطاعوا ربهم مخافة عذابه يوم القيامة ، كي يثيبهم الله يوم القيامة بأحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، ويزيدهم على ثوابه إياهم على أحسن أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، من فضله ، فيفضل عليه من عنده ، بما أحب من كرامته لهم . وقوله " والله يرزق من يشاء بغير حساب " : يقول تعالى ذكره : يتفضل على من يشاء وأراد ، من طوله وكرامته ، مما لم يستحقه بعمله ، ولم يبلغه بطاعته " بغير حساب " يقول : بغير محاسبة على ما بذلك له وأعطاه .
" ليجزيهم الله أحسن ما عملوا " فذكر الجزاء على الحسنات، ولم يذكر الجزاء على السيئات وإن كان يجازي عليها لأمرين: أحدهما: أنه ترغيب، فاقتصر على ذكر الرغبة. الثاني: أنه في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر، فكانت صغائرهم مغفورة. " ويزيدهم من فضله " يحتمل وجهين: أحدهما: ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها. الثاني: ما يتفضل به من غير جزاء. " والله يرزق من يشاء بغير حساب " أي من غير أن يحاسبه على ما أعطاه، إذ لا نهاية لعطائه." وروي أنه لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء، فحضر عبد الله بن رواحة فقال:
يا رسول الله، قد أفلح من بنى المساجدا؟ قال: نعم يا ابن رواحة قال: وصلى فيها قائماً وقاعداً؟ قال: نعم يا ابن رواحة قال: ولم يبت لله إلا ساجداً؟ قال: نعم يا ابن رواحة. كف عن السجع فما أعطى عبد شيئاً شراً من طلاقة في لسانه "، ذكره الماوردي .
لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب وذلك كالقنديل, ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض وهي بيوته التي يعبد فيها ويوحد فقال تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع" أي أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها. كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاية الكريمة "في بيوت أذن الله أن ترفع" قال نهى الله سبحانه عن اللغو فيها, وكذا قال عكرمة وأبو صالح والضحاك ونافع بن جبير وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وسفيان بن حسين وغيرهم من العلماء المفسرين.
وقال قتادة : هي هذه المساجد أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وأخر بعمارتها ورفعها وتطهيرها. وقد ذكر لنا أن كعباً كان يقول: مكتوب في التوراة ألا إن بيوتي في الأرض المساجد وإنه من توضأ فأحسن وضوءه ثم زارني في بيتي أكرمته وحق على المزور كرامة الزائر رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره. وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد واحترامها وتوقيرها وتطييبها وتبخيرها وذلك له محل مفرد يذكر فيه وقد كتبت في ذلك جزءاً على حدة, و لله الحمد والمنة, ونحن بعون الله تعالى نذكر هاهنا طرفاً من ذلك إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان, فعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" أخرجاه في الصحيحين .
وروى ابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بنى مسجداً يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتاً في الجنة" و للنسائي عن عمرو بن عنبسة مثله, والأحاديث في هذا كثيرة جداً, وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب. رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي , ولأحمد وأبي داود عن سمرة بن جندب نحوه, وقال البخاري : قال عمر : ابن للناس ما يكنهم, وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس, وروى ابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم" وفي إسناده ضعف.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أمرت بتشييد المساجد" قال ابن عباس أزخرفها كما زخرفت اليهود والنصارى. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". رواه أحمد وأهل السنن إلا الترمذي . وعن بريدة أن رجلاً أنشد في المسجد فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له" رواه مسلم , وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد " . رواه أحمد وأهل السنن وقال الترمذي حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد, فقولوا لا أربح الله تجارتك, وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا رد الله عليك" رواه الترمذي وقال حسن غريب, وقد روى ابن ماجه وغيره من حديث ابن عمر مرفوعاً قال: خصال لا تنبغي في المسجد: لا يتخذ طريقاً ولا يشهر فيه سلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد ولا يقتص فيه أحد ولا يتخذ سوقاً, وعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "جنبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع" ورواه