[الأنبياء : 5] بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ
5 - (بل) للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة (قالوا) فيما أتى به من القرآن هو (أضغاث أحلام) أخلاط رآها في النوم (بل افتراه) اختلقه (بل هو شاعر) فما أتى به شعر (فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) كالناقة والعصا واليد
يقول تعالى ذكره : ما صدقوا بحكمة هذا القرآن ، ولا أنه من عند الله ، ولا أقروا بأنه وحي أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، بل قال بعضهم : هو أهاويل رؤيا رآها في النوم . وقال بعضهم : هو فرية واختلاق افتراه واختلقه من قبل نفسه . وقال بعضهم : بل محمد شاعر ، وهذا الذي جاءكم به شعر " فليأتنا " يقول : قالوا فليجئنا محمد إن كان صادقا في قوله ، ، أن الله بعثه رسولا إلينا ، وأن هذا الذي يتلوه علينا وحي من الله أوحاه إلينا " بآية " يقول : بحجة ودلالة على حقيقة ما يقول ويدعي " كما أرسل الأولون " يقول : كما جاءت به الرسل الأولون من قبله من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص وكناقة صالح ، وما أشبه ذلك من المعجزات التي لا يقدر عليها إلا الله ، ولا يأتي بها إلا الأنبياء والرسل.
وبنحو الذي قلناه فيذلك ، قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " أضغاث أحلام " أي فعل حالم ، إنما هي رؤيا رآها " بل افتراه بل هو شاعر " كل هذا قد كان منهم . وقوله " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " يقول : كما جاء عيسى بالبينات وموسى بالبينات ، والرسل .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " أضغاث أحلام " قال: مشتبه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيج ،عن مجاهد ، فيقوله :" أضغاث أحلام " قال : أهاويلها .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . وقال تعالى ذكره : بل قالوا : ولا جحد في الكلام ظاهر ، فيحقق ببل ، لأن الخبر عن أهل الجحود والتكذيب ، فاجتزي بمعرفة السامعين بما دل عليه قوله : بل من ذكر الخبر عنهم على ما قد بينا .
وقوله تعالى: " بل قالوا أضغاث أحلام " قال الزجاج : أي قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام. وقال غيره: أي قالوا هو أخلاط كالأحلام المختلطة، أي أهاويل رآها في المنام، قال معناه مجاهد و قتادة ، ومنه قول الشاعر:
كضغث حلم غر منه حالمه
وقال القتبي : إنها الرؤيا الكاذبة، وفيه قول الشاعر:
أحاديث طسم أو سراب بفدفد ترقرق للساري وأضغاث حالم
وقال اليزيدي: الأضغاث ما لم يكن له تأويل. وقد مضى هذا في ((يوسف)). فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا: " بل افتراه " ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا: ((بل هو شاعر)) أي هم متحيرون لا يستقرون على شيء: قالوا مرة سحر، ومرة أضغاث أحلام، ومرة افتراه، ومرة شاعر. وقيل: أي قال فريق إنه ساحر، وفريق إنه أضغاث أحلام، وفريق إنه افتراه، وفريق إنه شاعر. والافتراء الاختلاق، وقد تقدم. " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات ومثل ناقة صالح. وكانوا عالمين بأن القرآن ليس بسحر ولا رؤيا ولكن قالوا: ينبغي أن يأتي بآية نقترحها، ولم يكن لهم الاقتراح بعدما رأوا آية واحدة. وأيضاً إذا لم يؤمنوا بآية هي من جنس ما هم أعلم الناس به، ولا مجال للشبهة فيها فكيف يؤمنون بآية غيرها، ولو أبرأ الأكمه والأبرص لقالوا: هذا من باب الطب، وليس ذلك من صناعتنا، وإنما كان سؤالهم تعنتا إذ كان الله أعطاهم من الآيات ما فيه كفاية. وبين الله عز وجل أنهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوه لقوله عز وجل: " ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون " [الأنفال: 23].
هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها, وأن الناس في غفلة عنها, أي لا يعملون لها ولا يستعدون من أجلها. وقال النسائي : حدثنا أحمد بن نصر , حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي , حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "في غفلة معرضون" قال: "في الدنيا". وقال تعالى: " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " وقال " اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا " الاية, وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانىء أبي نواس الشاعر أنه قال: أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول:
الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحن
فقيل له: من أين أخذ هذا؟ قال من قول الله تعالى: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" وروى في ترجمة عامر بن ربيعة من طريق موسى بن عبيد الامدي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب, فأكرم عامر مثواه, وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً في العرب, وقد أردت أن اقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك, فقال عامر : لا حاجة لي في قطيعتك, نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون".
ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار, فقال "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" أي جديد إنزاله "إلا استمعوه وهم يلعبون" كما قال ابن عباس : ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه, وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرؤونه محضاً لم يشب, رواه البخاري بنحوه.
