[الأنبياء : 97] وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
97 - (واقترب الوعد الحق) أي يوم القيامة (فإذا هي) أي القصة (شاخصة أبصار الذين كفروا) في ذلك اليوم لشدته يقولون (يا) للتنبيه (ويلنا) هلاكنا (قد كنا) في الدنيا (في غفلة من هذا) اليوم (بل كنا ظالمين) أنفسنا بتكذيبنا الرسل
يقول تعالى ذكره : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحق ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شك حق كما قال جل ثناؤه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : ثنا حذيفة : لو أن رجلا افتلى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " واقترب الوعد الحق " قال : اقترب يوم القيامة منهم . والواو في قوله " واقترب الوعد الحق " مقحمة . ومعنى الكلام : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، وذلك نظير قوله ( فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه ) الصافات : 103-104 معناه : ناديناه يغير واو ، كما قال امرؤ القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل
يريد : فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا .
وقوله " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان : أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار ، وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر :
لعمرو أبيها لا تقول ظعينتي ألا فر عني مالك بن أبي كعب
فكنى عن الظعينة في : لعمرو أبيها ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا .
والثاني : أن تكون عمادا كما قال جل ثناؤه " فإنها لا تعمى الأبصار " وكقول الشاعر :
فهل هو مرفوع بما ههنا رأس
وقوله " يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا " يقول تعالى ذكره : فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحق بأهواله ، وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون : يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ، ونزل بنا من عظيم البلاء . وفي الكلام متروك ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر عليه عنه ، وذلك يقولون من قوله " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " يقولون : يا ويلنا . وقوله " بل كنا ظالمين " يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذ : ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا ، وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عز وجل .
قوله تعالى: " واقترب الوعد الحق " يعني القيامة. وقال الفراء و الكسائي وغيرهما: الواو زائدة مقحمة، والمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق فاقترب جواب " إذا ". وأنشد الفراء :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
أي انتحى، والواو زائدة، ومنه قوله تعالى: " وتله للجبين * وناديناه " [الصافات: 103 - 104] أي للجبين ناديناه. وأجاز الكسائي أن يكون جواب " إذا " " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " ويكون قوله: " واقترب الوعد الحق " معطوفاً على الفعل الذي هو شرط. وقال البصريون: الجواب محذوف والتقدير: قالوا يا ويلنا، وهو قول الزجاج ، وهو قول حسن. قال الله تعالى: " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " [الزمر: 3] المعنى: قالوا ما نعبدهم، وحذف القول كثير.
قوله تعالى: " فإذا هي شاخصة " " هي " ضمير الأبصار، والأبصار المذكورة بعدها تفسير لها، كأنه قال: فإذا أبصار الذين كفروا شخصت عند مجيء الوعد. وقال الشاعر:
لعمر أبيها لا تقول ظعينتي ألا فر عني مالك بن أبي كعب
فكنى عن الظعينة في أبيها ثم أظهرها. وقال الفراء : " هي " عماد، مثل " فإنها لا تعمى الأبصار " [الحج: 46]. وقيل: إن الكلام تم عند قوله: " هي " التقدير: فإذا هي، بمعنى القيامة بارزة واقعة، أي من قربها كأنها آتية حاضرة، ثم ابتدأ فقال: " شاخصة أبصار الذين كفروا " على تقديم الخبر على الابتداء، أي أبصار الذين كفروا شاخصة من هذا اليوم، أي من هوله لا تكاد تطرف، يقولون: يا ويلنا إنا كنا ظالمين بمعصيتنا، ووضعنا العبادة في غير موضعها.
يقول تعالى: "وحرام على قرية" قال ابن عباس : وجب, يعني قد قدر أن أهل كل قرية أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة, هكذا صرح به ابن عباس وأبو جعفر الباقر وقتادة وغير واحد. وفي رواية عن ابن عباس : أنهم لا يرجعون أي لا يتوبون, والقول الأول أظهر, والله أعلم. وقوله: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج" قد قدمنا أنهم من سلالة آدم عليه السلام, بل هم من نسل نوح أيضاً من أولاد يافث, أي أبي الترك, والترك شرذمة منهم تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين, وقال: "هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" الاية, وقال في هذه الاية الكريمة "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" أي يسرعون في المشي إلى الفساد, والحدب هو المرتفع من الأرض, قاله ابن عباس وعكرمة وأبو صالح والثوري وغيرهم, وهذه صفتهم في حال خروجهم كأن السامع مشاهد لذلك "ولا ينبئك مثل خبير" هذا إخبار عالم ما كان وما يكون, الذي يعلم غيب السموات والأرض لا إله إلا هو.
