[الأنبياء : 30] أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ
30 - (أولم ير) بواو وتركها (الذين) يعلم (كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) أي سدا بمعنى مسدودة (وجعلنا) جعلنا السماء سبعا والأرض سبعا أو فتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت وفتق الأرض أن كانت لا تنبت فأنبتت (من الماء كل) النازل من السماء والنابع من الأرض (شيء حي أفلا) من نبات وغيره أي فالماء سبب لحياته (يؤمنون وجعلنا) بتوحيدي
يقول تعالى ذكره : أولم ينظر هؤلاء الذين كفروا بالله بأبصار قلوبهم ، فيروا بها ، ويعلموا أن السماوات والأرض كانتا رتقا : يقول : ليس فيهما ثقب ، بل كانتا ملتصقتين ، يقال منه : رتق فلان الفتق : إذا شده ، فهو يرتقه رتقا ورتوقا . ومن ذلك قيل للمرأة التي فرجها ملتحم : رتقاء ، ووحد الرتق ، وهو من صفة السماء والأرض ، وقد جاء بعد قوله " كانتا " لأنه مصدر ، مثل قول الزور والصوم والفطر .
وقوله " ففتقناهما " يقول : فصدعناهما وفرجناهما .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله السماوات والأرض بالرتق ، وكيف كان الرتق ، وبأي معنى فتق . فقال بعضهم : عني بذلك أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ، ففصل الله بينهما بالهواء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا " يقول : ملتصقتين .
حدثني محمد بن سعد ن قال : ثني أبي ، قال : ثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " .... الآية ، يقول : كانتا ملتصقتين ، فرفع السماء ووضع الأرض .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " كان ابن عباس يقول : كانتا ملتزقتين ، ففتقهما الله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " قال : كان الحسن و قتادة يقولان : كانتا جميعا ، ففصل الله بينهما بالهواء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أن السماوات كانت مرتتقة طبقة ، ففتقها الله فجعلها سبع سماوات ، وكذلك الأرض كانت كذلك مرتتقة ، ففتقها ، فجعلها سبع أرضين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ،قال : ثنا أبو عاصم ،قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيج ، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى " رتقا ففتقناهما " من الأرض ست أرضين معها ، فتلك سبع ارضين ، ومن السماء ست سماوات معها ، فتلك سبع سماوات معها قال : ولم تكن الأرض والسماء متماستين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " رتقا ففتقناهما " قال : فتقهن سبع سماوات ، بعضهن فوق بعض ، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ،قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد نحو حديث محمد بن عمرو ، عن أبي عاصم .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، قال : سألت أبا صالح عن قوله " كانتا رتقا ففتقناهما " قال : كانت الأرض رتقا والسماوات رتقا ، ففتق من السماء سبع سماوات ، ومن الأرض سبع أرضين .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قال : كانت سماء واحدة ثم فتقها ، فجعلها سبع سماوات في يومين ، في الخميس والجمعة ، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ، فذلك حين يقول ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) الأعراف : 54 - يونس : 3 - هود : 7 - الحديد : 4 يقول : " كانتا رتقا ففتقناهما " .
وقال آخرون : بل عني بذلك أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ن والأرض كذلك رتقا لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر ، الأرض بالنبات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " قال : كانتا رتقا لا يخرج منهما شيء ، ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات ، قال : وهو قوله ( والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع ) الطارق : 11-12.
حدثني الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثنا أبي ، عن الفضيل بن مرزوق ، عن عطية ، في قوله " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " قال : كانت السماء رتقا لا تمطر ، والأرض رتقا لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنبات ، وجعل من الماء كل شيء حي ، أفلا يؤمنون ؟
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " قال : كانت السماوات رتقا لا ينزل منها مطر ، وكانت الأرض رتقا لا يخرج منها نبات ، ففتقهما الله ، فأنزل مطر السماء ، وشق الأرض فأخرج نباتها ، وقرأ " ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " .
