[الحج : 58] وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
58 - (والذين هاجروا في سبيل الله) أي طاعته من مكة إلى المدينة (ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا) هو رزق الجنة (وإن الله لهو خير الرازقين) أفضل المعطين
يقول تعالى ذكره : و الذين فارقوا أوطانهم و عشائرهم ، فتركوا ذلك في رضا الله و طاعته و جهاد أعدائه ثم قتلوا أو ماتوا و هم كذلك ، ليرزقنهم الله يوم القيامة في جناته رزقا حسنا . يعني بالحسن : الكريم و إنما يعني الرزق الحسن : الثواب الجزيل " وإن الله لهو خير الرازقين " يقول : و إن اله لهو خير من بسط فضله على أهل طاعته و أكرمهم . و ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في حكم من مات في سبيل الله ، فقال بعضهم : سواء المقتول منهم و الميت ، و قال آخرون : المقتول أفضل ، فأنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلمهم استواء أمر الميت في سبيله و المقتول فيها في الثواب عنده .
و قد حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن شريح ، عن سلامان بن عامر ، قال : كان فضالة برودس أميرا على الأرباع ، فخرج بجنازتي رجلين ، أحدهما قتيل ، و الآخر متوفى ، فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حفرته ، فقال : أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل ، و تفضلونه على أخيه المتوفى ، فو الذي نفسي بيده ، ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت ، اقرؤوا قول الله تعالى " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا " ... إلى قوله " و إن الله لعليم حليم " .
أفرد ذكر المهاجرين الذين ماتوا وقتلوا تفضيلاً لهم وتشريفاً على سائر الموتى. وسبب نزول هذه الآية أنه لما مات بالمدينة عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس: من قتل في سبيل الله أفضل ممن مات حتف أنفه، فنزلت هذه الآية مسوية بينهم، وأن الله يرزق جميهعم رزقاً حسناً. وظاهر الشريعة يدل على أن المقتول أفضل. وقد قال بعض أهل العلم: إن المقتول في سبيل الله والميت في سبيل الله شهيد، ولكن للمقتول مزية ما أصابه في ذات الله. وقال بعضهم: هما سواء، واحتج بالآية، وبقوله تعالى: " ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " [النساء: 100]، " وبحديث أم حرام، فإنها صرعت عن دابتها فماتت ولم تقتل فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:
أنت من الأولين "، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عتيك:
" من خرج من بيته مهاجراً في سبيل الله فخر عن دابته فمات أو لدغته حية فمات أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله ومن مات قعصاً فقد استوجب المآب " وذكر ابن المبارك عن فضالة بن عبيد في حديث ذكر فيه رجلين أحدهما أصيب في غزاة بمنجنيق فمات والآخر مات هناك، فجلس فضالة عند الميت فقيل له: تركت الشهيد ولم تجلس عنده؟ فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت، ثم تلا قوله تعالى: " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا " الآية كلها. وقال سليمان بن عامر: كان فضالة برودس أميراً على الأرباع فخرج بجنازتي رجلين أحدهما قتيل والآخر متوفى، فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حفرته، فقال: أراكم أيها الناس تميلون مع القتيل! فوالذي نفسير بيده ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت، اقرءوا قوله تعالى: " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ". كذا ذكره الثعلبي في تفسيره، وهو معنى ما ذكره ابن المبارك . واحتج من قال: إن للمقتول زيادة فضل بما " ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل:
أي الجهاد أفضل؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده ". وإذا كان من أهريق دمه وعقر جواده أفضل الشهداء علم أنه من لم يكن بتلك الصفة مفضول. قرأ ابن عامر وأهل الشام " قتلوا " بالتشديد على التكثير. الباقون بالتخفيف.
يخبر تعالى عمن خرج مهاجراً في سبيل الله ابتغاء مرضاته وطلباً لما عنده, وترك الأوطان والأهلين والخلان, وفارق بلاده في الله ورسوله, ونصرة لدين الله ثم قتلوا, أي في الجهاد, أو ماتوا أي حتف أنفهم أي من غير قتال على فرشهم, فقد حصلوا على الأجر الجزيل والثناء الجميل, كما قال تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله". وقوله: "ليرزقنهم الله رزقاً حسناً" أي ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم "وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلاً يرضونه" أي الجنة كما قال تعالى: " فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم " فأخبر أنه يحصل له الراحة والرزق وجنة النعيم, كما قال ههنا: " ليرزقنهم الله رزقا حسنا " ثم قال "ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليم" أي بمن يهاجر ويجاهد في سبيله وبمن يستحق ذلك "حليم" أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب, ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه وتوكلهم عليه.
فأما من قتل في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر, فإنه حي عند ربه يرزق كما قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" والأحاديث في هذا كثيرة كما تقدم, وأما من توفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر, فقد تضمنت هذه الاية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه وعظيم إحسان الله إليه. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا المسيب بن واضح , حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن ابن الحارث ـ يعني عبد الكريم ـ عن ابن عقبة يعني أبا عبيدة بن عقبة قال: قال حدثنا شرحبيل بن السمط : طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم, فمر بي سلمان يعني الفارسي رضي الله عنه, فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات مرابطاً أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر, وأجرى عليه الرزق, وأمن من الفتانين, واقرؤوا إن شئتم " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم "".
وقال أيضاً: حدثنا أبو زرعة , حدثنا زيد بن بشر , أخبرني همام أنه سمع أبا قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان: كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمر بجنازتين إحداهما قتيل, والأخرى متوفى, فمال الناس على القتيل, فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا: هذا القتيل في سبيل الله, فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت ؟ اسمعوا كتاب الله "والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا" حتى بلغ آخر الاية, وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عبدة بن سليمان , أنبأنا ابن المبارك , أنبأنا ابن لهيعة , حدثنا سلامان بن عامر الشيباني أن عبد الرحمن بن جحدم الخولاني حدثه أنه حضر فضالة بن عبيد في البحر مع جنازتين أحدهما أصيب بمنجنيق, والاخر توفي, فجلس فضالة بن عبيد عند قبر المتوفى فقيل له: تركت الشهيد فلم تجلس عنده ؟ فقال: ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت إن الله يقول: "والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً" الايتين.فما تبتغي أيها العبد إذا أدخلت مدخلاً ترضاه, ورزقت رزقاً حسناً, والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت.
ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب , أخبرني عبد الرحمن بن شريح عن سلامان بن عامر قال: كان فضالة برودس أميراً على الأرباع, فخرج بجنازتي رجلين, أحدهما قتيل والاخر متوفى, فذكر نحو ما تقدم. وقوله: "ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به" الاية, ذكر مقاتل بن حيان وابن جرير أنها نزلت في سرية من الصحابة لقوا جمعاً من المشركين في شهر محرم, فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام, فأبى المشركون إلا قتالهم, وبغوا عليهم, فقاتلهم المسلمون فنصرهم الله عليهم "إن الله لعفو غفور".
أفرد سبحانه المهاجرين بالذكر تخصيصاً لهم بمزيد الشرف، فقال: 58- "والذين هاجروا في سبيل الله" قال بعض المفسرين: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة. وقال بعضهم: الذين هاجروا من الأوطان في سرية أو عسكر، ولا يبعد حمل ذلك على الأمرين، والكل من سبيل الله "ثم قتلوا أو ماتوا" أي في حال المهاجرة، واللام في "ليرزقنهم الله رزقاً حسناً" جواب قسم محذوف، والجملة خبر الموصول بتقدير القول، وانتصاب رزقاً على أنه مفقول ثان: أي مرزوقاً حسناً، أو على أنه مصدر مؤكدة، والرزق الحسن هو نعيم الجنة الذي لا ينقطع، وقيل هو الغنيمة لأنه حلال، وقيل هو العلم والفهم كقول شعيب "ورزقني منه رزقاً حسناً" قرأ ابن عامر وأهل الشام "ثم قتلوا" بالتشديد على التكثير، وقرأ الباقون بالتخفيف "وإن الله لهو خير الرازقين" فإنه سبحانه يرزق بغير حساب، وكل رزق يجري على يد العباد لبعضهم البعض، فهو منه سبحانه، لا رازق سواه ولا معطي غيره، والجملة تذييل مقررة لما قبلها.
58. " والذين هاجروا في سبيل الله "، فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله وطلب رضاه، " ثم قتلوا أو ماتوا "، وهم كذلك، قرأ ابن عامر ((قتلوا)) بالتشديد " ليرزقنهم الله رزقاً حسناً "، والرزق الحسن الذي لا ينقطع أبداً هو رزق الجنة، " وإن الله لهو خير الرازقين "، قيل: هو قوله: " بل أحياء عند ربهم يرزقون " (آل عمران:169).
58 ـ " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا " في الجهاد . " أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً " الجنة ونعيمها ، وإنما سوى بين من قتل في الجهاد ومن مات حتف أنفه في الوعد لاستوائهما في القصد وأصل العمل . روي أن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا : يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا فنزلت . " وإن الله لهو خير الرازقين " فإنه يرزق بغير حساب .
58. Those who fled their homes for the cause of Allah and then were slain or died, Allah verily will provide for them a good provision. Lo! Allah, He verily is Best of all who make provision.
58 - Those who leave their homes in the cause of God, and are then slain or die, on them will God bestow verily a goodly provision: truly God is he who bestows the best provision.