[المؤمنون : 108] قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ
108 - (قال) لهم بلسان مالك بعد قدر الدنيا مرتين (اخسئوا فيها) ابعدوا في النار اذلاء (ولا تكلمون) في رفع العذاب عنكم فينقطع رجاؤهم
وقوله : " قال اخسؤوا فيها " يقول تعالى ذكره : قال الرب لهم جل ثناؤه مجيبا : " اخسؤوا فيها " : إي اقعدوا في النار ، يقال منه : خسأت فلانا أخسؤه خسأ وخسوءا ، وخسئ هو يخسأ وما كان خاسئا ، ولقد خسئ . " ولا تكلمون " فعند ذلك أيس المساكين من الفرج ، ولقد كانوا طامعين فيه .
كما حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كثيل ، قال : ثني أبو الزعراء ، عن عبدالله ، في قصة ذكرها في الشفاعة ، قال : فإذا أراد الله ألا يخرج منها ، يعني من النار أحدا ، غير وجوههم وألوانها ، فيجيء الرجل من المؤمنين ، فيشفع فيهم ، فيقول : يا رب ، فيقول من عرف أحدا فليخرجه ، قال : فيجيء الرجل فينظر ، فلا يعرف أحدا ، فيقول : يا فلان يا فلان ، فيقول : ما أعرفك ، فعند ذلك يقولون : " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" فيقول : " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " فإذا قالوا ذلك ، انطبقت عليهم جهنم ، فلا يخرج منها بشر .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن شهر بن حوشب ، عن معدي كرب ، عن أبي الدرداء ، قال : يرسل ، أو يصب على أهل النار الجوع ، فيعدل ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيغاثون بالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، فلا يغني ذلك عنهم شيئا ، فيستغيثون ، فيغاثون بطعام ذي غصة ، فإذا أكلوه نشب في حلوقهم ، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يحدرون الغصة بالماء ، فيستغيثون ، فيرفع إليهم الحميم في كلاليب الحديد ، فإذا انتهى إلى وجوههم شوى وجوههم ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم ، قال : فينادون مالكا ليقض علينا ربك ، قال : فيتركهم ألف سنة ، ثم يجيبهم : إنكم ماكثون ، قال : فينادون خزنة جهنم : ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ، قالوا : أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ؟ قالوا : بلى ، ، قالوا : فادعوا ، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ، قال : فيقولون ما نجد أحدا خيرا لنا من ربنا ، فينادون ربهم : " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " . ، قال : فيقول الله : " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال : فعند ذلك يئسوا من كل خير ، فيدعون بالويل والشهيق والثبور .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا عاصم بن يوسف البربوعي ، قال : ثنا قطبة بن عبد العزيز الأسدي ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن شهر بن حوشب ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يلقى على أهل النار الجوع " ... ثم ذكر نحوا منه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن هارون بن عنترة ، عن عمرو بن مرة ، قال : يرى أهل النار في كل سبعين عاما ساق مالك خازن النار ، فيقولون " يا مالك ليقض علينا ربك " الزخرف : 77 . فيجيبهم بكلمة ، ثم لا يرونه سبعين عاما ، فيستغيثون بالخزنة ، فيقولون لهم : ادعوا ربكم بخفف عنا يوما من العذاب ! فيجيبونهم : "أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات" غافر : 50 .. الآية ، فيقولون : ادعوا ربكم ، فليس أحد أرحم من ربكم ، فيقولون : " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " . قال : فيجيبهم " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " فعند ذلك ييأسون من كل خير ، ويأخذون في الشهيق والويل والثبور .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " : قال : بلغني أنهم ينادون مالكا فيقولون : ليقض علينا ربك ، فيسكت عنهم قدر أربعين سنة ، ثم يقول " إنكم ماكثون " الزخرف : 77 قال : ثنا ينادون ربهم ، فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يقول : " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال : فييأس القوم ، فلا يتكلمون بعدها كلمة ، وكان إنما هو الزفير والشهيق . قال قتادة : صوت الكافر في النار مثل صوت الحمار : أوله زفير ، وآخره شهيق .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
حدثنا الحسن ، قال : ينا عبد الله بن عيسى ، قال : أخبرني زياد الخرساني ، قال : أسنده إلى بعض أهل العلم ، فنسيته في قوله : " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال : فيسكتون ، قال : فلا يسمع فيها حس إلا كطنين الطست .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " هذا قول الرحمن عز وجل ، حين انقطع كلامهم منه .
فيجابون بعد ألف سنة: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " أي ابعدوا في جهنم، كما يقال للكلب: اخسأ، أي ابعد. خسأت الكلب خسئاً طردته. وخسأ الكلب بنفسه خسوءاً، يتعدى ولا يتعدى. وانخسأ الكلب أيضاً. وذكر ابن المبارك قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة يذكره عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن أهل جهنم يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يرد عليهم: إنكم ماكثون. قال: هانت والله دعوتهم على مالك ورب مالك. قال: ثم يدعون ربهم فيقولون: " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ". قال فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين. قال: ثم يرد عليهم اخسؤوا فيها. قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم. فشبه أصواتهم بصوت الحمير، أولها زفير وآخرها شهيق. خرجه الترمذي مرفوعاً بمعناه من حديث أبي الدرداء . وقال قتادة : صوت الكفار في النار كصوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق. وقال ابن عباس: يصير لهم نباح الكلاب. وقال محمد بن كعب القرظي: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة ... الخبر بطلوه، ذكره ابن المبارك ، وقد ذكرناه بكماله في التذكرة، وفي آخره: ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم " ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون " [المؤمنون: 105] قال: فلما سمعوا صوته قالوا: الآن يرحمنا ربنا فقالوا عند ذلك " ربنا غلبت علينا شقوتنا " أي الكتاب الذي كتب علينا " وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " فقال عند ذلك " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض، وأطبقت عليهم.
هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار. يقول " اخسؤوا فيها " أي امكثوا فيها صاغرين مهانين أذلاء, "ولا تكلمون" أي لا تعودوا إلى سؤالكم هذا فإنه لا جواب لكم عندي. قال العوفي عن ابن عباس " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال: هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبدة بن سليمان المروزي , حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: إن أهل جهنم يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً, ثم يرد عليهم إنكم ماكثون, قال هانت دعوتهم والله على مالك ورب مالك, ثم يدعون ربهم فيقولون "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة, وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم, قال: فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق.
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي , حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل , حدثنا أبو الزعراء قال: قال عبد الله بن مسعود : إذا أراد الله تعالى أن لا يخرج منهم أحداً يعني من جهنم, غير وجوههم وألوانهم, فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع فيقول: يا رب, فيقول الله: من عرف أحداً فليخرجه, فيجيء الرجل من المؤمنين فينظر فلا يعرف أحداً, فيناديه الرجل: يا فلان أنا فلان, فيقول ما أعرفك, قال: فعند ذلك يقولون "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون" فعند ذلك يقول الله تعالى: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " فإذا قال ذلك أطبقت عليهم النار فلا يخرج منهم أحد.
ثم قال تعالى مذكراً لهم بذنوبهم في الدنيا وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه, فقال تعالى: " إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخريا " أي فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إلي "حتى أنسوكم ذكري" أي حملكم بغضهم على أن نسيتم معاملتي "وكنتم منهم تضحكون" أي من صنيعهم وعبادتهم, كما قال تعالى: " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون " أي يلمزونهم استهزاء: ثم أخبر تعالى عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين, فقال تعالى: "إني جزيتهم اليوم بما صبروا" أي على أذاكم لهم واستهزائكم بهم "أنهم هم الفائزون" بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.
فأجاب الله عليهم بقوله: 108- " قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون " أي اسكنوا في جهنم. قال المبرد: الخسء إبعاد بمكروه، وقال الزجاج: تباعدوا تباعد سخط وأبعدوا بعد الكلب. فالمعنى على هذا: أبعدوا في جهنم، كما يقال للكلب اخسأ: أي ابعد، خسأت الكلب خسأ طردته، ولا تكلمون في إخراجكم من النار ورجوعكم إلى الدنيا، أو في رفع العذاب عنكم، وقيل المعنى: لا تكلمون رأساً.
108. " قال اخسؤوا "، أبعدوا، " فيها "، كما يقال للكلب إذا طرد: اخسأ، " ولا تكلمون "، في رفع العذاب، فإني لا أرفعه عنكم، فعند ذلك أيس المساكين من الفرج، قال الحسن : هو آخر كلام يتكلم به أهل النار ثم لا يتكلمون بهدها إلا الشهيق والزفير، ويصير لهم عواء كعواء الكلاب لا يفهمون ولا يفهمون، روي عن عبد الله بن عمرو: أن أهل جهنم يدعون مالكاً خازن النار أربعين عاماً: " يا مالك ليقض علينا ربك " (الزخرف-77) فلا يجيبهم، ثم يقول: " إنكم ماكثون " (الزخرف-77)، ثم ينادون ربهم: " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون "، فيدعهم مثل عمر الدنيا مرتين ثم يرد عليهم: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون "، فلا ينبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان إلا الزفير والشهيق.
وقال القرطبي : إذا قيل لهم: " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " انقطع رجاؤهم، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض، وأطبقت عليهم.
108ـ " قال اخسؤوا فيها " اسكتوا سكوت هوان في النار فإنها ليست مقام سؤال من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ . " ولا تكلمون " في رفع العذاب أو لا تكلمون رأساً . قيل إن أهل النار يقولون ألف سنة : " ربنا أبصرنا وسمعنا " ، فيجابون " حق القول مني " فيقولون ألفا " ربنا أمتنا اثنتين " ، فيجابون " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم " فيقولون ألفاً " يا مالك ليقض علينا ربك " ، فيجابون " إنكم ماكثون " ، فيقولون ألفاً " ربنا أخرنا إلى أجل قريب " ، فيجابون " أولم تكونوا أقسمتم من قبل " ، فيقولون ألفاً " ربنا أخرجنا نعمل صالحاً " ، فيجابون " أولم نعمركم " فيقولون ألفاً " رب ارجعون " ، فيجابون " اخسؤوا فيها " ثم لا يكون لهم فيها إلا زفير وشهيق وعواء . ذكب
108. He saith: Begone therein, and speak not unto Me.
108 - He will say: Be ye driven into it (with ignominy)! and speak ye not to Me!