[الأنبياء : 85] وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ
85 - واذكر (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين) على طاعة الله وعن معاصيه
يعني تعالى ذكره بإسماعيل : إسماعيل بن إبراهيم صادق الوعد ، و بإدريس : أخنوخ ، و بذي الكفل : رجلا تكفل من بعض الناس ، إما من نبي و إما من ملك من صالحي الملوك بعمل من الأعمال ، فقام به من بعده ، فأثنى الله عليه حسن وفائه بما تكفل به ، و جعله من المعدودين في عباده ، مع من حمد صبره
ذكر الرواية بذلك عنهم :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث ، أن نبيا من الأنبياء ، قال : من تكفل لي أن يصوم النهار و يقوم الليل ، و لا يغضب ؟ فقام شاب فقال : أنا ، فقال : اجلس . ثم عاد فقال : من تكفل لي أن يقوم الليل ، و يصوم النهار ، و لا يغضب ؟ فقام ذلك الشاب فقال : أنا ، فقال : تقوم الليل ، و تصوم النهار ، و لا تغضب فمات ذلك النبي ، فجلس ذلك الشاب مكانه يقضي بين الناس ، فكان لا يغضب . فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليغضبه و هو صائم يريد أن يقيل ، فضرب الباب ضربا شديدا ، فقال : من هذا ؟ فقال : رجل له حاجة ، فأرسل معه آخر ، فقال : لا أرضى بهذا ، فخرج إليه فأخذ بيده ، فانطلق معه ، حتى إذا كان في السوق خلاه و ذهب ، فسمي ذا الكفل .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال ثنا وهيب ، قال: ثنا داود ، عن مجاهد ، قال : لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت على الناس رجلا يعمل عليهم في حياتي ، حتى أنظر كيف يعمل ، قال : فقام رجل تزدريه العين ، فقال : أنا ، فقال : أنت تصوم النهار ، و تقوم الليل ، و لا تغضب ؟ قال :نعم ، قال: فردهم ذلك اليوم ، و قال مثلها النوم الآخر ، فسكت الناس و قام ذلك الرجل ، فقال : أنا ، فاستخلفه . قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان ، فأعياهم ، فقال : دعوني و إياه ، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، و كان لا ينام الليل و النهار إلا تلك النومة ، فدق الباب ، فقال من هذا ؟ قال: شيخ كبير مظلوم ، قال: فقام ففتح الباب ، فجعل يقص عليه ، فقال: إن بيني و بين قومي خصومة ، و إنهم ظلموني ، و فعلوا بي و فعلوا ، فجعل يطول عليه ،حتى حض الرواح ، و ذهبت القائلة ، و قال : إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك ، فانطلق وراح ، فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ ، فلم يره ، فجعل يبتغيه . فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس و ينتظره فلا يراه ، فلما رجع إلى القائلة ، فأخذ مضجعه ، أتاه فدق الباب ، فقال : م هذا ؟ قال : الشيخ الكبير المظلوم ، ففتح له فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ، فقال : إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا ك نحن نعطيك حقك ، و إذا قمت جحدوني ، قال : فانطلق فإذا رحت فأتني ، قال : ففاتته القائلة ، فراح ينظر فلا يراه ، فشق عليه النعاس ، فقال لبعض أهله : لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى انام ، فإني قد شق علي النوم فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل وراءك ، فقال: إني قد أتيته أمس ، فذكرت له أمري ، قال : و الله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه ، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت ، فتسور منها ، فإذا هو في البيت ، و إذا هو يدق الباب ، قال : و استيقظ الرجل فقال : يا فلان ، ألم آمرك ؟ قال: أما من قبلي و الله فلم تؤت ، فانظر من أين أتيت ، قال: فقام إلى الباب ، فإذا هو مغلق كما أغلقه ، و إذا هو معه في البيت ، فعرفه فقال : أعدو الله ؟ قال : نعم أعييتني في كل شيء ،ففعلت ما ترى لأغضبك ، فسماه ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفى به .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله : " وذا الكفل " قال رجل صالح غير نبي ، تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ، و يقيمه لهم ، ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك ، فسمي ذا الكفل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : و يقضي بينهم بالحق .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان بني إسرائيل ملك صالح ، فكبر ،فجمع قومه فقال : أيكم يكفل لي بملكي هذا ، على أن يصوم النهار ، و يقوم الليل ، و يحكم بين بني إسرائيل بما أنزل الله ، فلم يقم إلا ذلك الفتى ، قال : فازدراه ، فلما كانت الثالثة قال مثل ذلك ، فلم يقم إلا ذلك الفتى ، فقال : تعل ، فخلي بينه و بين ملكه ، فقام الفتى ليلة ، فلما أصبح جعل يحكم بين بني إسرائيل، فلما انتصف النهار دخل ليقيل، فأتاه الشيطان في صورة رجل من بني آدم ، فجذب ثوبه ، فقال: أتنام و الخصوم ببابك ؟ قال : إذا كان العشية فأتني ، قال فانتظره بالعشي فلم يأته ، فلما انتصف النهار دخل ليقيل ، جذب ثوبه و قال : أتنام و الخصوم على بابك ؟ قال : قلت لك : ائتني العشي فلم تأتني ، ائتني بالعشي ، فلما كان بالعشي انتظره فلم يأت ، فلما دخل ليقيل جذب ثوبه ، فقال : أتنام و الخصوم ببابك ؟ قال : أخبرني من أنت ، لو كنت من الإنس سمعت ما قلت ، قال : هو الشيطان ،جئت لأقتنك ، فعصمك الله مني . فقضى بين بني إسرائيل بما أنزل الله زمانا طويلا ، و هو ذو الكفل، سمي ذا الكفل لأنه تكفل بالملك .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي موسى الأشعري ، قال و هو يخطب الناس : إن ذا الكفل لم يكمن نبيا ، و لكن كان عبدا صالحا ، تكفل بعمل رجل صالح عند موته ، كان يصلي لله كل يوم مائة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء في كفالته إياه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم ، قال : ثنا عمرو ، قال : أما ذو الكفل فإنه كان على بني إسرائيل ملك ، فلما حضره الموت ، قال : من يكفل لي أن يكفيني بني إسرائيل ، و لا يغضب ، و يصلي كل يوم مائة صلاة ، فقال ذو الكفل : أنا ، فجعل ذو الكفل يقضي بين الناس ، فإذا فرغ صلى مائة صلاة ، فكاده الشيطان ، فأمهله حتى إذا قضى بين الناس ، و فرغ من صلاته ، و أخذ مضجعه فنام ، أتى الشيطان بابه فجعل يدقه ، فخرج إليه فقال : ظلمت وصنع بي ، فأعطاه خاتمه و قال : اذهب فأتني بصاحبك ، و انتظره ، فأبطأ عليه الآخر ، حتى إذا عرف أنه قد نام و أخذ مضجعه ، أتى الباب أيضا كي يغضبه ، فجعل يدقه و خدش وجه نفسه ، فسالت الدماء ، فخرج إليه فقال : مالك ؟ فقال : لم يتبعني ، و ضربت و فعل ، فأخذه ذو الكفل ، و أنكر أمره ، فقال : أخبرني من أنت ؟ و أخذه أخذا شديدا ، قال : فأخبره من هو .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " و ذا الكفل " قال : قال أبو موسى الأشعري : لم يكن ذو الكفل نبيا ، و لكنه كفل بصلاة رجل كان يصلي كل يوم مائة صلاة ، فوفى ، فكفل بصلاته ، فذلك سمي ذا الكفل . و نصب إسماعيل وإدريس و ذا الكفل ، عطفا على أيوب ، ثم استؤنف بقوله " كل " فقال " كل من الصابرين " ومعنى الكلام : كلهم من أهل الصبر فيما نابهم في الله .