ابن ماجه أيضاً وفي إسنادهما ضعف, أما أنه لا يتخذ طريقاً فقد كره بعض العلماء المرور فيه إلا لحاجة إذا وجد مندوحة عنه, وفي الأثر إن الملائكة لتتعجب من الرجل يمر بالمسجد لا يصلي فيه, وأما أنه لا يشهر فيه السلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل, فلما يخشى من إصابة بعض الناس به لكثرة المصلين فيه, ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر أحد بسهام أن يقبض على نصالها لئلا يؤذي أحداً, كما ثبت ذلك في الصحيح , وأما النهي عن المرور باللحم النيء فيه فلما يخشى من تقاطر الدم منه كما نهيت الحائض عن المرور فيه إذا خافت التلويث, وأما أنه لا يضرب فيه حد أو يقتص فلما يخشى من إيجاد النجاسة فيه من المضروب أو المقطوع, وأما أنه لا يتخذ سوقاً فلما تقدم من النهي عن البيع والشراء فيه فإنه إنما بني لذكر الله والصلاة فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد "إن المساجد لم تبن لهذا, إنما بنيت لذكر الله والصلاة فيها" ثم أمر بسجل من ماء فأهريق على بوله. وفي الحديث الثاني "جنبوا مساجدكم صبيانكم" وذلك لأنهم يلعبون فيه ولا يناسبهم, وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى صبياناً يلعبون في المسجد ضربهم بالمخفقة وهي الدرة, وكان يفتش المسجد بعد العشاء فلا يترك فيه أحداً "ومجانينكم" يعني لأجل ضعف عقولهم وسخر الناس بهم فيؤدي إلى اللعب فيها ولما يخشى من تقذيرهم المسجد ونحو ذلك "وبيعكم وشراءكم" كما تقدم "وخصوماتكم" يعني التحاكم والحكم فيه, ولهذا نص كثير من العلماء على أن الحاكم لا ينتصب لفصل الأقضية في المسجد بل يكون في موضع غيره لما فيه من كثرة الحكومات والتشاجر والالفاظ التي لا تناسبه, ولهذا قال بعده "ورفع أصواتكم".
وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله , حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن قال: حدثني يزيد بن حفصة عن السائب بن يزيد الكندي قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فائتني بهذين فجئته بهما فقال من أنتما ؟ أو من أين أنتما ؟ قالا من أهل الطائف. قال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال النسائي : حدثنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمع عمر صوت رجل في المسجد فقال: أتدري أين أنت ؟ وهذا أيضاً صحيح. وقوله "وإقامة حدودكم وسل سيوفكم" تقدما. وقوله "واتخذوا على أبوابها المطاهر" يعني المراحيض التي يستعان بها على الوضوء وقضاء الحاجة. وقد كانت قريباً من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم آبار يستقون منها فيشربون ويتطهرون ويتوضؤون وغير ذلك.
وقوله "وجمروها في الجمع" يعني بخروها في أيام الجمع لكثرة اجتماع الناس يومئذ, وقد قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة. إسناده حسن لا بأس به والله أعلم, وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً" وذلك أنه إذا توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة. فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه,اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة. وعند الدار قطني مرفوعاً "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وفي السنن "بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة" ويستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ برجله اليمنى وأن يقول كما ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد يقول "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم, وسلطانه القديم, من الشيطان الرجيم" (قال: أقط قال نعم) قال فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم.
وروى مسلم بسنده عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك فضلك" ورواه النسائي عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم. وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم" ورواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن حسين عن أمه فاطمة بنت حسين عن جدتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ثم قال: "اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك" وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال "اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" ورواه الترمذي وابن ماجه , وقال الترمذي هذا حديث حسن, وإسناده ليس بمتصل لأن فاطمة بنت حسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى فهذا الذي ذكرناه مع ما تركناه من الأحاديث الواردة في ذلك كله محاذرة الطول داخل في قوله تعالى "في بيوت أذن الله أن ترفع".
