[طه : 86] فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي
86 - (فرجع موسى إلى قومه غضبان) من جهتهم (أسفا) شديد الحزن (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) أي صدقا أنه يعطيكم التوراة (أفطال عليكم العهد) مدة مفارقتي إياكم (أم أردتم أن يحل) يجب (عليكم غضب من ربكم) بعبادتكم العجل (فأخلفتم موعدي) وتركتم المجيء بعدي
وقوله "فرجع موسى إلى قومه" يقول : فانصرف موسى إلى قومه من بني إسرائيل بعد انقضاء الأربعين ليلة "غضبان أسفا" متغيطاً على قومه ، حزيناً لما أحدثوه بعده من الكفر بالله.
كما حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله "غضبان أسفا" يقول : حزيناً. وقال في الزخرف [الآية: 55] "فلما آسفونا" يقول : أغضبونا ، والأسف على وجهين : الغضب ، والحزن.
حدثني موسى قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "غضبان أسفا" يقول : حزيناً.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا" : أي حزيناً على ما صنع قومه من بعده.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "أسفا" قال : حزيناً.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
وقوله "قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا" يقول : ألم يعدكم ربكم أنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى، ويعدكم جانب الطور الأيمن ، وينزل عليكم المن والسلوى، فذلك وعد الله الحسن بني إسرائيل الذي قال لهم موسى: ألم يعدكموه ربكم . وقوله "أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم" يقول : أفطال عليكم العهد بي ، وبجميل نعم الله عندكم ، وأياديه لديكم ، أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ؟ يقول : أم أردتم أن يجب عليكم غضب من ربكم فتستحقوه بعبادتكم العجل ، وكفركم بالله ، فأخلفتم موعدي . وكان إخلافهم موعده ، عكوفهم على العجل ، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذي كان الله وعدهم ، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ، ودعاهم !لى السير معه في أثر موسى "لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى" [طه: 91].
قوله تعالى: " فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا " حال وقد مضى في ((الأعراف)) بيانه مستوفى. " قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا " وعدهم عز وجل الجنة إذا أقاموا على طاعته، ووعدهم أنه يسمعهم كلامه في التوراة على لسان موسى، ليعملوا بما فيها فيستحقوا ثواب عملهم. وقيل: وعدهم النصر والظفر. وقيل: وعده قوله: " وإني لغفار لمن تاب وآمن " الآية. " أفطال عليكم العهد " أي أفنسيتم، كما قيل، والشيء قد ينسى لطول العهد. " أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم " " يحل " أي يجب وينزل. والغضب العقوبة والنقمة. والمعنى: أم أردتم أن تفعلوا فعلاً يكون سبب حلول غضب الله بكم، لأن أحداً لا يطلب غضب الله، بل قد يرتكب ما يكون سبباً للغضب. " فأخلفتم موعدي " لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن يرجع إليهم من الطور. وقيل: وعدهم على أثره للمقيات فتوقفوا.
لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون " فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون " وواعده ربه ثلاثين ليلة, ثم أتبعها عشراً, فتمت أربعين ليلة, أي يصومها ليلاً ونهاراً, وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك, فسارع موسى عليه السلام مبادراً إلى الطور, واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون, ولهذا قال تعالى: " وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري " أي قادمون ينزلون قريباً من الطور "وعجلت إليك رب لترضى" أي لتزداد عنى رضا "قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري" أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري.
وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضاً, وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى: "وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين" أي عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري.
وقوله: "فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً" أي بعدما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم, هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم, وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم, وفيها شرف لهم, وهم قوم قد عبدوا غير الله, ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم, ولهذا قال: رجع إليهم غضبان أسفاً, والأسف شدة الغضب. وقال مجاهد : غضبان أسفاً أي جزعاً, وقال قتادة والسدي : أسفاً حزيناً على ما صنع قومه من بعده "قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً" أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والاخرة وحسن العاقبة, كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله "أفطال عليكم العهد" أي في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم, "أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم" أم ههنا بمعنى بل, وهي للإضراب عن الكلام الأول وعدول إلى الثاني, كأنه يقول: بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي, قالوا أي بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم موسى وقرعهم "ما أخلفنا موعدك بملكنا" أي عن قدرتنا واختيارنا, ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد, يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر, فقذفناها أي ألقيناها عنا.
