[طه : 87] قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ
87 - (قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) مثلث الميم أي بقدرتنا أو أمرنا (ولكنا حملنا) بفتح الحاء مخففا وبضمها وكسر الميم مشددا (أوزارا) أثقالا (من زينة القوم) أي حلي قوم فرعون استعارها منهم بنو إسرائيل بعلة عرس فبقيت عندهم (فقذفناها) طرحناها في النار بأمر السامري (فكذلك) كما ألقينا (ألقى السامري) ما معه من حليهم ومن التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل على الوجه الآتي
يقول تعالى ذكره : قال قوم موسى لموسى : ما أخلفنا موعدك يعنون بموعده عهده الذي كان عهده !ليهم.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ح ، وحدثنا الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "موعدي" قال : عهدي ، وذلك العهد والموعد هو ما بيناه قبل.
وقوله بملكنا يخبر جل ذكره عنهم أنهم أقروا على أنفسهم بالخطأ، وقالوا : إنا لم نطق حمل أنفسنا على الصواب ، ولم نملك أمرنا حتى وقعنا في الذي وقعنا فيه من الفتنة.
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة "بملكنا" بفتح الميم . وقرأته عامة قراء الكوفة بملكنا بضم الميم . وقرأه بعض أهل البصرة بملكنا بالكسر. فأما الفتح والضم فهما بمعنى واحد، وهما بقدرتنا وطاقتنا، غير أن أحدهما مصدر، والآخر اسم . وأما الكسر فهو بمعنى ملك الشيء وكونه للمالك.
واختلف أيضاً أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما أخلفنا موعدك بأمرنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن عمي عن ابن عباس ، قوله "ما أخلفنا موعدك بملكنا" يقول : بأمرنا.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "بملكنا" قال : بأمرنا.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون : معناه: بطاقتنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا": أي بطاقتنا.
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا" يقول : بطاقتنا.
وقال آخرون : معناه : ما أخلفنا موعدك بهوانا، ولكنا لم نملك أنفسنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ما أخلفنا موعدك بملكنا" قال : يقول بهوانا، قال ولكنه جاءت ثلاثة ، قال ومعهم حلي استعاروه من آل فرعون ، وثياب.
قال أبو جعفر: وكل هذه الأقوال الثلاثة في ذلك متقاربات المعنى، لأن من لم يهلك نفسه ، لغلبة هواه على ما أمر، فإنه لا يمتنع في اللغة أن يقول : فعل فلان هذا الأمر، وهو لا يملك نفسه وفعله وهو لا يضبطها، وفعله وهو لا يطيق تركه . فإذا كان ذلك كذلك ، فسواء بأي القراءات الثلاث قرأ ذلك القارئ، وذلك أن من كسر الميم من الملك ، فإنما يوجه معنى الكلام إلى ما أخلفنا موعدك ، ونحن نملك الوفاء به لغلبة أنفسنا إيانا على خلافه ، وجعله من قول القائل : هذا ملك فلان لما يملكه من المملوكات ، وأن من فتحها ، فإنه يوجه معنى الكلام إلى نحو ذلك ، غير أنه يجعله مصدرا من قول القائل : ملكت الشيء أملكه ملكاً وملكة، كما يقال : غلبت فلاناً أغلبه غلباً وغلبة، وأن من ضمها فإنه وجه معناه إلى ما أخلفنا موعدك بسلطاننا وقدرتنا، أي ونحن نقدر أن نمتنع منه ، لأن كل من قهر شيئاً فقد صار له السلطان عليه . وقد أنكر بعض الناس قراءة من قرأه بالضم ، فقال : أي ملك كان يومئذ لبني إسرائيل ، وإنما كانوا بمصر مستضعفين ، فأغفل معنى القوم وذهب غير مرادهم ذهاباً بعيداً، وقارئو ذلك بالضم لم يقصدوا المعنى الذي ظنه هذا المنكر عليهم ذلك ، وإنما قصدوا إلى أن معناه : ما أخلفنا موعدك بسلطان كانت لنا على أنفسنا نقدر أن نردها عما أتت ، لأن هواها غلبنا على إخلافك الموعد.