وقوله "ويذكر فيها اسمه" أي اسم الله كقوله "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" وقوله "وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين" وقوله "وأن المساجد لله" الاية. وقوله تعالى: "ويذكر فيها اسمه" قال ابن عباس يعني فيها يتلى كتابه, وقوله تعالى: " يسبح له فيها بالغدو والآصال " أي في البكرات والعشيات. والاصال جمع أصيل وهو آخر النهار. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : كل تسبيح في القرآن هو الصلاة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني بالغدو صلاة الغداة ويعني بالاصال صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما وأن يذكر بهما عباده. وكذا قال الحسن والضحاك " يسبح له فيها بالغدو والآصال " يعني الصلاة, ومن قرأ من القراء " يسبح له فيها بالغدو والآصال " بفتح الباء من "يسبح" على أنه مبني لما لم يسم فاعله وقف على قوله " والآصال " وقفا تاما وابتدأ بقوله "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" وكأنه مفسر للفاعل المحذوف كما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح
كأنه قال: من يبكيه ؟ قال هذا يبكيه, وكأنه قيل من يسبح له فيها ؟ قال رجال. وأما على قراءة من قرأ "يسبح" بكسر الباء فجعله فعلاً وفاعله "رجال" فلا يحسن الوقف إلا على الفاعل لأنه تمام الكلام فقوله تعالى: "رجال" فيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عماراً للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه كما قال تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" الاية, وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن لما رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها, وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان , حدثنا رشدين , حدثني عمرو عن أبي السمح عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير مساجد النساء قعر بيوتهن" وقال أحمد أيضاً: حدثنا هارون , أخبرني عبد الله بن وهب , حدثنا داود بن قيس عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي, وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك, وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك, وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك, وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي" قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه فكانت والله تصلي فيه حتى لقيت الله تعالى, لم يخرجوه. هذا ويجوز لها شهود جماعة الرجال بشرط أن لا تؤذي أحداً من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب, كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" رواه البخاري ومسلم , ولأحمد وأبي داود "وبيوتهن خير لهن". وفي رواية "وليخرجن وهن تفلات" أي لا ريح لهن. وقد ثبت في صحيح مسلم عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً". وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس, وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بين إسرائيل.
وقوله تعالى: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" كقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله" الاية. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" الاية, يقول تعالى لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم, والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم, لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق, ولهذا قال تعالى: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" أي يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم, قال هشيم عن شيبان قال: حدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوماً من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة, فقال عبد الله بن مسعود : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" الاية, وهكذا روى عمرو بن دينار القهرماني عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة, فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر : فيهم نزلت "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا محمد بن عبد الله بن بكير الصنعاني , حدثنا أبو سعيد مولى بن هاشم , حدثنا عبد الله بن بجير , حدثنا أبو عبد ربه قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني قمت على هذا الدرج أبايع عليه, أربح كل يوم ثلثمائة دينار, أشهد الصلاة في كل يوم في المسجد, أما إني لا أقول إن ذلك ليس بحلال, ولكني أحب أن أكون من الذين قال الله فيهم "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" وقال عمرو بن دينار الأعور : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم, فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد, فتلا سالم هذه الاية "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" ثم قال, هم هؤلاء, وكذا قال سعيد بن أبي الحسن والضحاك : لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها. وقال مطر الوراق : كانوا يبيعون ويشترون, ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" يقول عن الصلاة المكتوبة, وكذا قال مقاتل بن حيان والربيع بن أنس . وقال السدي : عن الصلاة في جماعة. وقال مقاتل بن حيان : لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله, وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها. وقوله تعالى: "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" أي يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار, أي من شدة الفزع وعظمة الأهوال, كقوله " وأنذرهم يوم الآزفة " الاية.
وقوله "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" وقال تعالى: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ". وقوله تعالى ههنا: "ليجزيهم الله أحسن ما عملوا" أي هؤلاء من الذين يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم. وقوله "ويزيدهم من فضله" أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم, كما قال تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" الاية, وقال تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" الاية, وقال "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" الاية, وقال "والله يضاعف لمن يشاء" وقال ههنا "والله يرزق من يشاء بغير حساب". وعن ابن مسعود أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واحداً واحداً, فكلهم لم يشربه لأنه كان صائماً, فتناوله ابن مسعود فشربه لأنه كان مفطراً, ثم تلا قوله "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" رواه النسائي وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه.
وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا سويد بن سعيد , حدثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق , عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جمع الله الأولين والاخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم, ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله, فيقومون وهم قليل, ثم يحاسب سائر الخلائق" وروى الطبراني من حديث بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن أبي وائل , عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" قال: أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة لمن صنع لهم المعروف في الدنيا.
