[الأنبياء : 61] قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
61 - (قالوا فأتوا به على أعين الناس) أي ظاهرا (لعلهم يشهدون) عليه أنه الفاعل
القول في تأويل قوله تعالى : " قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون "
قوله تعالى: " قالوا فاتوا به على أعين الناس " فيه مسألة واحدة، وهي:
أنه لما بلغ الخبر نمرود وأشراف قومه، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، فقالوا: ائتوا به ظاهراً بمرأى من الناس حتى يروه " لعلهم يشهدون " عليه بما قال، ليكون ذلك ظاهراً بمرائي من الناس حتى يروه لعلهم يشهدون عليه بما يكون ذلك حجة عليه. وقيل: " لعلهم يشهدون " عقابه فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه. أو لعل قوماً " يشهدون " بأنهم رأوه يكسر الأصنام، أو " لعلهم يشهدون " طعنه على آلهتهم، ليعلموا أنه يستحق العقاب.
قلت: وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخد أحد بدعوى أحد فيما تقدم، لقوله تعالى، " فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون " وهكذا الأمر في شرعنا ولا خلاف فيه.
ثم أقسم الخليل قسماً أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم, أي ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين, أي إلى عيدهم, وكان لهم عيد يخرجون إليه, قال السدي : لما اقترب وقت ذلك العيد قال أبوه: يا بني لو خرجت معنا إلى عيدنا لأعجبك ديننا, فخرج معهم, فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض, وقال: إني سقيم فجعلوا يمرون عليه وهو صريع فيقولون: مه, فيقول: إني سقيم, فلما جاز عامتهم وبقي ضعفاؤهم قال: "تالله لأكيدن أصنامكم" فسمعه أولئك. وقال ابن إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه, فقالوا: يا إبراهيم ألا تخرج معنا ؟ قال: إني سقيم, وقد كان بالأمس, قال: "تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين" فسمعه ناس منهم.
وقوله: "فجعلهم جذاذاً" أي حطاماً كسرها كلها, إلا كبيراً لهم يعني إلا الصنم الكبير عندهم, كما قال: "فراغ عليهم ضرباً باليمين". وقوله "لعلهم إليه يرجعون" ذكروا أنه وضع القدوم في يد كبيرهم لعلهم يعتقدون أنه هو الذي غار لنفسه, وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها "قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين" أي حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل بأصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها وعلى سخافة عقول عابديها "قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين" أي في صنيعه هذا, "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" أي قال من سمعه يحلف إنه ليكيدنهم: سمعنا فتىً أي شاباً, يذكرهم يقال له إبراهيم. قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف , حدثنا سعيد بن منصور , حدثنا جرير بن عبد الحميد عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال: ما بعث الله نبياً إلا شاباً ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب, وتلا هذه الاية "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم".
وقوله " قالوا فاتوا به على أعين الناس " أي على رؤوس الأشهاد في الملأ الأكبر بحضرة الناس كلهم, وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السلام أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام. التي لا تدفع عن نفسها ضراً, ولا تملك لها نصراً, فكيف يطلب منها شيء من ذلك ؟ " قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا " يعني الذي تركه لم يكسره "فاسألوهم إن كانوا ينطقون" وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون, وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم لأنه جماد.
وفي الصحيحين من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين , عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب غير ثلاث: ثنتين في ذات الله قوله: "بل فعله كبيرهم هذا", وقوله: "إني سقيم" ـ قال ـ وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة, إذ نزل منزلاً فأتى الجبار رجل فقال: إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس, فأرسل إليه فجاء, فقال: ما هذه المرأة منك ؟ قال: أختي. قال: فاذهب فأرسل بها إلي, فانطلق إلى سارة فقال: إن هذا الجبار قد سألني عنك, فاخبرته أنك أختي, فلا تكذبيني عنده, فإنك أختي في كتاب الله, وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك, فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي, فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأخذ أخذاً شديداً, فقال: ادعي الله لي ولا أضرك, فدعت له, فأرسل فأهوى إليها, فتناولها فأخذ بمثلها أو أشد, ففعل ذلك الثالثة, فأخذ فذكر مثل المرتين الأوليين, فقال: ادعي الله فلا أضرك, فدعت له فأرسل, ثم دعا أدنى حجابه فقال: إنك لم تأتني بإنسان, ولكنك أتيتني بشيطان, أخرجها وأعطها هاجر. فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت, فلما أحس إبراهيم بمجيئها, انفتل من صلاته, وقال: مهيم؟ قالت: كفى الله كيد الكافر الفاجر وأخدمني هاجر". قال محمد بن سيرين : فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال: تلك أمكم يا بني ماء السماء.
61- " قالوا فاتوا به على أعين الناس " القائلون هم السائلون، أمروا بعضهم أن يأتي به ظاهراً بمرأى من الناس. قيل إنه لما بلغ الخبر نمروذ وأشراف قومه كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، فقالوا هذه المقالة ليكون ذلك حجة عليه يستحلون بها منه ما قد عزموا على أن يفعلوه به، ومعنى "لعلهم يشهدون" لعلهم يحضرون عقابه حتى ينزجر غيره عن الاقتداء به في مثل هذا، وقيل لعلهم يشهدون عليه بأنهم رأوه يكسر الأصنام، أو لعلهم يشهدون طعنه على أصنامهم.
61. " قالوا فاتوا به على أعين الناس "، قال نمرود: يقول جيئوا ظاهراً بمرأى من الناس، " لعلهم يشهدون "، عليه أنه الذي فعله، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، قال الحسن و قتادة و السدي ، وقال محمد بن إسحاق " لعلهم يشهدون " أي يحضرون عقابه وما يصنع به فلما أتوا به،
61ـ" قالوا فاتوا به على أعين الناس " بمرأى منهم بحيث تتمكن صورته في أعينهم تتمكن الراكب على المركوب . " لعلهم يشهدون " بفعله أو قوله أو يحضرون عقوبتنا له .
61. They said: Then bring him (hither) before the people's eyes that they may testify.
61 - They said, Then bring him before the eyes of the people, That they may bear witness: