[المؤمنون : 77] حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
77 - (حتى) ابتدائية (إذا فتحنا عليهم بابا ذا) صاحب (عذاب شديد) هو يوم بدر بالقتل (إذا هم فيه مبلسون) آيسون من كل خير
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : حتى إذا فتحنا عليهم باب القتال ، فقتلوا يوم بدر .
ذكر من قال ذلك : حدثني ابن إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ،عن داود بن أبي هند ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله " حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد " قد مضى ، كان يوم بدار .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس مثله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، " حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد " قال ، يوم بدر .
وقال آخرون : معناه : حتى إذا فتحنا عليهم باب المجاعة والضر ، هو الاب ذو العذاب الشديد . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد " قال : لكفار قريش الجوع ، وما قبلها من القصة لهم أيضا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال : وما قبلها أيضا . وهذا القول الذي قاله مجاهد : أولى بتأويل الآية ، لصحة الخير الذي ذكرناه قبل عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قصة المجاعة التي أصابت قريشا ، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ، وأمر ثمامة بن أثال ، وذلك لا شك أنه كان بعد وقعة بدر .
وقوله " إذا هم فيه مبلسون " يقول : إذا هؤلاء المشركون فيما فتحنا عليهم من العذاب حزانى ، نادمون على ما سلف منهم في تكذيبهم بآيات الله ، في حين لا ينفعهم الندم والحزن .
قوله تعالى: " حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد " قال عكرمة: هو باب من أبواب جهنم، عليه من الخزنة أربعمائة ألف، سود وجوهههم، كالحة أنيابهم، قد قلعت الرحمة من قلوبهم، إذا بلغوه فتحه الله عز وجل عليهم. وقال ابن عباس هو قتلهم بالسيف يوم بدر. مجاهد : هو القحط الذي أصابهم حتى أكلوا العلهز من الجوع، على ما تقدم. وقيل فتح مكة. " إذا هم فيه مبلسون " أي يائسون متحيرون لا يدرون ما يصنعون، كالآيس من الفرج ومن كل خير. وقد تقدم في ((الأنعام)).
يقول تعالى: "ولقد أخذناهم بالعذاب" أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد "فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" أي فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة, بل استمروا على غيهم وضلالهم "فما استكانوا", أي ما خشعوا "وما يتضرعون" أي ما دعوا, كما قال تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم" الاية. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا محمد بن حمزة المروزي , حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أبي عن يزيد ـ يعني النحوي ـ عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم, فقد أكلنا العلهز ـ يعني الوبر والدم ـ فأنزل الله "ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا" الاية, وكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبيه به, وأصله في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا, فقال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا سلمة بن شبيب , حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان , حدثني وهب بن عمر بن كيسان قال حبس وهب بن منبه فقال له رجل من الأبناء: ألا أنشدك بيتاً من شعر يا أبا عبد الله ؟ فقال وهب : نحن في طرف من عذاب الله, والله يقول: "ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون" قال: وصام وهب ثلاثاً متواصلة, فقيل له: ما هذا الصوم يا أبا عبد الله ؟ قال: أحدث لنا فأحدثنا, يعني أحدث لنا الحبس فأحدثنا زيادة عبادة.
وقوله: "حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون" أي حتى إذا جاءهم أمر الله وجاءتهم الساعة بغتة, فأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون فعند ذلك أبلسوا من كل خير وأيسوا من كل راحة, وانقطعت آمالهم ورجاؤهم, ثم ذكر تعالى نعمه على عباده بأن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة, وهي العقول والفهوم التي يذكرون بها الأشياء ويعتبرون بما في الكون من الايات الدالة على وحدانية الله وأنه الفاعل المختار لما يشاء.
وقوله: "قليلاً ما تشكرون" أي ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم, كقوله: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر في برئه الخليقة وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم, ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والاخرين لميقات يوم معلوم, فلا يترك منهم صغيراً ولا كبيراً, ولا ذكراً ولا أنثى, ولا جليلاً ولا حقيراً, إلا أعاده كما بدأه, ولهذا قال: "وهو الذي يحيي ويميت" أي يحيي الرمم ويميت الأمم, "وله اختلاف الليل والنهار" أي وعن أمره تسخير الليل والنهار, كل منهما يطلب الاخر طلباً حثيثاً, يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما, كقوله: " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " الاية.
وقوله: "أفلا تعقلون" أي أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر كل شيء, وعز كل شيء وخضع له كل شيء, ثم قال مخبراً عن منكري البعث الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين " بل قالوا مثل ما قال الأولون * قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون " يعني يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلى البلى " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين " يعنون الإعادة محال, إنما يخبر بها من تلقاها عن كتب الأولين واختلافهم وهذا الإنكار والتكذيب منهم كقوله إخباراً عنهم " أإذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة * فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة " وقال تعالى: " أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " الايات.
77- "حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد" قيل هو عذاب الآخرة، وقيل قتلهم يوم بدر بالسيف، وقيل القحط الذي أصابهم، وقيل فتح مكة "إذا هم فيه مبلسون" أي متحيرون، لا يدرون ما يصنعون، والإلباس التحير والإياس من كل خير. وقرأ السلمي مبلسون بفتح اللام من أبلسه: أي أدخله في الإبلاس. وقد تقدم في الأنعام.
77. " حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد "، قال ابن عباس: يعني القتل يوم بدر، وهو قول مجاهد ، وقيل: هو الموت. وقيل: هو قيام الساعة، " إذا هم فيه مبلسون "، آيسون من كل خير.
77ـ " حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد " يعي الجوع فإنه أشد من القتل والأسر . " إذا هم فيه مبلسون " متحيرون آيسون من كل خير حتى جاءك أعتاهم يستعطفك .
77. Until, when We open for them the gate of extreme punishment, behold! they are aghast thereat.
77 - Until We open on them a gate leading to a severe Punishment: then lo! They will be plunged in despair therein!