قوله تعالى: " وإسماعيل وإدريس " وهو أخنوخ وقد تقدم " وذا الكفل " أي واذكرهم. وخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وغيره من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" كان في بني إسرائيل رجل يقال له ذو الكفل لا يتورع من ذنب عمله فاتبع امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال: ما يبكيك قالت من هذا العمل والله ما عملته قط قال: أأكرهتك قالت: لا ولكن حملني عليه الحاجة قال: اذهبي فهو لك والله لا أعصي الله بعدها أبداً ثم مات من ليلته فوجدوا مكتوباً على باب داره إن الله غفر لذي الكفل " وخرجه أبو عيسى الترمذي أيضاً. ولفظه " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث حديثاً لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين - حتى عد سبع مرات - لم أحدث به ولكني سمعته أكثر من ذلك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال: ما يبكيك أأكرهتك قالت: لا ولكنه عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته اذهبي فهي لك وقال والله لا أعصي الله بعدها أبداً فمات من ليلته فأصبح مكتوباً على بابه إن الله قد غفر لذي الكفل " قال: حديث حسن. وقيل إن اليسع لما كبر قال: لو استخلفت رجلاً على الناس حتى أنظر كيف يعمل. فقال: من يتكفل لي بثلاث: بصيام النهار وقيام الليل وألا يغضب وهو يقضي؟فقال رجل من ذرية العيص: أنا، فرده ثم قال مثلها من الغد، فقال الرجل: أنا، فاستخلفه فوفى فأثنى الله عليه فسمي ذا الكفل، لأنه تكفل بأمر، قاله أبو موسى و مجاهد و قتادة . وقال عمرو بن عبد الرحمن بن الحارث وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذا الكفل لم يكن نبياً، ولكنه كان عبداً صالحاً فتكفل بعمل رجل صالح عند موته، وكان يصلي لله كل يوم مائة صلاة فأحسن الله كل يوم مائة صلاة فأحسن الله الثناء عليه. وقال كعب: كان في بني إسرائيل ملك كافر فمر ببلاده رجل صالح فقال: والله إن خرجت من هذه البلاد حتى أعرض على هذا الملك الإسلام. فعرض عليه فقال: ما جزائي؟ قال: الجنة - ووصفها له - قال: من يتكفل لي بذلك؟ قال: أنا، فأسلم الملك وتخلى عن المملكة وأقبل على طاعة ربه حتى مات، فدفن فأصبحوا فوجدوا يده خارجة من القبر وفيها رقعة خضراء مكتوب فيها بنور أبيض: إن الله قد غفر لي وأدخلني الجنة ووفى عن كفالة فلان، فأسرع الناس إلى ذلك الرجل بأن يأخذ عليهم الإيمان، ويتكفل لهم بما تكفل به للملك، ففعل ذلك فآمنوا كلهم فسمي ذا الكفل. وقيل: كان رجلاً عفيفاً يتكفل بشأن كل إنسان وقع في بلاء أو تهمة أو مطالبة فينجيه الله على يديه. وقيل: سمي ذا الكفل لأن الله تعالى تكفل له في سعيه وعمله بضعف عمل غيره من الأنبياء الذين كانوا في زمانه. والجمهور على أنه ليس بنبي. وقال الحسن : هو نبي قبل إلياس. وقيل: وهو زكريا بكفالة مريم. " كل من الصابرين " أي على أمر الله والقيام بطاعته واجتناب معاصيه.
وأما إسماعيل فالمراد به ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام, وقد تقدم ذكره في سورة مريم, وكذا إدريس عليه السلام, وأما ذو الكفل, فالظاهر من السياق أنه ما قرن مع الأنبياء إلا وهو نبي. وقال آخرون: إنما كان رجلاً صالحاً, وكان ملكاً عادلاً, وحكماً مقسطاً, وتوقف ابن جرير في ذلك, فالله أعلم. قال ابن جريج عن مجاهد في قوله: "وذا الكفل" قال: رجل صالح غير نبي, تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل, ففعل ذلك, فسمي ذا الكفل, وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضاً.