وقال آخرون : إنما قيل " ففتقناهما " لأن الليل كان قبل النهار ، ففتق النهار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : خلق الليل قبل النهار ، ثم قال : " كانتا رتقا ففتقناهما " .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا من المطر والنبات ، ففتقنا السماء بالغيث ، والأرض بالنبات .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله " وجعلنا من الماء كل شيء حي " على ذلك ، وأنه جل ثناؤه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبابه .
فإن قال قائل : فإن كان ذلك كذلك ، فكيف قيل : أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ، والغيث إنما ينزل من السماء الدنيا ؟قيل : إن ذلك مختلف فيه ، قد قال قوم : إنما ينزل من السماء السابعة . وقال آخرون : من السماء الرابعة ، ولو كان ذلك أيضا كما ذكرت من أنه ينزل من السماء الدنيا لم يكن في قوله " أن السماوات والأرض " دليل على خلاف ما قلنا ، لأنه لا يمتنع أن يقال السماوات والمراد منها واحدة فتجمع ، لأن كل قطعة منها سماء ، كما يقال : ثوب أخلاق ، وقميص أسمال .
فإن قال قائل : وكيف قيل إن السماوات والأرض كانتا ، فالسماوات جمع ،وحكم جمع الإناث أن يقال في قليله كن ، وفي كثيره كانت ؟ قيل : إنما قيل كذلك ، لأنهما صنفان ، فالسماوات نوع ، والأرض آخر ، وذلك نظير قول الأسود بن يعفر :
إن المنية والحتوف كلاهما توفي المخارم يرقبان سوادي
فقال كلاهما ، وقد ذكر المنية والحتوف لما وصفت من أنه عني النوعين ، وقد أخبرت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، قال : أنشدني غالب النفيلي للقطامي :
ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا
فجعل حبال قيس وهي جمع ، وحبال تغلب وهي جمع اثنين .
وقوله : " وجعلنا من الماء كل شيء حي " يقول تعالى ذكره : وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء .
كما حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وجعلنا من الماء كل شيء حي " قال : كل شيء حي خلق من الماء .
فإن قال قائل : وكيف خص كل شيء حي بأنه جعل من الماء دون سائر الأشياء غيره ، فقد علمت أنه يحيا بالماء الزروع والنبات والأشجار ، وغير ذلك مما لا حياة له ، ولا يقال له حي ولا ميت ؟ قيل : لأنه لا شيء من ذلك إلا وله حياة وموت ، وإن خالف معناه في ذلك معنى ذوات الأرواح في أنه لا أرواح فيهن وأن في ذوات الأرواح أرواحا ، فلذلك قيل " وجعلنا من الماء كل شيء حي " .
وقوله : " أفلا يؤمنون " يقول : أفلا يصدقون بذلك ، ويقرون بألوهة من فعل ذلك ويفردونه بالعبادة .
قوله تعالى: " أولم ير الذين كفروا أن " قراءة العامة " أولم " بالواو. وقرأ ابن كثير و ابن محيصن وحميد وشبل بن عباد ألم ير بغير واو، وكذلك هو في مصحف مكة. " أولم ير " بمعنى يعلم. " الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا " قال الأخفش : " كانتا " لأنهما صنفان، كما تقول العرب: هما لقاحان أسودان، وكما قال الله عز وجل. " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا " [فاطر: 41] قال أبو إسحاق: " كانتا " لأنه يعبر عن السماوات بلفظ الواحد بسماء، ولأن السموات كانت سماء واحدة، وكذلك الأرضون. وقال: " رتقا " ولم يقل رتقين، لأنه مصدر، والمعنى كانتا ذواتي رتق. وقرأ الحسن " رتقا " بفتح التاء. قال عيسى بن عمر: هو صواب وهي لغة. والرتق السد ضد الفتق، وقد رتقت الفتق أرتقه فارتتق أي التأم، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج. قال ابن عباس و الحسن و عطاء و الضحاك و قتادة : يعني أنها كانت شيئاً واحداً ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء. وكذلك قال كعب: خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ثم خلق ريحاً بوسطها ففتحها بها، وجعل السموات سبعاً والأرضين سبعاً. وقول ثان