[المؤمنون : 51] يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
51 - (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) الحلالات (واعملوا صالحا) من فرض ونفل (إني بما تعملون عليم) فأجازيكم عليه
يقول تعالى ذكره : وقلنا لعيسى : يا أيها الرسل كلوا من الحلال الذي طيبه الله لكم ، دون الحرام ، " واعملوا صالحا " تقول في الكلام للرجل الواحد : أيها القوم كفوا عنا أذاكم ، وكما قال " الذين قال لهم الناس " (آل عمران : 173) وهو رجل واحد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثني عبيد بين إسحاق الضبي العطار ، عن حفص بن عمر الفزاري ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عمرو بن شرحبيل " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا " قال : كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه .
وقوله " إني بما تعملون عليم " يقول : إني بأعمالكم ذو علم ، لا يخفى علي منها شيء ، وأنا مجازيكم بجميعها ، وموفيكم أجوركم وثوابكم عليها ، فخذوا في صالحات الأعمال واجتهدوا .
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: روى الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم " وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " ثم ذكر - الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ".
الثانية: قال بعض العلماء: والخطاب في هذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أقامه مقام الرسل، كما قال: " الذين قال لهم الناس " [آل عمران: 173] يعني نعيم بن مسعود. وقال الزجاج : هذه مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا، أي كلوا من الحلال. وقال الطبري : الخطاب لعيسى عليه السلام، روي أنه كان يأكل من غزل أمه. والمشهور عنه أنه كان يأكل من بقل البرية. ووجه خطابه لعيسى ما ذكرناه من تقديره لمحمد صلى الله عليه وسلم تشريفاً له. وقيل: إن هذه المقالة خوطب بها كل نبي، لأن هذه طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها. فيكون المعنى: وقلنا يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، كما تقول لتاجر: يا تجار ينبغي أن تجتنبوا الربا، فأنت تخاطبه بالمعنى. وقد اقترن بذلك أن هذه المقالة تصلح لجميع صنفه، فلم يخاطبوا قط مجتمعين صلوات الله عليهم أجمعين، وإنما خوطب كل واحد في عصره. قال الفراء : هو كما تقول للرجل الواحد: كفوا عنا أذاكم.
الثالثة: سوى الله تعالى بين النبيين والمؤمنين في الخطاب بوجوب أكل الحلال وتجنب الحرام، ثم شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى: " إني بما تعملون عليم " صلى الله على رسله وأنبيائه. وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم. وقد مضى القول في الطيبات والرزق في غير موضع، والحمد لله. وفي قوله عليه السلام: " يمد يديه " دليل على مشروعية مد اليدين عند الدعاء إلى السماء، وقد مضى الخلاف في هذا والكلام فيه والحمد لله. وقوله عليه السلام " فأنى يستجاب لذلك " على جهة الاستبعاد، أي أنه ليس أهلاً لإجابة دعائه لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلاً ولطفاً وكرماً.
يأمر تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالأكل من الحلال والقيام بالصالح من الأعمال, فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح, فقام الأنبياء عليهم السلام بهذا أتم القيام, وجمعوا بين كل خير قولاً وعملاً ودلالةً ونصحاً, فجزاهم الله عن العباد خيراً. قال الحسن البصري في قوله: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات" قال: أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم, ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه. وقال سعيد بن جبير والضحاك "كلوا من الطيبات" يعني الحلال. وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل : كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه, وفي الصحيح "وما من نبي إلا رعى الغنم قالوا: وأنت يا رسول الله ؟ قال: نعم وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة". وفي الصحيح "إن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده". وفي الصحيحين "إن أحب الصيام إلى الله صيام داود, وأحب القيام إلى الله قيام داود, كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً, ولا يفر إذا لاقى".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع , حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب أن أم عبد الله أخت شداد بن أوس قال: " بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم, وذلك في أول النهار وشدة الحر, فرد إليها رسولها أنى كانت لك الشاة ؟ فقالت: اشتريتها من مالي, فشرب منه, فلما كان من الغد أتته أم عبد الله أخت شداد فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بلبن, مرثية لك من طول النهار, وشدة الحر, فرددت إلي الرسول فيه, فقال لها: بذلك أمرت الرسل: أن لا تأكل إلا طيباً, ولا تعمل إلا صالحاً". وقد ثبت في صحيح مسلم وجامع الترمذي ومسند الإمام أحمد واللفظ له, من حديث فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً, وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم" وقال: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر, ومطعمه حرام, ومشربه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب فأنى يستحاب لذلك" وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فضيل بن مرزوق .
