[النور : 26] الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
26 - (الخبيثات) من النساء ومن الكلمات (للخبيثين) من الناس (والخبيثون) من الناس (للخبيثات) مما ذكر (والطيبات) مما ذكر (للطيبين) من الناس (والطيبون) منهم (للطيبات) مما ذكر أي اللائق بالخبيث مثله وبالطيب مثله (أولئك) الطيبون من الرجال والطبيبات من النساء ومنهم عائشة وصفوان (مبرؤون مما يقولون) أي الخبيثون والخبيثات من الرجال والنساء فيهم (لهم) للطيبين والطيبات (مغفرة ورزق كريم) من الجنة وقد افتخرت عائشة بأشياء منها أنها خلقت طيبة ووعدت مغفرة ورزقا كريما
ك وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم في قوله الخبيثات للخبيثين الآية قال نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك
ك وأخرج الطبراني بسندين فيهما ضعف عن ابن عباس قال نزلت الخبيثات للخبيثين الآية للذين قالوا في زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان
ك واخرج الطبراني عن الحكم بن عتيبة قال لما خاض الناس في أمر عائشة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فقال يا عائشة ما يقول الناس فقالت لا أعتذر بشيء حتى ينزل عذري من السماء فأنزل الله فيها خمس عشرة آية من سورة النور ثم قرأ حتى بلغ الخبيثات للخبيثين الآية مرسل صحيح الاسناد
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : الخبيثات من القول ، للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول ، والطيبات من القول ، للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس ، للطيبات من القول .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوه " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات " يقول : الخبيثات من القول ، للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال ، للخبيثات من القول .
وقوله " والطيبات للطيبين " يقول : الطيبات من القول ، للطيبين من الرجال ، الطيبون من الرجال للطيبات من القول ، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان . ويقال : الخبيثات للخبيثين : الأعمال الخبيثة تكون للخبيثين ، والطيبات من الأعمال تكون للطيبين .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، في قول الله " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات "قال : الطيبات : القول الطيب يخرج من الكافر والمؤمن فهو للمؤمن ، والخبيثات : القول الخبيث يخرج من المؤمن والكافر فهو للكافر " أولئك مبرؤون مما يقولون " وذلك أنه برأ كليهما مما ليس بحق من الكلام .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " يقول : الخبيثات والطيبات : القول السيء والحسن ، للمؤمنين الحسن ، وللكافرين السيء " أولئك مبرؤون مما يقولون " وذلك بأنه ما قال الكافرون من كلمة طيبة فهي للمؤمنين ، وما قال المؤمنون من كلمة خبيثة فهي للكافرين ، كل برئ مما ليس بحق من الكلام .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " الخبيثات للخبيثين " قال : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من الكلام.
حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال ، أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، مثله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " الخبيثات للخبيثين " ، يقو : الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من القول ، فهذا في الكلام ، وهم الذي قالوا لعائشة ما قالوا ، هم الخبيثون ،. والطيبون هم المبرءون مما قال الخبيثون .
حدثنا أبو زرعة ، قال ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سلمة ، يعني ابن نبيط الأشجعي ، عن الضحاك " الخبيثات للخبيثين " قال : الخبيثات من الناس ، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس .
قال : ثنا قبيصة ، قال : ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح و عثمان بن الأسود ، عن مجاهد " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " قال : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول .
قال : ثنا سفيان ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، قال " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " قال : الخبيثات من القول للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول .
قال : ثني محمد بن بكر بن مقدم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الملك ، يعني ابن أبي سليمان ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن سعيد بن جبير ، عن مجاهد " والخبيثون للخبيثات " قال : الخبيثات من القول للخبيثين من الناس.
قال : ثنا عباس بن الوليد النرسي ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " يقول : الخبيثات من القول والعمل للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والعمل .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، قال : الطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات ، قال : الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول ، والخبيثات من القول للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،قال : قال ابن زيد في قوله " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " قال : نزلت عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية ، وفبرأها الله من ذلك . وكان عبدالله بن أبي هو خبيث ، وكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا ، وكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، وكان أولى أن يكون لها الطيب . " أولئك مبرؤون مما يقولون " قال : ها هنا برئت عائشة "لهم مغفرة ورزق كريم ".
وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية : قول من قال : عنى بالخبيثات : الخبيثات من القول ، وذلك قبيحة وسيئه ، للخبيثين من الرجال والنساء ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، هم بها أولى ، لأنهم أهلها ، والطيبات من القول ، وذلك حسنه وجميله ، للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول ، لأنهم أهلها ، وأحق بها .
وإنما قلنا هذا القول أولى بتأويل الآية ، لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله للقائلين في عائشة الإفك ، والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات ،وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم ، فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به ، أشبه من الخبر عن غيرهم .
وقوله " أولئك مبرؤون " يقول : الطيبون من الناس مبرءون من خبيثات القول ، وإن قالوها فإن الله يصفح لهم عنها ، ويغفرها لهم ، وإن قيلت فيهم ضرت قائلها ولم تضرهم ، كما لو قال الطيب من القول الخبيث من الناس لم ينفعه الله به ، لأن الله لا يتقبله ،ولو قيلت له لضرته ، لأنه يلحقه عارها في الدنيا ، وذلها في الآخرة .
كما حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " أولئك مبرؤون مما يقولون " فمن كان طيبا فهو مبرأ من كل قول خبيث ، يقول : يغفره الله ، ومن كان خبيثا فهو مبرأ من كل قول صالح ، فإنه يرده الله عليه ، لا يقبله منه ، وقد قيل : عني بقوله " أولئك مبرؤون مما يقولون " عائشة وصفوان بن المعطل الذي رميت به ، فعل هذا القول قيل أولئك ، فجمع ، والمراد ذانك ، كما قيل : فإن كان له إخوة ، والمراد إخوان .
وقوله " لهم مغفرة " يقول هؤلاء الطيبين من الناس : مغفرة من الله لذنوبهم والخبيث من القول إن كان منهم " ورزق كريم " يقول : ولهم أيضا مع المغفرة عطية من الله كريمة ، وذلك الجنة ، وما أعد لهم فيها من الكرامة .
كما حدثنا أبو زرعة ، قال : ثنا العباس بن الوليد النرسي ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " لهم مغفرة ورزق كريم " مغفرة لذنوبهم ، ورزق كريم في الجنة .
قال ابن زيد: المعنى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون للخبيثات، وكذا الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. وقال مجاهد و ابن جبير و عطاء وأكثر المفسرين: المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من القول. قال النحاس في كتاب معاني القرآن: وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية. ودل على صحة هذا القول: " أولئك مبرؤون مما يقولون " أي عائشة وصفوان مما يقول الخبيثون والخبيثات. وقيل: إن هذه الآية مبنية على قوله: " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة " الآية، فالخبيثات الزواني، والطيبات العفائف، وكذا الطيبون والطيبات. واختار هذا القول النحاس أيضاً، وهو معنى قول ابن زيد. " أولئك مبرؤون مما يقولون " يعني به الجنس. وقيل: عائشة وصفوان، فجمع، كما قال: " فإن كان له إخوة " [النساء: 11] والمراد أخوان، قاله الفراء . و " مبرؤون " يعني منزهين مما رموا به. قال بعض أهل التحقيق: إن يوسف عليه السلام لما رمي بالفاحشة برأه الله على لسان صبي في المهد، وإن مريم لما رميت بالفاحشة برأها الله على لسان ابنها عيسى صلوات الله عليه، وإن عائشة لما رميت بالفاحشة برأها الله تعالى بالقرآن، فما رضي لها ببراءة صبي ولا نبي حتى برأها الله بكلامه من القذف والبهتان. وروي عن علي بن زيد بن جدعان عن جدته " عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة: لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري، ولقد توفي صلى الله عليه وسلم وإن رأسه لفي حجري، ولقد قبر في بيتي، ولقد حفت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه فما يبينني عن جسده، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً، تعني قوله تعالى: " لهم مغفرة ورزق كريم " وهو الجنة " .