قاله مجاهد و السدي وأبو صالح: كانت السموات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سموات، وكذلك الأرضين كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبعاً. وحكاه القتبي في عيون الأخبار له، عن إسماعيل بن أبي خالد في قول عز وجل: " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " قال: كانت السماء مخلوقة وحدها والأرض مخلوقة وحدها، ففتق من هذه سبع سموات، ومن هذه سبع أرضين، خلق الأرض العليا فجعل سكانها الجن والإنس، وشق فيها الأنهار وأنبت فيها الأثمار، وجعل فيها البحار وسماها رعاء، عرضها مسيرة خمسمائة عام، ثم خلق الثانية مثلها في العرض والغلظ وجعل فيها أقواماً، أفواههم كأفواه الكلاب وأيديهم أيدي الناس، وآذانهم آذان البقى وشعورهم شعور الغنم، فإذا كان عند اقتراب الساعة ألقتهم الأرض إلى يأجوج ومأجوج، واسم تلك الأرض الدكماء، ثم خلق الأرض الثالثة غلظها مسيرة خمسمائة عام، ومنها هواء إلى الأرض. الرابعة خلق فيها ظلمة وعقارب لأهل النار مثل البغال السود، ولها أذناب مثل أذناب الخيل الطوال، يأكل بعضها بعضاً فتسلط على بني آدم. ثم خلق الله الخامسة مثلها في الغلظ والطول والعرض فيها سلاسل وأغلال وقيود لأهل النار. ثم خلق الله الأرض السادسة واسمها ماد، فيها حجارة سود بهم، ومنها خلقت تربة آدم عليه السلام، تبعث تلك الحجارة يوم القيامة وكل حجر منها كالطود العظيم، وهي من كبريت تعلق في أعناق الكفار فتشتعل حتى تحرق وجوههم وأيديهم، فذلك قوله عز وجل: " وقودها الناس والحجارة " [البقرة: 24] ثم خلق الله الأرض السابعة واسمها عربية وفيها جهنم، فيها بابان اسم الواحد سجين والآخر الغلق، فأما سجين فهو مفتوح وإليه ينتهي كتاب الكفار، وعليه يعرض أصحاب المائدة وقوم فرعون، وأما الغلق فهو مغلق لا يفتح إلى يوم القيامة. وقد مضى في ((البقرة)) أنها سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام، وسيأتي له في آخر " الطلاق " زيادة بيان إن شاء الله تعالى. وقول ثالث قاله عكرمة وعطية وابن زيد وابن عباس أيضاً فيما ذكر المهدوي : إن السموات كانت رتقاً لا تمطر، والأرض كانت رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات، نظيره قوله عز وجل: " والسماء ذات الرجع * والأرض ذات الصدع " [الطارق: 11 - 12]. واختار هذا القول الطبري ، لأن بعده " وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ".
قلت: وبه يقع الاعتبار مشاهدة ومعاينة، ولذلك أخبر بذلك في غير ما آي، ليدل على كمال قدرته، وعلى البعث والجزاء. وقيل:
يهون عليهم إذا يغضبو ن سخط العداة وإرغامها
ورتق الفتوق وفتق الرتو ق ونقض الأمور وإبرامها
وفي قوله تعالى: " وجعلنا من الماء كل شيء حي " ثلاث تأويلات: أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء، قاله قتادة . الثاني، حفظ حياة كل شيء بالماء. الثالث: وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حي، قاله قطرب. " وجعلنا " بمعنى خلقنا. وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له " من حديث أبي هريرة قال:
قلت: يا رسول الله! إذا رأيتك طابت نفسي، وقرت عيني، أنبئني عن كل شيء، قال: كل شيء خلق من الماء " الحديث، قال أبو حاتم قول أبي هريرة: ((أنبئني عن كل شيء)) أراد به عن كل شيء خلق من الماء، والدليل على صحة هذا جواب المصطفى إياه حيث قال: " كل شيء خلق من الماء " وإن لم يكن مخلوقاً. وهذا احتجاج آخر سوى ما تقدم من كون السموات والأرض رتقاً. وقيل: الكل قد يذكر بمعنى البعض كقوله: " وأوتيت من كل شيء " [النمل: 27] وقوله: " تدمر كل شيء " [الأحقاف: 45] والصحيح العموم، لقوله عليه السلام: " كل شيء خلق من الماء " والله أعلم. "أفلا يؤمنون " أي أفلا يصدقون بما يشاهدون، وأن ذلك لم يكن بنفسه، بل لمكون كونه، ومدبر أوجده، ولا يجوز أن يكون ذلك المكون محدثاً.
