[النور : 30] قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
30 - (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) عما لايحل لهم نظره ومن زائدة (ويحفظوا فروجهم) عما لا يحل لهم فعله بها (ذلك أزكى) أي خير (لهم إن الله خبير بما يصنعون) بالأبصار والفروج فيجازيهم عليه
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " قل للمؤمنين " بالله وبك يا محمد " يغضوا من أبصارهم " يقول : يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه ، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه " ويحفظوا فروجهم " أن يراه من لا يحل له رؤيتها ، بلبس ما يسترها عن أبصارهم " ذلك أزكى لهم " يقول : فإن غضها من النظر عما لا يحل النظر إليه ، وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين ، أطهر لهم عند الله وأفض " إن الله خبير بما يصنعون " يقول : إن الله ذو خبرة بما تصنعون أيها الناس ، فيما أمركم به من غض أبصاركم عما أمركم بالغض عنه ، وحفظ فروجكم عن إظهارها لمن نهاكم عن إظهارها له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
0
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن سهل الرملي ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " قال : كل فرج ذكر حفظه في القرآن ، فهو من الزنا ، إلا هذه " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " فإنه يعني الستر .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" ..." وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " قال : يغضوا أبصارهم عما يكره الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " قال : يغض من بصره : أن ينظر إلى ما لا يحل له ، إذا رأى ما لا يحل له غض من بصره ، لا ينظر إليه ، ولا يستطيع أحد أن يغض بصره كله ، إنما قال الله : " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " .
القول في تأويل قوله تعالى " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن " .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " وقل " يا محمد " للمؤمنات " من أمتك " يغضضن من أبصارهن " عما يكره الله النظر إليه ، مما نهاكم عن النظر إليه " ويحفظن فروجهن " يقول : ويحفظن فروجهن عن أن يراها من لا يحل له رؤيتها ، بلبس ما يسترها عن أبصارهم .
وقوله : " ولا يبدين زينتهن " يقول تعالى ذكره : ولا يظهرن للناس الذين ليسوا لهن بمحرم زينتهن ، وهما زينتان : إحداهما : ما خفي ، وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد ، والأخرى : ما ظهر منها ، وذلك مختلف في المعنى منه بهذه الآية ، فكان بعضهم يقول : زينة الثياب الطاهرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون بن المغيرة ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود ، قال : الزينة زينتان : فالظاهرة منها : الثياب ، وما خفي : الخلخالان والقرطان والسواران .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني الثوري ، عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، أنه قال : " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " : قال : هي الثياب .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : الثياب .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله مثله .
قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن عبد الله ، مثله .
قال : ثنا سفيان ، عن علقمة ، عن إبراهيم ، في قوله " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " : قال : الثياب .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا بعض أصحابنا ، إما يونس ، وإما غيره ، عن الحسن ، في قوله : " إلا ما ظهر منها " قال : الثياب .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله " إلا ما ظهر منها " قال : الثياب .
قال أبو إسحاق : ألا ترى أنه قال : " خذوا زينتكم عند كل مسجد " الأعراف : 31 .
حدثنا القاسم ، ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : ثنا محمد بن الفضل ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن ابن مسعود " إلا ما ظهر منها " قال : هو الرداء .
وقال آخرون : الظاهر من الزينة التي أبيح لها أن تبديه : الكحل ، والخاتم ، والسواران ، والجه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مروان ، قال : ثنا مسلم الملائي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : الكحل والخاتم .
حدثنا عمروا بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا مروان ، عن مسلم الملائي ، عن سعيد بن جبير ، مثله . ولم يذكر ابن عباس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن أبي عبد الله نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الظاهر منها : الكحل والخدان .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير ، في قوله " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : الوجه والكف .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن عبد الله بن مسلم بن هرمز المكي ، عن سعيد بين جبير ، مثله .
