[الأنبياء : 19] وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ
19 - (وله) تعالى (من في السماوات والأرض) ملكا (ومن عنده) أي الملائكة مبتدأ خبره (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) لا يعيون
يقول تعالى ذكره : و كيف يجوز أن يتخذ الله لهوا ، و له ملك جميع من في السماوات و الأرض ، و الذين عنده من خلقه ، لا يستنكفون عن عبادتهم إياه ، و لا بعيون من طول خدمتهم له ، و قد علمتم أنه لا يستعبد والد ولده و لا صاحبته ، و كل من في السماوات و الأرض عبيده ، فأنى يكون له صاحبة وولد ؟ يقول : أو لا تتفكرون فيما تفترون من الكذب على ربكم .
و بنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله : " و لا يستحسرون " لا يحسرون .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ،قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " و لا يستحسرون " قال : لا يعيون .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " ولا يستحسرون " قال : لا يعيون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون " قال : لا يستحسرون ، لا يملون ذلك الاستحسار ، قال : و لا يفترون ، و لا يسأمون ، هذا كله معناه واحد ن و الكلام مختلف ، و هو من قولهم : بعير حسير : إذا أعيا و قام ح و منه قول علقمة به عبدة :
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض ، وأما جلدها فصليب .
قوله تعالى: " وله من في السموات والأرض " أي ملكاً وخلقاً فكيف يجوز أن يشرك به ما هو عبده وخلقه. "ومن عنده " يعني الملائكة الذين ذكرتم أنهم بنات الله. " لا يستكبرون " أي لا يأنفون " عن عبادته " والتذلل له. " ولا يستحسرون " أي يعيون، قاله قتادة . مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب، يقال: حسر البعير يحسر حسوراً أعيا وكل، واستحسر وتحسر مثله، وحسرته أنا حسراً يتعدى ولا يتعدى، وأحسرته أيضاً فهو حسير. وقال ابن زيد: لا يملون. ابن عباس: لا يستنكفون. وقال أبو زيد: لا يكلون. وقيل: لا يفشلون، ذكره ابن الأعرابي، والمعنى واحد.
يخبر تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق, أي بالعدل والقسط, " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ", وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً كما قال: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" وقوله تعالى: " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين " قال ابن أبي نجيح عن مجاهد " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا " يعني من عندنا, يقول: وما خلقنا جنة ولا ناراً ولا موتاً ولا بعثاً ولا حساباً. وقال الحسن وقتادة وغيرهما "لو أردنا أن نتخذ لهواً" اللهو المرأة بلسان أهل اليمن. وقال إبراهيم النخعي " لاتخذناه " من الحور العين. وقال عكرمة والسدي : والمراد باللهو ههنا الولد, وهذا والذي قبله متلازمان, وهو كقوله تعالى: " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقاً ولا سيما عما يقولون من الإفك والباطل من اتخاذ عيسى أو العزير أو الملائكة سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
وقوله: "إن كنا فاعلين" قال قتادة والسدي وإبراهيم النخعي ومغيرة بن مقسم : أي ما كنا فاعلين. وقال مجاهد كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار. وقوله: "بل نقذف بالحق على الباطل" أي نبين الحق فيدحض الباطل, ولهذا قال: "فيدمغه فإذا هو زاهق" أي ذاهب مضمحل "ولكم الويل" أي أيها القائلون لله ولد "مما تصفون" أي تقولون وتفترون. ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلاً ونهاراً, فقال: "وله من في السموات والأرض ومن عنده" يعني الملائكة "لا يستكبرون عن عبادته" أي لا يستنكفون عنها, كما قال: " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ".
وقوله: " ولا يستحسرون " أي لا يتعبون ولا يملون "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" فهم دائبون في العمل ليلاً ونهاراً, مطيعون قصداً وعملاً, قادرون عليه, كما قال تعالى: "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي , أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: " بينا رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم هل تسمعون ما أسمع ؟ قالوا: ما نسمع من شيء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأسمع أطيط السماء, وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" غريب, ولم يخرجوه, ثم رواه ـ أعني ابن أبي حاتم ـ من طريق يزيد بن أبي زريع عن سعيد عن قتادة مرسلاً. وقال أبو إسحاق عن حسان بن مخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام, فقلت له: أرأيت قول الله تعالى للملائكة: "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل. فقال: من هذا الغلام ؟ فقالوا من بني عبد المطلب, قال فقبل رأسي ثم قال: يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس ؟
19- "وله من في السماوات والأرض" عبيداً وملكاً، وهو خالقهم ورازقهم ومالكهم، فكيف يجوز أن يكون له بعض مخلوقاته شريكاً يعبد كما يعبد، وهذه الجملة مقررة لما قبلها "ومن عنده" يعني الملائكة، وفيه رد على القائلين بأن الملائكة بنات الله، وفي التعبير عنهم بكونهم عند إشارة إلى تشريفهم وكرامتهم، وأنهم بمنزلة المقربين عند الملوك، ثم وصفهم بقوله: "لا يستكبرون عن عبادته" أي لا يتعاظمون ولا يأنفون عن عبادة الله سبحانه والتذلل له "ولا يستحسرون" أي لا يعيون، مأخوذ من الحسير، وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب، يقال: حسر البعير يحسر حسوراً أعيا وكل، واستحسر وتحسر مثله وحسرته أنا حسراً، يتعدى ولا يتعدى. قال أبو زيد: لا يكلون، وقال ابن الأعرابي: لا يفشلون. قال الزجاج: معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها كقوله: "إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته" وقيل المعنى: لا ينقطعون عن عبادته وهذه المعاني متقاربة.
19. " وله من في السموات والأرض "، عبيداً وملكاً، " ومن عنده "، يعني الملائكة، " لا يستكبرون عن عبادته "، لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظون عنها، " ولا يستحسرون "، لا يعيون، يقال: حسر واستحسر إذا تعب وأعيا. وقال السدي : لا يتعظون عن العبادة.
19ـ " وله من في السموات والأرض " خلقاً وملكاً . " ومن عنده " يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك ، وهو معطوف على " من في السموات " وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه ، أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره : " لا يستكبرون عن عبادته " لا يتعظمون عنها . " ولا يستحسرون " ولا يعيون مها ، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيهاً على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون .
19. Unto Him belongeth whosoever is in the heavens and the earth. And those who dwell in His presence are not too proud to worship Him nor do they weary;
19 - To him belong all (creatures) in the heavens and on earth: even those who are in His (Very) Presence are not Too proud to serve him, nor are they (ever) weary (of his service):