يقول تعالى منبهاً على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات, فقال: " أولم ير الذين كفروا " أي الجاحدون لإلهيته العابدون معه غيره, ألم يعلموا أن الله هو المستقل بالخلق المستبد بالتدبير, فكيف يليق أن يعبد معه غيره, أو يشرك به ما سواه, ألم يروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً أي كان الجميع متصلاً بعضه ببعض متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر, ففتق هذه من هذه, فجعل السموات سبعاً, والأرض سبعاً, وفصل بين السماء الدنيا والأرض بالهواء, فأمطرت السماء وأنبتت الأرض, ولهذا قال "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" أي وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئاً فشيئاً عياناً وذلك كله دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء.
ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
قال سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة قال: سئل ابن عباس : الليل كان قبل أو النهار ؟ فقال: أرايتم السموات والأرض حين كانتا رتقاً هل كان بينهما إلا ظلمة ؟ ذلك لتعلموا أن الليل. قبل النهار. وقال ابن ابي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا إبراهيم بن حمزة , حدثنا حاتم عن حمزة بن أبي محمد , عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلاً أتاه يسأله عن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما. قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله, ثم تعال فأخبرني بما قال لك, قال: فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال ابن عباس : نعم كانت السموات رتقاً لا تمطر, وكانت الأرض رتقاً لا تنبت, فلما خلق للأرض أهلاً فتق هذه بالمطر, وفتق هذه بالنبات, فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره, فقال ابن عمر : الان قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علماً, صدق هكذا كانت, قال ابن عمر : قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن, فالان علمت أنه قد أوتى في القرآن علماً. وقال عطية العوفي : كانت هذه رتقاً لا تمطر فأمطرت, وكانت هذه رتقاً لا تنبت فأنبتت.
وقال إسماعيل بن أبي خالد : سألت أبا صالح الحنفي عن قوله: "أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما" قال: كانت السماء واحدة ففتق منها سبع سموات, وكانت الأرض واحدة ففتق منها سبع أرضين, وهكذا قال مجاهد , وزاد: ولم تكن السماء والأرض متماستين. وقال سعيد بن جبير : بل كانت السماء والأرض ملتزقتين, فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض, كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه. وقال الحسن وقتادة : كانتا جميعاً ففصل بينهما بهذا الهواء.
وقوله: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" أي أصل كل الأحياء. قال ابن أبي حاتم : حدثنا ابي , حدثنا ابو الجماهر , حدثنا سعيد بن بشير , حدثنا قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة أنه قال: " يا نبي الله إذا رأيتك قرت عيني وطابت نفسي, فأخبرنا عن كل شيء قال: كل شيء خلق من ماء". وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد , حدثنا همام عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة قال: " قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني, فأنبئني عن كل شيء, قال: كل شيء خلق من ماء قال: قلت أنبئني عن أمر إذا عملت به دخلت الجنة قال: أفش السلام, وأطعم الطعام, وصل الأحارم, وقم بالليل والناس نيام, ثم ادخل الجنة بسلام" ورواه أيضاً عن عبد الصمد وعفان وبهز عن همام , تفرد به أحمد , وهذا إسناد على شرط الصحيحين إلا أن أبا ميمونة من رجال السنن واسمه سليم , و الترمذي يصحح له, وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً, والله أعلم.