حدثني علي بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا أبو عمرو عن عطاء في قول الله " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : الكفان والوجه .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن عدي عن سعيد ، عن قتادة قال : الكحل ، والسوران والخاتم .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها "قال : والزينة الظاهرة : الوجه ، وكحل العين ، وخضاب الكف ، والخاتم ، فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : المسكتان والخاتم والكحل ، قال قتادة : وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج يدها إلا إلى ها هنا ، وقبض نصف الذراع " .
حدثنا الحسن ، قال : أخرنا عبد الرزاق ، قال : اخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن رجل عن المسور بن مخرمة ، في قوله " إلا ما ظهر منها " قال : القلبين ، والخاتم ، والكحل : يعين السوار .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها "
قال : الخاتم والمسكة .
قال ابن جريج ، وقالت عائشة : القلب والفتخة ، قالت عائشة : دخلت على ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مزينة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعرض ، فقالت عائشة : يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية ، فقال : إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها ، وإلا ما دون هذا ، وقبض على ذراع نفسه ، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى . وأشار به أبو علي .
قال ابن جريج ، وقال مجاهد : قوله : " إلا ما ظهر منها " قال : الكحل والخضاب والخاتم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عاصم ، عن عامر " إلا ما ظهر منها " قال : الكحل ، والخضاب ، والثياب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " من الزينة : الكحل ، والخضاب والخاتم ، هكذا كانوا يقولون ، وهذا يراه الناس .
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سليمة ، قال : سئل الأوزاعي عن " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : الكفين والوجه .
حدثنا عمروا بن بندق ، قال : ثنا مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله " ولا يبدين زينتهن " قال : الكف والوجه .
وقال آخرون : عنى به الوجه والثياب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، قال : قال يونس " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال الحسن : الوجه والثياب .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، و عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، في قوله " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال : الوجه والثياب .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : عني بذلك : الوجه والكفان ، يدخل في ذلك إذا كان كذلك : الكحل ، والخاتم ، والسوار ، والخضاب .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل ، لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته ، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها ، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها ، إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبديه من ذراعها إلى قدر النصف . فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا ، كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجل ، لأن ما لم يكن عورة ، فغير حرام إظهاره . وإذا لها إظهار ذلك ، كان معلوما أنه مما استثناه الله تعالى ذكره ، بقوله : " إلا ما ظهر منها " لأن كل ذلك ظاهر منها .
وقوله : " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " يقول تعالى ذكره : وليلقين خمرهن ، وهي جمع خمار ، على جيوبهن ، ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وقرطهن .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا زيد بن حباب ، عن إبراهيم بن نافع ، قال : ثنا الحسن بن مسلم بن يناق ، عن صفية بنت شيبة ، عن عائشة ، قالت : لما نزلت هذه الآية " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " قال : شققن البرد مما يلي الحواشي ، فاختمرن به .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن قرة بن عبد الرحمن ، أخبره ، عن ابن شهاب عن عروة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : يرحم الله النساء المهاجرات الأول ! لما أنزل الله " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " شققن أكثف مروطهن ، فاختمرن به .
وقوله : " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن " يقول تعالى ذكره : " ولا يبدين زينتهن " التي هي غير ظاهرة ، بل الخفية منها ، وذلك الخلخال والقرط والدملج ، وما أمرت بتغطيته بخمارها نم فوق الجيب وما وراء ما أبيح لها كشفه وإبرازه في الصلاة وللأجنبيين من الناس ، والذراعين إلى فوق ذلك ، إلا لبعولتهن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن طلحة بن مصرف ، عن إبراهيم " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن " قال : هذه ما فوق الذراع .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، قال : سمعت رجلا يحدث عن طلحة ، عن إبراهيم ، قال في هذه الآية " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن " قال : ما فوق الجيب ، قال شعبة : كتب به منصور إلي ، وقرأته عليه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروة ، عن قتادة ، في قوله : " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن " قال : تبدي لهؤلاء الرأس .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال : " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن " إلى قوله " عورات النساء " قال : الزينة التي يبدينها لهؤلاء : قرطاها وقلادتها وسوارها ، فأما خلخالاها ومعضداها ونحرها وشعرها ، فإنه لا تبديه إلا لزوجها .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن مسعود في قوله : " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن " قال : الطوق والقرطين ، يقول الله تعالى ذكره : قل للمؤمنات الحرائر : لا يظهرن هذه الزينة الخفية ، التي ليست بالظاهرة ، إلا لبعولتهن ، وهم أزواجهن ، واحدهم : بعل ، أو لآبائهن ، أو لآباء بعولتهن ، يقول : أو لآباء أزواجهن ، أو لأبنائهن ، أو لأبناء بعولتهن ، أو لإخوانهن ، أو لبني إخوانهن ، ويعني بقوله " أو إخوانهن " أو لأخواتهن ، أو لبني إخوانهن ، أو بني إخواتهن ، أو نسائهن . قيل : عني بذلك نساء المسلمين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " أو نسائهن " قال : بلغني أنهن نساء المسلمين ، لا يحل لمسلمة أن تري مشركة عريتها ، إلا أن تكون أمة لها ، فذلك قوله : " أو ما ملكت أيمانهن " .
