[الأنبياء : 96] حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ
96 - (حتى) غاية لامتناع رجوعهم (إذا فتحت) بالتخفيف والتشديد (يأجوج ومأجوج) بالهمز وتركه اسمان أعجميان لقبيلتين ويقدر قبله مضاف أي سدهما وذلك قرب القيامة (وهم من كل حدب) مرتفع من الأرض (ينسلون) يسرعون
يقول تعالى ذكره : حتى إذا فتح عن يأجوج ومأجوج ، وهما أمتان من الأمم ردمهما .
كما حدثني عصام بن داود بن الجراح ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا سفيان بن سعيد الثوري ، قال : ثنا منصور بن المعتمر ، عن ربعي بن جراش ، قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول الآيات : الدجال ، ونزول عيسى ، ونار تخرج من قعر عدن أبين ، تسوق الناس إلى المحشر ، تقيل معهم إذا قالوا ، والدخان ، والدابة ، ثمن يأجوج ومأجوج قال حذيفة : قلت : يا رسول الله ، وما يأجوج ومأجوج ؟ قال : يأجوج ومأجوج : أمم ، كل أمة أربع مائة ألف ، لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه ، وهم ولد آدم ، فيسيرون إلى خراب الدنيا ، يكون مقدمتهم بالشام وساقتهم بالعراق ، فيمرون بأنهار الدنيا ، فيشربون الفرات والدجلة وبحيرة الطبرية حتى يأتوا بيت المقدس ، فيقولون قد قتلنا أهل الدنيا ، فقاتلوا من في السماء ، فيرمون بالنشاب إلى السماء ، فترجع نشابهم مخضبة بالدم ، فيقولون قد قتلنا من في السماء ، وعيسى والمسلمون بجبل طور سنين ، فيوحي الله جل جلاله إلى عيسى : أن أحرز عبادي بالطور ، وما يلي أيلة ، ثم إن عيسى يرفع رأسه إلى السماء ، ويؤمن المسلمون فيبعث الله عليهم دابة يقال لها النغف ، تدخل من مناخرهم ، فيصبحون موتى من حاق الشام إلى حاق العراق ، حتى تنتن الأرض من جيفهم ، ويأمر الله السماء فتمطر كأفواه القرب ، فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم ، فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إن يأجوج ومأجوج يزيدون على سائر الإنس الضعف ، وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال سمعت وهب بن جابر يحدث ، عن عبدالله بن عمرو أنه قال : إن يأجوج ومأجوج يمر أولهم بنهر مثل دجلة ، ويمر آخرهم فيقول : قد كان في هذا مرة ماء ، لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وقال : من بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله : تاويل ، تاريس ، وناسك أو منسك ، شك شعبة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر الحيواني ، قال : سألت عبدالله بن عمرو ، عن يأجوج وماجوج ، أمن بني آدم هم ؟ قال : نعم ، ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله : تاريس ، وتاويل ، ومنسك .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : ثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، قال : سمعت نافع بن جبير بن مطعم يقول : قال عبدالله بن عمرو : يأجوج ومأجوج لهم أنهار يلقمون ما شاءوا ، ونساء يجامعون ما شاءوا ، وشجر يلقمون ما شاءوا ، ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا .
حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبدالله بن موسى ، قال : أخبرنا زكريا عن عامر ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبدالله بن سلام ، قال : ما مات أحد من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف درء فصاعدا .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا ابي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش عن عطية . قال : قال أبو سعيد : يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحدا إلا قتلوه ، إلا أهل الحصون ، فيمرون على البحيرة فيشربونها ، فيمر المار فيقول : كأنه كان ههنا ماء ، قال : فيبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم فيصيروا خبالا ، فتقول أهل الحصون : لقد هلك أعداء الله ، فيدلون رجلا لينظر ، ويشترط عليهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه ، فيجدهم قد هلكوا ، قال : فينزل الله ماء من السماء فيقذفهم في البحر ، فتطر الأرض منهم ، ويغرس الناس بعدهم الشجر والنخل ، وتخرج الأرض ثمرتها ، كما كانت تخرج في زمن يأجوج ومأجوج .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد : رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون ، فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم ، قال : ثنا عمرو بن قيس ، قال : بلغنا أن ملكا دون الردم يبعث خيلا كل يوم يحرسون الردم لا يأمن يأجوج ومأجوج أن تخرج عليهم ، قال : فيسمعون جلبة وأمرا شديدا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق أن عبدالله بن عمرو ، قال : ما يموت الرجل من مأجوج ومأجوج حتى يولد له من صلبه ألف ، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عددهم إلا الله : منسك ، وتاويل ، وتاريس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن عمرو البكالي ، قال : إن الله جزأ الملائكة والإنس والجن عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الكروبيون ، وهم الملائكة الذين يحملون العرش ، ثم هم أيضا الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون . قال : ومن بقي من الملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته . ثم جزأ الإنس والجن عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الجن ، لا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة . ثم جزأ الإنس على عشرة أجزاء ، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وسائر الإنس جزء .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين ، قال ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج " قال : أمتان من وراء ردم ذي القرنين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصيف ، قال : قال كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنخرج ، فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد ، فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله ، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون ثم يخرجون ، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون : قد كان ههنا مرة ماء . وتفر الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء ، يرمون بسهامهم إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون : غلبنا أهل الأرض وأهل السماء ، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، فيقول : اللهم لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت ، فيسلط الله عليهم دودا يقال له النغف ، فتقرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا ، فتأخذهم بمناقرها ، فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها الحياة ، تطهر الأرض منهم ، وتنبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن ، قبل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت ، قال : فبينا الناس كذلك ، إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مائة ، أو بين السبع مائة والثمان مائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض الله فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس يتساقدون كما تتساقد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع ، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا ، أو على هذا شيئا فهو المتكلف .
حدثنا العباس بن الوليد البيروتي ، قال : أخبرني أبي ، قال : سمعت ابن جابر ، قال : ثني محمد بن جابر الطائي ، ثم الحمصي ، ثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، قال : ثني أبي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي يقول : .
وأما كقوله " وهم من كل حدب ينسلون " فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به ، فقال بعضهم : عني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض ، وإنما عني بذلك الحشر إلى موقف الناس يوم القيامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " من كل حدب ينسلون " قال : جمع الناس من كل مكان جاءوا منه يوم القيامة ، فهو الحدب .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج " وهم من كل حدب ينسلون " ، قال ابن جريج : قال مجاهد : جمع الناس من كل حدب من مكان جاءوا منه يوم القيامة فهو حدب .
وقال آخرون : بل عني بذلك يأجوج ومأجوج ، وقوله وهم كناية أسمائهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل قال : ثنا أبو الزعراء ، عن عبدالله أنه قال : يخرج يأجوج ومأجوج فيمرحون في الأرض ، فيفسدون فيها ، ثم قرأ عبد الله " وهم من كل حدب ينسلون " قال : ثم يبعث الله عليهم دابة مثل النغف ، فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها فتنتن الأرض منهم ، فيرسل الله عز وجل ماء فيطهر الأرض منهم .
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : عني بذلك يأجوج ومأجوج ، وإن قوله " وهم " كناية عن أسمائهم للخبر الذي:
حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، عن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري ، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يفتح يأجوج ومأجوج يخرجون على الناس كما قال الله " من كل حدب ينسلون " فيغشون الأرض " .
حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفازة العبدي ، عن عبدالله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكر عن عيسى ابن مريم ، قال : " قال عيسى : عهد إلي ربي أن الدجال خارج ، وأنه مهبطي إليه ، فذكر أن معه قضيبين ، فإذا رآني أهلكه الله ، قال : فيذوب كما يذوب الرصاص ، حتى إن الشجر والحجر ليقول : يا مسلم هذا كافر فاقتله ، فيهلكهم الله تبارك وتعالى ، ويرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه " .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : ثنا المحاربي ، عن أصبغ بن زيد ، عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عفازة ، عن عبدالله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
وأما قوله " من كل حدب " فانه يعني من كل شرف ونشز وأكمة .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " من كل حدب ينسلون " يقول : من كل شرف يقبلون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة " من كل حدب ينسلون " قال : من كل أكمة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وهم من كل حدب ينسلون " قال : الحدب : الشيء المشرف . وقال الشاعر :
على الحداب تمور
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " قال : هذا مبتدأ يوم القيامة . وأما قوله " ينسلون " فإنه يعني : أنهم يخرجون مشاة مسرعين في مشيهم كنسلان الذئب ، كما قال الشاعر :
عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل عليه فنسل .