وروى ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى , حدثنا عفان , حدثنا وهيب , حدثنا داود عن مجاهد قال: لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يفعل, فجمع الناس فقال: من يتقبل مني بثلاث أستخلفه: يصوم النهار, ويقوم الليل, ولا يغضب ؟ قال: فقام رجل تزدريه الأعين فقال: أنا, فقال: أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب ؟ قال: نعم, قال: فرده ذلك اليوم وقال مثلها في اليوم الاخر, فسكت الناس, وقام ذلك الرجل فقال: أنا, فاستخلفه. قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان فأعياهم ذلك, فقال: دعوني وإياه, فأتاه في صورة شيخ كبير فقير, فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ـ وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة, فدق الباب, فقال: من هذا ؟ قال: شيخ كبير مظلوم, قال: فقام ففتح الباب, فجعل يقص عليه, فقال: إن بيني وبين قومي خصومة, وإنهم ظلموني, وفعلوا بي وفعلوا بي, وجعل يطول عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة, فقال: إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك, فانطلق وراح, فكان في مجلسه, فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره, فقام يتبعه, فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه, فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه, أتاه فدق الباب فقال: من هذا ؟ قال: الشيخ الكبير المظلوم, ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فأتني, قال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا: نحن نعطيك حقك, وإذا قمت جحدوني, قال: فانطلق, فإذا رحت فأتني, قال: ففاتته القائلة, فراح فجعل ينتظره ولا يراه, وشق عليه النعاس, فقال لبعض أهله: لا تدع أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام, فإني قد شق علي النوم, فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل: وراءك, وراءك, قال: إني قد أتيته أمس وذكرت له أمري, فقال: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه, فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها, فإذا هو في البيت, وإذا هو يدق الباب من داخل, قال: واستيقظ الرجل, فقال: يا فلان ألم آمرك ؟ قال: أما من قبلي والله فلم تؤت فانظر من أين أتيت, قال: فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه. وإذا الرجل معه في البيت فعرفه, فقال: أعدو الله ؟ قال: نعم, أعييتني في كل شيء ففعلت ما ترى لأغضبك, فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث زهير بن إسحاق عن داود عن مجاهد بمثله.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن يونس , حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن مسلم قال: قال ابن عباس : كان قاض في بني إسرائيل فحضره الموت فقال: من يقوم مقامي على أن لا يغضب ؟ قال: فقال رجل: أنا, فسمي ذا الكفل, قال: فكان ليله جميعاً يصلي, ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس, قال: وله ساعة يقيلها, قال: فكان كذلك, فأتاه الشيطان عند نومته, فقال له أصحابه: ما لك ؟ قال: إنسان مسكين له على رجل حق, وقد غلبني عليه, قالوا: كما أنت حتى يستيقظ, قال: وهو فوق نائم, قال: فجعل يصيح عمداً حتى يوقظه, قال: فسمع, فقال: مالك ؟ قال إنسان مسكين له على رجل حق, قال: فاذهب فقل له يعطيك, قال: قد أبى, قال: اذهب أنت إليه, قال: فذهب ثم جاء من الغد فقال: مالك ؟ قال: ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأساً. قال: اذهب إليه فقل له يعطيك حقك, فذهب ثم جاء من الغد حين قال, قال: فقال له أصحابه: اخرج فعل الله بك تجيء كل يوم حين ينام لا تدعه ينام, قال: فجعل يصيح من أجل أني إنسان مسكين لو كنت غنياً, قال: فسمع أيضاً فقال: مالك ؟ قال: ذهبت إليه فضربني, قال: امش حتى أجيء معك, قال: فهو ممسك بيده فلما رآه ذهب معه نثر يده منه ففر. وهكذا روي عن عبد الله بن الحارث ومحمد بن قيس وابي حجيرة الأكبر وغيرهم من السلف نحو هذه القصة, والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو الجماهر , أخبرنا سعيد بن بشير , حدثنا قتادة عن كنانة بن الأخنس قال: سمعت الأشعري وهو يقول على هذا المنبر: ما كان ذو الكفل بنبي ولكن كان ـ يعني في بني إسرائيل ـ رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة, فتكفل له ذو الكفل من بعده, فكان يصلي كل يوم مائة صلاة, فسمي ذا الكفل, وقد رواه ابن جرير من حديث عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال أبو موسى الأشعري فذكره منقطعاً, والله أعلم.
وقد روى الإمام أحمد حديثاً غريباً فقال: حدثنا أسباط بن محمد , حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن سعد مولى طلحة عن ابن عمر قال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات, ولكن قد سمعته أكثر من ذلك قال: "كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله, فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها, فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت, فقال: ما يبكيك أكرهتك ؟ قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط, وإنما حملني عليه الحاجة, قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال: اذهبي بالدنانير لك, ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبداً, فمات من ليلته, فأصبح مكتوباً على بابه: غفر الله للكفل" هكذا وقع في هذه الرواية الكفل من غير إضافة, والله أعلم, وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة, وإسناده غريب, وعلى كل تقدير فلفظ الحديث إن كل الكفل, ولم يقل ذو الكفل فلعله رجل آخر والله أعلم.