وقد تقدم في حديث الفتون أن هارون عليه السلام هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار, وهي في رواية السدي عن أبي مالك عن ابن عباس , إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفيرة, ويجعل حجراً واحداً, حتى إذا رجع موسى عليه السلام, رأى فيه ما يشاء ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول, وسأل من هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته, فدعا له هارون وهو لا يعلم ما يريد فأجيب له, فقال السامري عند ذلك: أسأل الله أن يكون عجلاً, فكان عجلاً له خوار أي صوت استدراجاً, وإمهالاً ومحنة واختباراً, ولهذا قال: " فكذلك ألقى السامري * فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار ".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبادة بن النجتري , حدثنا يزيد بن هارون , أخبرنا حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو ينحت العجل, فقال له: ما تصنع ؟ فقال: أصنع ما يضر ولا ينفع, فقال هارون: اللهم أعطه ما سأل على ما في نفسه, ومضى هارون. وقال السامري: اللهم إني أسألك ان يخور فخار, فكان إذا خار سجدوا له, وإذا خار رفعوا رؤوسهم. ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال: أعمل ما ينفع ولا يضر. وقال السدي كان يخور ويمشي فقالوا: أي الضلال منهم الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه: "هذا إلهكم وإله موسى فنسي" أي نسيه ههنا وذهب يتطلبه, كذا تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس , وبه قال مجاهد , وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس : "فنسي", أي نسي أن يذكركم أن هذا إلهكم, وقال محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فقال: "هذا إلهكم وإله موسى" قال: فعكفوا عليه وأحبوه حباً لم يحبوا شيئاً قط يعني مثله, يقول الله: "فنسي" أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري. قال الله تعالى رداً عليهم وتقريعاً لهم وبياناً لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه: " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " أي العجل, أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه ولا إذا خاطبوه, "ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً", أي في دنياهم ولا في أخراهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره. فيخرج من فمه فيسمع له صوت, وقد تقدم في حديث الفتون عن الحسن البصري أن هذا العجل اسمه بهموت, وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل, فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير, كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب, يعني هل يصلي فيه أم لا ؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: انظروا إلى أهل العراق, قتلوا ابن بنت رسول الله يعني الحسين, وهم يسألون عن دم البعوضة.
86- "فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً" قيل وكان الرجوع إلى قومه بعد ما استوفى أربعين يوماً: ذا القعدة، وعشر ذي الحجة، والأسف الشديد الغضب، وقيل الحزين، وقد مضى في الأعراف بيان هذا مستوفى "قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً" الاستفهام للإنكار التوبيخي، والوعد الحسن وعدهم بالجنة إذا أقاموا على طاعته، ووعدهم أن يسمعهم كلامه في التوراة على لسان موسى ليعملوا بما فيها، فيستحقوا ثواب عملهم وقيل وعدهم النصر والظفر، وقيل هو قوله: "وإني لغفار لمن تاب" الآية "أفطال عليكم العهد" الفاء للعطف على مقدر: أي أوعدكم ذلك، فطال عليكم الزمان فنسيتم "أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم" أي يلزمكم وينزل وينزل بكم، والغضب: العقوبة والنقمة، والمعنى: أم أردتم أن تفعلوا فعلاً يكون سبب حلول غضب الله عليكم "فأخلفتم موعدي" أي موعدكم إياي، فالمصدر مضاف إلى المفعول، لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن يرجع إليهم من الطور، وقيل وعدوه أن يأتوا على أثره إلى الميقات، فتوقفوا فأجابوه.
86. " فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً "، حزيناً. " قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا "، صدقاً أنه يعطيكم التوراة، " أفطال عليكم العهد "، مدة مفارقتي إياكم، " أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم "، أي: أردتم أن تفعلوا فعلاً يجب عليكم به الغضب من ربكم، " فأخلفتم موعدي ".
86ـ " فرجع موسى إلى قومه " بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة " غضبان " عليهم . " أسفاً " حزيناً بما فعلوا. " قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً " بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور . " أفطال عليكم العهد " أي الزمان يعني زمان مفارقته لهم . " أم أردتم أن يحل عليكم " يجب عليكم . " غضب من ربكم " بعبادة ما هو مثل في الغباوة . " فأخلفتم موعدي " وعدكم إياي بالثبات على الإيمان بالله والقيام على ما أمرتكم به ، وقيل هو من أخلفت وعده إذا وجد الخلف فيه ، أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين ، وهو لا يناسب الترتيب على الترديد ولا على الشق الذي يليه ولا جوابهم له .
86. Then Moses went back unto his folk, angry and sad He said: O my people! Hath not your Lord promised you a fair promise? Did the time appointed then appear too long for you, or did ye wish that wrath from your Lord should come upon you, that ye broke tryst with me?
86 - So Moses returned to his people In a state of indignation and sorrow. he said: O my people! did not Your Lord make a handsome promise to you? Did then the promise seem to you Long (in coming)? Or did ye desire that wrath should Descend so ye broke your promise to me?