وقوله: "وأسروا النجوى الذين ظلموا" أي قائلين فيما بينهم خفية "هل هذا إلا بشر مثلكم" يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبياً لأنه بشر مثلهم, فكيف اختص بالوحي دونهم, ولهذا قال: "أفتأتون السحر وأنتم تبصرون" أي أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر, فقال تعالى مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب "قال ربي يعلم القول في السماء والأرض" أي الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية, وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والاخرين, الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض. وقوله: "وهو السميع العليم" أي السميع لأقوالكم والعليم بأحوالكم, وفي هذا تهديد لهم ووعيد. وقوله: "بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه" هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن, وحيرتهم فيه وضلالهم عنه, فتارة يجعلونه سحراً, وتارة يجعلونه شعراً, وتارة يجعلونه أضغاث أحلام, وتارة يجعلونه مفترى, كما قال "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً" وقوله "فليأتنا بآية كما أرسل الأولون" يعنون كناقة صالح وآيات موسى وعيسى وقد قال الله: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " الاية, ولهذا قال تعالى: "ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون" أي ما آتينا قرية من القرى التي بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها بل كذبوا, فأهلكناهم بذلك أفهؤلاء يؤمنون بالايات لو رأوها دون أولئك؟ كلا, بل " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " هذا كله وقد شاهدوا من الايات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله: ذكر عن زيد بن الحباب , حدثنا ابن لهيعة : حدثنا الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي , حدثني من شهد عبادة بن الصامت يقول: كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرىء بعضنا بعضاً القرآن, فجاء عبد الله بن أبي ابن سلول ومعه نمرقة وزربية, فوضع واتكأ, وكان صبيحاً فصيحاً جدلاً, فقال: يا أبا بكر , قل محمد يأتينا بآية كما جاء الأولون, جاء موسى بالألواح, وجاء دواد بالزبور, وجاء صالح بالناقة, وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة, فبكى أبو بكر رضي الله عنه, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : قوموا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا المنافق, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يقام لي إنما يقام لله عز وجل فقلنا: يا رسول الله إنا لقينا من هذا المنافق, فقال: إن جبريل قال لي اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك, وفضيلته التي فضلت بها, فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود, وأمرني أن أنذر الجن, وآتاني كتابه وأنا أمي, وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر, وذكر اسمي في الأذان, وأمدني بالملائكة, وآتاني النصر, وجعل الرعب أمامي, وآتاني الكوثر, وجعل حوضي من أكثر الحياض يوم القيامة وروداً, ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعون رؤوسهم, وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس, وأدخل في شفاعتي سبعين ألفاً من أمتي الجنة بغير حساب, وآتاني السلطان والملك, وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم, فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش, وأحل لي ولأمتي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلنا" وهذا الحديث غريب جداً.
5- "بل قالوا أضغاث أحلام" قال الزجاج: أي قالوا الذي تأتي به أضغاث أحلام. قال القتيبي: أضغاث الأحلام الرؤيا الكاذبة. وقال اليزيدي: الأضغاث ما لم يكن له تأويل، وهذا إضراب من جهة الله سبحانه حكاية لما وقع منهم، وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية هذا القول. ثم حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم: أضغاث أحلام، قال: "بل افتراه" أي بل قالوا افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل. ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا "بل هو شاعر" وما أتى به من جنس الشعر، وفي هذا الاضطراب منهم، والتلون والتردد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به، لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه؟ أو كانوا قد علموا أنه حق، وأنه من عند الله، ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر، وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان. ثم بعد هذا كله، قالوا: "فليأتنا بآية" وهذا جواب شرط محذوف: أي إن لمن يكن كما قلنا: فليأتنا بآية "كما أرسل الأولون" أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها، وصالح بالناقة، ومحل الكاف الجر صفة لآية، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف، وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت، لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي، ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحوه لأعطاهم ذلك، كما قال "ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون" قال الزجاج: اقترحوا الآيات التي لا يقع معها إمهال.
5. " بل قالوا أضغاث أحلام "، أباطيلها [وأقاويلها] وأهاويلها رآها في النوم، " بل افتراه "، اختلقه، " بل هو شاعر "، يعني أن المشركين اقتسموا القول فيه وفيما يقوله، قال بعضهم: أضغاث أحلام، وقال بعضهم: بل هو فرية، وقال بعضهم: بل محمد شاعر وما جاءكم به شعر. " فليأتنا " محمد " بآية "، إن كان صادقاً " كما أرسل الأولون "، من الرسل بالآيات.
5ـ " بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر " إضراب لهم عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ثم إلى أنه كلام افتراه ، ثم إلى أنه قول شاعر والظاهر أن " بل " الأولى لتمام حكاية والابتداء بأخرى أو للإضراب عن تحاورهم في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وما ظهر عليه من الآيات إلى تقاولهم في أمر القرآن ، والثانية والثالثة لإضرابهم عن كونه أباطيل خيلت إليه وخلطت عليه إلى كونه مفتريا اختلقها من تلقاء نفسه ، ثم إلى أنه كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها ويرغبه فيها ، ويجوز أن يكون الكل من الله تنزيلاً لأقوالهم في درج الفساد لأن كونه شعراً أبعد من كونه مفترى لأنه مشحون بالحقائق والحكم وليس فيه ما يناسب قول الشعراء ، وهو من كونه أحلاماً لأنه مشتمل على مغيبات كثيرة طابقت الواقع والمفتري لا يكون كذلك بخلاف لأحلام ، ولأنهم جربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نيفاً وأربعين سنة وما سمعوا منه كذباً قط ، وهو أبعد من كونه سحراً لأنه يجانسه من حيث إنهما من الخوارق . " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " أي كما أرسل به الأولون مثل اليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى ، وصحة التشبيه من حيث إن الإرسال يتضمن الإتيان بالآية .
5. Nay, say they, (these are but) muddled dreams; nay, he hath but invented it; nay, he is but a poet. Let him bring us a portent even as those of old (who were God's messengers) were sent (with portents).
5 - Nay, they say, (these are) Medleys of dreams! nay, He forged it! nay, he is (but) a poet! let him then bring us a sign like the ones that were sent to (Prophets) of old!