[المؤمنون : 80] وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
80 - (وهو الذي يحيي) بنفخ الروح في المضغة (ويميت وله اختلاف الليل والنهار) بالسواد والبياض والزيادة والنقصان (أفلا تعقلون) صنعه تعالى فتعتبروا
يقول تعالى ذكره : والله الذي يحيي خلقه : يقول : يجعلهم أحياء بعد أن كانوا نطفا أمواتا ، بنفخ الروح فيها بعد التارات التي تأتي عليها ، ويميت : يقول : ويميتهم بعد أن أحياهم " وله اختلاف الليل والنهار " يقول : وهو الذي جعل الليل والنهار مختلفين ، كما يقال في الكلام : لك المن والفضل ، بمعنى : إنك تمن وتفضل . وقوله " أفلا تعقلون " يقول : أفلا تعقلون أيها الناس أن الذي فعل هذه الأفعال ابتداء من غير أصل ، لا يمتنع عليه أحياء الأموات بعد فناءهم ، وإنشاء ما شاء إعدامه بعد إنشائه.
قوله تعالى: " وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار " أي جعلهما مختلفين، كقولك: لك الأجر والصلة، أي إنك تؤجر وتوصل، قاله الفراء . وقيل: اختلافهما نقصان أحدهما وزيادة الآخر. وقيل: اختلافهما في النور والظلمة. وقيل: تكررهما يوماً بعد ليلة وليلة بعد يوم. ويحتمل خامساً: اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى. " أفلا تعقلون " كنه قدرته وربوبيته ووحدانيته، وأنه لا يجوز أن يكون له شريك من خلقه، وأنه قادر على البعث.
يقول تعالى: "ولقد أخذناهم بالعذاب" أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد "فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" أي فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة, بل استمروا على غيهم وضلالهم "فما استكانوا", أي ما خشعوا "وما يتضرعون" أي ما دعوا, كما قال تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم" الاية. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا محمد بن حمزة المروزي , حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أبي عن يزيد ـ يعني النحوي ـ عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم, فقد أكلنا العلهز ـ يعني الوبر والدم ـ فأنزل الله "ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا" الاية, وكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبيه به, وأصله في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا, فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا سلمة بن شبيب , حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان , حدثني وهب بن عمر بن كيسان قال حبس وهب بن منبه فقال له رجل من الأبناء: ألا أنشدك بيتاً من شعر يا أبا عبد الله ؟ فقال وهب : نحن في طرف من عذاب الله, والله يقول: "ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" قال: وصام وهب ثلاثاً متواصلة, فقيل له: ما هذا الصوم يا أبا عبد الله ؟ قال: أحدث لنا فأحدثنا, يعني أحدث لنا الحبس فأحدثنا زيادة عبادة.
وقوله: "حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون" أي حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة, فأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون فعند ذلك أبلسوا من كل خير وأيسوا من كل راحة, وانقطعت آمالهم ورجاؤهم, ثم ذكر تعالى نعمه على عباده بأن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة, وهي العقول والفهوم التي يذكرون بها الأشياء ويعتبرون بما في الكون من الايات الدالة على وحدانية الله وأنه الفاعل المختار لما يشاء.
وقوله: "قليلاً ما تشكرون" أي ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم, كقوله: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر في برئه الخليقة وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم, ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والاخرين لميقات يوم معلوم, فلا يترك منهم صغيراً ولا كبيراً, ولا ذكراً ولا أنثى, ولا جليلاً ولا حقيراً, إلا أعاده كما بدأه, ولهذا قال: "وهو الذي يحيي ويميت" أي يحيي الرمم ويميت الأمم, "وله اختلاف الليل والنهار" أي وعن أمره تسخير الليل والنهار, كل منهما يطلب الاخر طلباً حثيثاً, يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما, كقوله: " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " الاية.
وقوله: "أفلا تعقلون" أي أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر كل شيء, وعز كل شيء وخضع له كل شيء, ثم قال مخبراً عن منكري البعث الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين " بل قالوا مثل ما قال الأولون * قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلى البلى " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين " يعنون الإعادة محال, إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الأولين واختلافهم وهذا الإنكار والتكذيب منهم كقوله إخباراً عنهم " أإذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة * فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقال تعالى: " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " الايات.
80- "وهو الذي يحيي ويميت" على جهة الانفراد والاستقلال، وفي هذا تذكير لنعمة الحياة، وبيان الانتقال منها إلى الدار الآخرة "وله اختلاف الليل والنهار" قال الفراء: هو الذي جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض، وقيل اختلافهما نقصان أحدهما وزيادة الآخر، وقيل تكررهما يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة "أفلا تعقلون" كنه قدرته وتتفكرون في ذلك.
80. " وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار"، أي: تدبير الليل والنهار في الزيادة والنقصان، قال الفراء : جعلهما مختلفتين، يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض، " أفلا تعقلون "، ما ترون من صنعه فتعتبرون.
80ـ " وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار " ويختص به تعاقبهما لا يقدر على غيره فيكون رداً لنسبته إلى الشمس حقيقة أو لأمره وقضائه تعاقبهما ، أو انتقاص أحدهما وازدياد الآخر . " أفلا تعقلون " بالنظر والتأمل أن الكل منا وأن قدرتنا تعم الممكنات كلها وأن البعث من جملتها ، وقرئ بالياء على أن الخطاب السابق لتغليب المؤمنين .
80. And He it is Who giveth life and causeth death, and His is the difference of night and day. Have ye then no sense?
80 - It is He Who gives life and death, and to Him (is due) the alternation of Night and Day: will ye not then understand?