[الأنبياء : 71] وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
71 - (ونجيناه ولوطا) ابن أخيه هاران من العراق (إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) بكثرة الأنهار والأشجار وهي الشام نزل إبراهيم بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما يوم
يقول تعالى ذكره : ونجينا إبراهيم ولوطا من أعدائهما ، نمرود وقومه من أرض العراق " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " وهي أرض الشام ، فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم ، وهاجر إلى الشام .
وهذا القصة التي قص الله من نبأ إبراهيم وقومه تذكير منه بها قوم محمد صلى الله عليه وسلم من قريش أنهم قد سلكوا في عبادتهم الأوثان ، وأذاهم محمدا على نهيه عن عبادتهما ، دعاهم إلى عبادة الله مخلصين له الدين ، مسلك أعداء أبيهم إبراهيم ، ومخالفتهم دينه ، وأن محمدا في براءته من عبادتها ، وإخلاصه العبادة لله ، وفي دعائهم إلى البراءة من الأصنام ، وفي الصبر على ما يلقى منهم في ذلك سالك منهاج أبيه إبراهيم ، وأنه مخرجه من بين أظهرهم ، كما أخرج إبراهيم من بين أظهر قومه حين تمادوا في غيهم إلى مهاجره من أرض الشأم ، ومسل بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عما يلقى من قومه من المكروه والأذى ، ومعلمه أنه منجيه منهم كما نجى أباه إبراهيم من كفره قومه .
وقد أختلف أهل التأويل في الأرض التي ذكر الله أنه نجي إبراهيم ولوطا إليها ، ووصفه أنه بارك فيها للعالمين . فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسين بن حريث المروزي أبو عمار ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " قال : الشأم ، وما من ماء عذب إلا خرج من تلك الصخرة التي ببيت المقدس .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن فرات القزاز ، عن الحسن ، في قوله " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " قال : الشأم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " كانا بأرض العراق ، فأنجيا إلى أرض الشام ، وكان يقال للشأم عماد دار الهجرة ، وما نقص من الأرض زيد في الشأم ، وما نقص من الشأم زيد في فلسطين ، وكان يقال : هي أرض المحشر والمنشر ، وبها مجمع الناس ، وبها ينزل عيسى ابن مريم ، وبها يهلك الله شيخ الضلالة الكذاب الدجال .
و حدثنا أبو قلابة " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : رأيت فيما يرى النائم كأن الملائكة حملت عمود الكتاب فوضعته بالشأم ، فأولته أن الفتن إذا وقعت فإن الإيمان بالشأم " .
و ذكر لنا " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ذات يوم في خطبة : إنه كائن بالشأم جند و بالعراق جند ، و باليمن جند ، فقال رجل : يا رسول الله خر لي ، فقال : عليك بالشأم فإن الله قد تكفل لي بالشأم وأهله ، فمن أبى فليلحق بأمنه وليسق بقدره " .
و ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا كعب ألا تحول إلى المدينة فانها مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و موضع قبره ، فقال له كعب : يا أمير المؤمنين ، إني أجد في كتاب الله المنزل ، أن الشام كنز الله من أرضه ، و بها كنزه من عباده .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " قال : هاجرا جميعا من كوثى إلى الشام .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال: ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : انطلق إبراهيم و لوط قبل الشأم ، فلقي إبراهيم سارة و هي بنت ملك حران، و قد طعنت على قومها في دينهم ، فتزوجها على أن لا يغيرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : خرج إبراهيم مهاجرا إلى ربه ، و خرج معه لوط مهاجرا ، و تزوج سارة ابنة عمه ، فخرج بها معه يلتمس الفرار بدينه ، و الأمان على عبادة ربه ، حتى نزل حران ، فمكث فيها ما شاء الله أن يمكث ، ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم مصر ، ثم خرج من مصر إلى الشام ، فنزل السبع من ارض فلسطين ، و هي برية الشام ، و نزل لو بالمؤتفكة ، و هي من السبع على مسيرة يوم و ليلة ، أو أقرب من ذلك ، فبعثه الله نبيا صلى الله عليه و سلم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " و نجيناه و لوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين" قال : نجاه من أرض العراق إلى أرض الشام .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، أنه قال في هذه الآية : " باركنا فيها للعالمين " قال : ليس ماء عذب غر يهبط إلى الصخرة التي ببيت المقدس ، قال : ثم يتفرق في الأرض .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " و نجيناه و لوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " قال : إلى الشأم .
و قال آخرون : بل يعني مكة و هي الأرض التي قال الله تعالى : "التي باركنا فيها للعالمين " .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " و نجيناه و لوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " يعني مكة ، و نزول إسماعيل البيت . ألا ترى أنه يقول : "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين" (آل عمران : 96) .
قال أبو جعفر : و إنما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك لأنه لا خلاف بين جميع أهل العلم أن هجرة إبراهيم من العراق كانت إلى الشام ، و بها كان مقامه أيام حياته ، و إن كان قد كان قدم مكة ، و بنى بها البيت ، و أسكنه إسماعيل ابنه مع أمة هاجر ، غير أنه لم يقم بها ، و لم يتخذها وطنا لنفسه ، ولا لوط ، و الله إنما أخبر عن إبراهيم و لوط انهما أنجاهما إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين .
قوله تعالى: " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " يريد نجينا إبراهيم ولوطاً إلى أرض الشام وكانا بالعراق، وكان إبراهيم عليه السلام عمه، قاله ابن عباس. وقيل: لها مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها، ولأنها معادن الأنبياء. والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبرح. وقال ابن عباس: الأرض المباركة مكة. وقيل: بيت المقدس، لأن منها بعث الله أكثر الأنبياء وهي أيضاً كثيرة الخصب والنمو، عذبة الماء، ومنها يتفرق في الأرض. قال أبو العالية : ليس ماء عذب إلا يهبط من السماء إلى الصخرة التي ببيت المقدس، ثم يتفرق في الأرض. ونحوه عن كعب الأحبار. وقيل: الأرض المباركة مصر.
يقول تعالى مخبراً عن إبراهيم أنه سلمه الله من نار قومه وأخرجه من بين أظهرهم مهاجراً إلى بلاد الشام, إلى الأرض المقدسة منها. كما قال الربيع بن أنس عن أبي العالية , عن أبي بن كعب في قوله: "إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين" قال: الشام وما من ماء عذب إلا يخرج من تحت الصخرة, وكذا قال أبو العالية أيضاً وقال قتادة : كان بأرض العراق, فأنجاه الله إلى الشام, وكان يقال للشام عماد دار الهجرة, وما نقص من الأراضي زيد في الشام, وما نقص من الشام زيد في فلسطين, وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر, وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام, وبها يهلك المسيح الدجال.
وقال كعب الأحبار في قوله: "إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين" إلى حران. وقال السدي : انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام, فلقي إبراهيم سارة وهي ابنة ملك حران وقد طعنت على قومها في دينهم, فتزوجها على أن لا يغيرها, رواه ابن جرير , وهو غريب, والمشهور أنها ابنة عمه, وأنه خرج بها مهاجراً من بلاده. وقال العوفي عن ابن عباس : إلى مكة, ألا تسمع إلى قوله: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ".
وقوله: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة" قال عطاء ومجاهد وعطية وقال ابن عباس وقتادة والحكم بن عيينة : النافلة ولد الولد, يعني أن يعقوب ولد إسحاق, كما قال: "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب". وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : سأل واحداً, فقال "رب هب لي من الصالحين" فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة, "وكلاً جعلنا صالحين" أي الجميع أهل خير وصلاح, "وجعلناهم أئمة" أي يقتدى بهم, "يهدون بأمرنا" أي يدعون إلى الله بإذنه, ولهذا قال: "وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" من باب عطف الخاص على العام, "وكانوا لنا عابدين" أي فاعلين لما يأمرون الناس به, ثم عطف بذكر لوط, وهو لوط بن هاران بن آزر. كان قد آمن بإبراهيم عليه السلام واتبعه وهاجر معه, كما قال تعالى: "فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي" فآتاه الله حكماً وعلماً, وأوحى إليه وجعله نبياً وبعثه إلى سدوم وأعمالها, فخالفوه وكذبوه, فأهلكهم الله ودمر عليهم, كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز, ولهذا قال: "ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين * وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين".
قد تقدم أن لوطاً هو ابن أخي إبراهيم، فحكى الله سبحانه ها هنا أنه نجى إبراهيم ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين. قال المفسرون: وهي أرض الشام، وكانا بالعراق، وسماها سبحانه مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها، ولأنها معادن الأنبياء، وأصل البركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبرح وقيل الأرض المباركة مكة، وقيل بيت المقدس لأن منها بعث الله أكثر الأنبياء، وهي أيضاً كثيرة الخصب، وقد تقدم تفسير العالمين.
71. قوله عز وجل: " ونجيناه ولوطاً "سورة الأنبياء من نمرود وقومه من أرض العراق، " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين "، يعني الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الأشجار والثمار والأنهار، ومنها بعث أكثر الأنبياء. وقال أبي بن كعب: سماها مباركة لأنه ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي هي ببيت المقدس.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر، عن قتادة ، أن عمر بن الخطاب قال لكعب: ألا تتحول إلى المدينة فيها مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره، فقال كعب: غني وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين أن الشام كنز الله من أرضه، وبها كنزه من عباده.
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري سورة الأنبياء أخبرنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري ، أخبرنا إسحاق الديري ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنها ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم ".
وقال محمد بن إسحاق : استجاب لإبراهيم رجال قومه حين رأوا ما صنع الله به من جعل النار عليه برداً وسلاماً على خوف من نمرود وملئهم وآمن به لوط، وكان ابن أخيه وهو لوط بن هاران ابن تارخ، وهاران هو أخو إبراهيم وكان لهما أخ ثالث يقال له ناخور بن تارخ، وآمنت به أيضاً سارة وهي بنت عمه وهي سارة بنت هاران الأكبر، عم إبراهيم فخرج من كوثى من أرض العراق مهاجراً إلى ربه، ومعه لوط وسارة، كما قال الله تعالى: " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي " ( العنكبوت: 26)، فخرج يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة ربه، حتى نزل حران فمكث بها ما شاء الله، ثم خرج منها مهاجراً حتى قدم مصر، ثم خرج من مصر إلى الشام، فنزل السبع من أرض فلسطين، وهي برية الشام، ونزل لوط بالمؤتفكة وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة، وأقرب، فبعثه الله نبياً فذلك قوله تعالى: " ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ".
71ـ " ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " أي من العراق إلى الشام وبركاته العامة أن أكثر الأنبياء بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم التي هي مبادي الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية . وقيل كثرة النعم والخصب الغالب . روي " أنه عليه الصلاة والسلام نزل بفلسطين ولوط عليه الصلاة والسلام بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة " .
71. And We rescued him and Lot (and brought them) to the land which We have blessed for (all) peoples.
71 - But we delivered him and (his nephew) Lut (and directed them) to the land which we have blessed for the nations.