[الأنبياء : 54] قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
54 - (قال) لهم (لقد كنتم أنتم وآباؤكم) بعبادتها (في ضلال مبين) بين
القول في تأويل قوله تعالى : " قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين " .
" قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين " أي في خسران بعبادتها، إذ هي جمادات لا تنفع ولا تضر ولا تعلم.
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل, أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه, كما قال تعالى: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب وهو رضيع, وأنه خرج بعد أيام فنظر إلى الكوكب والمخلوقات فتبصر فيها, وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم فعامتها أحاديث بني إسرائيل, فما وافق منها الحق, مما بأيدينا عن المعصوم, قبلناه لموافقته الصحيح, وما خالف شيئاً من ذلك رددناه, وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه بل نجعله وقفاً, وما كان من هذا الضرب منها فقد رخص كثير من السلف في روايته, وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما لا ينتفع به في الدين, ولو كانت فائدته تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة, والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من تضييع الزمان, ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم, فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها, كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة. والمقصود ههنا أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل, أي من قبل ذلك.
وقوله: "وكنا به عالمين" أي وكان أهلا لذلك, ثم قال: "إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله عز وجل, فقال: "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون" أي معتكفون على عبادتها. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد الصباح , حدثنا أبو معاوية الضرير , حدثنا سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: مر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج, فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون, لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفأ خير له من أن يمسها "قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين" لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال, ولهذا قال: "لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين" أي الكلام مع آبائكم الذي احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم, فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم, فلما سفه أحلامهم وضلل آباءهم واحتقر آلهتهم "قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين" يقولون: هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعباً أم محقاً فيه, فإنا لم نسمع به قبلك "قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن" أي ربكم الذي لا إله غيره, وهو الذي خلق السموات والأرض وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن, وهو الخالق لجميع الأشياء "وأنا على ذلكم من الشاهدين" أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره ولا رب سواه.
54- "قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين" أي في خسران واضح ظاهر لا يخفى على أحد ولا يلتبس على ذي عقل، فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تبصر، وليس بعد هذا الضلال ضلال، ولا يساوي هذا الخسران خسران، وهؤلاء المقلدة من أهل الإسلام استبدلوا بكتاب الله وبسنة رسوله كتاباً قد دونت فيه اجتهادات عالم من علماء الإسلام زعم أنه لم يقف على دليل يخالفها، إما لقصور منه أو لتقصير في البحث فوجد ذلك الدليل من وجده وأبرزه واضح المنار
كأنه علم في رأسه نار
وقال هذا كتاب الله أو هذه سنة رسوله، وأنشدهم:
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر
فقالوا كما قال الأول:
ما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
وقد أحسن من قال:
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ومنهج الحق له واضح
54. " قال " إبراهيم، " لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين "، خطأ بين بعبادتكم إياها.
54ـ " قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين " منخرطين في سلك ضلال لا يخفى على عاقل لهدم استناد الفريقين إلى دليل ، والتقليد إن جاز فإنما يجوز لمن علم في الجملة أنه على حق .
54. He said: Verily ye and your fathers were in plain error.
54 - He said, Indeed ye Have been in manifest error ye and your fathers.