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن مثنى , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن عبيد الله بن يزيد قال: رأى ابن عباس صبياناً ينزو بعضهم على بعض يلعبون, فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج, وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية.
(فالحديث الأول) قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب , حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة , عن محمود بن لبيد , عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تفتح يأجوج ومأجوج, فيخرجون على الناس, كما قال الله عز وجل: "وهم من كل حدب ينسلون" فيغشون الناس وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم, ويضمون إليهم مواشيهم, ويشربون مياه الأرض حتى إن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابساً, حتى أن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان ههنا ماء مرة, حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة, قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم بقي أهل السماء, قال: ثم يهز أحدهم حربته, ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دماً للبلاء والفتنة, فبينما هم على ذلك بعث الله عز وجل دوداً في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه, فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس, فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو ؟ قال: فيتجرد رجل منهم محتسباً نفسه قد أوطنها على أنه مقتول فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض, فينادي: يا معشر المسلمين ألا أبشروا إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم, فيخرجون من مدائنهم وحصونهم, ويسرحون مواشيهم, فما يكون لهم رعي إلا لحومهم, فتشكر عنهم كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط", ورواه ابن ماجه من حديث يونس بن بكير , عن ابن إسحاق به.
(الحديث الثاني) قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي , حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص, حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه , أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة, فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل, فقال: غير الدجال أخوفني عليكم. فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم, وإن يخرج ولست فيكم فكل امرىء حجيج نفسه, والله خليفتي على كل مسلم, وإنه شاب جعد قطط عينه طافية, وإنه يخرج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وشمالاً يا عباد الله اثبتوا ـ قلنا: يا رسول الله ما لبثه في الأرض ؟ ـ قال: أربعون يوماً, يوم كسنة, ويوم كشهر, يوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله فذاك اليوم الذي هو كسنة, أيكفينا فيه صلاة يوم وليلة ؟ قال: لااقدروا له قدره قلنا: يا رسول الله فما إسراعه في الأرض ؟ قال كالغيث اشتد به الريح, قال: فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له, فيأمر السماء فتمطر, والأرض فتنبت, وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذرى, أمده خواصر, وأسبغه ضروعاً, ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوله, فتتبعه أموالهم فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء, ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ـ قال ـ ويأمر برجل فيقتل, فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض, ثم يدعوه فيقبل إليه, فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل المسيح عيسى ابن مريم, فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً يديه على أجنحة ملكين, فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لد الشرقي ـ قال ـ فبينما هم كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم عليه السلام أني قد أخرجت عباداً من عبادي لا يدان لك بقتالهم, فحوز عبادي إلى الطور, فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج, كما قال تعالى: "وهم من كل حدب ينسلون" فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل, فيرسل عليهم نغفاً في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة, فيهبط عيسى وأصحابه فلا يجدون في الأرض بيتاً إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم, فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل, فيرسل الله عليهم طيراً كأعناق البخت, فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله , قال ابن جابر : فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي عن كعب أو غيره قال: فتطرحهم بالمهبل, قال ابن جابر : فقلت يا أبا يزيد, وأين المهبل ؟ قال: مطلع الشمس. قال: ويرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر أربعين يوماً, فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة, ويقال للأرض: أنبتي ثمرك ودري بركتك, قال: فيومئذ يأكل النفر من الرمانة فيستظلون بقحفها, ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس, واللقحة من البقر تكفي الفخذ, والشاة من الغنم تكفي أهل البيت, قال: فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل ريحاً طيبة, فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ـ أو قال: كل مؤمن ـ ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة", انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري , ورواه مع بقية أهل السنن من طرق عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به. وقال الترمذي : حسن صحيح.