38-"ليجزيهم الله أحسن ما عملوا" متعلق بمحذوف: أي يفعلون ما يفعلون من التسبيح والذكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة "ليجزيهم الله أحسن ما عملوا": أي أحسن جزاء أعمالهم حسبما وعدهم من تضعيف ذلك إلى عشرة أمثاله وإلى سبعمائة ضعف، وقيل المراد بما في هذه الآية ما يتفضل سبحانه به عليهم زيادة على ما يستحقونه، والأول أولى لقوله: "ويزيدهم من فضله" فإن المراد به التفضل عليهم بما فوق الجزاء الموعود به "والله يرزق من يشاء بغير حساب" أي من غير أن يحاسبه على ما أعطاه، أو أن عطاءه سبحانه لا نهاية له،والجملة مقررة لما سبقها من الوعد بالزيادة.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "الله نور السموات والأرض" قال: يدبر الأمر فيهما نجومهما وقمرهما. وأخرج الفريابي عنه في قوله: "الله نور السموات والأرض مثل نوره" الذي أعطاه المؤمن "كمشكاة" وقال في تفسير: "زيتونة لا شرقية ولا غربية" إنها التي في سفح جبل لا تصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت "يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور" فذلك مثل قلب المؤمن نور على نور. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن الشعبي قال: في قراءة أبي بن كعب مثل نور المؤمن كمشكاة. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية قال: يقول مثل نور من آمن بالله كمشكاة، وهي الكوة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "مثل نوره" قال: هي خطأ من الكاتب هو أعظم من أن يكون مثل نوره المشكاة، قال: مثل نور المؤمن كمشكاة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضاً "الله نور السموات والأرض" قال: هادي أهل السموات والأرض "مثل نوره" مثل هداه في قلب المؤمن "كمشكاة" يقول موضع الفتيلة كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءاً على ضوئه، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدىً على هدى ونوراً على نور، وفي إسناده علي بن أبي طلحة، وفيه مقال. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي بن كعب "الله نور السموات والأرض مثل نوره" قال: هو المؤمن الذي قد جعل الإيمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله، فقال: "نور السموات والأرض مثل نوره" فبدأ بنور نفسه، ثم ذكر نور المؤمن، فقال مثل نور من آمن به، فكان أبي بن كعب يقرأها مثل نور من آمن به فهو المؤمن، جعل الإيمان والقرآن في صدره "كمشكاة" قال: فصدر المؤمن المشكاة "فيها مصباح المصباح" النور، وهو القرآن والإيمان الذي جعل في صدره "في زجاجة" و "الزجاجة" قلبه "كأنها كوكب دري" يقول كوكب مضيء "يوقد من شجرة مباركة" والشجرة المباركة: أصل المبارك الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له "زيتونة لا شرقية ولا غربية" قال: فمثله كمثل شجرة التفت بها الشجر، فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أي حال كانت، لا إذا طلعت ولا إذا غربت، فكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يضله شيء من الفتن. وأخرج ابن أبي جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن اليهود قالوا لمحمد: كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره فقال: "الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة" المشكاة كوة البيت فيها مصباح، وهو السراج يكون في الزجاجة، وهو مثل ضربه الله لطاعته، فسمى طاعته نوراً، ثم سماها أنواعاً شتى "لا شرقية ولا غربية" قال: وهي وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت، وذلك أجود الزيت "يكاد زيتها يضيء" بغير نار "نور على نور" يعني بذلك إيمان العبد وعلمه "يهدي الله لنوره من يشاء" وهو مثل المؤمن. وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر في قوله: "كمشكاة فيها مصباح" قال: المشكاة في جوف محمد صلى الله عليه وسلم، والزجاجة قلبه، والمصباح النور الذي في قلبه "يوقد من شجرة مباركة" الشجرة إبراهيم "زيتونة لا شرقية ولا غربية" لا يهودية ولا نصرانية، ثم قرأ "ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن شمر بن عطية قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال حدثني عن قوله الله: "الله نور السموات والأرض مثل نوره" قال: مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم كمشكاة قال: المشكاة الكوة ضربها الله مثلاً لقمة فيها مصباح، والمصباح قلبه "المصباح في زجاجة" والزجاجة صدره "كأنها كوكب دري" شبه صدر محمد صلى الله عليه وسلم بالكوكب الدري، ثم رجع المصباح إلى قلبه فقال: " يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء " قال: يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي، كما يكاد الزيت أن يضيء ولو لم تمسسه نار.