وقوله "ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم" يقول : ولكنا حملنا أثقالاً وأحمالاً من زينة القوم يعنون من حلي آل فرعون ، وذلك أن بني إسرائيل لما أراد موسى أن يسير بهم ليلا من مصر بأمر الله إياه بذلك ، أمرهم أن يستعيروا من أمتعة آل فرعون وحليهم ، وقال إن الله مغنمكم ذلك ، ففعلوا ، واستعاروا من حلي نسائهم وأمتعتهم ، فذلك قولهم لموسى حين قال لهم "أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي * قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم".
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم" فهو ما كان مع بني إسرائيل من حلي آل فرعون ، يقول : خطئونا بما أصبنا من حلي عدونا.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد، قوله "أوزارا" قال: أثقالاً. وقوله "من زينة القوم" قال : هي الحلي التي استعاروا من آل فرعون ، فهي الأثقال.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "ولكنا حملنا أوزارا" قال : أثقالا "من زينة القوم" قال : حليهم.
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم" يقول : من حلي القبط.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم" قال : الحلي الذي استعاروه والثياب ليست من الذنوب في شيء ، لو كانت الذنوب كانت حملناها نحملها، فليست من الذنوب في شيء.
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأ عامة قراء المدينة وبعض المكيين "حملنا" بضم الحاء وتشديد الميم بمعنى أن موسى يحملهم ذلك . وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة وبعض المكيين حملنا بتخفيف الحاء والميم وفتحهما، بمعنى أنهم حملوا ذلك من غير أن يكلفهم حمله أحد.
قال أبو جعفر: والقول عندي في تأويل ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، لأن القوم حملوا وأن موسى قد أمرهم بحمله ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب.
وقوله "فقذفناها" يقول : فألقينا تلك الأوزار من زينة القوم في الحفرة إفكذلك ألقى السامري ، يقول : فكما قذفنا نحن تلك الأثقال ، فكذلك ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله "فقذفناها" قال : فألقيناها "فكذلك ألقى السامري": كذلك صنع.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد "فقذفناها" قال: فألقيناها "فكذلك ألقى السامري" فكذلك صنع.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "فقذفناها": أي فنبذناها .
" قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا " بفتح الميم، وهي قراءة نافع وعاصم وعيسى بن عمر. قال مجاهد و السدي : ومعناه بطاقتنا. ابن زيد: لم نملك أنفسنا أي كنا مضطرين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " بملكنا " بكسر الميم. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأنها اللغة العالية. وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملكا. والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف، لأنه قال: بملكنا الصواب بل أخطأنا فهو اعتراف منهم بالخطأ. وقرأ حمزة و الكسائي " بملكنا " بضم الميم والمعنى بسلطاننا. أي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك. ثم قيل قوله: " قالوا " عام يراد به الخاص، أي قال الذين ثبتوا على طاعة الله إلى أن يرجع إليهم من الطور: " ما أخلفنا موعدك بملكنا " وكانوا اثني عشر ألفاً، وكان جميع بني إسرائيل ستمائة ألف. " ولكنا حملنا " بضم الحاء وتشديد الميم مكسورة، قرأه نافع و ابن كثير وابن عامر وحفص ورويس. الباقون بفتح الحرفين خفيفة. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأنهم حملوا حلي القوم معهم وما حملوه كرهاً. " أوزارا " أي أثقالاً " من زينة القوم " أي من حليهم، وكانوا استعاروه حين أرادوا الخروج مع موسى عليه السلام، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة. وقيل: هو ما أخذوه من آل فرعون، لما قذفهم البحر إلى الساحل. وسميت أوزاراً بسبب أنها كانت آثاماً. أي لم يحل لهم أخذها ولم تحل لهم الغنائم، وأيضاً فالأوزار هي الأثقال في اللغة. " فقذفناها " أي ثقل علينا حمل ما كان معنا من الحلي فقذفناه في النار ليذوب، أي طرحناه فيها. وقيل: طرحناه إلى السامري لترجع فترى فيها رأيك. قال قتادة : إن السامري قال لهم حين استبطأ القوم موسى: إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ودفعوه إلى السامري فرمى به في النار،
لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون " فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " وواعده ربه ثلاثين ليلة, ثم أتبعها عشراً, فتمت أربعين ليلة, أي يصومها ليلاً ونهاراً, وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك, فسارع موسى عليه السلام مبادراً إلى الطور, واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون, ولهذا قال تعالى: " وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري " أي قادمون ينزلون قريباً من الطور "وعجلت إليك رب لترضى" أي لتزداد عنى رضا "قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري" أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري.
وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضاً, وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى: "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين" أي عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري.
وقوله: "فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً" أي بعدما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم, هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم, وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم, وفيها شرف لهم, وهم قوم قد عبدوا غير الله, ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم, ولهذا قال: رجع إليهم غضبان أسفاً, والأسف شدة الغضب. وقال مجاهد : غضبان أسفاً أي جزعاً, وقال قتادة والسدي : أسفاً حزيناً على ما صنع قومه من بعده "قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً" أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والاخرة وحسن العاقبة, كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله "أفطال عليكم العهد" أي في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم, "أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم" أم ههنا بمعنى بل, وهي للإضراب عن الكلام الأول وعدول إلى الثاني, كأنه يقول: بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي, قالوا أي بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم موسى وقرعهم "ما أخلفنا موعدك بملكنا" أي عن قدرتنا واختيارنا, ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد, يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر, فقذفناها أي ألقيناها عنا.
وقد تقدم في حديث الفتون أن هارون عليه السلام هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار, وهي في رواية السدي عن أبي مالك عن ابن عباس , إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفيرة, ويجعل حجراً واحداً, حتى إذا رجع موسى عليه السلام, رأى فيه ما يشاء ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول, وسأل من هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته, فدعا له هارون وهو لا يعلم ما يريد فأجيب له, فقال السامري عند ذلك: أسأل الله أن يكون عجلاً, فكان عجلاً له خوار أي صوت استدراجاً, وإمهالاً ومحنة واختباراً, ولهذا قال: " فكذلك ألقى السامري * فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار ".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبادة بن النجتري , حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو ينحت العجل, فقال له: ما تصنع ؟ فقال: أصنع ما يضر ولا ينفع, فقال هارون: اللهم أعطه ما سأل على ما في نفسه, ومضى هارون. وقال السامري: اللهم إني أسألك ان يخور فخار, فكان إذا خار سجدوا له, وإذا خار رفعوا رؤوسهم. ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال: أعمل ما ينفع ولا يضر. وقال السدي كان يخور ويمشي فقالوا: أي الضلال منهم الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه: "هذا إلهكم وإله موسى فنسي" أي نسيه ههنا وذهب يتطلبه, كذا تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس , وبه قال مجاهد , وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس : "فنسي", أي نسي أن يذكركم أن هذا إلهكم, وقال محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال: "هذا إلهكم وإله موسى" قال: فعكفوا عليه وأحبوه حباً لم يحبوا شيئاً قط يعني مثله, يقول الله: "فنسي" أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري. قال الله تعالى رداً عليهم وتقريعاً لهم وبياناً لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه: " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " أي العجل, أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه ولا إذا خاطبوه, "ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً", أي في دنياهم ولا في أخراهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره. فيخرج من فمه فيسمع له صوت, وقد تقدم في حديث الفتون عن الحسن البصري أن هذا العجل اسمه بهموت, وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل, فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير, كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب, يعني هل يصلي فيه أم لا ؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: انظروا إلى أهل العراق, قتلوا ابن بنت رسول الله يعني الحسين, وهم يسألون عن دم البعوضة.