قال ثني حجاج ، قال : ثني عيسى بن يونس ، عن هشام بن الغزي ، عن عبادة بن نسي انه كره أن تقبل النصرانية المسلمة ، أو ترى عورتها ، ويتأول أو نسائهن .
قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن هشام عن عبادة ، قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح رحمة الله عليهما : أما بعد ، فقد بلغني أن نساء يدخلن الحمامات ومعهن نساء أهل الكتاب ، فامنع ذلك ، وحل دونه . قال : ثم إن أبا عبيدة قام في ذلك المقام مبتهلا : اللهم أيما امرأة تدخل الحمام من غير علة ولا سقم ، تريد البياض لوجهها ، فسود وجهها يوم تبيض الوجوه .
وقوله : " أو ما ملكت أيمانهم " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : أو مماليكهن ، فإنه لا بأس عليها أن تظهر لهم من زينتها ما تظهر لهؤلاء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن مخلد التميمي ، أنه قال في قوله " أو ما ملكت أيمانهن " قال : في القراءة الأولى : أيمانكم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أو ما ملكت أيمانهن من إماء المشركين ، كما قد ذكرنا عن ابن جريج قبل ، من أنه لما قال : " أو نسائهن " عنى بهن النساء دون المشركات ، ثم قال : أو ما ملكت أيمانهن من الإماء المشركات .
فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " وصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر النظر، يقال: غض بصره يغضه غضاً، قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
وقال عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
ولم يذكر الله تعالى ما يغض البصر عنه ويحفظ الفرج، غير أن ذلك معلوم بالعادة، وأن المراد منه المحرم دون المحلل. وفي البخاري : ((وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال: اصرف بصرك، يقول الله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " وقال قتادة : عما لا يحل لهم، " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه)).
الثانية: قوله تعالى: " من أبصارهم " " من " زائدة، كقوله: " فما منكم من أحد عنه حاجزين " [الحاقة: 47]. وقيل: " من " للتبعيض، لأن من النظر ما يباح. وقيل: الغض النقصان، يقال: غض فلان من فلان أي وضع منه، فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو موضوع منه ومنقوص. فـ"من " صلة للغض، وليست للتبعيض ولا للزيادة.
الثالثة: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته. ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
" إياكم والجلوس على الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها. فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ". رواه أبو سعيد الخدري، خرجه البخاري و مسلم . " وقال صلى الله عليه وسلم لعلي:
لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية ". وروى الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رئاب أن غزوان وأبا موسى الأشعري كانا في بعض مغازيهم، فكشفت جارية فنظر إليها غزوان، فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت، فقال: إنك للحاظة إلى ما يضرك ولا ينفعك، فلقي أبا موسى فسأله فقال: ظلمت عينك، فاستغفر الله وتب، فإن لها أول نظرة وعليها ما كان بعد ذلك. قال الأوزاعي : وكان غزوان ملك نفسه فلم يضحك حتى مات رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم " عن جرير بن عبد الله قال:
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري ". وهذا يقوي قول من يقول: إن " من " للتبعيض، لأن النظرة الأولى لا تملك فلا تدخل تحت خطاب تكليف، إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصوداً، فلا تكون مكتسبة فلا يكون مكلفاً بها، فوجب التبعيض لذلك، ولم يقل ذلك في الفرج، لأنها تملك. ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا!! وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرمة نظر شهوة يرددها.
