[المؤمنون : 86] قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
86 - (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم) الكرسي
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد ، من رب السماوات السبع ، ورب العرش المحيط بذلك ؟ سيقولون ذلك كله لله ، وهو ربه ، فقل لهم : أفلا تتقون عقابه على كفركم به ، وتكذيبكم خبره وخبر رسوله ؟
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله " سيقولون لله " فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق والشام : " سيقولون لله " سوى أبي عمرو ، فإنه خالفهم فقرأه سيقولون الله في هذا الموضع ، وفي الآخر الذي بعده، إتباعا لخط المصحف ، فإن فذلك كذلك في مصاحف الأمصار ، إلا في مصحف أهل البصرة ، فإنه في الموضعين بالألف ،فقرؤوا بالألف كلها ابتاعا لخط مصحفهم ، فأما الذين قرؤوا بالألف فلا مؤنة في قراءتهم ذلك كذلك ، لأنهم أجروا الجواب على الابتداء ، وردوا مرفوعا على مرفوع . وذلك أن معنى الكلام على قراءتهم : قل من رب السماوات السبع ، ورب العرش العظيم ، سيقولون رب ذلك الله ، فلا مؤنة في قراءة ذلك كذلك . وأما الذين قرؤوا ذلك في هذا والذي يليه بغير ألف ، فإنهم قالوا : معنى قوله قل من رب السموات : لمن السموات ، لمن ملك ذلك ؟ فجعل الجواب على المعنى ، فقيل : لله ، لأن المسألة عن ملك ذلك لمن هو ؟ قالوا : وذلك نظير قول قائل لرجل : من مولاك ؟ فيجيب المجيب عن معنى ما سئل ، فيقول : أنا لفلان ، لأنه مفهوم بذلك من الجواب ، ما هو مفهوم بقوله : مولاي فلان ، وكان بعضهم يذكر أن بعض بني عامر أنشده :
وأعلم أنني سأكون رمسا إذا سار النواجع لا يسير
فقال السائلون لمن حفرتم فقال المخبرون لهم : وزير
فأجاب المخفوض بمرفوع ، لأن معنى الكلام ، فقال السائلون : من الميت؟ فقال المخبرون : الميت وزير ، عن المعنى دون اللفظ .
والصواب من القراءة في ذلك قراءتان قد قرأ بهما علماء من القراء ، متقاربتا المعنى . فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أني مع ذلك أختار قراءة جميع ذلك بغي ألف ، لإجماع مصاحف الأمصار على ذلك ، سوى خط مصحف أهل البصرة .
" قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم "
يقرر تعالى وحدانيته واستقلاله بالخلق والتصرف والملك ليرشد إلى أنه الله الذي لا إله إلا هو, ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له, ولهذا قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره المعترفين له بالربوبية, وأنه لا شريك له فيها, ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية فعبدوا غيره معه مع اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئاًولايملكون شيئاً ولا يستبدون بشيء, بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" فقال: "قل لمن الأرض ومن فيها ؟" أي من مالكها الذي خلقها ومن فيها من الحيوانات والنباتات والثمرات وسائر صنوف المخلوقات " إن كنتم تعلمون * سيقولون لله " أي فيعترفون لك بأن ذلك لله وحده لا شريك له, فإذا كان ذلك "قل أفلا تذكرون" أنه لا تنبغي العبادة إلا للخالق الرزاق لا لغيره "قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم" ؟ أي من هو خالق العالم العلوي بما فيه من الكواكب النيرات والملائكة الخاضعين له في سائر الأقطار منها والجهات, ومن هو رب العرش العظيم, يعني الذي هو سقف المخلوقات, كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "شأن الله أعظم من ذلك إن عرشه على سمواته هكذا" وأشار بيده مثل القبة, وفي الحديث الاخر "ما السموات السبع والأرضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة, وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة" ولهذا قال بعض السلف: إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى جانب مسيرة خمسين ألف سنة, وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة, وقال الضحاك عن ابن عباس : إنما سمي عرشاً لارتفاعه.