(الحديث الثالث) قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بشر , حدثنا محمد بن عمرو عن ابن حرملة , عن خالته قالت: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب, فقال: إنكم تقولون لا عدو لكم, وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج: عراض الوجوه, صغار العيون, صهب الشعاف, من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة", وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو عن خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي , عن خالة له, عن النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره مثله سواء.
(الحديث الرابع) قد تقدم في آخر تفسير سورة الأعراف من رواية الإمام أحمد عن هشيم , عن العوام , عن جبلة بن سحيم , عن موثد بن عمارة , عن ابن مسعود رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ـ قال فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم, فقال: لا علم لي بها, فردوا أمرهم إلى موسى, فقال: لا علم لي بها, فردوا أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله, وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج ومعي قضيبان, فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص, قال: فيهلكه الله إذا رآني حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافراً, فتعال فاقتله, قال: فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ـ قال ـ فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج, وهم من كل حدب ينسلون, فيطئون بلادهم, ولا يأتون على شيء إلا أهلكوه, ولا يمرون على ماء إلا شربوه ـ قال ـ ثم يرجع الناس إلي يشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم, وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر, ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولدها ليلاً أو نهاراً".
ورواه ابن ماجه عن محمد بن بشار , عن يزيد بن هارون , عن العوام بن حوشب به نحوه, وزاد: قال العوام : ووجد تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" ورواه ابن جرير ههنا من حديث جبلة به. والأحاديث في هذا كثيرة جداً والاثار عن السلف كذلك. وقد ورى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معمر عن غير واحد, عن حميد بن هلال , عن أبي الصيف قال: قال كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج, حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم, فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول نجيء غداً فنخرج فيعيده الله كما كان, فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان, فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم, فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول: نجيء غداً فنخرج إن شاء الله, فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه, فيحفرون حتى يخرجوا, فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها, ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها, ثم تمر الزمرة الثالة فيقولون: قد كان ههنا مرة ماء, فيفر الناس منهم فلا يقوم لهم شيء, ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مخضبة بالدماء, فيقولون: غلبنا أهل الأرض وأهل السماء, فيدعو عليهم عيسى ابن مريم عليه السلام, فيقول: اللهم لا طاقة ولا يد لنا بهم, فاكفناهم بما شئت, فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف, فيفرس رقابهم, ويبعث الله عليهم طيراً تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر, ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة يطهر الله الأرض وينبتها, حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن, وقيل: وما السكن يا كعب ؟ قال: أهل البيت, قال: فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده, قال فيبعث عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة أو بين السبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق, بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض فيها روح كل مؤمن, ثم يبقى عجاج الناس, فيتسافدون كما تتسافد البهائم, فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه متى تضع, قال كعب : فمن قال بعد قولي هذا شيئاً أو بعد علمي هذا شيئاً فهو المتكلف, وهذا من أحسن سياقات كعب الأحبار لما شهد له من صحيح الأخبار.
وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق, وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود , حدثنا عمران عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج" انفرد بإخراجه البخاري وقوله: "واقترب الوعد الحق" يعني يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل, أزفت الساعة واقتربت فإذا كانت ووقعت, قال الكافرون: هذا يوم عسر, ولهذا قال تعالى: "فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا" أي من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام "يا ويلنا" أي يقولون يا ويلنا "قد كنا في غفلة من هذا" أي في الدنيا "بل كنا ظالمين" يعترفون بظلمهم لأنفسهم حيث لا ينفعهم ذلك.