قال ابن عباس : الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال, والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول. والطيبات من القول للطيبين من الرجال, والطيبون من الرجال للطيبات من القول ـ قال ـ ونزلت في عائشة وأهل الإفك, وهكذا روي عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت, والضحاك , واختاره ابن جرير ووجهه بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس, والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس, فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة هم أولى به, وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم, ولهذا قال تعالى: " أولئك مبرؤون مما يقولون " وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال. والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء, والطيبات من النساء للطيبين من الرجال, والطيبون من الرجال للطيبات من النساء, وهذا أيضاً يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم, أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة لأنه أطيب من كل طيب من البشر, ولو كانت خبيثة لما صلحت له لا شرعاً ولا قدراً, ولهذا قال تعالى: " أولئك مبرؤون مما يقولون " أي هم بعداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان "لهم مغفرة" أي بسبب ما قيل فيهم من الكذب, "ورزق كريم" أي عند الله في جنات النعيم, وفيه وعد بأن تكون زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن مسلم , حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن الحكم بإسناده إلى يحيى بن الجزار قال: جاء أسير بن جابر إلى عبد الله , فقال: لقد سمعت الوليد بن عقبة تكلم اليوم بكلام أعجبني, فقال عبد الله : إن الرجل المؤمن يكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما يستقر حتى يلفظها فيسمعها الرجل عنده يتلها فيضمها إليه وإن الرجل الفاجر يكون في قلبه الكلمة الخبيثة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها فيسمعها الرجل الذي عنده يتلها فيضمها إليه ثم قرأ عبد الله "الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات" الاية, ويشبه هذا ما رواه الإمام أحمد في المسند مرفوعاً "مثل هذا الذي يسمع الحكمة ثم لا يحدث إلا بشر ما سمع كمثل رجل جاء إلى صاحب غنم فقال اجزرني شاة, فقال: اذهب فخذ بأذن أيها شئت, فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم . وفي الحديث الاخر : الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها".
26- ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال: "الخبيثات للخبيثين" أي الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال: أي مختصة بهم لا تتجاوزهم، وكذا الخبيثون مختصون بالخبيثات لا يتجاوزونهن، وهكذا قوله: "والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات" قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين: المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات. قال النحاس: وهذا أحسن ما قيل. قال الزجاج: ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء، وهذا ذم للذين قذفوا عائشة بالخبيث ومدح للذين برأوها. وقيل إن هذه الآية مبنية على قوله: "الزاني لا ينكح إلا زانية" فالخبيثات الزواني، والطيبات العفائف، وكذا الخبيثون والطيبون، والإشارة هنا بقوله: " أولئك مبرؤون مما يقولون " إلى الطيبين والطيبات: أي هم مبرأون مما يقوله الخبيثون والخبيثات، وقيل الإشارة إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة وصفوان بن المعطل، وقيل عائشة وصفوان فقط. قال الفراء: وجمع كما قال: "فإن كان له إخوة" والمراد أخوان "لهم مغفرة" أي هؤلاء المبرأون لهم مغفرة عظيمة لما لا يخلوا عنه البشر من الذنوب "ورزق كريم" هو رزق الجنة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولا يأتل" الآية، يقول: لا يقسموا أن لا ينفعوا أحداً. وأخرج ابن المنذر عن عائشة قالت: كان مسطح بن أثاثة ممن تولى كبره من أهل الإفك، وكان قريباً لأبي بكر وكان في عياله، فحلف أبو بكر أن لا ينيله خيراً أبداً، فأنزل الله " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة " الآية، قالت: فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا تحللتها وأتيت الذي هو خير. وقد روي هذا من طرق عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك وتكلموا فيها، فأقسم ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصلوه، فقال: لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون من قبل ذلك، فأمر الله أن يغفر لهم وأن يعفى عنهم. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه في قوله: "إن الذين يرمون المحصنات" الآية، قال: نزلت في عائشة خاصة. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني وابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة، ثم قرأ "والذين يرمون المحصنات" إلى قوله: "إلا الذين تابوا". وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم، فيقال: هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول: كذبوا، فيقال: أهلك وعشيرتك، فيقول: كذبوا، فيقال: احلفوا فيحلفون، ثم يصمتهم الله وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم، ثم يدخلهم النار". وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق جماعة من الصحابة ما يتضمن شهادة الجوارح على العصاة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سبحانه: "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق" قال: حسابهم، وكل شيء في القرآن فهو الحساب. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ " يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ". وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "الخبيثات" قال: من الكلام "للخبيثين" قال: من الرجال "والخبيثون" من الرجال "للخبيثات" من الكلام "والطيبات" من الكلام "للطيبين" من الناس "والطيبون" من الناس "للطيبات" من الكلام، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير والطبراني عن قتادة نحوه أيضاً، وكذا روى عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن زيد في الآية قال: نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك، وكان عبد الله بن أبي هو الخبيث، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً، فكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة، وكانت أولى بأن يكون لها الطيب، وفي قوله: " أولئك مبرؤون مما يقولون " قال: هاهنا برئت عائشة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: لقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة وأجراً عظيماً.
