[المؤمنون : 111] إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ
111 - (إني جزيتهم اليوم) النعيم المقيم (بما صبروا) على استهزائهم بهم وأذاكم إياهم (أنهم) بكسر الهمزة استئناف وبفتحها مفعول ثان لجزيتهم (هم الفائزون) بمطلوبهم
وقوله : " إني جزيتهم اليوم بما صبروا " يقول تعالى ذكره : إني أيها المشركون بالله المخلدون في النار ، جزيت الذين اتخذتموهم في الدنيا سخريا من أهل الإيمان بي ، وكنت منهم تضحكون . " اليوم بما صبروا " على ما كانوا يلقون بينكم من أذى سخريتكم وضحككم منها في الدنيا ، أنهم هم الفائزون .
اختلف القراء في قراءة " أنهم " فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة " أنهم " بفتح الألف ، من " أنهم " بمعنى : إني جزيتهم هذا ، فأن في قراءة هؤلاء : في موضع نصب بوقوع قوله جزيتهم عليها ، لأن معنى الكلام عندهم : إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة ، وقد يحتمل النصب من وجه آخر ، وهو أن يكون موجها معناه إلى : إني جزيتهم اليوم بما صبروا ، لأنهم هم الفائزون بما صبروا في الدنيا ، على ما لقوا في ذات الله . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة إني بكسر الألف منها ، بمعنى الابتداء ، وقالوا : ذلك ابتداء من الله مدحهم .
وأولى القراءتين في ذلك الصواب : قراءة من قرأ بكسر الألف ، لأن قوله : جزيتهم ، قد عمل في الهاء والميم ، والجزاء إنما يعمل في منصوبين ، وإذا عمل في الهاء والميم ، لم يكن له العمل في أن فيصير عاملا في ثلاثة إلا ينوى به التكرير ، فيكون نصب أن حينئذ بفعل مضمر ، لا بقوله : جزيتهم ، وإن هي نصبت بإضمار لام ، لم يكن له أيضا كبير معنى ، لأن جزاء الله عباده المؤمنين بالجنة ، إنما هو على ما سلف من صالح أعمالهم في الدنيا ، وجزاؤه إياهم ، وذلك في الآخرة هو الفوز ، فلا معنى لأن يشرط لهم الفوز بالأعمال ، ثم يخبر أنهم إنما فازوا لأنهم هم الفائزون .
فتأويل الكلام إذ كان الصواب من القراءة ما ذكرنا : غني جزيتهم اليوم الجنة بما صبوا في الدنيا على أذاكم بها ، في أنهم اليوم هم الفائزون بالنعيم الدائم ، والكرامة الباقية أبدا ، بما عملوا من صالحات الأعمال في الدنيا ، ولقوا في طلب رضاي من المكاره فيها .
" إني جزيتهم اليوم بما صبروا " على أذاكم، وصبروا على طاعتي. " أنهم هم الفائزون " قرأ حمزة و الكسائي بكسر الهمزة على ابتداء المدح من الله تعالى لهم، وفتح الباقون، أي لأنهم هم الفائزون. ويجوز نصبه بوقوع الجزاء عليه، تقديره: إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة.
قلت: وينظر إلى معنى هذا قوله تعالى في آخر المطففين: " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون " [المطففين: 34] إلى آخر السورة، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. ويستفاد من هذا: التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل.
هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار. يقول " اخسؤوا فيها " أي امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء, "ولا تكلمون" أي لا تعودوا إلى سؤالكم هذا فإنه لا جواب لكم عندي. قال العوفي عن ابن عباس " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال: هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبدة بن سليمان المروزي , حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: إن أهل جهنم يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً, ثم يرد عليهم إنكم ماكثون, قال هانت دعوتهم والله على مالك ورب مالك, ثم يدعون ربهم فيقولون "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة, وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم, قال: فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل , حدثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله بن مسعود : إذا أراد الله تعالى أن لا يخرج منهم أحداً يعني من جهنم, غير وجوههم وألوانهم, فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع فيقول: يا رب, فيقول الله: من عرف أحداً فليخرجه, فيجيء الرجل من المؤمنين فينظر فلا يعرف أحداً, فيناديه الرجل: يا فلان أنا فلان, فيقول ما أعرفك, قال: فعند ذلك يقولون "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" فعند ذلك يقول الله تعالى: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " فإذا قال ذلك أطبقت عليهم النار فلا يخرج منهم أحد.
ثم قال تعالى مذكراً لهم بذنوبهم في الدنيا وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه, فقال تعالى: " إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا " أي فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إلي "حتى أنسوكم ذكري" أي حملكم بغضهم على أن نسيتم معاملتي "وكنتم منهم تضحكون" أي من صنيعهم وعبادتهم, كما قال تعالى: " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون " أي يلمزونهم استهزاء: ثم أخبر تعالى عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين, فقال تعالى: "إني جزيتهم اليوم بما صبروا" أي على أذاكم لهم واستهزائكم بهم "أنهم هم الفائزون" بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.
وجملة 111- "إني جزيتهم اليوم بما صبروا" مستأنفة لتقرير ما سبق، والباء في بما صبروا للسببية "أنهم هم الفائزون" قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرأ الباقون بالفتح: أي لأنهم الفائزون، ويجوز أن يكون منصوباً على أنه المفعول الثاني للفعل.
111. " إني جزيتهم اليوم بما صبروا "، على أذاكم واستهزائكم في الدنيا، " أنهم هم الفائزون "، قرأ حمزة و الكسائي ((أنهم)) بكسر الألف على الاستئناف، وقرأ الآخرون بفتحها، فيكون في موضع المفعول الثاني إني جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز بالجنة.
111ـ " إني جزيتهم اليوم بما صبروا " على أذاكم . " أنهم هم الفائزون " فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به ، وهو ثاني مفعولي " جزيتهم " . وقرأ حمزة و الكسائي بالكسر استئنافاً .
111. Lo! I have rewarded them this day forasmuch as they were steadfast; and they verily are the triumphant.
111 - I have rewarded them this day for their patience and constancy: they are indeed the ones that have achieved Bliss.