97- "واقترب الوعد" عطف على فتحت، والمراد ما بعد الفتح من الحساب. وقال الفراء والكسائي وغيرهما: المراد بالوعد الحق القيامة والواو زائدة، والمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق وهو القيامة، فاقترب جواب إذا، وأنشد الفراء:
فلما أجزنا ساحة الحي والتحى
أي انتحى، ومنه قوله تعالى: " وتله للجبين * وناديناه "، وأجاز الفراء أن يكون جواب إذا "فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا" وقال البصريون: الجواب محذوف، والتقدير: قالوا يا ويلنا. وبه قال الزجاج، والضمير في فإذا هي للقصة، أو مبهم يفسره ما بعده، وإذا للمفاجأة، وقيل إن الكلام تم عند قوله هي، والتقدير: فإذا هي، يعني القيامة بارزة واقعة كأنها آتية حاضرة، ثم ابتدأ فقال شاخصة أبصار الذين كفروا على تقديم الخبر على المبتدأ: أي أبصار الذين كفروا شاخصة، و"يا ويلنا" على تقدير القول: "قد كنا في غفلة من هذا" أي من هذا الذي دهمنا من العبث والحساب "بل كنا ظالمين" أضربوا عن وصف أنفسهم بالغفلة: أي لم نكن غافلين بل كنا ظالمين لأنفسنا بالتكذيب وعدم الانقياد للرسل.
وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "وأصلحنا له زوجه" قال: كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله. وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: وهبنا له ولدها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كانت عاقراً فجعلها ولوداً ووهب له منها يحيى، وفي قوله: "وكانوا لنا خاشعين" قال: أذلاء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: "ويدعوننا رغباً ورهباً" قال: رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه: "ويدعوننا رغباً ورهباً" قال: رغباً هكذا ورهباً هكذا وبسط كفيه، يعني جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عكيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إن هذه أمتكم أمة واحدة" قال: إن هذا دينكم ديناً واحداً. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: "وتقطعوا أمرهم بينهم" قال: تقطعوا اختلفوا في الدين. وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: "وحرام على قرية أهلكناها" قال: وجب إهلاكها "أنهم لا يرجعون" قال: لا يتوبون. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وحرم على قرية قال: وجب على قرية "أهلكناها أنهم لا يرجعون" كما قال: " ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون ". وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "من كل حدب" قال: شرف "ينسلون" قال: يقبلون، وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة.
97. قوله عز وجل: " واقترب الوعد الحق "، يعني القيامة، قال الفراء وجماعة: الواو في قوله واقترب [مقحمة فمعناه حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب] الوعد الحق، كما قال الله تعالى: " فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه " (الصافات:103) أي ناديناه، والدليل عليه ما روي عن حذيفة قال: لو أن رجلاً اقتنى فلواً بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة.
وقال قوم: لا يجوز طرح الوا، وجعلوا جواب حتى إذا فتحت في قوله ياويلنا، فيكون مجاز الآية.
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق، قالوا: ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا.
قوله: " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا "، وفي قوله ((هى)) ثلاثة أوجه: أحدها: أنها كناية عن الإبصار. ثم أظهر الإبصار بياناً، معناه فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا.
والثاني: أن ((هى)) تكون عماداً كقوله: " فإنها لا تعمى الأبصار " (الحج:46).
والثالث: أن يكون تمام الكلام عند قوله: ((هى))، على معنى فإذا هي بارزة يعني من قربها كأنها حاضرة، ثم ابتدأ: " شاخصة أبصار الذين كفروا "، على تقديم الخبر على الابتداء، مجازها أبصار الذين كفروا شاخصة. قال الكلبي : شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله، يقولون، " يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا "، اليوم، " بل كنا ظالمين "، بوضعنا العبادة في غير موضعها.
97ـ " واقترب الوعد الحق " وهو القيامة . " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " جواب الشرط و (( إذا )) للمفاجأة تسد كمسد الفاء الجزائية كقوله تعالى : " إذا هم يقنطون " فإذا جاءت الفاء معها تظاهرتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ، والضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار . " يا ويلنا " مقدر بالقول واقع موقع الحال من الموصول . " قد كنا في غفلة من هذا " لم نعلم أنه حق . " بل كنا ظالمين " لأنفسنا بالإخلال بالنظر وعدم الاعتداد بالنذر .
97. And the True Promise draweth nigh; then behold them, starring wide (in terror), the eyes of those who disbelieve! (They say): Alas for us! We (lived) in forgetfulness of this. Ah, but we were wrong doers!
97 - Then will the true promise draw nigh (of fulfillment): then behold! the eyes of the unbelievers will fixedly stare in horror: Ah! woe to us! we were indeed heedless of this; nay; we truly did wrong!