[طه : 82] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى
82 - (وإني لغفار لمن تاب) من الشرك (وآمن) وحد الله (وعمل صالحا) يصدق بالفرض والنفل (ثم اهتدى) باستمراره على ما ذكر إلى موته
وقوله "وإني لغفار لمن تاب" يقول : وإني لذو غفر لمن تاب من شركه ، فرجع منه إلى الإيمان لي وآمن ، يقول : وأخلص لي الألوهة، ولم يشرك في عبادته إياي غيري . "وعمل صالحا" يقول : وأدى فرائضي التي افترضتها عليه ، واجتنب معاصي . "ثم اهتدى" يقول : ثم لزم ذلك ، فاستقام ولم يضيع شيئاً منه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى" قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "وإني لغفار لمن تاب" من الشرك "وآمن" يقول : وحد الله "وعمل صالحا" يقول : أدى فرائض.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "وإني لغفار لمن تاب" من ذنبه "وآمن" به "وعمل صالحا" فيما بينه وبين الله.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع "وإني لغفار لمن تاب" من الشرك "وآمن" يقول : وأخلص لله ، وعمل في إخلاصه.
واختلفوا في معنى قوله "ثم اهتدى" فقال بعضهم : معناه : لم يشكك في إيمانه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "ثم اهتدى" يقول : لم يشكك.
وقال آخرون : معنى ذلك : ثم لزم الإيمان والعمل الصالح.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ثم اهتدى" يقول : ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم استقام.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس "ثم اهتدى" قال : أخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون : بل معناه : أصاب العمل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله "وعمل صالحا ثم اهتدى" قال : أصاب العمل.
وقال آخرون : معنى ذلك : عرف أمر مثيبه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة، عن الكلبي "وإني لغفار لمن تاب" من الذنب "وآمن" من الشرك "وعمل صالحا" أدى ما افترضت عليه "ثم اهتدى" عرف مثيبه إن خيراً فخيراً ، وإن شراً فشراً.
وقال آخرون بما:
حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، قال : أخبرنا عمر بن شاكر، قال : سمعت ثابتاً البناني يقول في قوله "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى" قال : إلى ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في ذلك ، من أجل أن الاهتداء هو الاستقامة على هدى، ولا معنى للاستقامة عليه إلا وقد جمعه الإيمان والعمل الصالح فمن فعل ذلك وثبت عليه ، فلا شك في اهتدائه.
قوله تعالى: " وإني لغفار لمن تاب " أي من الشرك. " وآمن وعمل صالحا " ثم اهتدى أي أقام على إيمانه حتى مات عليه، قاله سفيان الثوري و قتادة وغيرهما. وقال ابن عباس: أي لم يشك في إيمانه، ذكره الماوردي و المهدوي . وقال سهل بن عبد الله التستري وابن عباس أيضاً: أقام على السنة والجماعة، ذكره الثعلبي . وقال أنس: أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر المهدوي ، وحكاه الماوردي عن الربيع بن أنس. وقول خامس: أصاب العمل، قاله ابن زيد، وعنه أيضاً تعلم العلم ليهتدي كيف يفعل، ذكر الأول المهدوي ، والثاني الثعلبي . وقال الشعبي و مقاتل و الكلبي : علم أن لذلك ثواباً وعليه عقاباً، وقاله الفراء . وقول ثامن: " ثم اهتدى " في ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ثابت البناني. والقول الأول أحسن هذه الأقوال - إن شاء الله - وإليه يرجع سائرها. قال وكيع عن سفيان: كنا نسمع في قوله عز وجل: " وإني لغفار لمن تاب " أي من الشرك " وآمن " أي بعد الشرك " وعمل صالحا " صلى وصام " ثم اهتدى " مات على ذلك.
يذكر تعالى نعمه على بني إسرائيل العظام ومننه الجسام, حيث أنجاهم من عدوهم فرعون, وأقر أعينهم منه وهم ينظرون إليه وإلى جنده قد غرقوا في صبيحة واحدة, لم ينج منهم أحد, كما قال: "وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون" وقال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا روح بن عبادة , حدثنا شعبة , حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, وجد اليهود تصوم عاشوراء, فسألهم فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى على فرعون, فقال: "نحن أولى بموسى فصوموه" رواه مسلم أيضاً في صحيحه .
ثم إنه تعالى واعد موسى وبني إسرائيل بعد هلاك فرعون إلى جانب الطور الأيمن, وهو الذي كلمه الله تعالى عليه, وسأل فيه الرؤية, وأعطاه التوراة هنالك, وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريباً, وأما المن والسلوى فقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة وغيرها, فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء, والسلوى طائر يسقط عليهم فيأخذون من كل قدر الحاجة إلى الغد, لطفاً من الله ورحمة بهم وإحساناً إليهم, ولهذا قال تعالى: "كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي" أي كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم, ولا تطغوا في رزقي فتأخذوه من غير حاجة, وتخالفوا ما أمرتكم به "فيحل عليكم غضبي" أي أغضب عليكم "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي فقد شقي. وقال شفي بن مانع : إن في جهنم قصراً يرمى الكافر من أعلاه, فيهوي في جهنم أربعين خريفاً قبل أن يبلغ الصلصال, وذلك قوله "ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى" وراه ابن أبي حاتم .
وقوله: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً" أي كل من تاب إلي, تبت عليه من أي ذنب كان, حتى أنه تاب تعالى على من عبد العجل من بني إسرائيل. وقوله تعالى: "تاب" أي رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق. وقوله: "وآمن" أي بقلبه. "وعمل صالحاً" أي بجوارحه. وقوله: "ثم اهتدى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أي ثم لم يشكك. وقال سعيد بن جبير "ثم اهتدى" أي استقام على السنة والجماعة وروي نحوه عن مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف وقال قتادة "ثم اهتدى" أي لزم الإسلام حتى يموت وقال سفيان الثوري "ثم اهتدى" أي علم أن لهذا ثواباً, وثم ههنا لترتيب الخبر على الخبر, كقوله: " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ".
82- "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً" أي لمن تاب من الذنوب التي أعظمها الشرك بالله، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وعمل عملاً صالحاً مما ندب إليه الشرع وحسنه "ثم اهتدى" أي استقام على ذلك حتى يموت، كذا قال الزجاج وغيره. وقيل لم يشك في إيمانه، وقيل أقام على السنة والجماعة، وقيل تعلم العلم ليهتدي به، وقيل علم أن لذلك ثواباً وعلى تركه عقاباً، والأول أرجح مما بعده.
82. " وإني لغفار لمن تاب "، قال ابن عباس: تاب من الشرك، " وآمن "، ووحد الله وصدقه، " وعمل صالحاً "، أدى الفرائض، " ثم اهتدى "، قال عطاء عن ابن عباس: علم أن ذلك توفيق من الله.
وقال قتادة و سفيان الثوري : يعني لزم الإسلام حتى مات عليه.
قال الشعبي ، و مقاتل ، و الكلبي : علم أن لذلك ثواباً.
وقال زيد بن أسلم : تعلم العلم ليهتدي به كيف يعمل
قال الضحاك : استقام. وقال سعيد بن جبير : أقام على السنة والجماعة.
82ـ " وإني لغفار لمن تاب " عن الشرك . " وآمن " بما يجب الإيمان به . " وعمل صالحاً ثم اهتدى " ثم استقام على الهدى المذكور .
82. And lo! verily I am Forgiving toward him who repenteth and believeth and doeth good, and afterward walketh aright.
82 - But, without doubt, I am (also) He that forgives again and again, to those who repent, believe, and do right, who, in fine, are ready to receive true guidance.