وقوله: "وإن هذه أمتكم أمة واحدة" أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة, وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له, ولهذا قال "وأنا ربكم فاتقون" وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الأنبياء, وأن قوله "أمة واحدة" منصوب على الحال. وقوله: "فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً" أي الأمم الذين بعثت إليهم الأنبياء "كل حزب بما لديهم فرحون" أي يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون, ولهذا قال متهدداً لهم ومتوعداً: "فذرهم في غمرتهم" أي في غيهم وضلالهم "حتى حين" أي إلى حين حينهم وهلاكهم, كما قال تعالى: "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" وقال تعالى: "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون".
وقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا ؟ كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم " نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم, بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاء, ولهذا قال: "بل لا يشعرون" كما قال تعالى: "فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا" الاية. وقال تعالى: "إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً" وقال تعالى: "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم" الاية, وقال: " ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا " وقال تعالى: "وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً" الاية, والايات في هذا كثيرة.
قال قتادة في قوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " قال: مكر والله بالقوم في أموالهم وأولادهم, يا ابن آدم فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم, ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح. وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد , حدثنا أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عن مرة الهمداني , حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم, وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب, ولا يعطي الدين إلا لمن أحب, فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه, والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه, ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا: وما بوائقه يا رسول الله ؟ قال: غشمه وظلمه, ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه, ولا يتصدق به فيقبل منه, ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار, إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن, إن الخبيث لا يمحو الخبيث".
51- " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات " قال الزجاج: هذه المخاطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا. وقيل إن هذه المقالة خوطب بها كل نبي، لأن هذه طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها، فيكون المعنى: وقلنا يا أيها الرسل خطاباً لكل واحد على انفراده لاختلاف أزمنتهم. وقال ابن جرير: إن الخطاب لعيسى. وقال الفراء: هو كما تقول للرجل الواحد كفوا عنا، والطيبات: ما يستطاب ويستلذ، وقيل هي الحلال، وقيل هي ما جمع الوصفين المذكورين. ثم بعد أن أمرهم بالأكل من الطيبات أمرهم بالعمل الصالح فقال: "واعملوا صالحاً" أي عملاً صالحاً وهو ما كان موافقاً للشرع، ثم علل هذا الأمر بقوله: " إني بما تعملون عليم " لا يخفى علي شيء منه، وإني مجازيكم على حسب أعمالكم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
51. قوله عز وجل: " يا أيها الرسل "، قال الحسن و مجاهد و قتادة و السدي و الكلبي وجماعة: أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة. وقال بعضهم: أراد به عيسى. وقيل: أراد به جميع الرسل عليهم السلام، " كلوا من الطيبات "، أي الحلالات، " واعملوا صالحاً "، الصلاح هو الاستقامة على ما توجبه الشريعة، " إني بما تعملون عليم ".
51ـ " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات " نداء وخطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أن كلاً منهم خوطب به في زمانه ، فيدخل تحته عيسى دخولاً أولياً ويكون ابتداء كلام تنبيهاً على أن تهيئة أسباب التنعم لم تكن له خاصة ، وأن إباحة الطيبات للأنبياء شرع قديم واحتجاجاً على الرهبانية في رفض الطبيبات ، أو حكاية لما ذكر لعيسى وأمه عند إيوائهما إلى الربوة ليقتديا بالرسل في تناول ما رزقا . وقيل النداء له ولفظ الجمع للتعظيم والطيبات ما يستلذ به من المباحات . وقيل الحلال الصافي القوام فالحلال ما لا يعصى الله فيه والصافي ما لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل . " واعملوا صالحاً " فإنه المقصود منكم والنافع عند ربكم . " إني بما تعملون عليم " فأجازيكم عليه .
51. O ye messengers! Eat of the good thing, and do right. Lo! I am Aware of what ye do.
51 - O ye apostles! enjoy (all) things good and pure, and work righteousness: for I am well acquainted with (all) that ye do.