85- " وإسماعيل وإدريس وذا الكفل " أي واذكر هؤلاء، وإدريس هو أخنوخ، وذا الكفل إلياس، وقيل يوشع بن نون، وقيل زكريا. والصحيح أنه رجل من بني إسرائيل كان لا يتورع عن شيء من المعاصي، فتاب فغفر الله له، وقيل إن اليسع لما كبر قال: من يتكفل لي بكذا وكذا من خصال الخير حتى استخلفه؟ فقال رجل أنا، فاستخلفه وسمي ذا الكفل. وقيل كان رجلاً يتكفل بشأن كل إنسان إذا وقع في شيء من المهمات، وقيل غير ذلك. وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبي. وقال جماعة: هو نبي. ثم وصف الله سبحانه هؤلاء بالصبر فقال: "كل من الصابرين" أي كل واحد من هؤلاء من الصابرين على القيام بما كلفهم الله به.
85. قوله عز وجل: " وإسماعيل "، يعني ابن إبراهيم، " وإدريس "، وهو أخنوخ، " وذا الكفل كل من الصابرين "، على أمر الله، واختلفوا في ذا الكفل.
قال عطاء : إن نبياً من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك أنه يصلي بالليل لا يفتر، ويصوم بالنهار ولا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه ففعل ذلك، فقام شاب فقال: أنا أتكفل لك بهذا فتكفل، ووفى به فشكر الله له ونبأه فسمي ذا الكفل.
وقال مجاهد : لما كبر اليسع قال: [لو] أني أستخلف رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل، قال: فجمع الناس فقال: من يتقبل مني بثلاث أستخلفه: يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يغضب، فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا فرده ذلك اليوم، وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس، وقام ذلك الرجل فقال: أنا، فاستخلفه فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام بالليل [والنهار] إلا تلك النومة فدق الباب، فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، فقام ففتح الباب فقال: إن بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني، وفعلوا وفعلوا فجعل يطول حتى حضر الرواح، وذهبت القائلة، فقال: إذا رحت فائتني [فإني] آخذ حقك، فانطلق وراح، فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ فلم يره، فقام يبتغيه فلما كان الغد جلس يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال: الشيخ المظلوم ففتح [له الباب] فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فائتني؟ فقال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا نحن نعطيك حقك وإذا قمت جحدوني، قال: فانطلق فإذا رحت فائتني، ففاتته القائلة وراح فجعل ينظر فلا يراه فشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام فإنه قد شق علي النوم، فلما كان تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها، فإذا هو في البيت يدق الباب من داخل، فاستيقظ فقال: يافلان ألم آمرك =، فقال: أما من قبلي فلم تؤت فانظر من أين أتيت، فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل معه في البيت، فقال: أتنام والخصوم ببابك؟ فعرفه فقال: أعدو الله؟ قال: نعم أعييتني ففعلت ما ترى لأغضبك فعصمك الله، فسمي ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به.
وقيل/ إن إبليس جاءه وقال: إن لي غريماً يمطلني فأحب أن تقوم معي وتستوفي حقي منه، فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب. وروى: أنه اعتذر إليه. وقال: إن صاحبي هرب.
وقيل: إن ذا الكفل رجل كفل أن يصلي كل ليلة مائة ركعة إلى أن يقبضه الله فوفى به.
واختلفوا في أنه كان نبياً، فقال بعضهم: كان نبياً. وقيل: هو إلياس. وقيل: زكريا. وقال أبو موسى : لم يكن نبياً ولكن عبداً صالحاً.
85ـ " وإسماعيل وإدريس وذا الكفل " يعني إلياس ، وقيل يوشع ، وقيل زكريا سمي به لأنه كان ذا حظ من الله تعالى أو تكفل أمته أو له ضعف عمل أنبياء زمانه وثوابهم ، والكفل يجيء بمعنى النصيب والكفالة والضعف . " كل " كل هؤلاء . " من الصابرين " على مشاق التكاليف وشدائد النوب .
85. And (mention) Ishmael, and Idris, and Dhul-Kifl. All were of the steadfast.
85 - And (remember) Ismail, Idris, and Zul kifl, all (Men) of constancy and patience;