وقال الأعمش عن كعب الأحبار : إن السموات والأرض في العرش كالقنديل المعلق بين السماء والأرض. وقال مجاهد : ما السموات والأرض في العرش إلا كحلقة في أرض فلاة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا العلاء بن سالم , حدثنا وكيع , حدثنا سفيان الثوري عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: العرش لا يقدر قدره أحد, وفي رواية: إلا الله عز وجل, وقال بعض السلف: العرش من يا قوتة حمراء, ولهذا قال ههنا: "ورب العرش العظيم" أي الكبير. وقال في آخر السورة "رب العرش الكريم" أي الحسن البهي, فقد جمع العرش بين العظمة في الإتساع والعلو والحسن الباهر, ولهذا قال من قال إنه من يا قوتة حمراء. وقال ابن مسعود : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار, نور العرش من نور وجهه.
وقوله: "سيقولون لله قل أفلا تتقون" أي إذا كنتم تعترفون بأنه رب السموات ورب العرش العظيم, أفلا تخافون عقابه وتحذرون عذابه في عبادتكم معه غيره وإشراككم به. قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي في كتاب التفكر والإعتبار : حدثنا إسحاق بن إبراهيم , أخبرنا عبيد الله بن جعفر , أخبرني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل معها ابن لها يرعى غنماً, فقال لها ابنها: يا أمه من خلقك ؟ قالت: الله. قال فمن خلق أبي. قالت: الله. قال: فمن خلقني ؟ قالت: الله. قال: فمن خلق السموات ؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الأرض ؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الجبل ؟ قالت: الله. قال: فمن خلق هذه الغنم ؟ قالت: الله. قال: فإني أسمع لله شأناً ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع " . قال ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يحدثنا هذا الحديث, قال عبد الله بن دينار : كان ابن عمر كثيراً ما يحدثنا بهذا الحديث, قلت: في إسناده عبد الله بن جعفر المديني والد الإمام علي بن المديني , وقد تكلموا فيه, فالله أعلم.
"قل من بيده ملكوت كل شيء" أي بيده الملك "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها" أي متصرف فيها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا والذي نفسي بيده وكان إذا اجتهد في اليمين قال لا ومقلب القلوب" فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف "وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون" كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحداً لا يحفر في جواره, وليس لمن دونه أن يجير عليه لئلا يفتات عليه, ولهذا قال الله: "وهو يجير ولا يجار عليه" أي وهو السيد العظيم الذي لا أعظم منه, الذي له الخلق والأمر ولا معقب لحكمه, الذي لا يمانع ولا يخالف, وما شاء كان ومالم يشأ لم يكن, وقال الله: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" أي لا يسأل عما يفعل لعظمته وكبريائه وغلبته وقهره وحكمته وعدله, فالخلق كلهم يسألون عن أعمالهم, كما قال تعالى: " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون ".
وقوله: "سيقولون لله" أي سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ولا يجار عليه هو الله تعالى وحده لا شريك له "قل فأنى تسحرون" أي فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك, ثم قال تعالى: "بل أتيناهم بالحق" وهو الإعلام بأنه لا إله إلا الله, وأقمنا الأدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك "وإنهم لكاذبون" أي في عبادتهم مع الله غيره ولا دليل لهم على ذلك, كما قال في آخر السورة "ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" فالمشركون لا يفعلون ذلك عن دليل قادهم إلى ما هم فيه من الإفك والضلال, وإنما يفعلون ذلك اتباعاً لابائهم وأسلافهم الحيارى الجهال, كما قال الله عنهم: "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون".
86- " قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم* سيقولون لله " جاء سبحانه باللام نظراً إلى معنى السؤال، فإن قولك: من ربه، ولمن هو في معنى واحد، كقولك: من رب هذه الدار؟ فيقال زيد، ويقال لزيد.
86. " قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ".
86ـ " قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم " فإنها أعظم من ذلك . " سيقولون لله " قرأ أبو عمرو و يعقوب بغير لام فيه وفيما بعده على ما يقتضيه لفظ السؤال .
86. Say: Who is Lord of the seven heavens, and Lord of the Tremendous Throne?
86 - Say: who is the Lord of the seven heavens, and the Lord of the Throne (of Glory) Supreme?