قوله عز وجل: 26- "الخبيثات للخبيثين"، قال أكثر المفسرين: الخبيثات من القول والكلام للخبيثين من الناس. "والخبيثون"، من الناس، "للخبيثات"، من القول، والكلام، "والطيبات"، من القول، "للطيبين"، من الناس، "والطيبون"، من الناس، "للطيبات"، من القول، والمعنى: أن الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس والطيب لا يليق إلا بالطيب من الناس، فعائشة لا يليق بها الخبيثات من القول لأنها طيبة رضي الله عنها فيضاف إليها طيبات الكلام من الثناء الحسن وما يليق بها.
وقال الزجاج: معناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء، وهذا ذم للذي قذفوا عائشة، ومدح للذين برؤوها بالطهارة.
قال ابن زيد: معناه الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء أمثال عبد الله بن أبي والشاكين في الدين، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. يريد عائشة طيبها الله لرسوله الطيب صلى الله عليه وسلم.
" أولئك مبرؤون "، يعني: عائشة وصفوان ذكرهما بلفظة الجمع كقوله تعالى: "فإن كان له إخوة" (النساء-11) أي: إخوان. وقيل: أولئك مبرءون يعني الطيبين والطيبات منزهون، "مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم"، فالمغفرة هي العفو عن الذنوب، والرزق الكريم: الجنة.
وروي أن عائشة كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها، منها أن جبريل أتى بصورتها في سرقة من حرير، وقال هذه زوجتك. وروي أنه أتى بصورتها في راحلته وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها، ودفن في بيتها، وكان ينزل عليه الوحي وهو معها في لحافه، ونزلت براءتها من السماء، وأنها ابنة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه، وخلقت طيبة، ووعدة مغفرة ورزقاً كريماً.
وكان مسروق إذا روى عن عائشة يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء.
26 -" الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " أي الخبائث يتزوجن الخباث وبالعكس وكذلك أهل الطيب فيكون كالدليل على قوله : " أولئك " يعني أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو الرسول وعائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهم . " مبرؤون مما يقولون " إذ لو صدق لم تكن زوجته عليه السلام ولم يقرر عليها ، وقيل " الخبيثات " " والطيبات " من الأقوال والإشارة إلى " للطيبين " والضمير في " يقولون " للآفكين ، أي مبرؤون مما يقولون فيهم أو " للخبيثين " و " الخبيثات " أي مبرؤون من أن يقولون مثل قولهم . " لهم مغفرة ورزق كريم " يعني الجنة ، ولقد برأ الله أربعة بأربعة : برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها ، وموسى عليه الصلاة والسلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ، ومريم بإنطاق ولدها ، وعائشة رضي الله تعالى عنها بهذه الآيات الكريمة مع هذه المبالغة ، وما ذلك إلا لإظهار منصب الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلاه منزلته .
26. Vile women are for vile men, and vile men for vile women. Good women are for good men, and good men for good women; such are innocent of that which people say: For them is pardon and a bountiful provision.
26 - Women impure are for men impure, and men impure for women impure and women of purity are for men of purity, and men of purity are for women of purity: these are not affected by what people say: for them there is forgiveness and a provision honorable.