وقوله: "وجعلنا في الأرض رواسي" أي جبالاً أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس, أي تضطرب وتتحرك, فلا يحصل لهم قرار عليها لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع. فإنه باد للهواء والشمس ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الايات الباهرات والحكم والدلالات, ولهذا قال: "أن تميد بهم" أي لئلا تميد بهم. وقوله: "وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً" أي ثغراً في الجبال يسلكون فيها طريقاً من قطر إلى قطر ومن إقليم إلى إقليم, كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلاً بين هذه البلاد وهذه البلاد, فيجعل الله فيه فجوة ثغرة ليسلك الناس فيها من ههنا إلى ههنا, ولهذا قال: "لعلهم يهتدون".
وقوله: "وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً" أي على الأرض وهي كالقبة عليها, كما قال: "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" وقال: "والسماء وما بناها" " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج " والبناء هو نصب القبة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس" أي خمسة دعائم, وهذا لا يكون إلا في الخيام كما تعهده العرب "محفوظاً" أي عالياً محروساً أن ينال. وقال مجاهد : مرفوعاً. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي , حدثني أبي عن أبيه عن أشعث يعني ابن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال رجل: " يا رسول الله ما هذه السماء ؟ قال: موج مكفوف عنكم" إسناده غريب.
وقوله: "وهم عن آياتها معرضون" كقوله: "وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" أي لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الاتساع العظيم والارتفاع الباهر, وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ونهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكامله في يوم وليلة, فتسير غاية لا يعلم قدرها إلا الله الذي قدرها وسخرها وسيرها. وقد ذكر ابن أبي الدنيا رحمه الله في كتابه التفكر والاعتبار: أن بعض عباد بني إسرائيل تعبد ثلاثين سنة, وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته غمامة, فلم ير ذلك الرجل شيئاً مما كان يحصل لغيره, فشكى ذلك إلى أمه فقالت له: يا بني فلعلك أذنبت في مدة عبادتك هذه ؟ فقال: لا والله ما أعلمه, قالت: فلعلك هممت ؟ قال: لا ولا هممت, قالت: فلعلك رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر ؟ فقال: نعم كثيراً, قالت: فمن ههنا أتيت, ثم قال منبهاً على بعض آياته: "وهو الذي خلق الليل والنهار" أي هذا في ظلامه وسكونه وهذا بضيائه وأنسه, يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى وعكسه الاخر "والشمس والقمر" هذه لها نور يخصها وفلك بذاته وزمان على حدة وحركة وسير خاص, وهذا بنور آخر وفلك آخر وسير آخر وتقدير آخر "وكل في فلك يسبحون" أي يدورون. قال ابن عباس : يدورون كما يدور المغزل في الفلكة قال مجاهد : فلا يدور المغزل إلا بالفلكة, ولا الفلكة إلا بالمغزل, كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن, كما قال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم".
30- " أولم ير الذين كفروا " الهمزة للإنكار، والواو للعطف على المقدر، والرؤية هي القلبية: أي ألم يتفكروا أو لم يعلموا " أن السماوات والأرض كانتا رتقا " قال الأخفش: إنما قال كانتا، لأنهما صنفان أي جماعتا السموات والأرضين كما قال سبحانه "إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا"، وقال الزجاج: إنما قال كانتا لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد، لأن السموات كانت سماءً واحدة، وكذلك الأرضون، والرتق السد ضد الفتق، يقال رتقت الفتق أرتقته فارتقق: أي التأم، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج: يعني أنهما كانتا شيئاً واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما، وقال رتقاً ولم يقل رتقين لأنه مصدر، والتقدير: كانتا ذواتي رتق، ومعنى "ففتقناهما" ففصلناهما: أي فصلنا بعضهما من بعض، فرفعنا السماء، وأبقينا الأرض مكانها "وجعلنا من الماء كل شيء حي" أي أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء، فيشمل الحيوان والنبات، والمعنى أن الماء سبب حياة كل شيء. وقيل المراد بالماء هنا النطفة، وبه قال أكثر المفسرين، وهذا احتجاج على المشركين بقدرة الله سبحانه وبديع صنعه، وقد تقدم تفسير هذه الآية، والهمزة في "أفلا يؤمنون" للإنكار عليهم، حيث لم يؤمنوا مع وجود ما يقتضيه من الآيات الربانية.
