[المؤمنون : 110] فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ
110 - (فاتخذتموهم سخريا) بضم السين وكسرها مصدر بمعنى الهزء منهم بلال وصهيب وعمار وسلمان (حتى أنسوكم ذكري) فتركتموه لاشتغالكم بالاستهزاء بهم فهم سبب الإنساء فنسب إليهم (وكنتم منهم تضحكون)
يقول تعالى ذكره : فاتخذتم أيها القائلون لربهم " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين " في الدنيا،القائلين فيها " ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين " سخريا . والهاء والميم في قوله " فاتخذتموهم " من ذكر الفريق .
واختلف القراء في قراءة قوله : " سخريا " فقرأه بعض قراء الحجاز وبعض أهل البصرة والكوفة " فاتخذتموهم سخريا " بكسر السين ، ويتأولون في كسرها أن معنى ذلك الهزء ، ويقولون : إنها إذا ضمت ، فمعنى الكلمة : السخرة والاستعباد . فمعنى الكلام على مذهب هؤلاء : فاتخذتم أهل الإيمان بي في الدنيا هزؤا ولعبا ، تهزءون بهم ، حتى أنسوكم ذكري . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة " فاتخذتموهم سخريا "بضم السين ، وقالوا : معنى الكلمة في الضم والكسر واحد . وحكى بعضهم عن العرب سماعا لجي ولجي ، ودري ، ودري ، منسوب إلى الدار ، وكذلك كرسي وكرسي ، وقالوا ذلك من قيلهم كذلك ، نظير قولهم في جمع العصا : العصي بكسر العين ، والعصي بضمها ، قالوا : وإنما اخترنا الضم في السخري ، لأنه أفصح اللغتين .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان ، بمعنى واحد ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ ذلك فمصيب ، وليس يعرف من فرق بين معنى ذلك إذا كسرت السين وإذا ضمت ، لما ذكرت من الرواية عمن سمع من العرب ما حكيت عنه .
ذكر الرواية به عن بعض من فرق في ذلك بين معناه مكسورة سينه ومضمومة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " فاتخذتموهم سخريا " قال : هما مختلفتان : سخريا وسخريا ، يقول الله : " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا "الزخرف : 32 قال : هذا سخريا : يسخرونهم ، والآخرون : استهزءوا بأهل الإسلام هي سخريا يسخرون منهم ، فهما مختلفتان . وقرأ قول الله " كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " هود : 38 وقال : يسخرون منهم كما سخر قوم نوح بنوح ، اتخذوهم سخريا : اتخذوهم هزؤا ، لم يزالوا يستهزئون بهم .
وقوله : " حتى أنسوكم ذكري " يقول : لم يزل استهزاؤكم بهم ، أنساكم ذلك من فعلكم بهم ذكري ، فألهاكم عنه " وكنتم منهم تضحكون " .
كما حدثني يونس ، قال : اخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " حتى أنسوكم ذكري " قال : أنسى هؤلاء الله استهزاؤهم بهم ، وضحكهم بهم ، وقرأ : " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " المطففين : 29 حتى بلغ" إن هؤلاء لضالون " المطفيين : 32 .
" فاتخذتموهم سخريا " بالضم قراءة نافع وحمزة و الكسائي هاهنا وفي ((ص)). وكسر الباقون. قال النحاس : وفرق أبو عمرو بينهما، فجعل المكسورة من جهة التهزؤ، والمضمومة من جهة السخرة، ولا يعرف هذا التفريق الخليل ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفراء . قال الكسائي : هما لغتان بمعنىً واحد، كما يقال: عصي وعصي، ولجي ولجي. وحكى الثعلبي عن الكسائي و الفراء الفرق الذي ذكره أبو عمرو، وأن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل. وقال المبرد: إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب، وأما التأويل فلا يكون. والكسر في سخري في المعنيين جميعاً، لأن الضمة تستثقل في مثل هذا. " حتى أنسوكم ذكري " أي اشتغلتم بالاستهزاء بهم عن ذكري. " وكنتم منهم تضحكون " استهزاء بهم، وأضاف الإنساء إلى المؤمنين لأنهم كانوا سبباً لاشتغالهم عن ذكره، وتعدى شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم.
هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار. يقول " اخسؤوا فيها " أي امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء, "ولا تكلمون" أي لا تعودوا إلى سؤالكم هذا فإنه لا جواب لكم عندي. قال العوفي عن ابن عباس " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال: هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبدة بن سليمان المروزي , حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: إن أهل جهنم يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً, ثم يرد عليهم إنكم ماكثون, قال هانت دعوتهم والله على مالك ورب مالك, ثم يدعون ربهم فيقولون "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة, وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم, قال: فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل , حدثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله بن مسعود : إذا أراد الله تعالى أن لا يخرج منهم أحداً يعني من جهنم, غير وجوههم وألوانهم, فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع فيقول: يا رب, فيقول الله: من عرف أحداً فليخرجه, فيجيء الرجل من المؤمنين فينظر فلا يعرف أحداً, فيناديه الرجل: يا فلان أنا فلان, فيقول ما أعرفك, قال: فعند ذلك يقولون "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" فعند ذلك يقول الله تعالى: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " فإذا قال ذلك أطبقت عليهم النار فلا يخرج منهم أحد.
ثم قال تعالى مذكراً لهم بذنوبهم في الدنيا وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه, فقال تعالى: " إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا " أي فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إلي "حتى أنسوكم ذكري" أي حملكم بغضهم على أن نسيتم معاملتي "وكنتم منهم تضحكون" أي من صنيعهم وعبادتهم, كما قال تعالى: " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون " أي يلمزونهم استهزاء: ثم أخبر تعالى عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين, فقال تعالى: "إني جزيتهم اليوم بما صبروا" أي على أذاكم لهم واستهزائكم بهم "أنهم هم الفائزون" بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.
110- "فاتخذتموهم سخرياً" قرأ نافع وحمزة والكسائي بضم السين. وقرأ الباقون بكسرها. وفرق بينهما أبو عمرو فجعل الكسر من جهة الهزو، والضم من جهة السخرية. قال النحاس ولا يعرف هذا الفرق الخليل ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفراء، وحكي الثعلبي عن الكسائي: أن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول، والضم بمعنى التسخير والاستبعاد بالفعل "حتى أنسوكم ذكري" أي اتخذتموهم سخرياً إلى هذه الغاية فإنهم نسوا ذكر الله لشدة اشتغالهم بالاستهزاء "وكنتم منهم تضحكون" في الدنيا، والمعنى: حتى نسيتم ذكري باشتغالكم بالسخرية والضحك، فنسب ذلك إلى عباده المؤمنين لكونهم السبب.
110. " فاتخذتموهم سخرياً "، قرأ أهل المدينة و حمزة و الكسائي : ((سخرياً)) بضم السين هاهنا وفي سورة ص، وقرأ الباقون بكسرهما، واتفقوا على الضم في سورة الزخرف. قال الخليل : هما لغتان مثل قولهم: بحر لجي، ولجي بضم اللام وكسرهما، مثل كوكب دري ودري، قال الفراء و الكسائي : الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل، واتفقوا في سورة الزخرف بأنه بمعنى التسخير، " حتى أنسوكم " أي: أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم/ " ذكري، وكنتم منهم تضحكون " نظيره: " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " (المطففين-29) قال مقاتل : نزلت في بلال وعمار وخباب وصهيب وسلمان والفقراء من الصحابة، كان كفار قريش يستهزؤون بهم.
110ـ " فاتخذتموهم سخرياً " هزؤاً وقرأ نافع وحمزة و الكسائي هنا وفي (( ص )) بالضم ، وهما مصدر سخر زيدت فيهما ياء النسب للمبالغة ، وعند الكوفيين المكسور بمعنى الهزء والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية . " حتى أنسوكم ذكري " من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم فلم تخافوني في أوليائي . " وكنتم منهم تضحكون " استهزاء بهم .
110. But ye chose them from a laughing stock until they caused you to forget remembrance of Me, while ye laughed at them.
110 - But ye treated them with ridicule, so much so that (ridicule of) them made you forget My Message while ye were laughing at them!