و87- "قالوا ما أخلفنا موعدك" الذي وعدناك "بملكنا" بفتح الميم، وهي قراءة نافع وأبي جعفر وعاصم وعيسى بن عمر، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر الميم، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنها على اللغة العالية الفصيحة، وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملكاً، والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف: أي بملكنا أمورنا، أو بملكنا الصواب، بل أخطأنا ولم نملك أنفسنا وكنا مضطرين إلى الخطأ، وقرأ حمزة والكسائي "بملكنا" بضم الميم، والمعنى بسلطاننا: أي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك، وقيل إن الفتح والكسر والضم في بملكنا كلها لغات في مصدر ملكت الشيء "ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم" قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وأبو جعفر ورويس "حملنا" بضم الحاء وتشديد الميم، وقرأ الباقون بفتح الحاء والميم مخففة، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنهم حملوا حلية القوم معهم باختيارهم، وما حملوها كرهاً، فإنهم كانوا استعاروها منهم حين أرادوا الخروج مع موسى، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة، وقيل هو ما أخذوه من آل فرعون لما قذفهم البحر إلى الساحل، وسميت أوزاراً: أي آثاماً، لأنه لا يحل لهم أخذها، ولا تحل لهم الغنائم في شريعتهم والأوزار في الأصل الأثقال كما صرح به أهل اللغة، والمراد بالزينة هنا الحلي "فقذفناها" أي طرحناها في النار طلباً للخلاص من إثمها، وقيل المعنى: طرحناها إلى السامري لتبقى لديه حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه "فكذلك ألقى السامري" أي فمثل ذلك القذف ألقاها السامري، قبل إن السامري قال لهم حين استبطأ القوم رجوع موسى: إنما احتبس عنكم لأجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ودفعوه إليه، فرمى به في النار وصاغ لهم منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة من أثر الرسول وهو جبريل.
87. " قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا "، قرأ نافع ، و أبو جعفر ، وعاصم: " بملكنا " بفتح الميم، وقرأ حمزة و الكسائي بضمها، وقرأ الآخرون بكسرها، أي: ونحن نملك أمرنا. وقيل: باختيارنا، ومن قرأ بالضم فمعناه بقدرتنا وسلطاننا، وذلك أن المرء إذا وقع في البلية والفتنة لم يملك نفسه.
" ولكنا حملنا "، قرأ أبو عمرو، و حمزة ، و الكسائي ، وأبو بكر، و يعقوب : ((حملنا)) بفتح الحاء، وتخفيف الميم. وقرأ الآخرون بضم الحاء وتشديد الميم، أي: جعلونا نحملها وكلفنا حملها، " أوزاراً من زينة القوم "، من حلي قوم فرعون، سماها أوزاراً لأنهم أخذوها على وجه العارية فلم يردوها. وذلك أن بني إسرائيل كانوا قد استعاروا حلياً من القبط، وكان ذلك معهم حين خرجوا من مصر.
وقيل: إن الله تعالى لما أغرق فرعون نبذ البحر حليهم فأخذوها، وكانت غنيمة، ولم تكن الغنيمة حلالاً لهم في ذلك الزمان، فسماها أوزاراً لذلك.
" فقذفناها "، قيل: إن السامري قال لهم احفروا حفيرة فألقوها فيها حتى يرجع موسى.
قال السدي : قال لهم هارون إن تلك غنيمة لا تحل، فاحفروا حفيرة فألقوها فيها حتى يرجع موسى، فيرى رأيه فيها، ففعلوا. قوله: " فقذفناها "، أي: طرحناها في الحفرة. " فكذلك ألقى السامري "، ما معه من الحلي فيها، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: أوقد هارون ناراً وقال: اقذفوا فيها ما معكم، فألقوه فيها، ثم ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل.
قال قتادة : كان قد أخذ قبضة من ذلك التراب في عمامته.

87ـ " قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا " بأن ملكنا أمرنا إذا لو خلينا وأمرنا ولم يسول لنا السامري لما أخلفناه ، وقرأ نافع و عاصم " بملكنا " بالفتح و حمزة و الكسائي بالضم وثلاثتها في الأصل لغات في المصدر ملكت الشيء . " ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم " حملنا أحمالاً من حلى القبط التي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس . وقيل استعاروا لعيد كان لهم ثم لمن يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به وقيل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد اغراقهم فاخذوه ولعلهم سموها أوزاراً لأنها آثام ، فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي. " فقذفناها " أي في النار . " فكذلك ألقى السامري " أي ما كان معه منها . روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامر : إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم ، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها ناراً ونقذف كل ما معنا فيها ففعلوا . وقرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي و أبو بكر و روح (( حملنا )) بالفتح والتخفيف .
87. They said: We broke not tryst with thee of our own will, but we were laden with burdens of ornaments of the folk, then cast them (in the fire), for thus As-Samiri proposed
87 - They said: we broke not The promise to thee, as far as lay in our power: but we were made to carry The weight of the ornaments of the (whole) people, and we threw them (into the fire), And that was what the Samiri suggested.