الرابعة: قوله تعالى: " ويحفظوا فروجهم " أي يستروها عن أن يراها من لا يحل. وقيل: " ويحفظوا فروجهم " أي عن الزنى، وعلى هذا القول لو قال: من فروجهم لجاز. والصحيح أن الجميع مراد واللفظ عام. " وروى بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال:
قلت يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك. قال: الرجل يكون مع الرجل؟ قال: إن استطعت ألا يراها فافعل. قلت: فالرجل يكون خالياً؟ فقال: الله أحق أن يستحيا منه من الناس ". " وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحالها معه فقالت: ما رأيت ذلك منه، ولا أرى ذلك مني ".
الخامسة: بهذه الآية حرم العلماء نصاً دخول الحمام بغير مئزر. وقد روي عن ابن عمر أنه قال: أطيب ما أنفق الرجل درهم يعطيه للحمام في خلوة. وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم بالجحفة. فدخوله جائز للرجال بالمآزر، وكذلك النساء للضرورة كغسلهن من الحيض أو النفاس أو مرض يلحقهن، والأولى بهن والأفضل لهن غسلهن إن أمكن ذلك في بيوتهن، فقد روى أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه " عن أم الدرداء أنه سمعها تقول:
لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرجت من الحمام فقال: من أين يا أم الدرداء؟فقالت من الحمام، فقال: والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل ". وخرج أبو بكر البزار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" احذروا بيتاً يقال له الحمام. قالوا: يا رسول الله، ينقي الوسخ؟ قال: فاستتروا ". قال أبو محمد عبد الحق: هذا أصح إسناد حديث في هذا الباب، على أن الناس يرسلونه عن طاوس ، وأما ما خرجه أبو داود في هذا من الحظر والإباحة فلا يصح منه شيء لضعف الأسانيد، وكذلك ما خرجه الترمذي .
قلت: أما دخول الحمام في هذه الأزمان فحرام على أهل الفضل والدين، لغلبة الجهل على الناس واستسهالهم إذا توسطوا الحمام رمي مآزرهم، حتى يرى الرجل البهي ذو الشيبة قائماً منتصباً وسط الحمام وخارجه بادياً عن عورته ضاماً بين فخذيه ولا أحد يغير عليه. هذا أمر بين الرجال فكيف من النساء! لا سيما بالديار المصرية إذ حماماتهم خالية عن المظاهر التي هي عن أعين الناس سواتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.
السادسة: قال العلماء: فإن استتر فليدخل بعشرة شروط:
الأول: ألا يدخل إلا بنية التداوي أو بنية التطهير عن الرحضاء.
الثاني: أن يعتمد أوقات الخلوة أو قلة الناس.
الثالث: أن يستر عورته بإزار صفيق.
الرابع: أن يكون نظره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور.
الخامس: أن يغير ما يرى من منكر برفق، يقول: استتر سترك الله!
السادس: إن دلكه أحد لا يمكنه من عورته، من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته. وقد اختلف في الفخذين هل هما عورة أم لا.
السابع: أن يدخله بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس.
الثامن: أن يصب الماء على قدر الحاجة.
التاسع: إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه.