قوله تعالى: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج " تقدم القول فيهم. وفي الكلام حذف، أي حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج، مثل " واسأل القرية " [يوسف: 82]. " وهم من كل حدب ينسلون " قال ابن عباس: من كل شرف يقبلون، أي لكثرتهم ينسلون من كل ناحية. والحدب ما ارتفع من الأرض، والجمع الحداب، مأخوذ من حدبة الظهر، قال عنترة:
فما رعشت يداي ولا ازدهاني تواترهم إلي من الحداب
وقيل: " ينسلون " يخرجون ، ومنه قول امرىء القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقيل: يسرعون، ومنه قول النابغة:
عسلان الذئب أمسى قارباً برد الليل عليه فنسل
يقال: عسل الذئب يعسل عسلاً وعسلانا إذا أعنق وأسرع. وفي الحديث: " كذب عليك العسل " أي عليك بسرعة المشي. وقال الزجاج : والنسلان مشية الذئب إذا أسرع، يقال: نسل فلان في العدو ينسل بالكسر والضم نسلا ونسولاً ونسلانا، أي أسرع. ثم قيل في الذين ينسلون من كل حدب: إنهما يأجوج ومأجوج، وهو الأظهر، وهو قول ابن مسعود وابن عباس. وقيل: جميع الخلق، فإنهم يحشرون إلى أرض الموقف، وهم يسرعون من كل صوب. وقرىء في الشواذ وهم من كل جدث ينسلون أخذا من قوله: " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " [يس: 51]. وحكى هذه القراءة المهدوي عن ابن مسعود و الثعلبي عن مجاهد وأبي الصهباء.
يقول تعالى: "وحرام على قرية" قال ابن عباس : وجب, يعني قد قدر أن أهل كل قرية أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة, هكذا صرح به ابن عباس وأبو جعفر الباقر وقتادة وغير واحد. وفي رواية عن ابن عباس : أنهم لا يرجعون أي لا يتوبون, والقول الأول أظهر, والله أعلم. وقوله: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج" قد قدمنا أنهم من سلالة آدم عليه السلام, بل هم من نسل نوح أيضاً من أولاد يافث, أي أبي الترك, والترك شرذمة منهم تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين, وقال: "هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً * وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" الاية, وقال في هذه الاية الكريمة "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" أي يسرعون في المشي إلى الفساد, والحدب هو المرتفع من الأرض, قاله ابن عباس وعكرمة وأبو صالح والثوري وغيرهم, وهذه صفتهم في حال خروجهم كأن السامع مشاهد لذلك "ولا ينبئك مثل خبير" هذا إخبار عالم ما كان وما يكون, الذي يعلم غيب السموات والأرض لا إله إلا هو.
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن مثنى , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن عبيد الله بن يزيد قال: رأى ابن عباس صبياناً ينزو بعضهم على بعض يلعبون, فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج, وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية.
(فالحديث الأول) قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب , حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة , عن محمود بن لبيد , عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تفتح يأجوج ومأجوج, فيخرجون على الناس, كما قال الله عز وجل: "وهم من كل حدب ينسلون" فيغشون الناس وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم, ويضمون إليهم مواشيهم, ويشربون مياه الأرض حتى إن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يابساً, حتى أن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان ههنا ماء مرة, حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أحد في حصن أو مدينة, قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم بقي أهل السماء, قال: ثم يهز أحدهم حربته, ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دماً للبلاء والفتنة, فبينما هم على ذلك بعث الله عز وجل دوداً في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقه, فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس, فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هذا العدو ؟ قال: فيتجرد رجل منهم محتسباً نفسه قد أوطنها على أنه مقتول فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض, فينادي: يا معشر المسلمين ألا أبشروا إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم, فيخرجون من مدائنهم وحصونهم, ويسرحون مواشيهم, فما يكون لهم رعي إلا لحومهم, فتشكر عنهم كأحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط", ورواه ابن ماجه من حديث يونس بن بكير , عن ابن إسحاق به.