30. " أولم ير الذين كفروا "، قرأ ابن كثير " ألم ير " [بغير واو]، وكذلك هو في مصاحفهم، معناه: ألم يعلم الذين كفروا، " أن السموات والأرض كانتا رتقاً " قال ابن عباس رضي الله عنهما و عطاء و قتادة : كانتا شيئاً واحداً ملتزقتين " ففتقناهما "، فصلنا بينهما بالهواء، والرتق في اللغة: السد، والفتق: الشق.
قال كعب: خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض، ثم خلق ريحاً فوسطها ففتحها بها.
قال مجاهد و السدي : كانت السماوات مرتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانتا مرتقة طبقة واحدة فجعلها سبع أرضين.
قال عكرمة و عطية : كانت السماء رتقاً لا تمطر والأرض رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات. وإنما قال: " رتقاً " على التوحيد وهو من نعت السماوات والأرض لأنه مصدر وضع موضع الإسم، مثل الزور والصوم ونحوهما.
" وجعلنا "، [وخلقنا] " من الماء كل شيء حي "، أي: وأحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كل شيء حي أي من الحيوان ويدخل فيه النبات والشجر، يعني أنه سبب لحياة كل شيء والمفسرون يقولون: [يعني] أن كل شيء حي فهو مخلوق من الماء. كقوله تعالى: " والله خلق كل دابة من ماء " (النور-45)، قال أبو العالية : يعني النطفة، فإن قيل: قد خلق الله بعض ما هو حي من غير الماء؟ قيل: هذا على وجه التكثير، يعني أن أكثر الأحياء في الأرض مخلوقة من الماء أو بقاؤه بالماء، " أفلا يؤمنون ".
30ـ " أولم ير الذين كفروا " أو لم يعلموا ، وقرأ ابن كثير بغير واو . " أن السموات والأرض كانتا رتقاً " ذات رتق أو مرتوقتين ، وهو الضم والالتحام أي كانتا واحداً وحقيقة متحدة . " ففتقناهما " بالتنويع والتمييز ، أو كانت السموات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة حتى صارت أفلاكاً ، وكانت الأرضون واحدة فجعلت باختلاف كيفياتها وأحوالها طبقات أو أقاليم . وقيل " كانتا " بحيث لا فرجة بينهما ففرج . قيل " كانتا رتقاً " لا تمطر ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات ، فيكون المراد بـ " السموات " سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو " السموات " بأسرها على أن لها مدخلاً ما في الأمطار ، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظراً فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب وابتداء أو بوسط ، أو استفساراً من العلماء ومطالعة للكتب ، وإنما قال " كانتا " ولم يقل كن لأن المراد جماعة السموات وجماعة الأرض . وقرئ " رتقاً " بالفتح على تقدير شيئاً رتقاً أي مرتوقاً كالرفض بمعنى المرفوض . " وجعلنا من الماء كل شيء حي " وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله تعالى " الله خلق كل دابة من ماء " وذلك لأنه من أعظم مواده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه ، أو صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا يحيا دونه . وقرئ (( حياً )) على صفة " كل " أو مفعول ثان ، والظرف لغو والشيء مخصوص بالحيوان . " أفلا يؤمنون " مع ظهور الآيات .
30. Have not those who disbelieve known that the heavens and the earth were of one piece, then We parted them, and We made every living thing of water? Will they not then believe?
30 - Do not the unbelievers see that the heavens and the earth Were joined together (as one Unit of Creation), before We clove them asunder? we made from water every living thing. will they not then believe?