العاشر: أن يتذكر به جهنم. فإن لم يمكنه ذلك كله فليستتر وليجتهد في غض البصر. ذكر الترمذي أبو عبد الله في نوادر الأصول من حديث طاوس عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اتقوا بيتاً يقال له الحمام. قيل: يا رسول الله، إنه يذهب به الوسخ ويذكر النار، فقال: إن كنتم لا بد فاعلين فادخلوه مستترين ". وخرج من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" نعم البيت يدخله الرجل المسلم بيت الحمام - وذلك لأنه إذا دخله سأل الله الجنة واستعاذ به من النار - وبئس البيت يدخله الرجل بيت العروس ". وذلك لأنه يرغبه في الدنيا وينسيه الآخرة. قال أبو عبد الله: فهذا لأهل الغفلة، صير الله هذه الدنيا بما فيها سبباً للذكر لأهل الغفلة ليذكروا بها آخرتهم، فأما أهل اليقين فقد صارت الآخرة نصب أعينهم فلا بيت حمام يزعجه ولا بيت عروس يستفزه، لقد دقت الدنيا بما فيها من الصنفين والضربين في جنب الآخرة، حتى أن جميع نعيم الدنيا في أعينهم كنثارة الطعام من مائدة عظيمة، وجميع شدائد الدنيا في أعينهم كتفلة عوقب بها مجرم أو مسيء قد كان استوجب القتل أو الصلب من جميع عقوبات أهل الدنيا.
السابعة: قوله تعالى: " ذلك أزكى لهم " أي غض البصر وحفظ الفرج أطهر في الدين وأبعد من دنس الأنام. " إن الله خبير " أي عالم. " بما يصنعون " تهديد ووعيد.
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم, فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه, وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم, فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد, فليصرف بصره عنه سريعاً, كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير , عن جده جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة, فأمرني أن أصرف بصري. وكذا رواه الإمام أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد به. ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه أيضاً. وقال الترمذي حسن صحيح, وفي رواية لبعضهم فقال أطرق بصرك يعني أنظر إلى الأرض, والصرف أعم, فإنه قد يكون إلى الأرض وإلى جهة أخرى, والله أعلم.
وقال أبو داود : حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري , حدثنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي , عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي "يا علي لاتتبع النظرة النظرة, فإن لك الأولى وليس لك الاخرة" ورواه الترمذي من حديث شريك وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديثه. وفي الصحيح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم والجلوس على الطرقات قالوا: يارسول الله لابد لنا من مجالسنا نتحدث فيها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ فقال غض البصر, وكف الأذى, ورد السلام, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر".
وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا طالوت بن عباد , حدثنا فضل بن جبير , سمعت أبا أمامة , يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اكفلوا لي ستاً أكفل لكم بالجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب, وإذا اؤتمن فلا يخن, وإذا وعد فلا يخلف, وغضوا أبصاركم, وكفوا أيدكم, واحفظوا فروجكم" وفي صحيح البخاري " من يكفل لي ما بين لحييه وما بين رجليه, أكفل له الجنة" وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال: كل ما عصي الله به فهو كبيرة, وقد ذكر الطرفين فقال "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب, كما قال بعض السلف: النظر سهم سم إلى القلب, ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك, فقال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنا, كما قال تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون" الاية, وتارة يكون بحفظه من النظر إليه كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" "ذلك أزكى لهم" أي أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم, كما قيل من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته, ويروى في قلبه.
وروى الإمام أحمد : حدثنا عتاب , حدثنا عبد الله بن المبارك , أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة (أول مرة) ثم يغض بصره إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها" وروي هذا مرفوعاً عن ابن عمر وحذيفة وعائشة رضي الله عنهم, ولكن في إسنادها ضعف إلا أنها في الترغيب, ومثله يتسامح فيه. وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً "لتغضن أبصاركم, ولتحفظن فروجكم, ولتقيمن وجوهكم, أو لتكسفن وجوهكم".
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن زهير التستري قال: قرأنا على محمد بن حفص بن عمر الضرير المقرى , حدثنا يحيى بن أبي بكير , حدثنا هريم بن سفيان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه". وقوله تعالى: "إن الله خبير بما يصنعون" كما قال تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور". وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة, فزنا العينين النظر, وزنا اللسان النطق, وزنا الأذنين الاستماع, وزنا اليدين البطش, وزنا الرجلين الخطى, والنفس تمنى وتشتهي, والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" رواه البخاري تعليقاً, ومسلم مسنداً من وجه آخر بنحو ما تقدم, وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل بصره إلى الأمرد, وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك, وحرمه طائفة من أهل العلم لما فيه من الافتتان, وشدد آخرون في ذلك كثيراً جداً. وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو سعيد المدني , حدثنا عمر بن سهل المازني , حدثني عمر بن محمد بن صهبان عن صفوان بن سليم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله, وعيناً سهرت في سبيل الله, وعيناً يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله عز وجل".
لما ذكر سبحانه حكم الاستئذان، أتبعه بذكر حكم النظر على العموم، فيندرج تحته غض البصر من المستأذن، كما قال: صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإذن من أجل البصر" وخصالمؤمنين مع تحريمه على غيرهم، لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق من غيرهم بها وأولى بذلك ممن سواهم. وقيل إن في الآية دليلاً على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم، وفي الكلام حذف، والتقدير "قل للمؤمنين" غضوا "يغضوا" ومعنى غض البصر: إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية، ومنه قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلاب
وقول عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى توارى جارتي مأواها
ومن في قوله: "من أبصارهم" هي التبعيضية، وإليه ذهب الأكثرون، وبينوه بأن المعنى غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل. وقيل وجه التبعيض أنه يعفى للناظر أول نظرة تقع من غير قصد. وقال الأخفش: إنها زائدة وأنكر ذلك سيبويه. وقيل إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء. واعترض عليه بأنه لم يتقدم مبهم يكون مفسراً بمن، وقيل إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية، وقيل الفض النقصان، يقال غض فلان من فلان: أي وضع منه، فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو مغضوض منه ومنقوص فتكون "من" صلة للغض، وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة. وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحل النظر إليه، ومعنى "ويحفظوا فروجهم" أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم. وقيل المراد ستر فروجهم عن أن يراها ن لا تحل له رؤيتها، ولا مانع من إرادة المعنيين. فالكل يدخل تحت حفظ الفرج. قيل ووجه المجيء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلا ما استثنى، بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيق فيه، فإنه لا يحل منه إلا ما استثنى. وقيل الوجه أن غض البصر كله كالمعتذر، بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى ما ذكر من الغض والحفظ، وهو مبتدأ، وخبره "أزكى لهم" أي أظهر لهم من دنس الريبة وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة "إن الله خبير بما يصنعون" لا يخفى عليه شيء من صنعهم.
قوله عز وجل: 30- "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، أي: عن النظر إلى مالا يحل إليه. وقيل: من صلة أي: يغضوا أبصارهم. وقيل: هو ثابت لأن المؤمنين غير مأمورين بغض البصر أصلاً، لأنه لا يجب الغض عما يحل النظر إليه، وإنما أمروا بأن يغضوا عما لا يحل النظر إليه، "ويحفظوا فروجهم"، عما لا يحل، قال أبو العالية: كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا والحرام، إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه، "ذلك"، أي: غض البصر وحفظ الفرج، "أزكى لهم"، أي: خير لهم وأطهر، "إن الله خبير بما يصنعون"، عليم بما يفعلون، وروي عن بريدة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".
وروي "عن جرير بن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك".
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا زيد بن الحباب، عن الضحاك بن عثمان قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد".
30 -" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " أي ما يكون نحو محرم . " ويحفظوا فروجهم " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، ولما كان المستثنى منه كالشاذ النادر بخلاف الغض أطلقه وقيد الغض بحرف التبعيض ، وقيل حفظ الفروج ها هنا خاصة سترها . " ذلك أزكى لهم " أنفع لهم أو أطهر لما فيه من البعد عن الريبة . " إن الله خبير بما يصنعون " لا يخفى عليه إجالة أبصارهم واستعمال سائر حواسهم وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها ، فليكونوا على حذر منه في كل حركة وسكون .
30. Tell the believing men to lower their gaze and be modest. That is purer for them. Lo! Allah is Aware of what they do.
30 - Say to the believing men that they should lower their gaze and guard their modesty: that will make for greater purity for them: and God is well acquainted with all that they do.