وأقول: إن تفسير النظم القرآني بهذا ونحوه مما تقدم عن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ليس على ما تقتضيه لغة العرب، ولا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجوز العدول عن المعنى العربي إلى هذه المعاني التي هي شبيهة بالألغاز والتعمية، ولكن هؤلاء الصحابة ومن وافقهم ممن جاء بعدهم استبعدوا تمثيل نور الله سبحانه بنور المصباح في المشكاة، ولهذا قال ابن عباس: هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة كما قدمنا عنه، ولا وجه لهذا الاستبعاد. فإنا قد قدمنا في أول البحث ما يرفع الإشكال ويوضح ما هو المراد على أحسن وجه وأبلغ أسلوب، وعلى ما تقتضيه لغة العرب ويفيده كلام الفصحاء، فلا وجه للعدول عن الظاهر، لا من كتاب ولا من سنة ولا من لغة. وأما ما حكي عن كعب الأحبار في هذا كما قدمنا، فإن كان هو سبب عدول أولئك الصحابة الأجلاء عن الظاهر في تفسير الآية، فليس مثل كعب رحمه الله ممن يقتدى به في مثل هذا. وقد نبهناك فيما سبق أن تفسير الصحابي إذا كان مستنده الرواية عن أهل الكتاب كما يقع ذلك كثيراً، فلا تقوم به الحجة ولا يسوغ لأجله العدول عن التفسير العربي، نعم إن صحت قراءة أبي بن كعب، كانت هي المستند لهذه التفاسير المخالفة للظاهر، وتكون كالزيادة المبينة للمراد، وإن لم تصح فالوقوف على ما تقتضيه قراءة الجمهور من السبعة وغيرهم ممن قبلهم وممن بعدهم هو المتعين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "في بيوت أذن الله أن ترفع" قال: هي المساجد تكرم وينهى عن اللغو فيها، ويذكر فيها اسم الله، يتلى فيها كتابه "يسبح له فيها بالغدو والآصال" صلاة الغداة وصلاة العصر، وهما أول ما فرض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما ويذكر بهما عباده. وقد ورد في تعظيم المساجد وتنزيهها عن القذر واللغو وتنظيفها وتطبيقها أحاديث ليس هذا موضع ذكرها. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غواص في قوله: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" قال: هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله. وأخرج ابن مردويه والديلمي عن ابن سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" قال: هم الذي يبتغون من فضل الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية، قال: كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون، فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما في أيديهم وقاموا إلى المسجد فصلوا. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في الشعب عنه في الآية، قال: ضرب الله هذا المثل قوله: "كمشكاة" لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وكانوا أتجر الناس وأبيعهم، ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً عن ذكر الله قال: عن شهود الصلاة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر. أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم، ثم دخلوا المسجد، فقال ابن عمر فيهم نزلت: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أنه رأى ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم، فقال: هؤلاء الذي قال الله فيهم: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله". وأخرج هناد بن السري في الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب ومحمد بن نصر في الصلاة عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله يوم القيامة الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي ينفذهم البصر، فيقوم مناد فينادي: أين الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يعود فينادي: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يعود فينادى: ليقم الذين كانوا لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يقوم سائر الناس فيحاسبون". وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر مرفوعاً نحوه.
38- "ليجزيهم الله أحسن ما عملوا"، يريد: أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا، أي بأحسن ما عملوا، يريد: يجزيهم بحسناتهم، وما كان من مساوئ أعمالهم لا يجزيهم بها، "ويزيدهم من فضله"، ما لم يستحقوه بأعمالهم، "والله يرزق من يشاء بغير حساب".
38 -" ليجزيهم الله " متعلق بيسبح أو لا تلهيهم أو يخافون . " أحسن ما عملوا " أحسن جزاء ما عملوا الموعود لهم من الجنة " ويزيدهم من فضله " أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم ولم تخطر ببالهم . " والله يرزق من يشاء بغير حساب " تقرير للزيادة وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان .
38. That Allah may reward them with the best of what they did, and increase reward for them of His bounty. Allah giveth blessings without stint to whom He will.
38 - That God may reward them according to the best of their deeds, and add even more for them out of His Grace: for God doth provide for those whom He will, without measure.