(الحديث الثاني) قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي , حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , حدثني يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص, حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه , أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة, فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل, فقال: غير الدجال أخوفني عليكم. فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم, وإن يخرج ولست فيكم فكل امرىء حجيج نفسه, والله خليفتي على كل مسلم, وإنه شاب جعد قطط عينه طافية, وإنه يخرج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وشمالاً يا عباد الله اثبتوا ـ قلنا: يا رسول الله ما لبثه في الأرض ؟ ـ قال: أربعون يوماً, يوم كسنة, ويوم كشهر, يوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله فذاك اليوم الذي هو كسنة, أيكفينا فيه صلاة يوم وليلة ؟ قال: لااقدروا له قدره قلنا: يا رسول الله فما إسراعه في الأرض ؟ قال كالغيث اشتد به الريح, قال: فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له, فيأمر السماء فتمطر, والأرض فتنبت, وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذرى, أمده خواصر, وأسبغه ضروعاً, ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوله, فتتبعه أموالهم فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء, ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ـ قال ـ ويأمر برجل فيقتل, فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض, ثم يدعوه فيقبل إليه, فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل المسيح عيسى ابن مريم, فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً يديه على أجنحة ملكين, فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لد الشرقي ـ قال ـ فبينما هم كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم عليه السلام أني قد أخرجت عباداً من عبادي لا يدان لك بقتالهم, فحوز عبادي إلى الطور, فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج, كما قال تعالى: "وهم من كل حدب ينسلون" فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل, فيرسل عليهم نغفاً في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة, فيهبط عيسى وأصحابه فلا يجدون في الأرض بيتاً إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم, فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل, فيرسل الله عليهم طيراً كأعناق البخت, فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله , قال ابن جابر : فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي عن كعب أو غيره قال: فتطرحهم بالمهبل, قال ابن جابر : فقلت يا أبا يزيد, وأين المهبل ؟ قال: مطلع الشمس. قال: ويرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر أربعين يوماً, فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة, ويقال للأرض: أنبتي ثمرك ودري بركتك, قال: فيومئذ يأكل النفر من الرمانة فيستظلون بقحفها, ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس, واللقحة من البقر تكفي الفخذ, والشاة من الغنم تكفي أهل البيت, قال: فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل ريحاً طيبة, فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ـ أو قال: كل مؤمن ـ ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة", انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري , ورواه مع بقية أهل السنن من طرق عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به. وقال الترمذي : حسن صحيح.
(الحديث الثالث) قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بشر , حدثنا محمد بن عمرو عن ابن حرملة , عن خالته قالت: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب, فقال: إنكم تقولون لا عدو لكم, وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج: عراض الوجوه, صغار العيون, صهب الشعاف, من كل حدب ينسلون كأن وجوههم المجان المطرقة", وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو عن خالد بن عبد الله بن حرملة المدلجي , عن خالة له, عن النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره مثله سواء.
(الحديث الرابع) قد تقدم في آخر تفسير سورة الأعراف من رواية الإمام أحمد عن هشيم , عن العوام , عن جبلة بن سحيم , عن موثد بن عمارة , عن ابن مسعود رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ـ قال فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم, فقال: لا علم لي بها, فردوا أمرهم إلى موسى, فقال: لا علم لي بها, فردوا أمرهم إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله, وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج ومعي قضيبان, فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص, قال: فيهلكه الله إذا رآني حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافراً, فتعال فاقتله, قال: فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ـ قال ـ فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج, وهم من كل حدب ينسلون, فيطئون بلادهم, ولا يأتون على شيء إلا أهلكوه, ولا يمرون على ماء إلا شربوه ـ قال ـ ثم يرجع الناس إلي يشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم, وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر, ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولدها ليلاً أو نهاراً".
ورواه ابن ماجه عن محمد بن بشار , عن يزيد بن هارون , عن العوام بن حوشب به نحوه, وزاد: قال العوام : ووجد تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" ورواه ابن جرير ههنا من حديث جبلة به. والأحاديث في هذا كثيرة جداً والاثار عن السلف كذلك. وقد ورى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معمر عن غير واحد, عن حميد بن هلال , عن أبي الصيف قال: قال كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج, حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم, فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول نجيء غداً فنخرج فيعيده الله كما كان, فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان, فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم, فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول: نجيء غداً فنخرج إن شاء الله, فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه, فيحفرون حتى يخرجوا, فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها, ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها, ثم تمر الزمرة الثالة فيقولون: قد كان ههنا مرة ماء, فيفر الناس منهم فلا يقوم لهم شيء, ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مخضبة بالدماء, فيقولون: غلبنا أهل الأرض وأهل السماء, فيدعو عليهم عيسى ابن مريم عليه السلام, فيقول: اللهم لا طاقة ولا يد لنا بهم, فاكفناهم بما شئت, فيسلط الله عليهم دوداً يقال له النغف, فيفرس رقابهم, ويبعث الله عليهم طيراً تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر, ويبعث الله عيناً يقال لها الحياة يطهر الله الأرض وينبتها, حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن, وقيل: وما السكن يا كعب ؟ قال: أهل البيت, قال: فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده, قال فيبعث عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة أو بين السبعمائة والثمانمائة حتى إذا كانوا ببعض الطريق, بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض فيها روح كل مؤمن, ثم يبقى عجاج الناس, فيتسافدون كما تتسافد البهائم, فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه متى تضع, قال كعب : فمن قال بعد قولي هذا شيئاً أو بعد علمي هذا شيئاً فهو المتكلف, وهذا من أحسن سياقات كعب الأحبار لما شهد له من صحيح الأخبار.
وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق, وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود , حدثنا عمران عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج" انفرد بإخراجه البخاري وقوله: "واقترب الوعد الحق" يعني يوم القيامة إذا حصلت هذه الأهوال والزلازل والبلابل, أزفت الساعة واقتربت فإذا كانت ووقعت, قال الكافرون: هذا يوم عسر, ولهذا قال تعالى: "فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا" أي من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام "يا ويلنا" أي يقولون يا ويلنا "قد كنا في غفلة من هذا" أي في الدنيا "بل كنا ظالمين" يعترفون بظلمهم لأنفسهم حيث لا ينفعهم ذلك.
96- "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج" حتى هذه هي التي يحكى بعدها الكلام، على حذف المضاف، وقيل إن حتى هذه هي التي للغاية. والمعنى: أن هؤلاء المذكورين سابقاً مستمرون على ما هم عليه إلى يوم القيامة، وهي يوم فتح سد يأجوج ومأجوج "وهم من كل حدب ينسلون" الضمير ليأجوج ومأجوج والحدب كل أكمة من الأرض مرتفعة والجمع أحداب، مأخوذ من حدبة الأرض، ومعنى "ينسلون" يسرعون، وقيل يخرجون. قال الزجاج: والنسلان مشية الذئب إذا أسرع. يقال نسل فلان في العدو ينسل بالكسر والضم نسلاً ونسولاً ونسلاناً: أي أن يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون المشي وتفرقون في الأرض، وقيل الضمير في قوله: وهم لجميع الخلق، والمعنى أنهم يحشرون إلى أرض الموقف وهم يسرعون من كل مرتفع من الأرض. وقرئ بضم السين. حكى ذلك المهدوي عن ابن مسعود. وحكى هذه القراءة أيضاً الثعلبي عن مجاهد وأبي الصهباء.
96. قوله عز وجل: " حتى إذا فتحت "، قرأ ابن عامر و أبو جعفر و يعقوب : " فتحت " بالتشديد على التكثير، وقرأ الآخرون بالتخفيف، " يأجوج ومأجوج "، يريد فتح السد عن يأجوج ومأجوج، " وهم من كل حدب "، أي نشز وتل، والحدب المكان المرتفع، " ينسلون "، يسرعون النزول من الآكام والتلال كنسلان الذئب، وهو سرعة مشيه، واختلفوا في هذه الكناية، فقال قوم: عنى بهم يأجوج ومأجوج بدليل ما روينا عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون " وقال قوم: أراد جميع الخلق يعني أنهم يخرجون من قبورهم، ويدل عليه قراءة مجاهد وهم من كل جدث بالجيم والثاء كما قال: " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " (يونس:51).
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أخبرنا مسلم بن حجاج ، أخبرنا أبو خيثمة زهير بن حرب ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن فرات القزاز ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال: "اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمغرف وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ".
ـ " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج " متعلق بـ " حرام " أو بمحذوف دل الكلام عليه ، أو بـ " لا يرجعون " أي يستمر الامتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها : وهو فتح سد يأجوج ومأجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها ، والمحكي هي الجملة الشرطية . وقرأ ابن عامر
و يعقوب (( فتحت )) بالتشديد . " وهم " يعني يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم . " من كل حدب " نشز من الأرض ، وقرئ جدث وهو القبر . " ينسلون " يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين .
96. Until, when Gog and Magog are let loose, and they hasten out of every mound.
96 - Until the Gog and magog (people) are let through (their barrier), and they swiftly swarm from every hill.